مياه تخترق طبيعة خلابة لتشكل متنفسا لسكان الجهة وزوارها
وجد الكثيرون من سكان بلدية عين التين التي تبعد عن عاصمة ولاية ميلة بقرابة 15 كلم، وكذا سكان المناطق المجاورة لها و حتى من خارج الولاية، متنفسا لهم خلال أيام الصيف، في حمام عين التين الطبيعي المفتوح على الهواء الطلق، الذي لم يبق من آثاره إلا المياه التي شكلت بتقاطعها مع الطبيعة من أشجار و خضرة أسفل وادي القطن، ملاذا لطالبي الهدوء والاستجمام بمياه حموية تبرد صيفا وتسخن شتاء، يجد فيها حتى المرضى علاجا لبعض أسقامهم.
مياه صحية تعالج بعض الأمراض الجلدية
المكان للذي لا يعرفه من المستحيل أن يتراءى له وهو مار بمحاذاته، لأنه يقع أسفل الوادي و الأشجار والأعشاب تحجب رؤية المياه المتدفقة فيه، شاقة طريقها بين أحضان الطبيعة، ولكن من حظي بزيارته، فلن يغادره قبل أن يرتمي في إحدى بركه الشفافة التي تعكس مياهها العذبة صورة من يقف أمامها، والتي يزيد خرير المياه وهو يصب فيها ، الحماس للتنعم بها، هذا ما وقفت عليه النصر خلال زيارتها للمكان، حيث وجدنا في البركة الأولى التي يجدها الزائر فور الوصول ، عددا من الأطفال الصغار من أبناء بلدية عين التين، رفقة شخص هو والد أحدهم، و أكد لنا أنه يصطحب الأولاد في أغلب الأحيان إلى هذا المكان طيلة السنة، وخصوصا صيفا ، دونما خوف عليهم من السباحة في هذه البرك لأن مياهها حموية هذا من الجانب الصحي، كما أنها غير عميقة ولم يسبق تسجيل حالة غرق واحدة بها، بالإضافة إلى أنها معروفة بالنسبة لأهل المنطقة، و أكد بأنه لا داعي للخوف منها، كما أكد لنا أنها صحية وفيها شفاء لبعض الأمراض الجلدية، ما جعلها مقصد العديد من المرضى الذين وجدوا فيها علاجا لبعض مشاكلهم الجلدية.
عمره 75 سنة و لم يغز الشيب شعره بسبب الحمام
و ذكر لنا المتحدث حكاية شيخ من أهل المنطقة، توفي منذ عامين تقربيا عن عمر ناهز 75 سنة، لكن ما ميزه عن غيره من الشيوخ أن شعره لم يتغير لونه بمرور الزمن، أي أنه لم يشب ، والسبب، كما يقول المتحدث، هو مياه حمام عين التين، أين نشأ وترعرع الشيخ المرحوم، حيث كان لا يستحم إلا بمياه هذا الحمام طيلة حياته، وهو ما يرجح أنه سبب عدم تغير لون شعره نهائيا.
زوار من مختلف الجهات وفي كل الفصول و الأوقات
التقينا هناك أيضا بشيخ في السبعينات من العمر، من سكان عين التين الأصليين، ويعرف المكان جيدا، فأكد لنا أنه ومنذ الحقبة الاستعمارية كان مقصدا للعديد من الناس حتى الأوروبيين، حيث أنه كان مهيئا و يضم قاعات للاستحمام، ومنظما من ناحية التوقيت بين النساء و الرجال، وكانت بجانبه طاحونة كل من أتى لطحن الحبوب بها، عرج عليه واستحم بمائه قبل المغادرة. و يضيف الشيخ ، بأنه تم تحويل مياه المنبع الطبيعي المحاذي للحمام لتزويد ميلة بالمياه الشروب سنة 1973 فتم هدم الحمام، و تم إجراء تنقيبين لاستخراج المياه، كما شيد الخزان مكان الحمام. و أكد المتحدث بأن مياه الحمام الطبيعي بقيت تجري وتصب في وادي القطن إلى غاية اليوم، وكل من يعرف الحمام ظل يزروه ويستحم في بركه الثلاث، حيث يقصده أصحاب الجرارات لملأ خزاناتهم، وكذلك الشباب للاستحمام حتى شتاء، رغم أنه يوجد في الهواء الطلق، وحتى خلال السهرات الرمضانية لا يخلو المكان من الزوار الذين يأتونه، حسب المتحدث، من عدة جهات قريبة من المنطقة ، وحتى من ولايتي قسنطينة و سطيف.
بتنقلنا للبركة الثانية للحمام والتي يتميز مسلكها هي و البركة الثالثة، بأنه وعر لأن الوصول إليها يتطلب التوغل وسط الأشجار، مرورا بجداول المياه المتدفقة، فوجدنا هناك ثلاثة شبان من ميلة، فأخبرونا بأنهم في كل صيف، إذا لم يتوجهوا في أوقات فراغهم إلى شواطئ البحر، فالأكيد أنهم سيكونون بهذا المكان الذي يقضون فيه عدة ساعات كلما زاروه، بعدما وجدوا به الطبيعة والمياه الحموية الصحية، بالإضافة إلى الهدوء الذي يخيم على المكان.
كما وجدنا مراهقين اثنين تنقلوا على متن دراجة نارية من عين الكرمة إلى عين التين، للسباحة بإحدى برك حمام عين التين، وقد أكدا لنا أن المكان ملاذهما الوحيد ومتنفسهما في الصيف، حيث يقصدانه كالعديد من معارفهما من حين لآخر للترويح عن نفسيهما والاستمتاع بالطبيعة الساحرة هناك. ومن بين أصحاب الجرارات الذين يصطفون في طوابير بالمكان لملء خزانات المياه، تحدثنا إلى اثنين منهما ينحدران من منطقة فار الله التابعة لقسنطينة، فأكدا لنا أنه «قبل ملء الخزانات، لابد من الاستحمام جيدا بمياه الحمام المنعشة، لإزالة تعب الطريق، وبعد ذلك ننطلق لمواصلة العمل، وكلما أتينا لهذا المكان نقوم بنفس الشيء ولو عدة مرات في اليوم».
ابن الشيخ الحسين.م