تحذير من تداعيات العولمة على مصير التراث الموسيقي للشعوب
شكل موضوع علاقة الشباب العربي بالموسيقى التراثية في ظل العولمة و الحداثة، محور نقاش أشغال المؤتمر الثالث و العشرين للمجمع العربي للموسيقى، الذي انطلقت فعالياته أول أمس بقاعة العروض الكبرى أحمد باي بقسنطينة، بمشاركة وجوه فنية و أدبية جزائرية بارزة، بالإضافة إلى باحثين أكاديميين من خمس دول عربية ، ممثلين عن المجلس الدولي للموسيقى، أكدوا على ضرورة مواكبة التطورات التي باتت تفرضها العولمة و الحداثة على المجتمعات، و تأثير ذلك على تراثها الموسيقي الذي بدأ يضمحل تدريجيا، بفعل الانسياق الجماعي للشباب المعاصر، نحو الموسيقى الحديثة و انفصاله عن أصالته و تراثه و هويته.
المؤتمر الذي تحتضنه الجزائر للمرة الخامسة على التوالي منذ نشأته سنة 1971، يعتبر حسبما أشار إليه وزير الثقافة عز الدين ميهوبي ، مناسبة للوقوف على واقع أن الذوق الموسيقي للشباب الجزائري يعرف تحولا سريعا و ملحوظا، يهدد بخلق قطيعة بينه و بين تراثه و أصالته الذي يعبر بالدرجة الأولى عن هويته و انتمائه، ما يحتم العمل ،كما قال، من أجل استمرارية هذا التراث الموسيقي و توريثه للأجيال و حمايته من الاندثار، وذلك من خلال تشجيع التحديث في الموسيقى، لكن وسط إطار علمي قائم على فهم صحيح يحافظ على خصوصيتها بالدرجة الأولى، خصوصا وأننا نتحدث عن جيل يهتم بالإيقاع السريع و يستمع للموسيقى، انطلاقا من قدميه. و أضاف الوزير بأن العولمة مسألة لا يجب أن تخيفنا، بقدر ما يتوجب علينا مواجهتها بتعزيز مكانة التراث و بعثه بطريقة تقدمه للعالم بشكل أفضل، و توفر للشباب الحصانة اللازمة، المبنية على الارتباط العميق، بالأصالة و التمسك بالهوية رغم التجديد، لأن التمسك بالثقافة ،حسبه، لا يعني بالضرورة إلغاء الآخر ، بل التفاعل و التناغم معه، حيث عبر عن استعداد الجزائر لتقديم الدعم المادي و اللوجيستيكي اللازم للمجلس الدولي للموسيقى، من أجل المساهمة من خلال الخبرة في الكشف عن التراث الموسيقي الجزائري و تثمينه، و تطوير الموسيقى الجزائرية في قالب يكون هو لبه الأساسي، تكريسا لمسعى تسجيل جزء هام من هذا الموروث كتراث إنساني محفوظ. نفس الطرح قدمه رئيس المجمع العربي للموسيقى الأستاذ الأمين بشيشي الذي قال بأن الهدف من المؤتمر هو ضبط تصور واضح عن واقع العلاقة بين الشباب العربي و الموسيقى بين الحداثة و التراث، و ضبط استراتيجيات توجيه هذه العلاقة بالشكل الصحيح. من جهته، أكد رئيس المجلس الدولي للموسيقى، بول ديجاردان، بأن المناسبة فرصة لتعزيز التعاون العربي الدولي في مجال الموسيقى، خصوصا في ظل المتغيرات الاجتماعية التي أوجدتها الصراعات الدامية التي فرضت على المنطقة العربية، ما حول أوروبا و دول العالم إلى ملاذ للآلاف اللاجئين، وهو الاختلاط البشري الذي سينتج كما قال تناغم و انصهارا إنسانيا، لا يمكن إغفال دور الموسيقى فيه، لكونها اللغة الوحيدة الموحدة القادرة على التعبير على هوية الفرد و تمييزها في المجتمعات المختلطة. و أشار رئيس المجلس الدولي للموسيقى، بأن هيئته التي تعد أكبر مؤسسة عالمية تعنى بالموسيقى، تعتبر المجلس العربي للموسيقى شريكا أساسيا في عملية تطوير هذا الفن، و خلق قطاعات موسيقية مستدامة، تعنى بخدمة الفنان و ضمان حقوقه المادية و المعنوية، فضلا عن تبادل الخبرات و تحقيق التواصل الدائم بين الأجيال، و توجيه أذواقها الموسيقية بصورة حضارية تستوعب تأثيرات العولمة، و لما لا إنشاء جوق عالمي يعزف موسيقى الإنسانية،
كما عبر.
نور الهدى طابي