تراجع في نشاط الصيد بسد عين زادة
يعرف نشاط الصيد القاري و تربية المائيات بسد عين زادة، تراجعا رهيبا حيث يقضي صيادون محترفون أياما دون أن تعلق و لو سمكة بشباك الصيد الموضوعة على مساحات شاسعة، وسط مياه سد عين زادة الواقع ببلدية عين تاغروت شرق ولاية برج بوعريريج، في ظل التراجع الرهيب في كمية الأسماك بالسد و ضعف مردودية و نجاعة عمليات استزراع اليرقات و صغار الأسماك خلال السنوات الفارطة .
هجرة جماعية للصيادين
و قد تنقلنا إلى سد عين زادة للإطلاع على حقيقة الأمر، أين وجدنا في انتظارنا صيادين اثنين مما تبقى من مجمل الصيادين المعتمدين بهذا السد، حيث بلغ عددهم خلال السنوات الفارطة 8 فرق للصيد، حسب عدد الرخص الممنوحة التي وفرت حينها حوالي 25 منصب عمل دائم و أزيد من 76 منصب عمل غير مباشر، ليتراجع عددهم إلى 5 صيادين، و أصبح حاليا لا يتجاوز صيادين اثنين بعد هجران الأغلبية لتراجع نشاطهم و تدني مداخيلهم، خصوصا خلال العامين الفارطين.
و بوصولنا لسد عين زادة، التقينا بممارسي نشاط الصيد و لفت انتباهنا اقتصار النشاط على بعض الشباب الشغوفين بالصيد الترفيهي للأسماك، فيما بقي قارب واحد للصيادين المحترفين، منعنا من الوصول إليه من المدخل الرئيسي، و استدعى منا الأمر التوجه نحو الجهة المقابلة و انتظار صاحب القارب الوصول إلينا، للتنقل معه وسط مياه السد و الإطلاع على حقيقة الوضع.
و أكد لنا الصياد على أن عائدات الصيد القاري أصبحت شبه منعدمة خلال الأسابيع الأخيرة و تراجعت بشكل رهيب خلال السنوات الفارطة، منذ الاعتماد على المنتوج المحلي لليرقات من مفرخة أوريسيا التي يبقى بحسبه مردودها و نسب نجاح عملية الاستزراع منها جد ضئيل، خلافا لعمليات الاستزراع خلال السنوات الأولى للنشاط التي كانت فيها الوزارة الوصية تستورد اليرقات و صغار الأسماك من الخارج.
و أضاف بأنه لا يعلم أين يكمن الخلل بالضبط، سواء كان في نوعية اليرقات، أو في طريقة نقلها من المفرخة و استزراعها بالسدود، بينما تتطلب العملية تقنيات دقيقة لتجنب تعريض اليرقات للهواء و إبقائها في المياه.
شباك فارغة و تراجع ملفت في كمية الأسماك
و خلال تنقلنا في القارب وسط مياه السد، طلب مرافقنا من شريكه في الصيد تفقد الشبكة و إخراجها من المياه، فلم يظهر أثر للأسماك على طول الشبكة، ليشير صاحب القارب إلى أن مبلغ شراء الشبكة الواحدة يقارب 40 مليون سنتيم، و قد وضع حوالي 7 شبكات بطول يترواح بين 600 إلى 800 متر على امتداد محيط السد، غير أن مردود عمليات الصيد أصبح جد ضئيل، خاصة ما تعلق منه بسمك الشبوط الذي يعرف ندرة حادة.
ما جعل نشاطهم يقتصر على اصطياد سمك الرويال و هو سمك يشبه طائر «الحجل» و يتكاثر بالسد كل عام دون الحاجة إلى عمليات استزراعه، و كذا بعض الأسماك الأخرى التي يتم اصطيادها بالسنارة، و يستحيل علوقها في الشبكة، على غرار سمك «اللاتشة» الذي يصبح متوفرا بالسد و يتكاثر خلال فترة جد محدودة بين فصلي الربيع و الصيف.
مشاريع تُجهض و مركز للصيد القاري مهمل
و فيما كانت آمال الشباب في إقامة مشاريع استثمارية لتحويل لحوم الأسماك و تربية المائيات معلقة على فرص النجاح خلال السنوات الفارطة، خصوصا بعد بروز بوادر للاهتمام بهذا القطاع و إقامة مركز للصيد القاري بسد عين زادة أنجز بغلاف مالي قدره 15 مليار سنتيم، لفائدة الصيادين للحفاظ على الكميات التي يتم اصطيادها من الأسماك إلى حين نقلها إلى الأسواق و بيعها للتجار الناشطين في هذا المجال.
لكن غرف التبريد هي الأخرى عرفت إهمالا، حيث تحولت إلى شبه غرف مهجورة و مهملة، فيما كان الهدف من انجازها تجنيب المتعاملين في هذا المجال متاعب البحث عن غرف التبريد و التخزين لاحتواء المركز على غرفة للتبريد و وحدة لصناعة الثلج و غرفة تجميع المنتوج و فضاء للبيع.
شباب يقضون أوقاتهم في الصيد الترفيهي
و أصبح نشاط الصيد القاري بسد عين زادة يكاد يقتصر على الصيد الترفيهي لشباب وجدناهم بمحيط السد يضعون قصبات الصيد و السنارات و الطعم وسط المياه، أملا في الحصول على كميات من الأسماك لأجل الاستهلاك من جهة و الترفيه و قضاء الوقت من جهة أخرى.
حيث يزداد عدد الوافدين للسد من أجل الصيد خلال عطلة نهاية الأسبوع، و تتمثل غنائمهم من الصيد حسبما اطلعنا عليه على كميات يتراوح وزنها بين حوالي 3 إلى 5 كيلوغرامات من سمك « اللاتشة» و سمك الروايال الذي يسمونه بالحجلة.
و فيما كان نشاط الصيد القاري يمثل أملا لعشرات الشباب لتطليق البطالة، و توفير الثروة السمكية، عصفت المشاكل و النقائص المسجلة على استمرارهم في نشاطهم، خصوصا ما تعلق بالتراجع الملفت في مداخيلهم، و هو مصير أحد المتعاملين الذي فشل في تجسيد مقترح لمشروع إنشاء مؤسسة عين زادة لمصبرات الأسماك و الأعلاف السمكية، بعدما كان يطمح لبلوغ المنتوج في المرحلة الأولى ألف طن سنويا، و تحويل منتوج الصيد القاري و الثروة السمكية، إلى مصبرات و شرائح و دمجها مع مكونات أخرى مثل النقانق و « الباتي».
و يطالب محترفو هذا النشاط المديرية و الوزارة الوصية، باستزراع كمية كافية من صغار الأسماك لتمكينهم من مواصلة النشاط، مشيرين إلى أن السد كان يتوفر قبل سنوات على مجموعة من أصناف الأسماك منها الشبوط بنوعيه و البوري و الصندر، لكن هذه الأنواع اختفت و بقي منها سوى أنواع الأسماك التي تتكاثر لوحدها بكميات جد محدودة.
الاستغلال العشوائي استنزف الثروة السمكية
و أكدت مصادر من مديرية الصيد البحري و الموارد الصيدية المتواجد مقرها بولاية سطيف، على أن المشكل المسجل ليس في عمليات الاستزراع، بل يعود إلى عدم ترشيد عمليات الصيد، أين يقوم الصيادون المعتمدون باصطياد كميات هائلة من الأسماك في فترة وجيزة، في حين تحتكم عمليات الصيد لشروط، بما فيها ضرورة التقيد باصطياد كميات معينة من الأسماك للحفاظ عليها كثروة دائمة.
و أشارت إلى إرسال لجان للمعاينة إلى سد عين زادة، في إطار عملها الدوري لمراقبة عمليات الصيد، و استزراع صغار الأسماك، حيث تعتمد عملية زراعة الأسماك على مخطط عمل يستجيب لجملة من الشروط من بينها التحكم في الإنتاج، و ذلك للحفاظ على الثروة السمكية و عدم التأثير على نوعية المياه في السد.
مشيرة إلى أن الحفاظ على الثروة السمكية و التحكم فيها بالسدود و المجمعات المائية، يتطلب مساعدة من طرف الصيادين من خلال تقديم إحصائيات دقيقة حول الكمية التي يتم اصطيادها فضلا عن الحفاظ على الثروة.
حتى يتسنى للجهات المعنية إعداد برنامج دوري لاستزراع الأسماك انطلاقا من هذه الإحصائيات، نظرا لتداخل عديد العوامل في عملية التفريخ و الاستزراع منها الحفاظ على نوعية المياه.
و أشارت مديرية الصيد البحري و الموارد الصيدية، إلى استزراع 600 ألف يرقة من أسماك الشبوط الفضي قبل أشهر، بسد عين زادة استجابة لمطالب الناشطين في هذا المجال و كذا لتعزيز المخزون و المحافظة على استمرارية نشاط الصيد القاري، خصوصا بعد استحداث مفرخة أوريسيا ليرقات الأسماك بولاية سطيف، فيما كان القطاع يعاني من التبعية، و يتحتم على الوزارة الوصية استيراد كميات من يرقات الأسماك من المجر.
ع/بوعبدالله