لا تتوقف الحركة داخل مقر الهيئة الوطنية للوساطة والحوار الكائن مقرها بالمركز الثقافي العربي بن مهيدي بالعاصمة، فيوميا تستقبل الهيئة ممثلين عن المجتمع المدني وشخصيات وطنية، كما يتنقل أعضاؤها إلى مقرات أحزاب بحثا عن مخرج للأزمة السياسية التي دخلتها البلاد بعد إلغاء الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
يضم مقر الهيئة، الذي هو في الأصل عبارة عن مركز ثقافي يحمل اسم الشارع الذي يقع فيه، وهو شارع العربي بن مهيدي بوسط العاصمة، أربعة طوابق، ويشمل كل طابق مجموعة من المكاتب يستعملها أعضاء الهيئة لعقد الاجتماعات واللقاءات مع كل من يقصد الهيئة لإبداء مواقفه ورأيه بشأن سبل تجاوز الأزمة السياسية الراهنة.
وكان المقر الحالي للهيئة الوطنية للوساطة و الحوار، قبل أن يتحول إلى مركز ثقافي، مقرا للمركز السينمائي الجزائري، الذي كان يستقطب في سنوات السبعينات والثمانينات أسماء لامعة في المجال السينمائي، على غرار المخرج العالمي يوسف شاهين، ومخرجين جزائريين لا معين، وهو الآن قبلة للشخصيات الوطنية وفواعل الحراك الشعبي وممثلين عن المجتمع المدني وقيادات حزبية، لمناقشة الظروف التي تمر بها البلاد، والتفكير في مخارج آمنة وسلمية لأزمة سياسية يخشى أن يطول أمدها، وأن تمتد تداعياتها لتمس باقي مناحي الحياة.
الحوار يعيد الحياة للمركز الثقافي العربي بن مهيدي
وساهمت الحركة الدؤوبة التي يعرفها مقر الهيئة الوطنية للوساطة والحوار يوميا، وبشكل غير متقطع، في إعادة الحياة للمركز الثقافي العربي بن مهيدي، الذي كان يبدو هيكلا مهجورا، باستثناء الأنشطة التي كان يستضيفها من حين إلى آخر، وهو اليوم قبلة لمختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية المهتمة بتغطية جولات الحوار التي تقودها الهيئة، والندوات التي ينشطها رئيسها كريم يونس، المصحوبة في بعض الأحيان باحتجاجات تنظيمات وناشطين في الحراك، المطالبين بضرورة نزول الهيئة إلى الحراك لمناقشة المسائل السياسية العالقة، والتجاوب مع أصوات المواطنين الذين دأبوا على الخروج كل يوم جمعة في مسيرات للمطالبة بالتغيير.
ومنذ بداية شهر أوت الجاري، أصبح المركز الثقافي العربي بن مهيدي التابع لبلدية الجزائر الوسطى، محط أنظار المواطنين وزوار العاصمة، وكل من يقصد شارع العربي بن مهيدي العريق، المعروف بنشاطه التجاري، لا سيما وأن البناية تم تجديدها عن كاملها، وأضحت تحمل لمسة عصرية تختلف تماما عن العمارات الموجودة بالشارع المعروفة بهندستها المعمارية العائدة إلى العهد الاستعماري، وأصبح المركز يعج يوميا بالزوار وبوسائل الإعلام لا سيما السمعية البصرية، فالكاميرات التي تنصب بشكل يومي تقريبا أمام مدخل المقر أصبحت تثير فضول المارة، وتدفعهم إلى استراق النظر ومحاولة معرفة ما يحدث بداخله.
وإذا كان البريد المركزي المتواجد بقلب العاصمة، الذي يبعد ببضع أمتار عن المركز الثقافي العربي بن مهيدي، نقطة التقاء الناشطين في الحراك الشعبي، لتجديد المطالب كل يوم جمعة، فإن مقر الهيئة الوطنية للوساطة والحوار أصبح هو الآخر مقصد فواعل في الحراك وشباب ينشطون في المجتمع وشخصيات وطنية، لم يمنعهم ارتفاع درجات الحرارة ولا موسم العطل ولا بعد المسافات، من الوصول إلى مقر الهيئة ومقابلة أعضائها، للإدلاء بدلوهم، وإيصال صوتهم بصفتهم ممثلين لمناطق تمثل عمق الجزائر.
ومن أجل تنظيم عمل الهيئة، تم تخصيص أربعة طوابق لأعضائها وللوافدين إليها، ويضم الطابق الأرضي قاعة المحاضرات، تعقد فيها الاجتماعات الموسعة بحضور أعضاء المجلس الاستشاري، أو لجنة العقلاء، فضلا عن تنظيم الندوات الصحفية من قبل رئيس الهيئة كريم يونس، لإعلان الإجراءات الجديدة والخطوات التي يتفق عليها أعضاء الهيئة لدفع عجلة الحوار، وتوسيع مجال الاستشارة، علما أن الهيئة لا تملك أية خطة مسبقة وفق ما أكد رئيسها، بل تضبط برنامجها بناء على تطورات مسار الحوار، ودرجة التجاوب مع الأهداف التي رسمتها من قبل المجتمع المدني والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية وفواعل الحراك الشعبي.
وبحسب ما أكده المستشار الإعلامي للهيئة السيد كركادن جمال «للنصر»، فإن نشاط الهيئة لا يتوقف طيلة اليوم، ويبدأ عند حوالي الساعة التاسعة صباحا، حيث يشرع كل عضو في الالتحاق بمكتبه، ليستمر العمل إلى حوالي الساعة الثامنة أو التاسعة ليلا، وخلال اليوم الواحد تستقبل الهيئة عن طريق اللجان التي تضمها أعدادا غفيرة من الراغبين في المساهمة في صياغة مخرج آمن للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.
وتتشكل الهيئة من 7 لجان، وهي، لجنة المجتمع المدني ولجنة الجالية الجزائرية في الخارج ولجنة الاتصال مع المجتمع السياسي والمواطنين، واللجنة السياسية واللجنة المنظمة العامة لمؤتمر الأحزاب والحركات الشعبية، ولجنة الدراسات والتحاليل، إلى جانب لجنة العقلاء المستحدثة مؤخرا، وهي تقوم بدور البرلمان الذي تلجأ إليه الهيئة قبل إتخاذ الإجراءات والقرارات المتعلقة بإنجاح مسار الحوار، وتتخذ لجان الهيئة من الطوابق الثانية والثالثة والرابعة للهيئة مقرا لها للقيام بمهامها، في حين انفرد رئيس كريم يونس بالطابق الأول لعقد الاجتماعات واللقاءات التنسيقية والتشاورية، واستقبال الشخصيات وأعضاء المجلس الاستشاري، ورسم خطة العمل وتقييم أداء اللجان المشكلة للهيئة.
أعضاء اللجنة يرفضون تلقي أي تعويضات
واتفق أعضاء على عدم تلقي أي تعويضات مقابل المهام التي يؤدونها، وفق ما أكده رئيس لجنة الاتصال «جمال كركادن»، والتزموا في المقابل بتكريس العطلة الصيفية لإنجاح مسار الحوار وتقريب وجهات النظر، بربط اتصالات مع الفاعلين في طبقة السياسية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية، استعدادا لعقد الندوة الوطنية قبيل انتهاء السنة الجارية.
وشدد السيد كركادن على أن قرار عدم الحصول على أي مقابل مادي نظير الجهد المبذول، هو مبدأ بالنسبة لأعضاء الهيئة الوطنية للوساطة والحوار، ولا يمكن التخلي او العدول عنه، من أجل المصلحة الوطنية، ولإبعاد كافة الشبهات عن الهيئة، في ظل محاولة بعض الجهات التشكيك في نزاهتها والأهداف التي تريد الوصول إليها.
في حين تحرص الهيئة على مساعدة الشباب وفواعل الحراك الذين يأتون من مناطق بعيدة للمشاركة في الحوار، على تأمين المبيت في العاصمة، كما توفر لهم الإطعام، وهو في الغالب عبارة عن وجبات خفيفة أو سريعة، بغرض العمل على إسهام أكبر شريحة من المجتمع في الحوار، وإشراك مختلف الطبقات والمستويات الثقافية والفئات العملية وممثلين عن الطلبة، لتحقيق التوافق وتقليص الاختلافات بشان كيفية رسم ملامح المراحل المقبلة.
وفي هذا الصدد أكد رئيس لجنة الاتصال بأن الأمور تجري بشكل جيد، بدليل مستوى التفاعل مع الهيئة، التي تواصل لقاءاتها مع الأحزاب السياسية، نافيا مواجهة أي نقص أو عجز من حيث الوسائل و الإمكانيات، بفعل تغلب الإرادة القوية لأعضاء هيئة الحوار والوساطة على كافة العقبات و المشاكل.
استطلاع: لطيفة بلحاج