تواصلت ردود الفعل والانتقادات الدولية حول قرار الإدارة الأمريكية اعتبار المستوطنات "شرعية" في انتهاك صارخ للقانون الدولي، مما يزيد في تعقيد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتقويض آفاق حل الدولتين، في وقت ينتظر أن يبحث وزراء الخارجية العرب، الاثنين المقبل، الموقف الأمريكي من الاستيطان الاسرائيلي في فلسطين.
وفي أعقاب التغير الكبير في السياسة الأمريكية حول هذه القضية، وعلى غرار الدول المنددة بالقرار، أعربت الجزائر في بيان لوزارة الشؤون الخارجية امس الأربعاء، عن رفضها "القاطع" للمواقف الداعية لاعتبار المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية "غير مخالفة للقانون الدولي"، معتبرة إياها "انتهاكا صارخا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الامن الدولي ذات الصلة".
وأوضح البيان أن الجزائر "لا ترى في مثل هذه المواقف إلا عقبة جديدة من شأنها أن تقوض المساعي الرامية لايجاد حل للقضية الفلسطينية" قائلا "وإذ تجدد الجزائر موقفها القاضي بعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وتؤكد دعمها اللامشروط لحق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، فإنها تذكر بأهمية مبادرة السلام العربية المنبثقة عن قمة بيروت لسنة 2002 ".
أما القيادة الفلسطينية فهي تعتزم رفع قضية للجنائية الدولية ضد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، حيث كشف وزير الخارجية وشؤون المغتربين، رياض المالكي، أن القيادة الفلسطينية تعتزم خلال الأيام القليلة القادمة التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولي لرفع قضية ضد الوزير الأمريكي شخصيا، كونه يتحمل المسؤولية المباشرة عن تداعيات وانعكاسات إعلانه الخطير بشأن المستوطنات.
وقال المالكي، في تصريح لإذاعة صوت فلسطين، إن الإعلان الأمريكي من الناحية القانونية "لا قيمة له"، لكن من الناحية العملية، فإن له انعكاسات خطيرة بتقويض السلم والأمن وإمكانية حل الدولتين وإنهاء حالة الاستقرار، وشجع نتانياهو (رئيس حكومة الاحتلال) على ضم أراضي الضفة بدءا من الأغوار في مخالفة واضحة للقانون الدولي.
وأضاف الوزير الفلسطيني "أن الدبلوماسية الفلسطينية تعمل بكل جهد لانجاح التصويت الذي سيتم في الخامس من الشهر المقبل في الجمعية العامة على مشاريع قرارات أهمها القدس، مشيرا إلى اجتماع في الثاني من الشهر ذاته في لاهاي بالجمعية العامة للدول الأعضاء للمحكمة الجنائية الدولية وستطرح خلاله فلسطين كافة المواضيع وأهمها رفع قضية ضد بومبيو".
وتعقيبا على تصويت 165 دولة لصالح حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بالجمعية العامة للامم المتحدة، شدد المالكي على "أهمية هذا التصويت الذي يأتي في وقت تعمل فيه القيادة الفلسطينية على حشد مواقف دول العالم ضد الموقف الأمريكي "، معتبرا هذا التصويت انتصارا كبيرا للحق الفلسطيني وردا مباشرا على الموقف الذي صدر عن وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو.
وأشار المالكي إلى احتفال في الأمم المتحدة في 27 من الشهر الجاري سيحضره الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص اليوم العالمي لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
من جهتها، أعلنت الجامعة العربية عن عقد دورة غير عادية لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب، يوم الإثنين المقبل، بمقر الأمانة العامة بالقاهرة، لبحث "التطور الخطير لموقف الإدارة الأمريكية بشأن الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني في فلسطين المحتلة".
وقال حسام زكي الأمين العام المساعد للجامعة العربية، في تصريح صحفي،امس أنه تم الاتفاق على عقد هذه الدورة غير العادية لمجلس وزراء الخارجية العرب، بناء على طلب دولة فلسطين، وبعد مشاورات جرت بين الأمانة العامة للجامعة العربية والعراق الرئيس الحالي لمجلس الجامعة وفلسطين.
وسيبحث مجلس وزراء الخارجية العرب بالمناسبة الإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها عربيا للتعامل مع الإعلان الأمريكي. ومن المقرر أن تقدم الأمانة العامة للجامعة خلال الاجتماع مذكرة لبسط آخر مستجدات ملف الاستيطان ومشروع القرار المقدم من الجانب الفلسطيني بهذا الشأن.
وأكدت الأمم المتحدة على لسان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ، ستيفان دوجاريك، موقفها ال"ثابت" بشأن عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، مشددة على قرار مجلس الأمن 2334 الصادر عام 2016 والذي نص على مطالبة الكيان الإسرائيلي بوقف الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وقال دوجاريك في تصريح صحفي أن موقف الامم المتحدة لم يتغير بشأن المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وأن "الأمين العام يأسف لإعلان الولايات المتحدة بخصوص المستوطنات".
بدوره، أدان مايكل لينك المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 إعلان مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي أن "المستوطنات الإسرائيلية لا تتعارض مع القانون الدولي"، قائلا في بيان أن "ذلك حتما يشق التوافق الدولي ولن يساهم سوى بإطالة أمد الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف أن "هذه ليست خطوة باتجاه السلام أو الإنصاف فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ولكن قرار الحكومة الأمريكية الإطاحة بالقانون الدولي وإضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية هو على الأرجح المسمار الأخير الذي يدق في نعش حل الدولتين".
وأشار لينك إلى أن المستوطنات الإسرائيلية تعد سببا رئيسيا في وجود انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وهي المحرك الأساسي للاحتلال الإسرائيلي وهي "مقامة على أراض فلسطينية مصادرة وتستولي بشكل غير قانوني على الموارد الطبيعية الفلسطينية ومن بينها المياه والتربة والأملاح".
وانتقدت خمس دول اوروبية بمجلس الامن الدولي - بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا- تغير الموقف الامريكي حيال المستوطنات الإسرائيلية بالأراضي المحتلة دون ان تذكر واشنطن بالاسم.
واوضح أعضاء الاتحاد الأوروبي الخمسة في بيان مشترك صادر - قبيل اجتماع مجلس الأمن حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني- امس أن "النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني ويتعين وضع حد له" قائلين أن "موقفنا تجاه سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية واضح ولم يتغير: يعتبر النشاط الاستيطاني كله غير قانوني وفقا للقانون الدولي ويقوض القدرة على تحقيق حل الدولتين وكذلك أفق السلام الدائم" .
ودعت هذه الدول "إسرائيل إلى إنهاء النشاط الاستيطاني كله بالتوافق مع التزاماتها كقوة محتلة. ونكرر مخاوفنا بشأن دعوات الضم المحتمل لمناطق في الضفة الغربية"، مذكرة أنها ستواصل دعم استئناف العملية المفيدة تجاه حل الدولتين المتفاوض عليه والذي قالت إنه الحل الواقعي والقابل للتطبيق الوحيد لتحقيق التطلعات المشروعة للجانبين.
كما دعت الصين من جهتها إلى وقف جميع النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكذا وقف التصريحات والإجراءات "غير المسؤولة" التي قد تزيد من تعقيد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وأكد تشانغ جيون مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة - خلال اجتماع مجلس الأمن- على ضرورة "وقف جميع النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة فورا ووقف هدم منازل الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم".
وذكر أن قرار مجلس الأمن رقم 2334 ينص على أن النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنها القدس الشرقية تتعارض مع القانون الدولي، وقال أنه "في مواجهة الوضع الفلسطيني-الإسرائيلي المؤلم يجب على جميع الأطراف الامتناع عن تصعيد التوتر والمواجهة والتوقف عن إضافة تعقيدات جديدة إلى القضية الفلسطينية".
واج