جدران للفصل وأبواب فولاذية تحول الأحياء إلى معسكرات أمنية
لم يعد التسييج ظاهرة تقتصر على السكنات الفردية و المحلات . بل تعداها ليخلق نمطا جديدا من العمران لدى مواطنين راحوا يخلقون “ إقامات “ وسط تجمعات سكنية غيرت الأحياء و الذهنيات معا بسبب خوف يراه المختصون مبالغا فيه.
ظاهرة جديدة بتنا نشاهدها عبر عديد التجمعات السكنية المشكلة من عمارات، خاصة من صيغة التساهمي . حيث تكثر ظاهرة تعدد التجمعات السكنية الصغيرة وسط الحي الواحد أو التجمع الكبير، ما يجعل كل من يصل إلى مثل هذه الأماكن يعتقد بأنه يتنقل بين إقامات خاصة ، كالسكنات الوظيفية أو الإقامات السكنية الخاصة ببعض الجهات الأمنية.
يعتمد هذا النمط الجديد من التجمعات السكنية التي بدأت في التزايد بشكل ملفت في الآونة الأخيرة ، بشكل أساسي على مادة الحديد التي لا تزال العامل الأكبر في تغيير هوية البيوت الجزائرية و تحويلها إلى أشباه السجون . أسيجة تتمدد في كل زاوية من البيت . الفرق هنا ، يكمن في إنشاء بوابة كبيرة من الحديد لمجموعة من العمارات أو البيوت ، بعد الحرص على سد كل المنافذ الثانوية بالآجر و الإسمنت.
يرجع المعنيون أسباب الظاهرة إلى العامل الأمني بالدرجة الأولى . يقول السيد رؤوف ، أحد المشرفين على مشروع من هذا النوع ، بأن تنامي معدل الجريمة خاصة السرقات التي تطال السيارات والمنازل ، دفعه و جيرانه للتفكير في تأمين حيهم . فقاموا بتجميع مبلغ من المال ، بدفع كل ساكن لقيمة 5000 دينار، لأجل سد المنافذ الثانوية و إنشاء بوابة رئيسية للسيارات بجوار أخرى صغيرة للأفراد، فيما وزعت المفاتيح الخاصة بها على جميع السكان الذين يغلقونها ليلا لضمان عدم تسلل أجانب على التجمع.
هذا الإجراء، و إن كان قد ساهم في رفع نسبة تأمين المساكن بهذه الأحياء ، حسب بعض السكان ، خاصة أولئك الذين وظفوا حارسا ليليا على البوابة ، فإنه ساهم بشكل كبير في تقييد الكثيرين . سيما الأطفال الذين باتوا يحرمون من اللعب خارج أسوار التجمع . كما زاد في توسيع الهوة بين الأسر الجزائرية التي ما فتئت تكبر بشكل ملفت في السنوات الأخيرة . تم إنشاء إقامات أو تجمعات صغيرة داخل الأحياء نفسها . إنقسم الحي إلى عدة تجمعات صغيرة . أسهم هذا سلبا في إحداث شرخ إجتماعي بين سكان نفس الحي . فعوض تقريب مسافات التعارف والتقارب زادت الفرقة . بعض السكان يقولون أن ما يحدث أبعدهم عن التآلف مع الجيران والتقارب أكثر . وباتوا يحسون بغربة قاتلة ومنفرة داخل نفس الحي . إقامة جدران للفصل بين العمارات داخل الحي الواحد والأبواب الفولاذية ، ضيقت مسافة الإنفتاح والتعارف والتقارب . أما علماء الإجتماع ، فيربطون ذلك بالعامل الأمني الذي شكل منعطفا مهما بالنسبة للجزائريين منذ العشرية السوداء . تقول الأخصائية خيرة مرسلاب ، بأن تنامي الخوف من الإعتداء يدفع بالأفراد للبحث عن تأمين أفضل . معتبرة وصول الأمور إلى هذا الحد يشكل نوعا من المبالغة ، من شأنها أن تزيد الشرخ بين الجزائريين و إن كانوا متجاورين .
إ.زياري