«الخطارة» تاريخ عريق و مصدر للحياة في الصحراء
رغم التطور التكنولوجي الهائل في مجال استكشاف المياه الجوفية و استخراجها و نقلها مازالت الأنظمة الهيدروليكية التقليدية القديمة قائمة تتحدى العلوم الحديثة و تثبت أهميتها الاقتصادية و الاجتماعية بالصحراء الجزائرية الكبرى. و تعد «الخطارة» أو «الفقارة» واحدة من أهم الطرق البدائية القديمة التي بقيت مستعملة من طرف الإنسان الصحراوي إلى اليوم، و مع مرور الزمن تحولت هذه التقنية البدائية إلى معلم حضاري و مورد اقتصادي يدعم الإنسان الصحراوي الذي يبقى في صراع دائم مع الطبيعة و الزمن لضمان البقاء.
و يعترف أهل الصحراء بفضل الخطارة و أقاموا لها نصبا في كل مكان منها واحد جميل وسط مدينة أولاد جلال ببسكرة ،موطن الخصوبة و الجمال، و يمر سكان المدينة كل صباح أمام النصب المكون من عمودين صخريين تستند عليهما رافدة خشبية موصولة بذارع خشبي طويل يسمى الخطاف له طرف يستند على الأرض بجانب عمود صخري ثالث ،و طرف معلق فوق الرافدة الخشبية يحمل إناء مصنوعا من الجلد و يتسع لكمية معتبرة من المياه و تحته مجسم بئر عميق يستقبل الإناء في حركة هبوط و صعود منتظمة تستخرج المياه من الأعماق و تضخها عبر قنوات جوفية تبدأ مرتفعة ثم تنخفض كلما اقتربت من واحة النخيل أو التجمع السكاني المستهلك للمياه باستمرار.
و يقول سكان أولاد جلال بأن الخطارة تعد رمزا حضاريا هاما و معلما اقتصاديا يميز سكان الصحراء عن غيرهم من سكان الأقاليم الأخرى، معتبرين نصب الخطارة المتواجد بجانب نصب خروف أولاد جلال من بين أشهر المعالم التاريخية و السياحية بالمدينة التي أصبحت عاصمة لمقاطعة إدارية جديدة يتوقع أن تعرف حركية اقتصادية و سياحية كبيرة خلال السنوات القادمة، و لذا فإن سكان أولاد جلال حريصون كثيرا على حماية معالم المدينة و صيانتها باستمرار حتى تبقى شاهدة على عبقرية الإنسان الصحراوي القديم و رمزا للخيرات التي تهبها الطبيعة بسخاء.
و يمر زوار المدينة بنصب الخطارة الجميل و يأخذون معه صورا تذكارية جميلة و يعتبرونه أحد أهم معالم أولاد جلال، و تحرس البلدية على صيانته و إضاءته ليلا و بعث الاخضرار من حوله حتى تشكلت لوحة فنية حية ترمز إلى حضارة الإنسان الصحراوي الذي قهر الطبيعة القاسية و حول الرمال إلى جنات خضراء معتمدا في ذالك على أنظمة سقي تقليدية فعالة لا تحتاج للكهرباء و القنوات و المضخات العملاقة المكلفة.
و تعد الخطارة رمزا للتضامن و التلاحم بين المجتمعات الصحراوية حيث تخضع عملية الإنجاز و الاستغلال لنظام صارم يشرف عليه الأعيان و يضمن تقسيم المياه تقسيما عادلا يلبي حاجة كل مزارع و كل بيت من مياه السقي و الشرب، و تتم عملية الصيانة الدورية للخطارة و نظام جريان المياه بالتعاون بين السكان سواء بالمشاركة المباشرة في العمل أو تقديم مبلغ مالي محسوب لدفع أجور عمال الصيانة من أبناء المنطقة. و علقت على جدار النصب الجميل المقابل لمقر المقاطعة الجديدة لوحة من الرخام عليها تعريف موجز للخطارة و تاريخها العريق نقشه الفنان بدري مبروك “ أكثر النماذج أصالة و تطورا حيث تعتبر ممرات التراتيب الجوفية و الأنفاق المعروفة باسم الخطارة في المغرب العربي و الأفلاج في عمان، هذه المنابع المائية حاصل تقنية تقليدية تعتمد على مجموعة آبار متواصلة عن طريق الأنفاق الجوفية تنتهي بنظام يعتمد على خطاف و دلو يعمل يدويا. اشتهرت على نطاق واسع منذ القرن الثاني عشر في شمال غرب إفريقيا لخلق واحات صناعية في الصحراء الكبرى”. و نظرا للأهمية الاقتصادية و الاجتماعية للخطارة أو الفقارة فقد أدرجتها الدولة ضمن برامج التطوير الزراعي بالصحراء الجزائرية الكبرى و دعمت الفلاحين بالإمكانات المادية اللازمة لبناء مزيد من أنظمة السقي التقليدية و تلبية الحاجيات المتزايدة للمياه الموجة لسقي المحاصيل الزراعية و الشرب عبر الصحراء الجزائرية الكبرى التي تنام على احتياطي مائي كبير.
فريد.غ