- أحجار سيدي أحمد - ..حين تصبح حجارة التيمم أسطورة نضال
وقع أمس الأول الكاتب والصحفي عزيز موات، بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بقسنطينة، إصدارا جديدا بعنوان «أحجار سيدي أحمد»، نقل بين طياته حقائق تاريخية عايش تفاصيلها خلال هجمات 20 أوت 1955، متخذا من حادثة إبادة رجال عائلته نقطة ارتكاز ليروي قصصا إنسانية من عمق الثورة، توثق لفظاعة جرائم المحتل، وتقدم حقائق تاريخية بروح علمية أعطت قيمة مضافة للمؤلف، وشكلت منطلقا لوضع لبنات مشروع ثقافي فني رياضي يعيد الاعتبار التاريخي لمقام سيدي أحمد.  

وقد نشط اللقاء الثقافي التاريخي كل من الأستاذ والناشر هارون حمادو، والأستاذ عبد السلام يخلف، إلى جانب المخرج خالد بلحاج وصاحب الاصدار الكاتب عزيز موات، والذين تشاركوا الحديث عند تقديم الكتاب، والكشف عن مولود جديد من رحم معاناة انسانية وحقائق تاريخية، يحملها كتاب «أحجار سيدي أحمد».
إبادة رجال عائلة عزيز جوهر المؤلف
وتطرق الأستاذ هارون حمادو، ناشر دار كنوز يوغرطة بقسنطينة، لمؤلف عزيز موات، في بداية تقديمه للكتاب، مقام سيدي أحمد، المذكور في العنوان، المتواجد بمنطقة بني مالك بأعالي ولاية سكيكدة، عمره حوالي قرنين من الزمن، كان شاهدا على هندسة هجمات 20 أوت 1955 في سكيكدة، واحتضن لقاء مسبلين، شاركوا في الهجومات بأمر من زيغوت يوسف، وكان أحدهم من الذين أعطوا إشارة انطلاق الهجوم على الساعة الثانية عشرة زوالا، وذلك باعتلائه المقام، مؤذنا للجهاد، داعيا  للتوظؤ قبل الانطلاق.
الاشكال الذي واجهه المناضلون في تلك الأثناء، حسب الناشر ومؤلف الكتاب، هو أن تجمعهم الكثيف حول نقطة الماء بجانب المقام، كاد أن ينبه المستعمر ويشكل خطرا عليهم، لذا أشير لكل من لم يستطع الوضوء بالتيمم بالحجارة، ومن هنا استوحى الكاتب عنوان «أحجار سيدي أحمد»، ومن هذه الفكرة التي يمكن القول أنها روحانية، ارتكز الكاتب عزيز موات، في كتابة إصداره الجديد، الذي يعد شاهدا على جرائم ارتكبها المستعمر انتقاما من سكان المنطقة.
تصحيح مغالطات تاريخية بمنظور علمي قدم قيمة مضافة للمؤلف
كان  الكاتب عزيز طفلا في الخامسة، لكن ذاكرته احتفظت بمآس، ليكتب عنها بعد مرور أكثر من 60 سنة من وقوعها، متخذا حادثة إبادة عائلته، بقتل كل ذكر تجاوز سن 15 سنة، ولم يبق من العائلة سوى النساء والأطفال، كنقطة ارتكاز ليروي قصصا إنسانية تاريخية من عمق الثورة، عايش بعضها ونقل أخرى على لسان أقاربه، ليقدم المؤلف كردة فعل على بعض أذناب الاستعمار الذين حاولوا توظيف هذه الأحداث لتبرير بعض التصرفات للمستدمر واتخاذها كغطاء للتعتيم عما حدث، من بين هؤلاء المخرج جون بيار ليدو الذي أنجز فيلما وثائقيا حول هذه الأحداث بمشاركة الكاتب عزيز موات، لكن المفاجأة الكبرى بالنسبة لهذا الأخير أن ذلك الفيلم جاء ليروج للرواية الفرنسية الاستعمارية فيما يخص الأحداث.
ليأتي الكتاب كرد من عزيز موات أحد شهود العيان على هذه الرواية الفرنسية الخاطئة، ويصحح مغالطات تاريخية بعين شاهد وبروح علمية، اتضحت عند تحليل وتفسير الوقائع التاريخية، كون الكاتب عزيز موات دكتور في العلوم الفلاحية ومدير سابق للمعهد الوطني في الفلاحة بمستغانم، ما أعطى حسب الناشر هارون حمادو قيمة مضافة للكتاب، الذي لا يجده مجرد ردة فعل عاطفية لتلك الهجومات، وإنما التمس فيه قوة الاقناع وحياد الكاتب، كاشفا في ختام حديثه عن انطلاقه في ترجمة هذا الإصدار للعربية.   
صاحب الاصدار، قال بأنه وثق لذكريات كان يحملها، منذ 20 أوت 1955، ونقل بعض المشاهد التي وثقتها ذاكرته رغم صغر سنه آنداك، منها مشاهد لنسوة يحضرن الكسكس، وهي من العادات المرتبطة بإحياء المناسبات بالمنطقة، ما جعله يتساءل وقتها عن سر تحضيرها، ليتفاجأ بأمر ثان حدث لأول مرة وهو رفع صوت الآذان لأول مرة للإعلان للجهاد في سبيل الله، ناهيك عن منظر خروج عدد لا يعد من المناضلين من الغابة، وهم يرددون «لا اله الا الله الجهاد في سبيل الله»، وصوت زغاريد النساء.
 أحجار التيمم جوهر الحكاية..
الدكتور، عبد السلام يخلف، وعند تطرقه لفحوى الإصدار، قال بأنه لاحظ من خلاله قدرة الكاتب على اختصار العالم في شيء بسيط يعد جوهر الحكاية، أحجار التيمم التي تحولت لأسطورة حينما استجاب مناضلون لنداء الجهاد، فالكتاب انطلق من أحداث 20 أوت 1955، ليضع الأحداث والمكان في سياقهما التاريخي، ليقدم لحظة متفردة من تاريخ الأمة الجزائرية، لما حمل مئات الناس الفؤوس والمعاول وما يملكونه من شجاعة، وبعض قطع السلاح البدائية، قادمين من كل مكان  نحو سيدي أحمد، ليقفوا على خط واحد ضد الظلم والاستبداد، بعد أن استمعوا للتعليمات لكونها طريقهم المعبدة نحو النصر، كان يومها أول محرم، توضؤوا للجهاد في سبيل الله وتيمموا بأحجار سيدي أحمد لينطلقوا بقلوب عامرة بالإيمان، ليصنعوا ملحمة مازال المكان شاهدا عليها، والذي ألهم الصحفي عزيز موات، وحرضه على الكتابة لينقل القصة بكل تفاصيلها الأليمة بأدوات الباحث العارف المتمرس، داعيا عند تقديمه لعرض مصور بعدسة كاميرته، للمكان بعنوان «أحجار سيدي أحمد حين يبتسم المكان، لأنه أسطورة»،  الذي زاره رفقة المخرج خالد بلحاج وعلي دعاس، لمساهمة الجميع في الحفاظ عليه.
مشروع لتخليد رمزية مقام سيدي أحمد وتصنيفه
المكان، يمثل حسب المؤلف ومساهمين في تقديم الكتاب، رمزا للذاكرة الوطنية، لهذا أراد أن يجعل منه المخرج المسرحي خالد بلحاج إلى جانب كل من عبد السلام يخلف وهارون حمادو مشروعا فنيا، ليبرز البعد التاريخي للمكان الذي جمع أبطالا من الثورة والجانب الإبداعي والتراثي، في محاولة، مثلما قال، المخرج بلحاج لوخز الجميع من أجل المحافظة على هذه الأجزاء التي تمثل تاريخنا، واقترحوا رفع العلم في المقام وترميمه، وتنظيف محيطه وتهيئة الطريق المؤدي إليه، نظرا لوضعه الكارثي، على السلطات المحلية، التي رحبت بالفكرة، حيث أكد الأستاذ هارون أن الإجراءات الإدارية جارية لتصنيف المكان، كمكان للذاكرة، وتحديد انتمائه، والذي سيحتضن احتفالا رمزيا في 20 أوت القادم. وتقرر، إطلاق مشروع لتخليد رمزية مقام سيدي أحمد التاريخي، والذي يبعد عن جنوب وسط سكيكدة ب7 كيلومتر، تحت شعار «من سيدي أحمد إلى مانهاتن»، بإقامة مجموعة من النشاطات الفنية والثقافية والرياضية منها سباق ريفي ومعارض فنية تشكيلية، تشمل  39 نقطة التي كانت نقطة اصطدام في 20 أوت منها عين عبيد واد زناتي الحروش، حيث سيتم إحياء كل مرة نشاط في نقطة من النقاط.     
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى