أغاني رمضانية قديمة لا تزال تطبع أجواء قسنطينة
لا زال الكثيرون يتذكرون أغان رددوها في صغرهم، خلال شهر رمضان و يحنون إلى الأوقات الممتعة التي كانوا يقضونها خارج البيت، لحظة ضرب المدفع و رفع آذان المغرب إذانا بالإفطار، أين لم يكن يحق للصغار إزعاج الصائمين لحظة إفطارهم، فما كان أمام هؤلاء سوى مواصلة اللعب و الغناء.
و من أشهر الأغاني التي تذكرها أغلب من تحدثنا إليهم تلك التي تقول كلماتها «أو ضرب شيخ عرب أ كرشي نوضي تحشي بالجاري و الكسكسى»، و التي تحسّر البعض لعدم استمرار مثل هذه العادات التي تعكس مدى احترام الصغار للصائمين و كذا الأمن و السكينة التي كانت تنعم بها الأحياء السكنية، أين لم يكن الآباء يخشون على أطفالهم و يتركونهم يلهون في الشوارع الخالية من الأشخاص البالغين ما عدا عند ذهابهم و إيابهم من المسجد.
و إن كانت أكثر الأغاني اندثرت و لم يعد يتذكرها أو يرّددها أحد من جيل اليوم، فإن المشايخ مازال في جعبتهم الكثير من الأغاني المثيرة التي أكدوا بأنهم كانت طريقتهم الوحيدة للترويح عن أنفسهم طيلة أيام الشهر الكريم و بشكل خاص قبيل الإفطار، أين يجتمع الأطفال في انتظار المدفع و هم يرددون عدد من أغانيهم القديمة كتلك التي تحدث عنها السبعيني الهادي دهيني و التي يأتي في مطلعها « صندوق لحمر مسكين، ما يعرف يسب الدين، يقرا القرآن الكريم، و السردوك يدور، يدور و الجاجة تعمل لفطور..»، أو تلك التي رددتها الحاجة ميمية بن يزار و القائلة «لحنش، لحنش في دارو ، يطّيب سناريا، بطاطا مقلية بزيت العربية، أخرجي نتيا يا رومية بالسكر و الزلابية».
و روى بعض الشيوخ الذين التقينا بهم ببعض أزقة المدينة القديمة بأن أكثر الأغاني التي كان يتعلمها الأطفال في الماضي، كانت ذات بعد روحي و ديني و أخلاقي، حيث كان يرّدد الأطفال الذين كانوا يزاولون دراستهم بالمساجد و الزوايا أناشيد مثل»مولانا نسعى لرضاك، على بابك واقفين لا من يرحمنا سواك..».
و إن كانت بعض الأغاني مرتبطة بمناسبات دون أخرى فإن بعضها الآخر ردد في سائر الأيام بما في ذلك رمضان منها تلك التي تتغنى بمكانة معلم القرآن و شيخ الزاوية «سرّحنا يا طالبنا، نسرحوك للجنة، و الخيرات تستنى فيك كولها و اتهنى..» و أخرى لطلبة العلم «بيضة بيضة الله، باش نزوّق لوحتي، لوحتي عند الطالب و الطالب في الجنة و الجنة محلولة حلها مولانا، يا سامع دعانا، لا تقطع ارجانا..».
و لم يعد الأطفال اليوم و في ظل التطوّر الاجتماعي و الاقتصادي، يمارسون الكثير من هذه الطقوس الجميلة، التي استبدلت بأغان و كليبات فنية يتم بثها عبر الفضائيات، و التي لم تنجح في ترك الأثر الذي تركته الأغاني القديمة التي بقيت خالدة و توارثتها أجيال و أجيال.
مريم/ب