الجمعة 8 نوفمبر 2024 الموافق لـ 6 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

شعراء وكتاب يتحدثون عن شحرورة الغناء العربي


رحيل صباح نهاية مرحلة جمالية في تاريخ العرب

رحلت الشحرورة بعد حياة زاخرة بالحب والسعادات والآمال والتجارب والعشق والفن، عاشت زمنها وأيامها وحياتها ولحظاتها بامتلاء كبير، هذا الامتلاء الأسطوري الذي نادرا ما يحدث في حياة المرء، مهما كان هذا المرء، رجلا أو امرأة، حدث عند الشحرورة، فنانة مختلفة، عاشقة مختلفة، أنثى مختلفة. يكفي أنها ظلت تتشبث بالحياة الرحبة إلى  آخر رمق من السعادات الممكنة والمتوفرة والمتاحة في قلب شغوف ومبتهج، فمن غير الصبوحة توصي بالفرح والرقص في جنازتها؟، هي ابنة الفرح وابنة الغبطات، تريد لجنازتها أن تكون وليمة فرح ومسرات، وليمة لا تحدث حتى في الأفلام والروايات. لكن قد حدث وطلبت الفنانة اللبنانية، في وصيتها الأخيرة، من جمهورها وأحبابها ألا يحزنوا أو يبكوا لرحيلها، بل أن يفرحوا ويرقصوا «الدبكة»، لأنه يوم فرح وليس يوم حزن. الصبوحة تريد من الناس أن يظلوا دائما على قيد الفرح، تريد هذا لأنها تعرف ما معنى الفرح، وما قيمته، هي التي مشت كثيرا في دروبه ومسالكه وممراته رغم ما مر وما كان في الحياة والعمر من نكسات وخيبات.الشحرورة التي غادرت الدنيا فجر الأربعاء 26 نوفمبر، تركت ارثا فنيا يكفي لأن يخلدها في الحياة الرحبة، كائن من فن ونبض، صباح التي احتفت بها الشاشات والفضائيات والمواقع والجرائد والمجلات كأنها لم ترحل قط، هي اليوم أيضا حاضرة ببهاء من خلال شهادات بعض الشعراء الذين احتفوا بها وبفنها في هذه الوقفة الصغيرة التي يخصصها «كراس الثقافة» لشحرورة الغناء العربي.
إستطلاع/ نوّارة لحـرش

خالد بن صالح  شاعر جزائري
وامرأة بمسيرة إشكالية تطرح أكثر من تساؤل
لا ندري ماذا نقول حين توصينا صباح بالفرح، كما لو أنَّ الكلمة باتت غريبة ولا مكان لها بيننا. صباح التي أحتفظ بصورتها بالأبيض والأسود، بابتسامة كما لو أنها لا تخبو ولا يطالها حزن. طفلاً مراهقاً كنتُ، يزحف على ركبتين مجرحتين ليخطف نظرة عابرة من حبيبته المتخيلة المنتظرة من خلف الأسوار، حين التقيتُ عبر شاشة صغيرة بالصبوحة، في أغنية، في مشهد سينمائي في لحن أمل وشوق ولوعة. في موقف ساخر وآخر مؤلم. تلك الصورة لم تكبر صاحبتها، وربما كنت أتعمد الاحتفاظ بها كما هي.
صباح المرأة الجميلة المغرية بابتسامة ساحرة وصوت دافئ يتنقل برشاقة بين «جيب المجوز يا عبود» و»عالبساطة» وصولاً إلى «زي العسل»، بتلك «الأوف» طويلة النفس، و»الآه» التي تذبح كما كنا نقول عنها دائماً. لم ألتفت يوماً إلى تلك الأرقام التي ارتبطت بحياة «صباح» الشخصية أو حتى الفنية وإن كانت هذه الأخيرة تستحق وقفة حقيقية ومقاربة للمختصين والمهتمين بتاريخ الفن وجمالياته. أحياناً نحتاج إلى دقائق معدودة من السحر، حتى نقع في الغرام. حتى نتأكد أنَّ الحياة في مكان آخر هي أغنية تخفف من وطأة الألم المقيم عبر جغرافيا عربية تعيش اليوم ليلها الحالك.
أعود للسؤال، ماذا نملك حتى ننفذ وصية «الصبوحة»؟. كتبتُ حين وصلني خبر وفاتها: «وتنقص قطعة أخرى من هذا الصباح الذي لم ينجل عنه ليل». أو كما كتبت الصديقة الشاعرة لميس سعيدي: «رحلت صباح، ليبقى الصباح مذكَّرا و وحيدا».
في سنة الرحيل هذه، تغيب عنا فنانة متعددة المواهب وامرأة بمسيرة إشكالية تطرح أكثر من تساؤل، ولكنني أسأل ببراءة الأطفال، ماذا يبقى من هؤلاء حين يرحلون؟ ماذا قدمنا ونقدم لهم؟ السؤال للأسف يفقد براءته حين أجزم بذاكرة عربية معطوبة، وثقافة إقصاء وإهمال ولا مبالاة ليست بعيدة عما تتخبط فيه مجتمعاتنا من تخلف وتكبيل للحريات واحتقار للفن وإن علا التصفيق في القاعات، أو ذُرفت الدموع في الجنازات.


موسى حوامدة شاعر فلسطيني
رحيلهايعني إنطواء مرحلة جمالية في تاريخ العرب
إن رحيل صباح ورحيل وردة الجزائرية ومن قبلهما العمالقة عبدالحيلم وأم كلثوم وعبدالوهاب ونزار قباني يعني إنطواء مرحلة جمالية في تاريخ العرب، مرحلة اختلط فيها الاستقلال القومي بتشكل الوعي العربي المعاصر وتشكل مرحلة جديدة من هذا الوعي العربي ابتداء من حرب الـ48 وثورة 23 يوليو والعدوان الثلاثي، وما تلا ذلك من حركات تحرر وطني وامتداد قومي من المحيط للخليج، ومن إيمان بالثورة الجزائرية والثورة الفلسطينية والإصرار على مواجهة القوى المعادية وخاصة الغربية لعالمنا، عنصران مهمان حركا هذا الجيل الذي أنتج هؤلاء العظام، التحرر من الغرب والاستقلال والبحث عن لمسة حضارية لهذا العصر، وقد نجح في البعيدن الأول والثاني غير ان الجانب المعتم من الصورة كان يُغذى من أطراف مناوئة أفرزت وجها آخر ظلاميا وسوداويا لعالمنا العربي فظهر لدينا هذا الكم الهائل من الظلاميين رافقه فشل على صعيد تحرير فلطسين وتفتيت العالم العربي وتخريب الأقطار من الداخل وشاهدنا ما يجري هنا وهناك من تخريب متعمد بمال النفط أيضا.
لكن أجمل ما في هذه المرحلة السابقة هو أنها استفزت إبداعنا وامكاناتنا ومواهبنا فكانت صباح واحدة من هذه الصورة الحضارية المشرقة التي يحلم بها العالم العربي، وكان وديع الصافي ونصري شمس الدين والرحابنة والمرحلة الفنية والثقافية في مصر الستينات وهذا الجيل الكامل من المطربين والموسيقيين العمالقة الذين شكلوا وجدان هذه الأمة ووجهها المشرق. وبعد رحيل هذا الجيل علينا أن ننتظر لنرى ونحكم كيف ستكون صورة وشكل الجيل المقبل، هل سيمزق ما رسمه السابقون ويتجه إلى تفتيت هذه اللوحة مثلا أم سيخترع بعبقريته مشهدا موازياً ومكملا؟.

سميردرويش  شاعر مصري
الصبية التي كبرت ملامحها
ولم تترهل روحها
هل تتحدث عن صوت عميق عريق ينفذ إلى خلاياك دون عائقٍ؟ صوت جبلي لين يتماوج كأنه البحر في هياجه؟ يدغدغ أذنك ويطربك ويملك عليك حواسك؟ أنت تتحدث عن صباح، الصبوحة، الشحرورة. هل تتحدث عن جمال لافت فاتن متألق مستريح وهَّاج متوهج؟ جسد أبيض منسرح كالأساطير ووجه ناعم كالملائكة؟ إنها صباح إذن. هل تتحدث عن فتنة أنثوية دون تزيد أو افتعال؟ هي صباح بالفعل.صباح هي فتاة أحلامي التي كبرت حواسي عليها، العاشقة الغلبانة التي ذوبت قلوب عدة أجيال دون تكلف، الأنثى البدائية البيضاء الواضحة التي تقول ما تفعل وتفعل ما تقول، الفرحانة المتألقة التي تحب نفسها ومن حولها وتحب الحياة وتعشق اللهو، الصبية التي كبرت ملامحها ولم تترهل روحها، عشيقتي السرية التي رافقني ليالي الشتاء الباردة في قريتي «كفر طحلة»، ضيعتي التي ترقد في حضن النيل، كما أرقد أنا تائهًا ولهانًا في حضن لعب صباح المضيء وهي تنساب كفراشة بين مقامات الموسيقى وأعين العشاق.
صدقتُ صباح -في الواقع- وصدقتها في السينما حين تذللت لعبد الحليم حافظ كي لا يهجرها، كما صدقتها-بجمالها الفاتن- وهي تتمنى عاشقًا يغمر قلبها بحب كبير ويعمر لها كوخًا صغيرًا، صدقتها وهي تدلل ابنتها كأم مثالية، كما صدقتها بأنوثتهاالطاغية، وبفهم عميق لكينونتها وهدفها كامرأة، وأحببتها في كل حالاتها، وطرت معها وهي تفرد جناحي فراشة وتتنطط، تتمشى بعرض المسرح أمام مشاهديها، تخلط كل شيء بأي شيء، وتعبر من إحساس لإحساس، من زمن لزمن ومن مكان لمكان، برشاقة لا يستطيعها سواها.
صوت صباح ذكي ناعم وقور فرحان، قوي عميق جبلي نافذ منساب، ليس جادًّا فقط كفيروز، وليس حنونًا فقط كنجاة، وليس شقيًّا فقط كشادية، وليس عميقا كثيفًا فقط كسميرة توفيق، وليس قويًّا فقط كسعاد محمد، لكنه كل ذلك في آن، في جملة موسيقية واحدة، تعرف كيف تنتقل من حالة لأخرى دون أن تترك دليلاً على انتقالها، تغني وهي تلعب وترقص وتغنج وتسامر وتسامح وتحب وتغضب وتتوغل عميقًا كعطر نفَّاذ. هي صباح الصبوحة، الفاتنة العربية التي تختصر النساء في جسد واحد.


جوزيه حلو شاعرة ومترجمة لبنانية
وزّعت الفرح على مستمعيها من كل الطبقات الإجتماعية
كل المفردات شاحبة أمام صباح النغمة والنوتة الصباحية الخالصة، صباح الصباح، وصباح هي تحية كل يوم: صباح الخير وتصبحون على خير، صباح الجميلة المتفردة كورود الصباح الملونة بالأشياء الغريبة، صباح البسمة الخالدة والنسمة الهادئة التي لامست حياتنا بالأفراح، هي الصوت الشجي الخفيف والقريب من القلب، من عمر المراهقة حتى اليوم، وإذ أقول خفيف بالمعنى النبيل للكلمة لأن صباح الإنسانة وزّعت الفرح على مستمعيها من كل الطبقات الإجتماعية، يحبها الغني والفقير، يحبها البرجوازي وابن الضيعة،ساكن القصر والكوخ، صاحب السلطة وعربة الفول، يحب صباح كل من يبحث معنا عنها في ألبومات الماضي وألبومات الأبدية، تتسارع الصور والذكريات في جمال وبساطة التعريف عنها: «إنها جانيت الفغالي إبنة بدادون ووادي شحرور، عمها شحرور الوادي. معروفة فنياً بشحرورة لبنان صباح، وشعبياً بالصبوحة، ونتاجاً بالأسطورة». جانيت هو أيضاً اسم شقيقتي حبيبتي التي غادرتنا فجأة وباكراً جداً وكم كانت تحب صباح وكان صوتها جميلاً عندما كانت تغني أغانيها: ‹أخدوا الريح›،›يا مسافر وقّف عَ الدرب›،›عتابا وميجانا›،›ليش لهلق سهرانين›؟. هل من معنى لهذه الحياة الملوثة بالفراق الأبدي؟ حزينة على فراقها لأن صباح الأسطورة ظلمتها الميديا بالزمان وحاولوا ونجحوا لأن مجرد مقارنة الصحافة بين صباح وفيروز ببداية أعمالهما الفنية خلق عداوة:صار يا إما أن تحب صباح؟ أو تحب فيروز؟ كأنهليس مسموحاإلا أن تحب واحدة منهما؟!، حافظت الفنانة الكبيرة صباح طوال حياتها على الصدق في الفن وحب العائلة والأصدقاء والحياة والوطن، رحلت صباح مع الموسيقى يلفُّ نعشها العلم اللبناني، تشييع بمثابة»كرنفال شعبي» كان للدبكة حضورها فيه. على إيقاع «تعلى وتتعمر يا دار»، أقيمت حلقات الدبكة الشعبية الشبيهة بتلك التي كانت ترافق حفلات «الشحرورة».وكما قال الكاتب والاعلامي وسام كنعان في مقالته بجريدة الأخبار اللبنانية عن الشحرورة الراحلة:»أسدل الستار واختتمت المسرحية الطويلة بمشهد مثير جعل الموت للمرة الأولى حدثاً يحمل شيئاً من الجمال. وكما كانت بطلته تختزل تاريخ الأغنية العربية بصوتها، سيبقى تشييعها نقطة تسجل بماء الذهب، لكونها تصدّت لكل الأعراف والتقاليد والأديان وهدمت بضربة واحدة كل تابوهاتها».

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com