البكالوريا .. إمتحان مصيري لاستعادة - هيبة - شهادة
يجتاز اليوم أزيد من 700 ألف تلميذ امتحان البكالوريا على مستوى الوطن في ظل إجراءات رقابية استثنائية تطبق للعام الثاني على التوالي تم تشديدها هذا العام لسد الطريق أمام الغشاشين و استعادة هيبة امتحان جره الاستعمال الخاطئ للتكنولوجيا إلى متاهة التشكيك، ما جعل وزارة التربية تحرص على المزيد من الصرامة وتضع رزنامة من الإجراءات لمحاصرة الغش والتكيف مع ما يتخذه من أشكال متجددة.
النصر توقفت في هذا الملف عند منعرج البكالوريا وأهميته في المسار الدراسي و حاولت مع مختصين فهم الأسباب التي تجعل هذا الامتحان المصيري عرضة لأن يقع تحت رحمة دعاة الغش ، كما تطرقت من خلال تربويين للخلفيات التي حولت الغش إلى ظاهرة مسكوت عنها داخل العائلة وأحيانا يتم تزكيتها والمشاركة فيها، كما لم يتم تجاهل وجود دعوات لنبذ مثل هذا السلوك، تبقى قليلة لكنها تشكل أداة مقاومة تساعد على تحقيق ما ترمي إليه وزارة التربية.
إعداد : إيمان زياري
كما تم التطرق من خلال ما تم رصده من آراء إلى أهمية مرافقة العائلة للتلميذ ليس بالضغط، بل بمحاولة مشاركته مختلف الخطوات وصولا إلى أهمية المتابعة النفسية التي يمكنها أن تصنع الفارق على اعتبار أن الإمتحان له هالة تتشكل معها اضطرابات تؤدي إلى فوبيا قد تعصف بمجهود عام كامل. لطالما شكلت الإمتحانات النهائية لأي مرحلة، نقطة حاسمة في مصير المتمدرسين، إلا أن لشهادة البكالوريا ميزة خاصة، على اعتبارها شهادة مصيرية تنقل الفرد من مستوى التلميذ إلى طالب بمقاعد الجامعة، إلا أن الأمر بدأ يأخذ منحى مغاير في الفترة الأخيرة، فالبكالوريا في نظر الكثيرين، لم تعد تلك الشهادة الهامة و المقدسة، بعد أن فقدت الكثير من بريقها، لما لحقها من متغيرات كثيرة، أثرت عليها على المستويين الوطني و الدولي.
و يجمع المتتبعون للشأن التربوي على أن الشهادة قد تميعت نتيجة عوامل كثيرة، بداية بما يعرف بظاهرة الدروس الخصوصية التي تسيطر على المرحلة بشكل كبير، إذ بات التلاميذ يعتمدون عليها أكثر من اعتمادهم على ما يتلقونه بمؤسساتهم التربوية، في ظل تواطؤ أساتذة الذين و بحسب تلاميذ و أوليائهم، يدفعونهم إلى ذلك و إلى هجران مقاعد الدراسة خاصة في الأشهر الأخيرة قبل الإمتحان، مثلما يؤكد عاطف مترشح لامتحان البكالوريا شعبة كيمياء، و الذي قال بأن الأستاذ نصحهم بذلك لضمان تحصيل أفضل و تحضير جيد للبكالوريا.
الدروس الخصوصية تفرغ الأقسام و جيوب الأولياء
يؤكد أساتذة و تربيون بعدد من المؤسسات التعليمية عبر الوطن، أن هذه الأخيرة تشهد عزوفا كبيرا من المقبلين على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا تحديدا، حيث يهجرون الأقسام بالجملة، و يجعلونها تدخل في عطلة قبل الموعد المحدد لذلك، متجهين إلى الأماكن المخصصة للدروس الخصوصية، و يؤكدون من جانب آخر أن ذلك يكون بتوجيه من الأساتذة بالمؤسسات بحسب التلاميذ أيضا الذين قالوا بأنهم من يدفعونهم لذلك، كإجراء لتحصيل أمثل.
و يبدو أن الدروس الخصوصية لا تؤثر على الأقسام فحسب، بل تتعداها إلى ميزانيات الأسر، أين تفرغ جيوب الأولياء بدروس خصوصية في جميع المواد و بمبالغ كبيرة بالنسبة لبعضها، لتفرض غرامات جديدة تصرف على الدروس الخصوصية التي و إن سيطرت على كافة المراحل التعليمية، إلا أنها تسيطر بنسبة أكبر على الامتحانات النهائية خاصة البكالوريا التي يستغنى بعض التلاميذ فيها عن المدرسة نهائيا و يتحولون إلى الدروس الخصوصية، و كأنهم طلاب بمدارس خاصة، يعرفون بأن نفس الأستاذ قد يقدم خلالها ما لا يقدمه لهم داخل قسم المؤسسة التربوية.
و قد يصل الأمر بالتلاميذ إلى مقاطعة الامتحان التجريبي للبكالوريا، مثلما فعلت التلميذة سامية العام الماضي، و أكدت بأن الكثير من زملائها شاركوها في ذلك، يقينا منهم بأنه بدون فائدة، فيما يكتفي الكثيرون بالدخول من أجل أخذ الأسئلة و الخروج بعد دقائق، يسلمون فيها أوراقهم للحراس فارغة.
تلاميذ يتابعون آخر *صيحات * الغش على حساب الدراسة
أضحى الغش في السنوات الأخيرة من المسلمات التي يتبناها عدد من المقبلين على امتحان البكالوريا بحسب ما كشفت عنه دورات السنوات الأخيرة، التي سجلت أكبر فضائح في تاريخ الشهادة، معتمدين في ذلك على شتى الطرق القديمة منها و الحديثة، إلا أن هذه الأخيرة، قد أحدثت *ثورة* في مجال الغش، بعد أن باتت التكنولوجيا مسخرة بكل تطوراتها لخدمة من يعرفون في قاموس البكالوريا الحديثة بـ*الغشاشين الالكترونيين*.
و يؤكد بعض المقبلين على اجتياز امتحان البكالوريا، بأنهم يتابعون كافة المستجدات في مجال الغش بقدر ما يتابعون دروسهم و قد يكون الاهتمام بذلك أكثر من المراجعة، حيث يقول عبدو تخصص علوم تجريبية، بأنه يرصد و زملائه آخر تطورات الغش الإلكتروني، عبر متابعة الفيديوهات و مختلف الصفحات عبر الفايسبوك، لتبادل ما يعتبره تجارب قد تنفع يوم الإمتحان رغم ما تتوعد به بن غبريط من اجراءات صارمة.
اجراءات صارمة لبكالوريا آمنة
و ضع تفشي ظاهرة الغش في أوساط المقبلين على اجتياز البكالوريا، وزارة التربية أمام تحدي كبح ماكنتها التي يسيرها تلاميذ استعدوا لها أكثر من استعدادهم بالدراسة و المراجعة ، بعد أن تفوقوا على الحراس و المراقبين في الدورات السابقة، و التي باتت تتصدر اهتمامات الوزارة سعيا منها للحفاظ على مصداقية شهادة تبقى الأهم بالنسبة للجميع.
و من بين أهم الوسائل التي تعتمدها الوزارة مؤخرا، منع المترشحين نهائيا من حيازة الهواتف النقالة ، الحواسيب و اللوحات الإلكترونية ، و تزويد مراكز الإمتحانات بأجهزة التشويش و كاميرات المراقبة و السكانير للكشف عن الهواتف المحمولة تفاديا لتسريب الأسئلة و قطع الإنترنت خلال الساعة الأولى من كل امتحان، فضلا عن مضاعفة عدد الحراس داخل القاعات، و الاستعانة بأعوان الأمن و الحراسة من الشركات الخاصة لضمان تغطية أمنية أشمل للامتحان.
يراهن مختصون و متتبعون للشأن التربوي، استحالة سيطرة وزارة التربية على ظاهرة الغش الإلكتروني رغم اعتمادها على أجهزة التشويش، في ظل التطور السريع للوسائط التكنولوجية الحديثة، خاصة مع قدرة بعض التلاميذ على اختراق الأنظمة و تعطيل الأجهزة المعروفين بـ*الهاكرز* أو قراصنة الحاسوب.
من جانب آخر، يشكل تسريب الأسئلة أحد أكبر تخوفات بن غربريط و فريقها، خاصة ليلة الإمتحان، بعد أن ضربت التسريبات في السنتين الأخيرتين بمصداقية الشهادة، و شكلت منعرجا خطيرا، حيث لا يزال الحديث قائما عن عملية التسريب التي يمكن أن تتم عند توزيع الأسئلة، على الرغم من تطمينات الوزيرة بالسرية التي يعتمدها الديوان الوطني للإمتحانات في التعامل مع الملف، و التحذيرات التي تذكر بها في كل وقت من متابعات قضائية و حرمان من الإمتحان بشكل نهائي بالنسبة للتلاميذ.
مفتاح مزيف للسيارات.. وسيلة أخرى تعرض في الأسواق
يبدو أن إجراءات بن غبريط الصارمة، لن تمنع الغشاشين من ذلك، مع التطور التكنولوجي الكبير، حيث يتم الترويج في الآونة الأخيرة لمنتوج جديد، في شكل مفتاح سيارة أوتوماتيكي، مزود ببلوتوت، لا يمكن الكشف بأنه غير حقيقي، و كشف بعض المتمدرسين ممن قاموا بشرائه، بأنهم تحصلوا عليه من أسواق مدينة العلمة بولاية سطيف، بمبلغ مالي يصل أو يتجاوز 2 مليون سنتيم.
و يقول بعض التلاميذ، بأنه منتوج جديد يشهد رواجا في أوساط المقبلين على الباك، خاصة مع التسويق السريع و الحديث لمثل هذه المنتوجات عبر مواقع التسوق الإلكترونية التي يتصدرها واد كنيس الجزائري، أين يتم عرض الكثير من المنتجات الحديثة التي يمكن استخدامها في مجال الغش في البكالوريا كالبلوتوت بمختلف أنواعه و علاماته و الذي يتراوح سعره بين 1500 إلى 23000 دينار جزائري، لم تثن التلاميذ عن اقتنائها رغم غلاء أسعارها.
حملات لإستعادة « قدسية» الشهادة
قام بعض الناشطين على اليوتيوب، بنشر فيديوهات مناهضة للغش، مرروا عبرها رسائل للمقبلين على الشهادة المصيرية، في دعوة لتجنب الغش، و الإعتماد على المجهود الفردي، مستندين في ذلك إلى الدين، و نظرة المجتمع للغشاش، فضلا عن العقوبات القانوينة التي تنتظر من يقوم بذلك إن تم كشفه، فيما سلطت بعض الفيديوهات على الطريقة الأمثل لاجتياز البكالوريا بكل ثقة، و وجه بعض الناشطين نصائح للمقبلين على الإمتحان قبل، أثناء و بعد ذلك. كما تشاركت مجموعة من صفحات الفايسبوك لباك 2018 في نشر عبارات تنبذ الغش، و تدع لتفاديه، بينما لم يخلوا اليوتيوب و صفحات أخرى من بعض التحريضات على الغش و نشر آخر طرق ذلك للنجاح المضمون في البكالوريا.
إ.زياري
أخصائية علم الإجتماع الأستاذة بلفطار فاطمة
الأسر لا تتذكر البكالوريا إلا في آخر شهر من العام الدراسي
قالت أستاذة علم الإجتماع، بلفطار فاطمة، بأن ضعف العملية التربوية في مجملها، وراء فقدان شهادة البكالوريا لمصداقيتها في السنوات الأخيرة، متحدثة عن حتمية فتح باب الحوار بين الوزارة و الأسرة، من أجل خلق مرونة و رفع مستوى «الباك» إلى ما كان عليه.
و ترى المختصة بأن أسباب فقدان الشهادة لبريقها، يعود لأسباب ذاتية ترجع للتلميذ في حد ذاته، و أخرى موضوعية تمثلها العملية التربية التي يتشارك فيها المعلم، التلميذ و المناهج التربوية، معتبرة بأن هذه الأخيرة مرنة و تختلف من معلم و متلقي إلى آخر، و حتى للأسرة تأثير في ذلك إن كان أفرادها مثقفون أم لا، و حتى مستواها المعيشي يؤثر على ذلك.
المختصة تحدثت أيضا عن تغير في اهتمامات الشاب الجزائري، إذ لم تعد منحصرة في الثقافة و تحصيل العلم، في ظل التطور التكنولوجي الهائل بجميع أشكاله، و الذي ترى بأنه يستغل بطريقة سلبية بنسبة 80 بالمائة من طرف التلميذ الجزائري، منتقدة من جانب آخر ما أسمته بـ*موضة الدروس الخصوصية*، التي حملت فيها المسؤولية للأولياء، التلميذ و الأستاذ معا، فضلا عن التكوين المختلف لأستاذ سنوات المانينيات و الألفين.
و حذرت الأستاذة بلفطار من الإهمال بالنسبة لبعض الأسر التي لا تتحدث عن البكالوريا إلا قبل شهر من تاريخ اجتيازها، مشيرة إلى عدم مرافقة بعض الأولياء لأبنائهم خلال مسارهم الدراسي أو منذ بداية السنة، ما تقول بأنه بات أمرا مفقودا لدى أغلب الأسر الجزائرية.
و أشارت المتحدثة أيضا إلى المناهج و البرامج التربوية التي قالت بأن فيها ضغطا كبيرا و هفوات يعلم بها المختصون لكن لم يتمكنوا من التدخل لإصلاحها، و تدعو الأستاذة إلى ضرورة الاعتماد على الحملات التحسيسية بداية من الأسرة إلى المدارس الإبتدائية وصولا إلى الثانويات، إن أريد بناء جيل ثقافي، داعية إلى فتح باب الحوار فيما بين الوزارة و الأسرة لخلق مرونة و رفع مستوى
البكالوريا
.إ.زياري