"حرب مدن" تحول الحياة إلى جحيم في الأحياء الجديدة بقسنطينة
تحولت الشجارات الجماعية إلى ظاهرة تهدد الأمن العام بعد أن اتسعت دائرتها خلال السنوات الأخيرة ولم تعد تقتصر على العصابات، بل امتدت إلى أشخاص عاديين أصبحوا يتشاركون في فعل العنف للدفاع عن النفس أو الحي أو فرض السيطرة على المكان، في نزال فسّره المختصون على أنه ناجم عن عمليات الترحيل المكثف دون تخطيط مسبق يعتمد على دراسات سوسيولوجية.
الكثير من الأحياء الجديدة بولاية قسنطينة ، تتحول إلى ساحات لمعارك تنشب لمجرد مناوشة بسيطة أو سوء تفاهم وتستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة البيضاء ووسائل الرشق و الاعتداء، وبلغ الأمر في بعض الحالات حد مداهمة المنازل وحرقها و الإعتداء على النساء في سلوكات تقترب من مظاهر الإجرام التي تعرفها مدن أوروبية، وهو أسلوب خلق ثقافة زعامة داخل الحي أو التجمع السكني، عادة ما تؤدي إلى افتعال نزاعات وهمية لاستعراض قوة المجموعة والسيطرة على المكان.
وقد تطور الأمر في حالات كثيرة من مجرد مواجهات بين فريقين متنازعين، إلى حالات شغب تطال الحي وقد تمتد لأشهر ،مثلما هو الحال بالوحدة الجوارية رقم 14 بالمدينة الجديدة علي منجلي التي تعد حالة استوقفت المسؤولين والمختصين ،وجعلت مختلف الأطراف تدق ناقوس الخطر حول مفهوم التعايش داخل الحي ومدى انتشار أساليب العنف والترهيب في أوساط المراهقين والأطراف وتحولها إلى لغة خربت الأمكنة والنفوس، ما يطرح تساؤلات حول دور الأسرة والمجتمع المدني ومدى نجاعة الحل الأمني في التحكم في مشكلة تحولت إلى ما يشبه السلوك الجماعي.
ما حدث في المدينة الجديدة علي منجلي خلال الأشهر الأخيرة، أدى إلى تحرك مصالح الشؤون الدينية وإقحام الأئمة كطرف في الوساطة بين متناحرين ،كما حاولت جمعيات تنظيم دورات رياضية ورحلات لكسر الجليد بين مختلف الأطراف، لكنها حلول سرعان ما تتلاشى بتجدد الشجارات التي تصل حد ارتكاب جرائم قتل، ما حول بعض الأحياء إلى مناطق محظورة حتى على سكانها.
ن ك
تزايدت في السنوات الأخيرة ظاهرة الشجارات الجماعية بولاية قسنطينة، خصوصا بالأحياء السكنية الجديدة، وذلك لمحاولة بعض العصابات بسط نفوذها، وفرض منطق الفوضى بالقوة.
ورغم اختلاف المناطق والأحياء ،إلا أن كل الشجارات الجماعية وقعت بنفس الطريقة تقريبا، حيث انطلقت بشجارات فردية بين شخصين قبل أن تتوسع إلى أصدقائهم ومعارفهم، كما خلقت عبارات لم تكن معروفة بشكل كبير لدى السكان الذين أضحى صغيرهم وكبيرهم يعرف "المولوتوف" والسيوف ومختلف فنيات الرشق بالحجارة.
كسبت المدينة الجديدة علي منجلي في ظرف قياسي سمعة سيئة جراء تكرر حوادث الشجارات الجماعية، التي كان أبطالها مراهقون وشبان حولوها إلى مسرح جريمة كبير، سيما وأن هذه الظاهرة تكررت في عدد من الوحدات الجوارية، حيث لم تسلم أي واحدة منها من الشجارات وحرب العصابات، خاصة إذا تعلق الأمر ببسط النفوذ الذي لا يراه المواطن البسيط.
ورغم أن الحوادث المتكررة بالمدينة الجديدة علي منجلي انطلقت بشرارة سوء تفاهم بسيط بين شخصين يتحول في لمح البصر إلى شجار يتورّط فيه عشرات الشباب، حيث يلجأ كل طرف إلى أصدقائه، وهو ما يؤدي في كل مرة إلى اتساع رقعة المواجهات التي يصعب فيما بعد التحكم فيها بسهولة.
وقد عاشت الوحدة الجوارية 14 بالمدينة الجديدة علي منجلي على وقع حرب العصابات والشجارات الجماعية على مدار أزيد من سنة كاملة، لتتحول معها حياة المئات من العائلات إلى جحيم، بعد أن كانت تأمل في حياة جديدة بعد تخلصها من العيش وسط الأكواخ القصديرية بكل من حي فج الريح وحي الإخوة عباس.
ولم تفلح عديد المبادرات التي أطلقها عقلاء وأئمة في احتواء الوضع بالوحدة الجوارية 14، سيما وأنه في كل مرة كان المتسببون في الفوضى يخرقون الاتفاقات التي يتم إبرامها بعد سويعات قليلة.
وقد تطوّرت الشجارات وقتها إلى حرب عصابات منظمة، تقوم على خطط هجوم وكر وفر بين المراهقين الذين حولوا بعض الأماكن المعزولة إلى منطقة للتخطيط وجمع الأسلحة على غرار غابة "البلوط" القريبة من الحي، والتي كانت منطلقا لتخزين الأسلحة البيضاء وتجميع "المولوتوف".
كما تسببت الشجارات المتكررة في تعطيل الدراسة في كل المؤسسات التعليمية المتواجدة بالحي، جراء تخوف العائلات على أبنائها، خاصة وأن المدارس كانت تضم أبناء فج الريح وحي الإخوة عباس على حد سواء.
كما أن تشكيل فرق للحراسة واليقظة وتقصي هوية كل من يدخل للحي زاد من حدة الخوف لدى المواطنين، وهو ما ساهم إلى فصل الوحدة إلى حين منفصلين، قسمت فيه كل شيء، من وسائل النقل، إلى المحلات التجارية، ساحات اللعب والاستراحة، إلى المؤسسات التعليمية والطرقات، حيث تواصلت الظاهرة إلى يومنا هذا.
غير أن تجدد المواجهات حتم على مصالح الأمن وضع خطة أمنية محكمة، مكنت في وقت سابق من توقيف عدد من المشتبه ضلوعهم في المشاجرات، حيث بلغ عدد الموقوفين في آخر مواجهات بين الشبان 25 موقوفا حسب ما قدمته وقتها خلية الاتصال والعلاقات العامة بمديرية الأمن.
و تم تسخير الوحدة الجمهورية للأمن 15 الكائن مقرها بعلي منجلي لتأمين السكان والممتلكات، خصوصا وأنه قد تم تسجيل حرق 4 سيارات وتحطيم جزئي لزجاج ما لا يقل عن 14 سيارة أخرى، في حين رشقت عشرات الشرفات بزجاجات المولوتوف.
وقد ساهم التواجد المتواصل لمصالح الأمن في عودة الهدوء للوحدة الجوارية 14، مع تواصل العمل الجواري الخاص بمحاولة تقريب السكان من بعضهم البعض على غرار المساجد والرحلات الترفيهية للأطفال الصغار وتنظيم دورات في كرة القدم.
أما بالوحدة الجوارية رقم 19 التي أحصت في ليلة واحدة ما يقارب 20 جريحا بسبب مشادات عنيفة، بسبب قيام أحد الشباب بتوجيه عبارات ونظرات غير محترمة لفتاة خلال حفل قراءة فاتحة دفعها إلى إخبار أهلها، الذين تدخلوا ما أدى إلى وقوع شجار عنيف بينهم وبين الشاب المذكور، قبل أن يستنجد بأصدقائه من الوحدة الجوارية 14، لتنطلق بعدها شجارات عنيفة دامت أيام.
ولم يختلف المشهد بالوحدة الجوارية 19 عما حدث بالوحدة الجوارية 14، حيث انتشرت الفوضى، ونظم الشبان ما يشبه حواجز ومناوبات حراسة عند مداخل العمارات من أجل "التصدي لاستفزازات المعتدين".
كما فضلت عديد العائلات ترحيل أبنائها إلى أحياء أخرى خارج علي منجلي تخوفا عليهم من أي مكروه، فيما يمكث آخرون من أجل حماية المنزل وما فيه من ممتلكات من الحرق، جراء رشق الشرفات بالزجاجات الحارقة.
وقد أدى وقتها تدخل مصالح الأمن إلى وقف 13 شابا بينهم قاصر يبلغ من العمر 16 سنة عثر بحوزتهم على أسلحة بيضاء وقضبان حديدية إلى جانب 160 قارورة زجاج فارغة، كانوا بصدد تحويلها إلى "مولوتوف"، في حين تعطلت الدراسة لعدة أيام قبل أن تستأنف بعد عودة الهدوء إلى الحي الذي كان عرف قبل هذه الحادثة بـ "المنظر الجميل".
ولم يكن مرور شهر أكتوبر من العام الماضي عاديا بالنسبة لسكان الزيادية والفوبور، وذلك بسبب اندلاع مواجهات دامية بين شبان من حيي الفوبور والزيادية المتجاورين، ما أدى إلى وقوع عدة جرحى.
وغير بعيد عن مقر الأمن الحضري الثاني عشر بالزيادية، تجددت المعارك قرابة 6 أيام متتالية، استعمل خلالها الشباب زجاجات المولوتوف ورشق كثيف بالحجارة، أدى أيضا إلى تحطيم عدد من الزجاج.
و بلغت المواجهات حدتها عندما تم تحطيم زجاج أزيد من 40 سيارة كانت مركونة يومها بإحدى الحظائر، في حين تم حرق كلي لسبع سيارات، دون أن يتمكن أحد من وقف المشاجرات التي حوّلت ليل العائلات إلى نهار.
السكان وقتها وصفوا تدخل مصالح الأمن آنذاك بـ "غير الفعال" وذلك كون العدد كان غير كاف، فضلا على أنه يتم الفصل بين المتشاجرين قبل المغادرة ليعمل مجموعة من المتسببين في الشغب على عودة المناوشات.
وحسب ما ذكره حينها بعض السكان فإن السبب يعود إلى جريمة قتل قبل سنة، كانت شرارتها مناوشات بين شابين تلقى أحدهما طعنة سكين، إلا أن محاولة أصدقائه الأخذ بالثأر وسعت من دائرة المواجهات لتشمل العشرات من الشباب الذين حاول بعضهم الدفاع عن ممتلكاتهم
غير أن قدم الحيين ومعرفة العائلات لبعضها البعض ساعد على تجاوز الأزمة التي دامت أزيد من أسبوع لتكلل مساعي صلح قادها أحد السكان بمساعدة أئمة وعقلاء إلى إعادة بسط الهدوء وسط الحيين، مع تشكيل لجنة للعقلاء تمكنت من إعادة الحال إلى ما كان عليه سابقا.
نالت أيضا المدينة الجديدة ماسينيسا قسطها من الشجارات وحرب العصابات ولو بحدة أقل من علي منجلي، حيث شهدت وعلى مدار أزيد من 4 أيام شجارات جماعية شهر جويلية سنة 2014، تورط فيه عدد من الشبان لعائلات مرحلة من عوينة الفول وحي بوذراع صالح.
وقد أدت المواجهات يومها إلى تحطيم عدد من السيارات ومحاولة اقتحام محال تجارية، حيث ساهم غياب الإنارة العمومية في ذعر العائلات، سيما وأنه لم يتم التعرف وقتها على المشاغبين، إضافة إلى العدد الكبير للمتورطين في الأحداث التي حولت هدوء المنطقة إلى جحيم.
وهجرت حينها العائلات القاطنة في الشقق الأرضية مساكنها وتجمعت النسوة والأطفال الصغار في الطوابق العليا، فيما شكل بعض السكان مجموعات داخل مداخل العمارات للدفاع عن أنفسهم من اعتداءات المراهقين.
وبوسط المدينة تتكرر بين الحين والآخر مواجهات بين شباب من بن تليس و الشالي و تحدث ملاحقات يومية في شوارع المدينة القديمة بين سكان شارع فرنسا و الروتيار و السويقة والقصبة وطريق سطيف وجنان الزيتون.
ويبدأ الأمر في كل مرة بمناوشة في جلسة سكر أو شجار حول سيجارة أو هاتف نقال أو حتى ملعب ماتيكو لينتهي بمواجهات قد تستمر لأيام وتتجدد لأبسط سبب إما لخلاف حول ملعب أو فتاة وربما كرة قدم أو حجر أصاب أحدهم خطأ في دائرة عنف غالبا ما تكون أسبابها تافهة، ولكن نتائجها تكون وخيمة على الحي والمدينة والمجتمع ككل لسقوط جرحى وحتى قتلى وتفشي ثقافة العصابات ولغة العنف بين الأطفال والمراهقين
عبد الله بودبابة
أكد مدير الشؤون الدينية لخضر فانيط أنه تم تسطير برامج مسجدية للتوعية و التحسيس حول ظاهرة العنف و الشجارات الجماعية، و ذلك بالتنسيق مع المصالح المعنية و الأئمة المعتمدين على مستوى عديد المساجد.
و قال مسؤول القطاع أن مصالحه تعمل منذ قرابة عام و نصف على متابعة الملف الذي بات مقلقا للسلطات الولائية، خاصة في ظل استمرار هذه الظاهرة في العديد من الأحياء الساخنة على مستوى الولاية ككل، حيث تم تكليف الأئمة بالاجتماع كل سبت في بعض المساجد خاصة في المدينة الجديدة علي منجلي، و ذلك من أجل ضبط برامج في إطار التحسيس الديني تقدم للمواطنين من خلال الخطب أو الدروس في المساجد، مضيفا أنه تمت الاستفادة من محلين على مستوى الوحدة الجوارية 14 لصالح المديرية، و ذلك لاستغلالها في التقرب الجواري و الفتوى و مختلف الأعمال الجوارية للساكنة،على حد قوله، حيث يتم وضع هذه الإمكانيات في خدمة المواطن من خلال التقرب من هذه المكاتب التابعة لمديرية الشؤون الدينية من أجل الإفتاء أو التحسيس.
و قال مدير الشؤون الدينية أن لقاء مع المجتمع المدني رفقة المصالح الولائية إنعقد منذ حوالي 15 يوما بعلي منجلي، و ذلك في إطار مساعي المديرية للحصول على القطع الأرضية لبناء مساجد خاصة على مستوى الوحدة الجوارية 14، كما تم إعطاء تعليمات بتقديم المخططات من أجل الحصول على رخص البناء و انطلاق أشغال المشاريع، و ذلك في إطار إنجاز المرافق المسجدية و التي تلعب دورا كبيرا حسبه في توعية و تحسيس المواطن حول ظاهرة الشجارات الجماعية و العنف بصفة عامة. كما أضاف المتحدث أنه تم تنشيط العديد من البرامج الإذاعية حول الظاهرة من طرف مصالح الشؤون الدينية، و ذلك في إطار البرنامج التحسيسي و متابعة المديرية لهذا النوع الإجرامي الجديد و الحلول المناسبة.
خالد ضرباني
توضح الأرقام المقدمة من قبل مديرية الأمن والدرك الوطني التنامي الكبير لظاهرة العنف، خصوصا ما تعلق بجرائم القتل والاعتداء على الأشخاص والممتلكات، حيث أصبحت من أكثر الجرائم المرتكبة خلال السنوات الأخيرة.
و في آخر حصيلة لمصالح الأمن حول جرائم القتل، فقد تم تسجيل 7 جرائم قتل خلال سنة 2014، من أصل 99 جريمة على مستوى الشرق الجزائري، وهو الرقم الذي يعتبره مختصون كبير جدا، مقارنة مع السنوات القليلة القادمة.
أما بالنسبة للقضايا المتعلقة بالمساس بالأشخاص والممتلكات والتي تعتبر من أكثر الجرائم شيوعا ،فقد تم تسجيل حوالي ألفي جريمة خلال السنة الفارطة بولاية قسنطينة من أصل أزيد من 61 ألف قضية على مستوى الشرق حسب الحصيلة المقدمة من قبل مفتش الشرطة للشرق والمتعلقة بالسنة الماضية.
و تعتبر قضايا المساس بالأشخاص والممتلكات، أحد أكثر القضايا التي تعالجها مصالح الأمن والتي تفوق 80 في المائة من إجمالي القضايا المسجلة خلال السنة الماضية.
كما تفيد آخر حصيلة مقدمة من قبل القيادة الجهوية الخامسة للدرك الوطني ارتفاعا في قضايا الجرائم ضد الممتلكات بالولايات الشرقية، حيث تم تسجيل أزيد من 15 ألف جناية وجنحة ضد الأشخاص والأموال خلال سنة 2014 ، وهو الرقم الذي يعتبر كبير جدا مقارنة مع السنوات الماضية، وذلك بزيادة فاقت 3500 جناية عن سنة 2013.
ع.ب
يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة قسنطينة 2 "بولماين نجيب"، أن ظاهرة الشجارات الجماعية و استعمال مختلف أنواع و أصناف الأسلحة البيضاء، سببها حشو السكان في تجمعات كبرى دون القيام بدراسة سوسيولوجية.
و قال الأستاذ أنه إذا حاولنا أن ندرس هذا النوع من العنف في المدن الكبرى و ظهور أنواع أخرى من الإجرام، معتبرا المدينة الجديدة علي منجلي نموذجا للتحليل، و ذلك بناء على العديد من حوادث الشجارات الجماعية و الاعتداءات و مختلف الجرائم التي حدثت في المنطقة على مر فترات الترحيل المتتالية، حيث يرى المختص في علم الاجتماع أن التركيبة السكانية و التمركز السكاني الكثيف لذلك النسيج الاجتماعي غير مدروس، و يرى أن التمركز العمراني و المعماري خطأ كبير كون عمليات إعادة الإسكان لم تراع العوامل الاجتماعية في ابتكار المدينة، قائلا" لو استعملنا تحليلا بسيطا للمدينة الجديدة علي منجلي، نجد أنه قد تم ترحيل السكان من عديد الأحياء المختلفة و غير المتوازنة اجتماعيا و ثقافيا"، مسجلا استمرار نمط عيش السكان وفق ما كانوا يعيشونه داخل الأحياء الهشة وهو ما يراه حالة من عدم التأقلم مع المدينة الجديدة بشكل إيجابي، نتيجة لكون الترحيلات المتعاقبة لم تسبقها دراسة سوسيولوجية حول كيفية إعادة إسكان آلاف المواطنين القادمين من أحياء متباينة بالمدينة الجديدة،.
و هو ما أدى إلى ظهور فكرة الزعامة أو السيطرة على الحي من خلال انحياز كل فريق إلى الجماعة التي ينتمي إليها أو على أساس الأحياء التي كانوا ينتمون إليها قبل الترحيل، و ذلك من أجل بسط السيطرة في الحي على أساس ثقافة فرعية إجرامية و عدم تقبل كل طرف للآخر، وأشار المختص أنه إذا وقع خلاف بين فرقة و أخرى فإن كل طرف يلجأ إلى الفرقة التي ينتمي إليها كأسلوب للحماية و الدفاع عن الشرف و السيطرة على الأمور وفقا لتفكير إجرامي محض، و هو ما تسبب في ظهور العنف الجماعي و دفع بالشباب المنحرف إلى استعمال مختلف الأسلحة البيضاء من سيوف و سلاسل حديدية و قضبان الحديد و سكاكين و غيرها.
كما قال أستاذ علم الاجتماع في تحليله للظاهرة، أن الشجارات الجماعية هي شكل جديد من أشكال العنف في مجتمعنا، و أنها من أوجه أسلوب النازية الموجودة في المدن الأوروبية خاصة في ألمانيا، بدليل وقوع ظواهر اجتماعية خطيرة في المدينة الجديدة علي منجلي على غرار اختطاف و قتل الأطفال و الاغتصاب و ضرب الأصول و التعدي على الحرمات، و صولا إلى الشجارات الجماعية التي وقعت و لازالت مستمرة في العديد من الوحدات الجوارية، و ما سببته من عدم الاستقرار و الخوف و التأثير على الحياة بصفة عامة.
و يرى الباحث أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي ساهمت سلبيا في انتشار الظاهرة، تم حصرها بناء على معطيات علمية و ملتقيات اجتماعية حول ظاهرة الإجرام، مشيرا أن العنف في الجزائر تحكمه معطيات ثقافية، اجتماعية و تربوية، و أن الواقع الاقتصادي للبلاد خلال فترة الثمانينات خلق أزمة بطالة، ما تسبب حسبه في لجوء هذه الفئة إلى سلوكات ينبذها المجتمع كالسرقة و التعدي على أملاك الغير و المس بالشرف.
كما يعد التهرب المدرسي، وفق تحليل محدثنا، سببا آخر في انتشار الظاهرة، ذلك أن الانحراف الاجتماعي في الجزائر عرف تطورات خطيرة مست بكيان المجتمع و ركائزه الأساسية،ما كان له تأثيرات على الأمن و الاستقرار.
كما كان لانتشار الانترنت وأفلام العنف، حسب المتحدث، دور في تكون مجموعة من المعطيات ساهمت في بروز الظاهرة و ظهور الإجرام، كما أدت التقلبات السياسية إلى انتشار ثقافة العنف في المجتمع و الإيمان بالمبادئ الخارجة عن عادات الأمة، و ذلك من خلال تبني أفكار دينية عنيفة ليست من تربية و ثقافة المجتمع.
أما في ما يتعلق بالحلول الممكنة لمحاربة الظاهرة، فقد أكد الأستاذ أن العنف استمر لفترة طويلة في مجتمعنا، و ذلك بدليل ارتفاع الإحصائيات في المحاكم و لدى الأمن في ما يخص العنف الجماعي و نوعية الجرائم الناجمة عنها، و هو ما يحتاج إلى دراسة معمقة لحصر الأسباب الحقيقية و معالجتها لأن السجون حسبه ليست الحل في محاربة الظاهرة، و إنما يجب إجراء دراسة سوسيولوجية خاصة و لا بد من وجود مؤسسات تربوية و ثقافية تقوم بتهذيب الأخلاق و ترويض السلوك المنحرف.
الأستاذ بولماين يؤكد أن للمساجد دور هام خاصة في المناطق التي تعرف انتشارا للظاهرة، لأن المسجد يجمع تركيبات سكانية مختلفة ما من شأنه فسح المجال للأئمة من أجل توجيه التربية الدينية توجيها سليما، إضافة إلى ضرورة إيجاد حلول اقتصادية و ثقافية لهذه العينة من الشباب المنحرف، لأن الظاهرة حسبه تحتاج إلى المعالجة و ليس إلى العنف المضاد.
خالد ضرباني
يرى العديد من رؤساء جمعيات الأحياء و الفاعلين في المجتمع المدني، أن السلوك العدواني لدى الكثير من الشباب و نقص الأمن في العديد من الأحياء تسببا في تفشي ظاهرة الشجارات الجماعية و استعمال الأسلحة البيضاء.
و قال رئيس جمعية حي الإخوة عباس أحمد دربال أن العديد من السلوكات الصادرة عن الشباب أصبحت تتسم بالعدوانية، و هو ما يتضح من خلال طريقة التعامل مع المواقف في الطرقات و الشوارع من طرف المنحرفين بشكل يومي، حيث أصبح العنف هو الميزة الأساسية في تعامل الكثير من الأشخاص غير الأسوياء أخلاقيا مع بعضهم البعض، و هو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اندلاع شجارات ثنائية تتحول إلى حرب شوارع بين فرقة و أخرى، خاصة إذا تعلق الأمر بانتماء المعنيين إلى حيين مختلفين و ذلك بدافع الانتماء و الدفاع عن الشرف على حد اعتبار الكثير من الشباب.
و أضاف المتحدث أن عنصر العدوانية جعل العديد من الشباب يحملون الأسلحة البيضاء بحجة الدفاع عن النفس، و هو ما يوضح الاستعداد لاستعمال العنف من خلال حمل هذه الوسائل و القدرة حتى على القتل دون أدنى وعي أو تقييم للعواقب، كما أن للمخدرات دور المحرك في خطورة الظاهرة و ذلك من خلال استهلاك هذه المواد التي تذهب صواب العقول و تفقد القدرة على التحكم في السلوكات، و هو السبب في ارتكاب أغلب جرائم الاعتداء و القتل تقريبا من خلال عديد القضايا التي تعالجها المحاكم يوميا. و يرى السيد محمد عزازة فاعل في المجتمع المدني أن الظاهرة استفحلت بسبب نقص في التغطية الأمنية، حيث أكد في هذا الإطار أنه إذا كان الأمن قريبا من المواطن، سيمكن ذلك من التدخل في الوقت المناسب و احتواء الشجارات الجماعية التي تحدث غالبا بالأحياء التي لا توجد فيها تغطية أمنية كافية، و هو الملاحظ بأغلبية الوحدات الجوارية بالمدينة الجديدة علي منجلي، و ما تشهده من شجارات عنيفة و دموية خلال الآونة الأخيرة، مضيفا أنه يجب تكثيف دوريات الأمن بالأحياء الساخنة و المعروفة بهذا النوع الجديد من العنف الجماعي و الذي تستعمل فيه مختلف الأسلحة البيضاء، إضافة إلى ضرورة ردع هذه الفئة بقوة و إجراء دراسة أمنية محكمة لتطويق انتشارها.
كما أضاف المتحدث في معرض تحليله للظاهرة، أنه لانعدام المرافق الضرورية كدور الشباب و الملاعب الجوارية و المراكز الثقافية دور آخر في استفحال ظاهرة الشجارات الجماعية، حيث لا توجد بدائل أخرى عن الشارع في كثير من الأحياء و التجمعات السكانية الكبرى، و هو ما قد يدفع إلى الانحراف خاصة في ظل التسرب المدرسي و انعدام التوعية و التحسيس من طرف جمعيات المجتمع المدني، و ذلك كتنظيم خرجات ميدانية و لقاءات مع الشباب المتجمع بطريقة عشوائية في الشوارع و الأحياء نتيجة لاضطراب البرنامج الحياتي لكثير من شباب اليوم.
و أعاب المتحدث على الأسرة التقصير في تربية و متابعة الأبناء من خلال تراجع التربية الأسرية على حد قوله، و هو ما يتضح من خلال التفريط في الأبناء و عدم تتبع سلوكات الشباب من طرف الأولياء، إضافة إلى نقص التوعية المسجدية و غياب الوازع الديني بشكل كامل لدى الكثير من المنحرفين، ناهيك عن تتبع الأفلام و المشاهد العنفية التي تؤدي بالمراهق إلى محاولة تمثيل هذه المشاهد و تقليدها في الواقع دون التفكير في النتائج.
خالد ضرباني