التغيـــرات الاجتماعية و الاقتصاديــة جعلــت الاكتئاب مشكلــة صحــة عموميــــة بالجزائـــــر
أكد مختصون في الصحة النفسية و العقلية و أطباء عامون نشطوا أمس بالمركز الثقافي محمد اليزيد بالخروب، يوما تحسيسيا حول واقع الإصابة بحالات الاكتئاب في المجتمع الجزائري، بأن نسب التعرض للانهيارات النفسية و الاكتئاب في ارتفاع مطرد في السنوات الأخيرة، بسبب التغيرات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية المتسارعة، التي أفرزت مشاكل عديدة باتت تهدد السلامة الذهنية و النفسية للمواطنين.
المتدخلون أشاروا إلى أن المشكل لا يمس فئة الراشدين فحسب، بل يشمل حتى الأطفال و الرضع، مطالبين بالتعامل بجدية مع الوضع و إدراج آليات التكفل و العلاج، ضمن أولويات قطاع الصحة العمومية.
لقاء أمس نظمته جمعية المدينة الصحية، تطبيقا لتوصيات المنظمة العالمية للصحة التي اختارت هذا المرض ليكون محورا لليوم العالمي للصحة، حسب ما كشف عنه الدكتور عمر بوشاقور طبيب عام و رئيس الجمعية، مشيرا إلى أن العالم يحصي ما يعادل 300 مليون شخص مصاب بالاكتئاب، وفي الجزائر تشير الإحصائيات إلى أن 20 بالمائة من المواطنين الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاما يعانون من اضطرابات نفسية و عقلية من بينها هذا المرض، الذي يعد سببا في 6.6 بالمئة من الإعاقات الشائعة وسط هذه الشريحة العمرية.
و حسب المتحدث فإن العديد من العوامل التي لها علاقة مباشرة برواسب العشرية السوداء و تغير نمط حياة الجزائريين، تعد من المسببات الرئيسية لهذه الحالة النفسية التي يصح تصنيفها كمرض، وفق لمنظمة الصحة العالمية. و أضاف من جهته الدكتور إدريس تيرونتي أخصائي الأمراض النفسية و العقلية بالمؤسسة الاستشفائة للصحة العقلية بجبل الوحش بقسنطينة، بأن الجزائر قد باشرت توجها فعليا للعمل على ضبط مخطط صحي عقلي و نفسي في آفاق 2017ـ 2020، للتكفل بهذا النوع من الأمراض التي أصبحت، حسبه، من بين أهم تحديات الصحة العمومية في بلادنا، وهو المخطط الذي قال بأنه عرض أول أمس في مدينة المدية كخطوة أولى، و أوضح بأن تفعيلها لا يزال رهين توفير الإمكانيات المالية و اللوجيستيكية.
المختص تطرق إلى واقع الإصابة بهذا المرض، وقال بأنه ناتج عن عدة عوامل أبرزها الاستعداد النفسي، الفشل و تجارب الحياة على اختلافها، فضلا عن شخصية الفرد في حد ذاته و تركيبته النفسية، موضحا بأن النساء يعتبرن الفئة الأكثر عرضة للاكتئاب، كما أن الرضع و الأطفال و المراهقين هم أيضا معنيون بالإصابة بالمرض، ففي حالة الرضع يكون المشكل ناتجا عن الحالة النفسية للأم خلال مرحلة الحمل، وكذلك الأمر بالنسبة للأطفال و المراهقين، وهنا يتوجب التدخل لتشخيص المشكل و علاجه في هذه المرحلة من حياة الفرد، لأن أي اضطراب نفسي قد يتحول إلى مشكل حقيقي بعد البلوغ، إذا لم يعالج، بمعنى أن التكفل المسبق يعتبر إجراء وقائيا مسبقا وهو ما يتطلب إيجاد تخصص علاجي جديد هو الصحة الذهنية للأطفال و المراهقين، تخصص قال بأنه أدرج سنة 2013 ويعتبر مكسبا لقطاع الصحة في لجزائر.
من جهة ثانية، أشار المتحدث إلى أن الصعوبة في التعامل مع هذا المرض، تكمن في تشخيصه لدى كبار السن، لأن أعراضه وهي فقدان الشهية و الانطواء، و الإحباط و فقدان الرغبة في الحركة و الحياة، عادة ما تتداخل مع أعراض الشيخوخة و مرض الألزهايمر، وهناك خطر آخر ، كما أضاف، يتمثل في بأن بعض حالات الاكتئاب تكون صامتة، كما هو الحال بالنسبة للأمهات العاملات، و الموظفين و لا يمكن الوقوف عليها و كثيرا ما تنتهي بالمصابين بها إلى الانتحار أو محاولة الانتحار، فحتى وإن علمنا، حسبه، أن 70 في المائة من الحالات تستفيد عادة من علاج ناجع، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن 5 من أصل كل 80حالة، يتعرضون للاكتئاب من جديد.
بدورها أشارت الأخصائية النفسانية العيادية ليلى زيموش، بأن تشخيص الإصابة بالاكتئاب كمرض، يتحدد في حال تعدت فترته 15 يوما و أكثر، وهنا تتطلب الحالة متابعة علاجية قد تكون عن طريق جلسات الاستماع، أو قد تتطلب بعض الأدوية ومضادات الاكتئاب، مشيرة إلى أن غالبية الحالات الشائعة، منتشرة عموما بين المرضى و حتى ذويهم، ممن يعجزون عن تقبل فكرة التعاطي مع مرض شخص مقرب و التكفل الدائم به.
هدى طابي