السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

كانت تسكن عدة أحياء قصديرية بقسنطينة

أكثـر مـن 300 عائلـــة تعــود إلــى مداشــر بنــي حميــدان

فتحت مداشر بني حميدان خلال الأربع سنوات الأخيرة ذراعيها لحوالي 3000 نسمة هجرتها الظروف الأمنية والمعيشية في التسعينات، لتسجل عودة مكثفة لمن تركوا أراضيهم ومنازلهم بحثا عن لقمة عيش دفعتهم مرة أخرى إلى المنشأ.. مداشر المنطقة دبت فيها الحياة من جديد وتزايد عدد سكانها الذين فضلوا بساطة العيش في المشتة والقرية على مشاق المدينة.جبل «سيدي دريس» لم يعد بذلك السكون القاتل، بعد أن بعثت الحياة من جديد  بمشاتي المارة، جنان الباز، عين تالة، الحمري1 والحمري2 وغيرها من التجمعات التي كان السكن الريفي محركا أساسيا للعودة إليها، إضافة إلى  توفر الكهرباء والغاز وشق طرقات بمحاور صعبة.

روبورتاج :عبد الله بودبابة

العودة كانت سببا في زيادة عدد السكان بالبلدية من 9200 نسمة، إلى قرابة 12 ألف نسمة، تعيش النسبة الكبيرة منهم وسط البلدية، فيما تتوزع البقية عبر 18 مشتة، كما أن النشاط الفلاحي تحرك بشكل يبشر بالخير للمنطقة.
الظاهرة التي تعتبرها السلطات المحلية لبلدية بني حميدان «صحية»، كونها تعكس التطور الكبير للمنطقة مقارنة مع سنوات قليلة ماضية، وتظهر أفضلية بني حميدان على الكثير من البلديات الأخرى على غرار قسنطينة، ديدوش مراد وحامة بوزيان، ارتبطت أيضا بتسارع عجلة التنمية، خاصة ملف السكن الريفي الذي كان سببا في عودة الكثيرين، حيث أن البلدية ومنذ تنصيب المجلس الحالي وزعت ما يزيد عن 1340 استفادة، مع إمكانية منحها لنفس الحجم تقريبا من الاستفادات في حال كان رد الوصاية ايجابيا على 1200 ملف آخر.
ومن أجل تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي لا زالت تتسع وتشمل أعدادا أخرى من العائلات التي  عادت إلى أحضان  هذه المنطقة الهادئة تنقلت «النصر» إلى بلدية بني حميدان التي تبعد عن عاصمة الولاية بـ 22 كلم، وغاصت في مشاتيها البعيدة للتقرب من العائدين وفهم الأسباب.
كانت البداية من مشتة «جنان الباز» والتي استغرق وصولنا إليها وقتا طويلا، بسبب صعوبة الطريق الممتد على مسافة 12 كلم من بني حميدان وسط، والذي يتميز بمنعرجاته الوعرة، والكثير من المقاطع المهترئة التي تحتم على السائق القيادة بتمهل، وقد كان لتزايد أعداد الأشجار المثمرة دليلا على بلوغنا منطقة مأهولة بالسكان، بعد  رحلة وسط الحقول التي تنتظر انطلاق مواسم البذر والزرع.
محل تجاري لبيع المواد الغذائية العامة هو أول ما صادفنا عند بلوغ مشتة «جنان الباز»، عبارة عن كوخ سقفه من الصفيح، يملكه أحد الشباب، والذي  كان دليلنا بالمنطقة الوعرة أين أتممنا الطريق سيرا على الأقدام إلى أن  بلغنا  قمة جبل سيدي دريس الذي يخفي في جزئه الآخر مشاتي بلدية بني ولبان التابعة لولاية سكيكدة.
بالتوغل أكثر بالمشتة وجدنا  كميات من مواد البناء  معدة لبناء منازل جديدة تعوض أكواخا قصديرية، و لاحظنا وجود الكثير  من أسوار حجرية متآكلة بفعل الزمن، علمنا من السكان أنها تخص بنايات قديمة لسكان فضلوا الصمود في وجه الأزمات، فيما أكد لنا آخرون تواجد مشروعين سكنيين جديدين، أحدهما لطبيب بيطري، وآخر لعائلة غادرت منتصف الثمانينات.
ورغم أننا لم نجد المعنيين، إلا أن سكان المشتة أكدوا لنا أن طبيعة نشاط الأول كانت سببا في اختياره لهذه المنطقة، كونها تتلاءم والمهنة التي يزاولها، وتذلل عليه الكثير من الصعاب التي تلقاها في المناطق الحضرية، فيما يعتبر أفراد العائلة الثانية من القاطنين القدامى للمنطقة وقد انتقلت، مثل الكثيرين، نحو حي الأمير عبد القادر بقسنطينة وما يجاوره من أحياء قريبة، غير أنهم فضلوا العودة خصوصا وأنهم استفادوا من سكن ريفي، مفضلين هدوء القرية على الانتقال مثل الكثيرين نحو المدينة الجديدة علي منجلي، حيث باشروا عمليات البناء على نفس القطعة الأرضية التي كانت تحتضن سكنهم القديم والتي لم يتبق منها سوى  ملامح جدار حجري صغير.
عدم قدرتنا على التواصل مباشرة مع العائدين لمشتة «جنان الباز» دفعنا لتركها نحو مشاتي أخرى، حيث كانت الوجهة نحو مشتة «سيدي دريس» عبر قرية «المارة» ثم «الحمري» 1و2، وهي المناطق التي عرفت عودة كبيرة لعائلات كانت قد غادرت المنطقة قبل عقود من الزمن، حسبما أكده لنا رئيس بلدية بني حميدان، والذي أوضح أيضا أن النشاط الفلاحي والرعوي بالمنطقة مزدهر كثيرا.


البناء الريفي يرفع عدد سكان «المارة»
قرية المارة أول ما صادفنا من التجمعات السكانية الكبيرة بعد انطلاقنا من بني حميدان وسط، خصوصا وأنها تضم كثافة سكانية تقارب ألف نسمة حسب ما أكده مسؤولو البلدية، حيث تزايد هذا العدد في الفترة الأخيرة مع عودة عدد من العائلات المعروفة والتي كانت تقطن بأحياء مختلفة من مدينة قسنطينة وبالقرب من مدن الحامة وديدوش مراد، هروبا من الظروف الأمنية المشددة.
التقينا بأحد السكان المحليين بقرية «المارّة « البعيدة عن مقر البلدية بحوالي 6 كلم، اسمه «مراد» وعرفه علينا مرافقنا في رحلة البحث عن العائدين وهو نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي المكلف بالشؤون الاجتماعية، حيث أخبرنا عن وجود عائلتين عادتا إلى القرية منذ أشهر بعد أن غادرتاها قبل سنوات، كان منزل العائلتين خاليا من السكان بسبب عدم التحاق كافة أفرادها، غير أن محدثنا روى لنا تفاصيل مغادرة العائلة.
عاد محدثنا بنا قليلا إلى سنوات الإرهاب، عندما كانت العائلات تعاني من استبداد بعض الجماعات المسلحة، والتي نهبت وسلبت الكثير من خيرات وأملاك الأسر الفقيرة، والتي كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الرعي والزراعة في تحصيل قوتها اليومي، ليضيف أنه يتذكر عندما قام أفراد جماعة مسلحة بالهجوم على القرية، وقاموا بتهديد بعض العائلات، وبينهم عائلة على وجه الخصوص كان لها النصيب الأكبر من التهديد، فما كان من أفرادها سوى مغادرة منزلهم في اليوم التالي نحو بلدية حامة بوزيان عند أقربائهم، قبل أن يستقروا هنالك لسنوات.
ولأنهم ارتبطوا بمهنة الرعي والفلاحة، لم يتمكن أفراد العائلة المذكورة من الصمود طويلا، ومسايرة تكاليف العيش في المدينة، حيث لم يتمكنوا من الظفر بمهنة قارة، وهو ما دفعهم إلى العودة خلال السنوات الأخيرة، ليضيف محدثنا أن عودته اقتصرت في البداية على العمل، فبعد إنشائهم لمشروع صغير لتربية الدواجن، وإنشاء ما يعرف محليا بـ «السارة» - وهي بيت يشبه البيت البلاستيكي يغطى بأغصان النخيل ووجه لتربية الدواجن – كانت بداية العودة، إذ كان يحضر يوميا فردان من العائلة للعمل صباحا قبل المغادرة في فترة المساء نحو مسكنهم بالحامة.
ومع مرور الأيام وكبر مشروع تربية الدواجن، أخذت العائلة بالتفكير في العودة إلى مسقط رأس أبنائها بـ «المارة» غير أن قدم مسكنها وتداعي جدرانه بفعل هجرته لقرابة 20 سنة، كان هاجسها الوحيد،  لكنه تبدد مع حصولها على استفادة من السكن الريفي، والذي انتهت به الأشغال منذ أيام قليلة فقط، ليؤكد محدثنا أن العائلة المذكورة تنوي الاستقرار نهائيا بالقرية بعد أيام.
«مراد» أكد أيضا أن العائلات العائدة لبني حميدان كثيرة، ومن بينها عائلة زوجته التي غادرت نهاية التسعينيات بفعل عدم قدرتها على احتمال سوء الأوضاع الأمنية، خاصة وأنها كانت تقطن بإحدى التجمعات السكانية المعزولة بالقرب من قرية مشتة الحمري السفلية والتي لا تفصلها عن قرية «المارة» سوى 3 كلم، قائلا: «لقد عانوا كثيرا من الإرهاب، كانوا يخافون على أنفسهم وأبنائهم منهم، ولذلك قرروا الرحيل نحو ديدوش مراد، أين أقاموا هناك إلى غاية 2003، ثم عادوا إلى منزلهم القديم، شأنهم في ذلك شأن الكثير من العائلات المغادرة»، ليضيف «هناك بعض العائلات التي تريد العودة، خاصة وأنها لم تتأقلم مع العيش في المدينة ومتطلباتها».
الخصوصية الفلاحية للمنطقة ساهمت في عودة البعض
واصلنا سيرنا رفقة دليلنا صعودا إلى قمة الجبل على مسافة 16 كلم، وهي آخر نقطة في إقليم بلدية بني حميدان ويتعلق الأمر بمشتة سيدي إدريس المتاخمة لحدود ولاية سكيكدة، وهي مناطق يكون فيها الرجال منشغلين بنشاطهم الفلاحي أو الرعوي نهارا بعيدا عن المنازل، فيما تبقى النساء بمفردهن بالمنازل لكن الحديث إليهن مستحيل، بحكم أنهن تمتنعن عن الحديث إلى الغرباء من الرجال، وهو ما دفع بنا للبحث عن بعض الرعاة أو الفلاحين بالأراضي الموجودة في الجوار.
وقد حالفنا الحظ عندما صادفنا أحد الشباب الذي كان يعمل في توصيل المياه لبعض «السارات» المختصة في تربية الدواجن، وهو شاب في منتصف العشرينيات من العمر، من عائلة عائدة للمنطقة منذ حوالي خمس سنوات، كان الحديث إليه صعبا في البداية ، كما أنه رفض الخوض في ما اعتبره خصوصيات، قبل أن يستسلم لإصرارنا عندما تأكد أننا لن نكشف عن هويته.
قال محدثنا: «لقد كنا نعيش هنا بـ «سيدي دريس» قبل أن يقرر أبي المغادرة بمفرده نحو ديدوش مراد بحثا عن العمل، حيث تمكن من الظفر بعمل داخل إحدى ورشات البناء، وبما أنه كان يجد صعوبة كبيرة في التنقل في ذلك الوقت لانعدام وسائل النقل، كان يمضي أسبوعا كاملا هناك ويعود في عطلة الأسبوع»، ومع توالي الأشهر لم يتمكن الوالد من مواصلة العيش بمفرده ، حيث قام بتأجير مسكن صغير مؤلفا من غرفتين ويقرر بعدها نقل كافة عائلته للعيش معه.
غير أن التوقف المتكرر لرب الأسرة عن العمل، كان يؤثر سلبا على حياة العائلة، ومع عدم قدرته على الحصول على عمل قار، فضلت عائلة محدثنا العودة مجددا إلى منزلها بسيدي دريس: «بسبب صعوبة العيش بالمدينة قررنا العودة إلى مسكننا، نحن أحسن الآن، هنا يمكنك العيش ببعض الأمور البسيطة، أما هناك فالعيش صعب جدا والمتطلبات كثيرة، ما نعاني منه هنا أقل بكثير مما كنا نعانيه في المدينة»، ليضيف: «هنا لا نطلب شيئا سوى الاهتمام بالطريق، فهو مهترئ جدا ، ويحول دون تمكننا من توسيع عملنا أكثر».
البلدية تشجع العودة وتعترف بالنقائص
شجعت بلدية بني حميدان على لسان رئيس مجلسها الشعبي ظاهرة عودة العائلات إلى مساكنها القديمة، و اعتبرتها ظاهرة صحية يجب تشجيعها من خلال تحقيق ظروف العيش، وإنشاء هياكل خدماتية تحول دون دفع القاطنين إلى قطع مسافات طويلة نحو بلديات أخرى على غرار الهياكل الصحية.
كما اعترف المير بالضعف الكامن في شبكة الطرقات البلدية، خاصة مع عملية إعادة تصنيف بعضها من طرق ولائية إلى بلدية سنة 2012، وهو ما ضاعف حجم العبء الملقى عليهم كسلطات محلية، مقابل غياب دخل خاص بالبلدية، كما أوضح أنه وخلال السنوات الأربعة الماضية سجلت البلدية عودة مئات العائلات التي غادرت منذ الثمانينيات مرورا بسنوات الإرهاب، مؤكدا أن مصالحه سجلت بالتقريب عودة 3 آلاف نسمة نحو البلدية ومشاتيها.
واعتبر رئيس البلدية أن المشاريع التنموية التي عرفتها المنطقة في السنوات القليلة الأخيرة وعلى رأسها السكن الريفي وبلوغ شبكتي الغاز والكهرباء لكافة التجمعات السكانية ومشاتي البلدية، السبب الرئيسي في العودة الجماعية لهذه العائلات، كما أن خصوصية البلدية التي تتميز بطابع فلاحي محض كان سببا في عودة بعض الأفراد لارتباطهم بهذا النشاط قبل أن يلتحق بهم ذووهم.

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com