مـرضى غير واعين و صيادلة يحولـون الأدوية إلى مواد غذائيـة واسـعة الاستهـلاك
من منا لم يسمع يوما عبارة “الطبيب الصقلي”، وصف شعبي يطلق على الأشخاص الذين يتفننون في وصف الأدوية و العلاجات لكل حالة مرضية يسألون عنها، أو يتدخلون لاقتراح حلول لها حتى لو لم يطلب منهم ذلك، و الوصف يعكس ظاهرة متفشية في المجتمع الجزائري الذي يفتقر لثقافة صحية حقيقية، في ظل الإفراط في تناول الأدوية و الزيوت و تعاطي مناقيع الأعشاب المعروفة و مجهولة المصادر، دون الالتفات لمخاطرها، بالرغم من تسجيل حالات وفاة سببها الجهل بانعكاسات هذه الممارسات على الصحة.
نور الهدى طابي
الاستهلاك العشوائي للمضادات الحيوية و مسكنات الألم، و بالأخص الزيوت و الأعشاب، بما في ذلك تلك التي يصفها الرقاة ، كزيت الزيتون و زيت الضرو و كذا منقوع البصل و الزنجبيل و عشبة الخياطة التي تستخدم عموما لعلاج العين و المس و حتى لعلاج آلام الأذن و الحنجرة و الرأس، ينتهي بالعشرات من الضحايا في مصالح الاستعجالات سنويا، كما أكده مختصون. و بالرغم من أن هذه العلاجات على اختلافها، كانت مكونات أساسية في صيدليات الجدات، إلا أن الإفراط في تناولها و استخدامها كحلول لكل الحالات المرضية، يؤدي إلى نتائج و خيمة على الصحة، فنقص الوعي الاجتماعي بخطورة هذه الممارسات وغياب الثقافة الصحية، جعلا فوضى التداوي تتزايد بشكل ملحوظ، لدرجة أن كل فرد أصبح طبيب نفسه، و من المرضى من يفرض على الطبيب نوعية الأدوية التي يريد منه أن يصفها له.
فهم تقليدي لاستخدامات الأدوية
كثيرون ممن سألناهم عن استخدامهم للأدوية و الأعشاب، اتفقوا على طرح واحد هو أن المريض ليس دائما بحاجة لزيارة الطبيب، فهناك أعراض يمكن أن تزول بحبة أسبرين، أو ملعقة زيت، أو منقوع النعناع و الزعتر و الشيح، يقول رضا : “ “أنا أشتكي من قرحة معدية دائمة تقريبا، وسبق وأن لجأت إلى الطبيب الذي وصف لي نوعا محددا من الدواء، ولا يعقل أن أعود إليه كلما اشتكيت من آلام في نفس الموضع، وأدفع تكلفة كشف آخر”. وهو نفس رأي زكية التي تؤكد أن باستطاعتها أن تداوي نفسها بنفسها، لأنها حفظت قائمة الأدوية التي تصلح في علاج الحساسية التي تعاني منها.
أما عبد الهادي فيقول أنه كثير التعرض للإصابة بأعراض الأنفلونزا حتى في فصل الصيف، خاصة السعال الحاد، ولكنه وبحكم التعود صار يقتني المشروب الخاص بالسعال، دون أن يفحصه الطبيب و يصفه له، وأضافت فاطمة:» سني لا يسمح لي بقضاء طوال النهار أنتظر دوري في المستشفيات العمومية من أجل الفحص، كما أن حالتي المادية لا تسمح لي بالكشف في العيادات الخاصة في كل مرة، ما جعلني أواظب على نوع واحد من الدواء الخاص بارتفاع الضغط الدموي لسنوات، دون أن يحدث لي أي مكروه».
و قد جرت العادة عند بعض الأشخاص بإتباع النصائح التي يتلقونها من المقربين منهم، بخصوص فعالية دواء ما، ومدى نجاعته في علاج عرض معين دون آخر، لدرجة أنك تظن أن المتحدث هو طبيب مختص أو صيدلي ممتهن، إلى أن يؤكد أن معلوماته جاءت بناء على تجريبه لهذا الدواء الذي صار مثله مثل أي مادة غذائية أو منتوج إشهاري يدفع إلى تجريبه .
المضادات الحيوية و الكورتيكوهيدات و أدوية الحساسية الأكثر طلبا
خلال جولة بين صيدليات قسنطينة و عدد من المحلات المتخصصة في بيع الأعشاب الطبية و منتجاتها، وقفنا على حقيقة أن الأدوية و كذا الأعشاب ذات الخصائص العلاجية، تعد من بين أكثر الأمور التي تهم الزبائن على اختلاف أعمارهم و جنسهم، فالعديد من الرجال و النساء و كبار السن و الشباب، ينفقون يوميا ما يعادل 500 إلى 1000دج، إما لشراء علبة دواء أو خليط من الأعشاب وذلك لأغراض مختلفة، قد تكون الصداع أو آلام المعدة أو الإرهاق، أو بحثا عن التسمين أو التنحيف أو القوة الجنسية أو الإنجاب أو التخلص من البواسير و حب الشباب و غيرها من المشاكل، كما علمنا من صيادلة و عطارين.
و تعد المضادات الحيوية و أدوية الأنفلونزا من بين الأدوية واسعة الطلب، كما أن الكورتيكوهيدات و أدوية الحساسية تعتبر أيضا من بين أكثر الأدوية التي تستهلكها الفتيات الباحثات عن السمنة، بالمقابل تبحث الراغبات في فقدان الوزن عن أدوية الإسهال ، و لا يقتصر الأمر فقط على النساء، بل يشمل الرجال أيضا كما أخبرتنا الصيدلانية سامية رحام، مشيرة إلى أن أدوية “ إيبتاجيل” ، “موديستامين” ، “سيليستان” و “ديغزانتازول “، مطلوبة بكثرة لأن زيادة الوزن تعد من أعراضها الجانبية.
شيوخ يرفضون تغيير وصفات طبية عمرها سنة
صيادلة أوضحوا بأنهم يتعاملون يوميا مع حالات مستعصية لشيوخ يرفضون زيارة الطبيب، و يكتفون بطلب صرف وصفة عمرها سنة كاملة، و حجتهم في ذلك هو أن العلاج يناسبهم و ليسوا بحاجة إلى تغييره، أما بالنسبة لأدوية الزكام و المعدة و الصداع، فيحفظون أسماءها و يستهلكونها كالأطعمة اليومية.
من جهة ثانية، فإن العديد من الشباب يطلبون أدوية مهلوسة ك”ترامادول”، “إكزانادول” و “ريكون”، لكنها لا تصرف لهم إلا بوصفة و بكمية محددة.
كما أن الطلب زاد عند العطارين على الأعشاب المستوردة من الشرق الأوسط و الهند و إيران، باعتبارها غير تقليدية ولها خصائص علاجية تقضي، كما يشاع، على السرطان و السكري و العقم، وكذلك الأمر بالنسبة للمراهم و الخلطات الخاصة بالتسمين و التنحيف و التبييض و غيرها.
البروفيسور محمد حبيب بلماحي رئيس مصلحة السموم بمستشفى قسنطينة
منقوع النباتات الطبية الجافة يؤثر على صحة الكبد
يحذر البروفيسور محمد الحبيب بلماحي ، رئيس مخبر السموم بمستشفى قسنطينة الجامعي، من بعض الأعشاب و النباتات الطبية المجهولة التي يتم استقدامها من الشرق الأوسط ، و تسويقها في الجزائر على أنها أعشاب تعالج من السرطان، مؤكدا بأن لها تأثيرات سلبية على الصحة، عكس ما يشاع عنها، كما حذر من الاستهلاك العشوائي لمنقوع بعض الأعشاب، لأنها تكون مفيدة للصحة عندما تكون طازجة فقط، لأن تركيبتها تكون مضادة للسموم، لكنها تتحول إلى أعشاب سامة و ضارة بمجرد جفافها، إذ تفقد خصائصها العلاجية أو الترياق الذي تحتويه، لتصبح بذلك نسبة السموم فيها أكبر من نسبة البروتينات و المواد المفيدة.
و استنادا لنتائج دراسة أجراها على كبد حيوان في إطار عمله بمخبر السموم ، أوضح المختص بأن منقوع النباتات الطبية الجافة التي يتم حفظها لمدة طويلة، يؤثر بشكل كبير على أداء الكبد و يسبب له ضررا بالغا ، مستشهدا في ذلك ببعض الحالات التي استقبلها المستشفى، و يتعلق الأمر بتسمم ناتج عن نبتة “فقوس الحمير”، التي تستعمل عادة للعلاج التقليدي لليرقان أو “ الصفاير”، و هي نبتة مجهولة المصدر لها تأثيرات سامة.
و أضافت الدكتورة فريال عليان أخصائية علم السموم ، بأن بعض السوائل التي يصفها بعض الرقاة الشرعيين لمرضاهم، قد تكون قاتلة، مؤكدة بأنها وقفت على حالات وفاة سببها تناول أدوية و مقويات دون استشارة طبية، إضافة إلى أنها تعاين سنويا العشرات من حالات التسمم الناتجة عن تناول عقاقير و خلطات التسمين و التنحيف، بالإضافة إلى أعشاب قوية كالزنجبيل و الزيوت، كزيت البركة و زيت الخروع.
الدكتورة منيرة خنقي طبيبة عامة و مختصة في العلاج بالأعشاب
الزيوت و الأعشاب قد تسبب الأزمات القلبية و الفشل الكلوي
حملت الدكتورة نورة خنقي طبيبة عامة و مختصة في العلاج بالأعشاب، مسؤولية تفشي ظاهرة الاستهلاك العشوائي للأدوية إلى الصيادلة، مطالبة إياهم بوقف بيعها دون وصفة، خصوصا و أن استهلاكها بشكل غير منظم يؤدي إلى كوارث حقيقية، على حد وصفها، خصوصا إذا تعلق الأمر بالكورتيكوهيدات و المضادات الحيوية، مشيرة إلى أنها تعاين سنويا حالات عديدة لضحايا هذه الأدوية، ممن ينتهي بهم المطاف للإصابة بأمراض القلب و الاختلالات الهرمونية، هشاشة العظام و الفشل الكلوي و حتى التعرض لأزمات قلبية مميتة.
الدكتورة أضافت بأنه على المريض أن يتقيد دوما بمواعيد الدواء، الكمية المتناولة والمدة التي يجب خلالها تناول ذلك الدواء، أما عن الاستعمال العشوائي للأدوية، فتؤكد أن له مضاعفات صحية خطيرة لا تلبث أن تظهر.
وعن شراء الأدوية دون تشخيص مسبق، تقول المتحدثة بأنه يعود إلى قلة وعي المرضى، وكذا تدني المستوى المعيشي للبعض منهم، الشيء الذي يجعلهم يمتنعون عن زيارة الطبيب في كل مرة يشعرون فيها بأعراض المرض، ما يجعلهم يقصدون الصيدليات مباشرة، من أجل شراء الدواء الذي سبق لهم وأن أخذوه.
و تعتبر الحوامل، حسب المختصة، من أكثر الفئات تضررا في حال تناول أدوية دون استشارة طبية مسبقة، حيث تكون الأم والجنين عرضة للخطر، بسبب تناول أدوية دون وصفات تثبت جدوى استعمالها، كما أن بعض الأولياء يجهلون خطورة علاج أبنائهم بمنقوع الأعشاب أو زيت الزيتون و زيت الخروع و الزنجبيل و زيت الضرو، و هي مكونات لا تقل خطورتها عن خطورة الأدوية، سواء بالنسبة للصغار أو حتى الكبار، لأنها يجب ألا تؤخذ في كل الأوقات، بل يجب أن يتزامن تناولها مع عمل الساعة البيولوجية للجسم مثلا، لا يؤخذ الزنجبيل، إلا وقت العصر، لأنها الفترة التي يبدأ فيها الجسم في تحليل الكورتيزول وهو مركب أساسي في الزنجبيل.
و حتى بالنسبة للزيوت، فإن استهلاكها يكون بكميات محددة لا تتعدى الملعقتين، و أي إفراط في أخذها أو تناولها مع مواد أو أدوية أو أطعمة غير مناسبة، قد تكون له آثار جانبية خطيرة كالتسمم و الحروق.