يمثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني « نتنياهو» و وزير دفاعه السابق» غالانت» بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، انتصارا للحق الفلسطيني وتصحيحا لمسار طويل من الظلم والإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وأدت مذكرتا التوقيف إلى نزول قادة الكيان الصهيوني من الشجرة التي بقوا فوقها لعقود طويلة، بعيدا عن المحاسبة والمساءلة القانونية الدولية.
وفي الوقت ذاته تمثل مذكرتا التوقيف ضربة موجعة وصدمة قوية للكيان الصهيوني منذ إنشائه في عام 1948 على الأراضي الفلسطينية، بعد رهانه بشكل كبير على إفشال هذا القرار بممارسة ضغوطات واسعة، بعد الطلب الذي تقدم به المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية كريم خان في جوان الماضي.
وكانت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية أصدرت الخميس الماضي مذكرتي توقيف بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني « نتنياهو» و وزير دفاعه السابق «غالانت» بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وجاء في مذكرة الاعتقال أن رئيس وزراء الكيان و وزير دفاعه السابق يتحمل كل منهما المسؤولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية، كما وجدت الدائرة التمهيدية أسبابا معقولة للاعتقاد أن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما مسؤولين مدنيين عن جريمة الحرب، المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين.
ولم تفلح كل الضغوط الأمريكية والصهيونية على قضاة المحكمة الجنائية الدولية لعدم استصدار مذكرات توقيف بحق قادة الكيان الصهيوني، وانتصرت حقوق الأبرياء الفلسطينيين من النساء والأطفال على الضغوط الأمريكية والصهيونية، وشكلت مذكرتي التوقيف صدمة قوية لقادة الكيان الصهيوني، حيث وصف رئيس الوزراء تاريخ إصدار المذكرتين باليوم الأسود.
ورغم أن المحكمة الجنائية ساوت بين الجلاد والضحية في هذه القضية، حيث أصدرت مذكرة توقيف بحق قائد أركان كتائب القسام محمد الضيف، إلا أن إصدار مذكرتي توقيف بحق قادة الكيان الصهيوني لأول مرة في تاريخ هذه المحكمة يعد انتصارا لحقوق الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة وتطهير عرقي في قطاع غزة منذ أكثر من 15 شهرا، كما يعيد هذا القرار الاعتبار لقيم العدالة و حماية الإنسانية، و تصحيح لمسار طويل من الظلم والإجرام الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة الغربية أو القدس الشريف، على الرغم من أن هذا القرار جاء متأخرا، وصدر بعد أكثر من 15 شهر من أعمال الإبادة التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
ترحيب فلسطيني واسع بقرار المحكمة
لقي قرار المحكمة الجنائية الدولية ترحيبا فلسطينيا واسعا، خاصة وأنه لأول مرة يتم استصدار قرار بهذا الشكل الرفيع ضد قادة الكيان الصهيوني، كما يمثل انتصارا قويا للقضية الفلسطينية، ورحبت في هذا السياق دولة فلسطين بقرار المحكمة، وجاء في بيان نشرته وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أن هذا القرار يعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته، وفي أهمية العدالة والمساءلة في ملاحقة مجرمي الحرب، خاصة في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني إلى إبادة جماعية وجرائم حرب، وطالبت دولة فلسطين وفق ما جاء في بيان وزارة الخارجية جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية، وفي الأمم المتحدة بتنفيذ قرار المحكمة، وتسليم المجرمين إلى القضاء الدولي، وشددت على ضرورة تنفيذ سياسة قطع الاتصال واللقاءات مع المطلوبين الدوليين.
وفي السياق ذاته رحبت حركة حماس بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق الإرهابيين نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ووصفت حماس هذه الخطوة التي حاولت الإدارة الأمريكية المتواطئة مع جرائم الحرب الصهيونية تعطيلها لأشهر، بالسابقة التاريخية المهمة، وتصحيح لمسار طويل من الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 76 عاما من الاحتلال الفاشي، ودعت الحركة محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة لكافة قادة الاحتلال المجرمين و وزرائه وضباطه الفاشيين، الذين أوغلوا في دماء الشعب الفلسطيني، ومارسوا بحقه أبشع عمليات القتل والإرهاب والتجويع التي عرفها التاريخ الحديث، كما دعت حماس كافة الدول في العالم للتعاون مع المحكمة في جلب مجرمي الحرب الصهاينة، والعمل فورا لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة.
رفض أمريكي وتأييد أوروبي
مباشرة بعد صدور مذكرتي التوقيف ضد رئيس وزراء الكيان الصهيوني و وزير دفاعه السابق أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن رفضها لهذا القرار، وأكدت عدم تنفيذه، ولوحت بتسليط عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ولم يعد هذا الرفض الأمريكي بالأمر الجديد أو المفاجئ، كون أن العدوان على غزة الذي خلف ما يزيد عن 53 ألف شهيدا، 70 بالمائة منهم من النساء والأطفال يتم بغطاء ودعم أمريكي، كما كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أفشلت قبل يومين فقط من صدور مذكرتي التوقيف ضد قادة الكيان مشروع قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد استخدامها لحق الفيتو، في حين هذا المشروع لقي تأييدا من طرف جميع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وفي الوقت ذاته لقيت مذكرتا التوقيف اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة الكيان الصهيوني معارضة بعض الدول الأوروبية مثل المجر والنمسا، إلا أن غالبية الدول الأوروبية الأخرى عبرت عن تأييدها للقرار، وأكدت التزامها بما جاء فيه، ومن هذه الدول هولندا، إيطاليا، فرنسا، النرويج، السويد، سويسرا، وإسبانيا، وأكدت هذه الدول عزمها اعتقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني في حال زيارته لبلدانها، وفي السياق ذاته قال مفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن مذكرة التوقيف بحق نتنياهو وغالانت لازمة التنفيذ، بما في ذلك بالنسبة للدول الأعضاء، مضيفا أن هذا القرار ليس سياسيا ويجب احترامه.
ويعتبر هذا الموقف الأوروبي بعد صدور مذكرة توقيف قادة الكيان الصهيوني تحول كبير في مواقف الدول الأوربية تجاه هذا الكيان الذي كان يجد الدعم من العديد من الدول الأوربية لتنفيذ حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، كما أن هذا التحول في المواقف الأوربية قد يؤثر على مبيعات السلاح للكيان الصهيوني الذي يتم تزويده بالذخائر والأسلحة من بعض هذه الدول، وبالتالي إصدار مذكرة توقيف في حق رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق يجعل الدول الأوروبية تراجع قراراتها، وقد تلجأ إلى وقف بيع السلاح للكيان الصهيوني، خاصة مع الضغوط الشعبية التي تعيشها هذه الدول التي تشهد مسيرات أسبوعية لوقف كل أشكال التعامل التجاري مع الكيان الصهيوني خاصة العسكري منه.
ارتباك صهيوني من وجود مذكرات اعتقال سرية بحق قادة آخرين
يعيش الكيان الصهيوني حالة من الارتباك بعد صدور مذكرتي توقيف بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق، ويتخوف مسؤولو الكيان من وجود مذكرات توقيف أخرى سرية، ما يجعل هذا الكيان وقادته المجرمين يعيشون حالة رعب وعزلة كبيرتين، خاصة بعد إشارة المحكمة الجنائية الدولية في قرارها إلى أن المذكرتين بحق نتنياهو وغالانت تصنف على أنها سرية لحماية الشهود وضمان سير التحقيقات، ومع ذلك قررت إصدار المعلومات الواردة في بيانها، لأن السلوك المماثل للسلوك الذي تناولته مذكرة الاعتقال يبدو أنه مستمر حسب ما جاء في بيان مذكرة التوقيف، وأضافت أنها ترى أنه من مصلحة الضحايا وأسرهم أن يتم إعلامهم بوجود مذكرات الاعتقال.
وفهم من طرف محللين قانونين وسياسيين من هذا الكلام بإمكانية وجود مذكرات توقيف أخرى سرية، خصوصا وتزامن صدور المذكرتين مع توقيف الأسبوع الماضي جندي صهيوني بقبرص بتهمة ارتكاب جرائم حرب بعد نشره فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من غزة وهو يقوم بحرق منازل المدنيين ويدعو إلى قتلهم، قبل أن يخلى سبيله وغادر قبرص هاربا خوف من اعتقاله من جديد.
نورالدين ع