كان المرحوم الفريق قايد صالح قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، أول من أخرج المؤسسة العسكرية من صمتها، حيث جعلها تخاطب الشعب مباشرة، وتنشر رسائل طمأنة، وتوجه تحذيرات لكل من يريد المساس بالدولة الوطنية، وزرع الفتنة والفوضى، وتشتيت صفوف الشعب، بما فيها الأطراف الخارجية التي راهنت على فشل الحراك الشعبي.
وبدأ الظهور الإعلامي للمرحوم أحمد قايد صالح بوضوح عند بداية الحراك الشعبي، إذ كانت الجموع تخرج في مسيرات حاشدة عبر مختلف ربوع الوطن أيام الجمعة، لترفع مطالبها لقيادة الجيش، وتنتظر الرد عبر خطب كان يلقيها المرحوم الفريق قايد صالح في خرجاته الميدانية، بلغة تحمل الكثير من الأمل والطمأنينة والإصرار على محاربة من وصفهم دون خشية أو تردد بالعصابة، مؤكدا في كل مرة وقوفه واصطفافه إلى جانب الشعب للحفاظ على تماسك الدولة وديمومتها.
فقد دخلت المؤسسة العسكرية منذ بداية الحراك على الخط لمرافقة الشعب، مؤكدة حرصها على ضمان سلمية الحراك وتلبية مطالبه في إطار ما ينص عليه الدستور، وهو ما تجلى بوضوح في خطاب ألقاه المرحوم نائب وزير الدفاع الوطني نهاية شهر مارس الماضي، قال فيه:» يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري، وهو الحل الذي يضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الدولة، حل من شأنه تحقيق توافق رؤى الجميع، ويكون مقبولا من كافة الأطراف، وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102».
وكما كانت خطب المرحوم موجهة للشعب الجزائري، كانت أيضا موجهة إلى الخارج وإلى أعداء الجزائر المتربصين بأمن ووحدة البلاد، وسلمية الحراك الشعبي، الذي قادها إلى بر الأمان بانتخاب رئيس للجمهورية سيتولى على عاتقه معالجة مخلفات الأزمة السياسية، محذرة كل من تسول له نفسه التلاعب باستمرارية وتماسك الدولة، ولم يتوقف عن التأكيد على متانة الصلة ما بين المؤسسة العسكرية والشعب في مختلف خطبه، وعبر عن ذلك صراحة في كلمة ألقاها يوم 28 فيفري الماضي، خلال زيارة عمل وتفقد للناحية العسكرية السادسة، قال فيها :» إن العلاقة ما بين الشعب وجيشه قوامها الثقة العالية المتبادلة».
رسائل تحذيرية للخارج
وكما استطاعت المؤسسة العسكرية أن تربط علاقة ثقة مع الشعب، الذي خاض حراكه الشعبي في إطار سلمي، وتحت أعين ساهرة للجيش الوطني الشعبي حتى لا تراق قطرة دم واحدة، من أجل التغيير، تمكنت أيضا من التصدي لمحاولات التدخل الأجنبي عن طريق التأثير على مسار التغيير السلمي، ومحاولة فرض أسماء لقيادة المرحلة الانتقالية، بغرض إطالة عمر الأزمة، وذلك بفضل خطاب صريح وشجاع تضمن رسائل مباشرة وغير ضمنية ناجحا في التصدي لتدخلات أجنبية استعملت مختلف الوسائل، وهو ما عبر عنه صراحة المرحوم قائلا:» أعداء الوطن يتقنون الاصطياد في المياه العكرة، لكن هؤلاء الأعداء يجهلون بأن الشعب الجزائري واع».
وأضاف في كلمة أخرى ألقاها بالأكاديمية العسكرية بشرشال يوم 5 مارس الماضي :» إن بعض الأطراف يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الجمر، لكن الشعب واع بذلك»، وقال أيضا:» إن الجيش الوطني الشعبي سيكون دوما حارسا أمينا للمصلحة العليا للوطن وفق الدستور وقوانين الجمهورية»، هذه الرسائل كانت دعما للحراك الشعبي الذي رفع بدوره شعارات تنادي بالوحدة الوطنية، وبسلامة التراب الوطني، وبمتانة روابط الأخوة ما بين الشعب وأفراد الجيش الشعبي الوطني، ولعل أبرزها «الجيش الشعب خاوة خاوة».
أوصل الجزائر إلى بر الأمان
بحنكة وشجاعة
وكانت مجمل الخرجات الميدانية التي قام بها المرحوم الفريق قايد صالح إلى مختلف المناطق والنواحي العسكرية والمرافق والهياكل التابعة للجيش الوطني الشعبي، محل متابعة من قبل عامة المواطنين، لا سيما خلال أصعب مراحل الأزمة السياسية، إلى درجة لم يشعر معظمنا بعدم وجود رئيس للجمهورية يخاطب الشعب ويتواصل معه، فالكل كان ينتظر رسائل المؤسسة العسكرية، ومواقفها من تطورات المشهد السياسي، ومما كانت تقوم به العصابة لخلط الأوراق وزرع الفوضى والفتنة ليتسنى لها العودة من جديد، وكانت خطب الفريق قايد صالح، لا سيما التي دعا فيها إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، ثم محاسبة أفراد العصابة، بمثابة قرارات حاسمة لإحداث القطيعة مع النظام السابق، والانطلاق نحو بناء جزائر جديدة، حفاظا على الدولة الوطنية، عرفت تجاوبا كبيرا من قبل الشعب.
وتجلت معالم التلاحم ما بين الشعب والجيش خلال المسيرات التي جابت مختلف أنحاء الوطن منذ 22 فيفري، وأكدها قائد أركان الجيش الشعبي الوطني حينما قال:» الجيش الوطني الشعبي سيكون دوما حارسا أمينا للمصلحة العليا للوطن وفقا للدستور ولقوانين الجمهورية»، دون أن يخفي إعجاب المؤسسة العسكرية بالحراك الشعبي السلمي حينما قال :» إن الشعب الجزائري أبهر العالم بسلميته»، مكرسا بذلك التواصل المباشر ما بين الجيش الشعبي الوطني وعامة الشعب الجزائري، في مرحلة جد حاسمة عاشتها البلاد، كادت خلالها أن تفقد وحدتها واستمرار مؤسساتها.
واستمرت مرافقة الجيش الوطني الشعبي للحراك بتعهده بضمان شفافية ونزاهة الانتخابات الرئاسية قائلا إن الجيش سيظل بالمرصاد لكل من يتربصون بالوطن، مسنودا بالشعب الأبي، ولن تتمكن أي جهة مهما كان حجمها من استغلاله لتمرير مشاريعها»، مؤكدا على أن الشعب سيواصل مرافقته للشعب الجزائري إلى غاية إجراء الانتخابات الرئاسية» وهو ما تحقق بالفعل يوم 12 ديسمبر الجاري، لتطوي الجزائر صفحة من أصعب المراحل التي مرت بها.، بفضل سهر الجيش على تأمين كافة أنحاء الوطن، لإنجاح العملية الانتخابية، وتبنيه حوارا وخطابا مباشرا مع الشعب، الذي فهم مغزى الرسالة وتفاعل إيجابيا وعبر عن صوته من أجل الجزائر.
لطيفة بلحاج