السحر الأسود و علم النفس في فيلم "الفيل الأزرق"
امتزج العلم و المنطق بعالم السحر الأسود في قالب سينمائي مليء بالإثارة والتشويق في الفيلم المصري “الفيل الأزرق” للمخرج مروان حامد الذي عرض بقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة بقسنطينة سهرة الأربعاء، ضمن فعاليات اليوم الأخير من الأيام السينمائية للفيلم المتوج.
الفيلم ركز على الصور الخيالية و التصورات و الحركات التي يمكن أن يقوم بها المصاب بانفصام الشخصية، و كذا الأصوات و الهلوسات الكثيرة التي تراوده و التي ترتبط في ذهن الإنسان العربي في الغالب، بالسحر الأسود وعوالمه الغريبة، و قد اعتمد مخرج هذا الفيلم، المقتبس من رواية تحمل عنوان الفيلم، بتقنيات عالية من فن الغرافيك، لتبدو الأكوان المتعددة التي يبحر فيها خيال الشخصيات و كأنها حقيقة.
في كل أحداث الفيلم يبرز الأمل في الشفاء الذي تؤمن به شخصيات هذا العمل السينمائي للمشاهدين، ففي مدة ساعتين من الزمن ترقب الجمهور القسنطيني ما ستؤول إليه وضعية البطل و زملائه بمستشفى الإسماعيلية، وتابع باهتمام مجريات الفيلم الغريبة حتى أن النهاية لم يتوقعها الكثيرون. لقد لاحظنا بأن العديد من هؤلاء المشاهدين أصيبوا بالخوف، لأن “الفيل الأزرق” يقترب كثيرا من أفلام الرعب، خاصة من خلال الموسيقى العنيفة التي رافقت مشاهده التي صورت حالة من يعاني من تصورات و خيالات قد تقوده إلى الجنون.
تبدأ أحداث الفيلم بمتابعة حكاية الطبيب النفسي يحيى الذي انقطع سنوات عن عمله بمستشفى الأمراض العقلية و النفسية بالعباسية وأهمل بحثه الجامعي في إطار التحضير لرسالة الدكتوراه، و ذلك بعد أن فقد زوجته و ابنته في حادث مرور. الطبيب يتلقى في أحد الأيام إنذارا بالطرد، إذا لم يلتحق بعمله فيتم تحويله إلى قسم الأمراض النفسية بسجن مخصص للسجناء الذي يعانون من أمراض نفسية أو عقلية و هم من فئة المتهمين بالقتل الذين أحيلوا من قبل على العدالة، بناء على طلب من محاميهم، من أجل الخضوع للفحص النفسي و العقلي، في محاولة منهم لإنقاذهم من حكم الإعدام. و هكذا يجد يحيى نفسه أمام أحد أصدقائه القدامى و هو الطبيب شريف الكردي المتهم بقتل زوجته بطريقة مرعبة و التنكيل بجثتها.
تتفاعل الأحداث عبر مسار غرائبي ،حيث يكتشف الدكتور وجود شخصية ثانية داخل جسد صديقه القديم، و هو ما يجعله يبحث عن السر في ذلك عبر العودة إلى كتب علم النفس، لكنه في الأخير يحاول أن يكون ضد قناعاته و يبحث في أمور السحر الأسود.
المخرج مروان حامد الذي أثار الكثير من التساؤلات و النقاشات في أعماله السينمائية منذ إخراجه لفيلمه القصير عن قصة يوسف إدريس «أكان لابد يا ليلى أن تضيئي النور؟» ثم مسلسل «عمارة يعقوبيان» و كذا «إبراهيم الأبيض»، عاد من خلال «الفيل الأزرق» إلى عالم السحر الأسود وتأثيره على حياة البشر.
فيلم «الفيل الأبيض» مليء بالإيحاءات المستمدة من علم النفس من خلال قراءة تفاصيل الجسد و تشريح النفس البشرية على طريقة المسلسل الأمريكي «ذي منطاليست»، كما أنه شرح أهم النظريات التي تطرقت لحالات انفصام الشخصية و ذلك من خلال شخصيات الفيلم التي سمحت للمشاهدين بالتعرف عن قرب على أعراض هذا المرض .
الفيلم ذاعب بشكل احترافي عالم الحقيقة و الخيال، داعيا ضمنيا إلى التفريق بينهما أثناء متابعة أحداثه، ناقلا قسوة عالم الوهم و رغبة الإنسان في العودة إلى طبيعته البسيطة.
وقد تأسف الجمهور الحاضر كثيرا لعدم تمكنه من مناقشة الفيلم مع صناعه، و هي ما جرت عليه العادة، في فعاليات أيام الفيلم المتوج بقسنطينة، و قد اعتذر المنظمون عن ذلك.
حمزة.د