خبراء يحذرون من تحول الجزائر إلى مستقر لجرائم الاتجار بالبشر
حذر مشاركون في اليوم التحسيسي للتصدي للمتاجرة بالأطفال المجتمع المدني من أن تتحول الجزائر إلى بلد استقرار لشبكات المتاجرة بالبشر، في حال عدم التنسيق مع المجتمع المدني، ومحاربة التسول والتشرد والمتاجرة بالمخدرات، مؤكدين بأن موقع الجزائر، كبلد عبور للمهاجرين السريين يهدد باستفحال جرائم المتاجرة بالبشر.
وأكد في هذا الصدد ممثل اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر الحاج أمين، في اليوم التحسيسي حول دور المجتمع المدني في التصدي للاتجار بالأطفال، وجود استغلال جنسي واقتصادي لهذه الشريحة الهشة من المجتمع، غير أن الأمر لم يرق بعد إلى الظاهرة، موضحا بأن الاتجار بالبشر واستغلال الطفولة مرتبط بالهجرة غير الشرعية، إلى جانب التشرد والتسول، كاشفا عن وجود عصابات تستغل الظروف الإنسانية المأساوية للمتاجرة بالأشخاص، مما دفع إلى إطلاق عمل ميداني بالتنسيق مع قطاعات مختلفة، إلى جانب الجمعيات لمكافحة الظاهرة، مذكرا بمضمون قانون العقوبات الذي يسلط السجن لمدة تتراوح ما بين 5 سنوات إلى 15 سنة على المتورطين في المتاجرة بالأشخاص، كما يضمن حماية الضحايا والتكفل بهم ماديا ومعنويا، مع تكوين أعوان للتعامل مع هذه الفئة، فضلا عن المتابعة الجنائية لمرتكبي هذه الجرائم.
ونفى ممثل اللجنة الوطنية لمكافحة المتاجرة بالبشر التي تم استحداثها سنة 2016 ، حيازته على أرقام بخصوص عدد ضحايا شبكات المتاجرة بالأشخاص، لكون هذه الجرائم ليست منتشرة بالشكل الذي يثير الانتباه في الجزائر، فضلا عن حرص السلطات الأمنية وكذا مختلف القطاعات على حماية الفئات الهشة، أي الأطفال والنساء، بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، إلى جانب التشجيع على التبليغ عن هذه الممارسات، مع ضمان الحماية التامة لمن يكشف عن وجود جرائم تخص المتاجرة بالأشخاص، أو استغلال الأطفال.
تيارات الهجرة السرية مجالا خصبا لنشأة خلايا الاتجار بالأشخاص
ونبهت خيرة مسعودان، عميد أول للشرطة، من جهتها لإمكانية تحول الجزائر من بلد عبور للهجرة غير الشرعية، إلى موطن لاستقرار جرائم الاتجار بالبشر، بسبب موقعها الرابط بين القارة السمراء وأوروبا، قائلة إن تيارات الهجرة غير الشرعية وتهريب الأشخاص واستغلال المهاجرين غير الشرعيين يدعو إلى ضرورة تكثيف الجهود لمنع تشكل الخلايا الأولى للاتجار بالبشر، نظرا للتوافد الكبير لنازحين من بلدان الساحل الإفريقي نحو الجزائر، مما أدى حسبها إلى تسجيل حالات نسبية من جرائم استغلال الأشخاص، التي تعد ثالث جرائم في العالم، بعد المتاجرة بالمخدرات وكذا الأسلحة.
وأكدت العميد الأول للشرطة صعوبة اكتشاف ضحايا الاتجار بالأشخاص، لأنها جرائم تحاط غالبا بالكتمان والسرية التامة من قبل الضحايا، بسبب التهديدات التي يتعرضون لها من قبل الشبكات التي تستغلهم، موضحة بأننا نرى يوميا عديد الأطفال والنساء من المهاجرين الأفارقة، دون أن يتقدموا إلى مصالح الأمن للتبليغ عن التجاوزات التي يتعرضون لها، مؤكدة أيضا بأن المشكل الأساسي يكمن في التبليغ عن هذه الجرائم، وأن استغلال الأشخاص هي ممارسات موجودة أيضا في مجتمعنا، لكنها متخفية وراء معتقدات اجتماعية، وذكرت على سبيل المثال استقدام خادمات بعضهن يعانين من إعاقات نحو المدن الكبرى للقيام بأشغال منزلية، فضلا عن استغلال الأبناء والنساء في التسول، وأحيانا في الدعارة، وهي حالات تم اكتشافها في مناطق داخلية، إذ يلجأ رب الأسرة أحيانا للمتاجرة بزوجته لسداد دين عجز عن دفعه نقدا.
وناشدت السيدة مسعودان المجتمع المدني للمساهمة في كشف هذه الجرائم من خلال تقصيها ميدانيا، ورفع الستار عنها، بما يساعد الجزائر على تحسين رتبتها ضمن التقارير الدولية التي تعنى بالظاهرة، مؤكدا بأن الاتجار بالأشخاص هي جرائم متعمدة تحتفي وراء جرائم أخرى، من بينها التسول والإرهاب، والدعارة، مؤكدة بأن نسبة هامة ممن يلجأون إلى هذا الطريق المنحرف هم من بين ضحايا شبكات المتاجرة بالبشر.
وأفاد من جانبه ممثل الدرك الوطني بأن موقع الجزائر الاستراتيجي، وتحولها إلى بلد عبور للهجرة غير الشرعية، وتوفرها على فرص العمل، قد يساعد على ظهور شبكات للمتاجرة بالبشر، مما يتطلب ضرورة توفير الحماية الكاملة للقصر، وهو ما تقوم به مصالح الدرك من خلال فرق الأحداث المنتشرة عبر الولايات، التي تقوم بتقصي التجاوزات.
أقل من 1 بالمائة نسبة عمالة الأطفال بالجزائر
وكشفت وزارة العمل في تقريرها انحصار ظاهرة عمالة الأطفال بالجزائر، فهي لا تشكل سوى نسبة أقل من 1 بالمائة، وأغلبهم يعملون في مؤسسات مصغرة، من بينها بالمقاهي المطاعم، وآخرون يتم استغلالهم من قبل الأسر التي تعاني ظروفا مادية صعبة لبيع بعض المواد على الطرقات والأرصفة، ويحدد القانون الجزائري سن العمل ب16 عاما، ويسلط عقوبات مشددة على المخالفين، من بينها الغرامة المالية ما بين 10 ألاف دج إلى 20 ألف دج، ويتم مضاعفتها ثلاث مرات في حال العود، إلى جانب الحبس، وفي هذا الصدد كشف ممثل وزارة العمل عن إنشاء لجنة وطنية لمكافحة عمال الأطفال، وتضم 12 قطاعا وزاريا، وكذا المركزية النقابية، وهي تتدخل لمساعدة الأسر الفقيرة التي تضطر إلى تشغيل أبنائها القصر، موضحا بأنه في بعض الأحيان يستحيل تسليط عقوبات على من يقفون وراء تشغيل الأطفال، لأن من يدفعهم إلى ذلك في كثير من الحالات هم الأب أو الأم.
وتوجد لجنة خاصة على مستوى مفتشية العمل تقوم بزيارة دورية إلى المؤسسات وأماكن العمل لتقصي التجاوزات المتعلقة بتشغيل القصر، وتقوم بتوجيه هؤلاء الأطفال إلى مراكز التكوين المهني، إذ أن أغلب من يلجأون إلى العمل المبكر، وفق المصدر، هم من المتسربين من المدرسة، متهما القطاع الخاص باستغلال القصر مقابل مبالغ زهيدة، خاصة المقاهي والمطاعم.
لقاء وطني موسع لمكافحة الاتجار بالأشخاص نهاية جانفي المقبل
وأعلنت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيد بن حبيلس في مداخلتها عن التحضير لتنظيم لقاء وطني موسع نهاية جانفي القادم، بالتنسيق مع وزارتي الشؤون الدينية والتضامن، سيخصص لمناقشة ملف المتاجرة بالبشر واستغلال الأشخاص دون مأوى في هذه الممارسات، خاصة الأطفال، مبدية قلقلها من أن تؤثر هذه الظواهر على تلاحم وتماسك المجتمع الجزائري، مشددة في هذا السياق على ضرورة فتح ملف الأشخاص دون مأوى من الناحية الدينية والأخلاقية، بغرض الحد من جرائم الدعارة والتسول والإرهاب والجريمة المنظمة، لأن أغلب ضحايا هذه الجرائم هم الأشخاص المشردين أو دون مأوى.
ضرورة توفير الحماية القانونية للمبلغين عن جرائم المتاجرة بالأشخاص
وقالت بن حبيلس إن المجتمع أصبح مهددا في تلاحمه وتماسكه بسبب تخلي الأسرة عن أفرادها والزج بهم إلى الشارع، وهو ما يتنافى مع الدين، في حين أن الترسانة القانونية التي تم وضعها لا يمكن أن تؤدي دورها دون عملي توعوي وتحسيسي، بإسهام رجال الدين، لأننا مجتمع مسلم له قيمه الروحية، ووجهت المتحدث أصابع الاتهام إلى دول الغرب التي تسببت في مأساة البلدان مصدر نزوح المهاجرين غير الشرعيين، جراء العلاقات الدولية المتسمة بعدم الاستقرار وعدم التوازن.
مطالب بتوفير الحماية للمبلغين عن جرائم المتاجرة بالأشخاص
وفي مداخلته، دعا رئيس الشبكة الوطنية لحماية الطفل نبيل حجاز إلى ضرورة توفير الحماية القانونية للمبلغين عن جرائم المتاجرة بالبشر واستغلال القصر، بدل تعريضهم إلى التحقيق من قبل الأمن، مما يدفع بالكثيرين إلى التغاضي عن القيام بهذا الواجب، فضلا عن تنظيم دورات تحسيسية لفائدة المجتمع المدني للمساهمة في منع انتشار هذه الجرائم، في حين طالبت جمعيات بتكثيف الجهود لحماية الرضع من استغلالهم في التسول، والترويج للمخدرات، وإقحام تحاليل الحمض النووي في تحديد هوية الأطفال مجهولي الآباء لضمان حقوقهم، مع التكفل بالأطفال الذين يفشلون في إتمام المسار الدراسي، بإدماجهم في التكوين المهني. لطيفة بلحاج