أهملـــتُ عائلـــتي في ورقلــة لأتابع حالـة صغـيري المصاب بالســـرطان
اضطرت السيدة حياة . م إلى مغادرة بيتها بوادي سوف و الابتعاد عن أبنائها وأهلها لأكثر من شهر، من أجل مرافقة صغيرها البالغ من العمر 10 سنوات، المصاب بالسرطان في رحلة العلاج المضنية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة.
أم رؤوف المتواجدة حاليا بمصلحة طب الأطفال إلى جانب سرير صغيرها المريض، قالت للنصر و قد سبقتها دموعها، بأن معاناتها بدأت قبل شهور ، عندما لاحظت بأن الوضع الصحي لابنها يزداد سوءا يوما بعد آخر، بالرغم من اخضاعه لعديد المعاينات الطبية على يد أطباء مختصين، حيث أنهم لم يتمكنوا من تشخيص مرضه في البداية، ثم أخبروها بأنه مصاب بفقر الدم. و أضافت الأم بأن تناول الصغير للأدوية الخاصة بعلاج فقر الدم، لم يؤد إلى أي تحسن في حالته، فشكت بأن هناك خطأ في التشخيص، ما دفعها إلى استشارة طبيب آخر، فقام بإخضاعه للعديد من الفحوصات و التحاليل ، فتمكن أخيرا من تشخيص مرضه، و نزل عليها خبر إصابته بالسرطان كالصاعقة، فانهارت تماما ثم شرعت تبكي بحرقة. و كانت المحطة التالية توجيهها رفقة صغيرها إلى المستشفى الجامعي بن باديس، ليبدأ رحلة العلاج، فقالت بهذا الشأن» من هنا بدأت المعاناة». و بينت حياة و هي في العقد الرابع من العمر بأنه تم إخضاع ابنها رؤوف للمعاينة على يد مختصين بمصلحة طب الأطفال، و أجريت له مجموعة من التحاليل الطبية، ما استغرق، حسبها، وقتا، و بعد التأكد من نوعية المرض و تحديد مرحلته التي اتضح بأنها متقدمة، قرر الأطباء إخضاعه مباشرة للعلاج الكيميائي، و شرحت بأنها اضطرت للمكوث بالمصلحة مع صغيرها، نظرا لبعد المسافة بين منزلها بوادي سوف و مستشفى قسنطينة حيث يخضع للعلاج. و عادت الأم بذاكرتها إلى اليوم الذي غادرت فيه المنزل العائلي، كان ذلك على الساعة الثانية بعد منتصف الليل، لقد تركت خلفها ثلاثة أبناء صغار نائمين بمفردهم في البيت، للوصول باكرا إلى المستشفى من أجل علاج رؤوف، و أكدت «فراق صغاري الآخرين زاد من آلامي و حطم نفسي، و أبكاني كثيرا، شعرت حينها بقلبي و كبدي ينقسمان إلى شطرين». لكن ما كان ينتظرها، على حد قولها، كان أصعب بكثير مما مر عليها، فرحلة ابنها مع التحاليل و العلاج جعلتها تموت في اليوم مرتين، و رؤية أطفال في مثل حالته يموتون يوميا، جعلها تتذوق الخوف من فقدان فلذة كبدها، ما جعلها لا تكاد ترتاح أو تنام ليلا و نهارا، لتتفقده و تراقبه و ترعاه باستمرار، كما أن تساؤلات فلذة كبدها المتكررة حول مرضه تخترق قلبها كالسيف، « أمي لما وضعوني مع هؤلاء الأطفال الذين يشبهون أولئك الذين يعرضونهم على شاشة التلفزيون؟ هل سيتساقط أنا أيضا شعري مثلهم؟ هل سأموت أنا أيضا؟»، و العديد من الأسئلة المؤلمة التي تجعل أمه عاجزة عن الرد ، و أحيانا تضطر للكذب عليه لكي لا تتأثر حالته النفسية، فتقول له مثلا» وضعك مختلف و ستشفى قريبا و سنغادر هذا المكان إلى الأبد»، مشيرة بأنه أصبح عنيدا جدا و يصاب في بعض الأحيان بنوبات عصبية حادة، فلا يتحمل أي أحد حتى أمه، و في حالات أخرى يبكي شوقا لإخوته. الأم المعذبة تحدثت إلينا خلسة، لكي لا يسمعها ابنها و قد اغرورقت عيناها بالدموع، و ذكرت بأن رؤية ابنها يموت أمام عينيها صعب جدا، كما أن مرضه أبعدها عن العالم الخارجي، فكل اهتمامها أصبح منصبا على رعايته و تقديم الأدوية و الطعام له و تغيير ملابسه و مساعدته في كل شيء. في حين لم تعد تهتم هي بأكلها و لباسها و بحياتها ككل، مشيرة إلى أن حالتها النفسية تزداد سوءا عند حلول مواعيد الزيارات العائلية للمرضى، لأن لا أحد من أفراد عائلتها يستطيع قطع المسافة البعيدة الفاصلة بين ولايتها و مستشفى قسنطينة في فصل الشتاء و الأمطار و الثلوج و البرد القارس، كما أن أغلبهم منشغلون بأعمالهم و مسؤولياتهم. و قالت « لا يوجد حتى كتف أستند عليه و يرفع من معنوياتي و لو قليلا» ، و ختمت حديثها « الحمد لله على كل حال، أملي في الله كبير، إن شاء الله سيشفى ابني، أود أن أشكر كثيرا الجمعيات التي تساعدنا باستمرار على تخطي مراحل صعبة جدا، خاصة و أن علاج هذا المرض يتطلب توفير إمكانيات مادية كبيرة».
أسماء بوقرن