فقدت الجزائر، أمس الاثنين، رئيس الأركان نائب وزير الدفاع الوطني، أحمد قايد صالح، عن عمر ناهز 80 سنة، ويعد الراحل أحد أبرز القادة العسكريين الجزائريين، حيث خلف وراءه مسارا مميزا، حافلا بالانجازات والبطولات، بداية بالتحاقه بصفوف ثورة التحرير المجيدة، وهو في ريعان الشباب، إلى المشاركة في الحملة العسكرية بالشرق الأوسط بمصر، ثم التدرج في سلم المناصب القيادية، ضمن الجيش الوطني الشعبي، الذي كان رئيس أركانه طيلة 15 سنة الأخيرة، وقد لعب دورا مفصليا منذ 22 فيفري الماضي، حيث أسهم بحكمته في إخراج الجزائر إلى بر الأمان، بعد إسقاط العهدة الخامسة للرئيس السابق، وإجراء انتخابات رئاسية، توجت يوم 12 ديسمبر الماضي، باختيار رئيس جديد للبلاد، رغم الحملة الشرسة التي واجهته من الداخل والخارج.
ولد الفقيد يوم 13 جانفي 1940 بمنطقة عين ياقوت بولاية باتنة، أين نشأ وترعرع، ليلتحق بعد ذلك وعمره لا يتجاوز 17 ربيعا، بالحركة الوطنية مناضلاً، ثم جندياً في جيش التحرير الوطني، انطلاقاً من الولاية الثانية للثورة بمنطقة الميلية بولاية جيجل.
ومن خلال السيرة الذاتية الرسمية للرجل، يظهر جلياً أنه خُلق للعمل العسكري، الذي بقي وفيا له لأكثر من 60 عاما، حيث عُين منذ أوت 1957، قائداً بالفيالق 21 ثم 29 وبعدها 39 لجيش التحرير الوطني، وقاتل الاستعمار الفرنسي، إلى غاية نيل الاستقلال في 5 جويلية 1962، واستفاد من تكوين عسكري مرموق حينما حيث تحصل على شهادة بأكاديمية «فيستريل» غداة الاستقلال، بعد إجراء دورة تكوينية بالجزائر لمدة سنتين، تلتها دورة أخرى بالاتحاد السوفياتي سابقا، من 1969 إلى 1971.
وكان قايد صالح أحد العسكريين الذين شاركوا وحاربوا ببسالة على خطوط القتال، سنة 1968 في الحملة العسكرية على الكيان الصهيوني بالشرق الأوسط بمصر.
وقد تدرج في صفوف الجيش الشعبي الوطني، حيث تقلد العديد من المناصب بقوام المعركة البرية، فكان قائد كتيبة مدفعية، ثم قائد لواء، وبعدها قائدا للقطاع العملياتي الأوسط ببرج لطفي بالناحية العسكرية الثانية، ثم قائدا لمدرسة تكوين ضباط الاحتياط بولاية البليدة بالناحية العسكرية الأولى، وبعد ذلك عين قائدا للقطاع العملياتي الجنوبي لتندوف بالناحية العسكرية الثالثة، قبل أن يرقى في منصبه ليصبح نائبا لقائد الناحية العسكرية الخامسة، ثم قائدا للناحية العسكرية الثالثة، فقائدا للناحية العسكرية الثانية.
تمت ترقيته إلى رتبة لواء بتاريخ 5 جويلية 1993، وبعدها بسنة واحدة أي عام 1994، تم تعيينه قائدا للقوات البرية، واستمر القايد صالح في اعتلاء سلم المناصب القيادية، ففي يوم 3 أوت 2004 تم تعيينه، بمرسوم رئاسي رئيسا لأركان الجيش الوطني الشعبي، خلفا للفريق محمد العماري.
وفي يوم 5 جويلية 2006 تقلد رتبة فريق، ليتم بعد سنوات تعيينه نائبا لوزير الدفاع الوطني رئيسا للأركان بتاريخ 11 سبتمبر 2013، وهو المنصب الذي تقلده إلى غاية يوم وفاته.
كل الشهادات التي تتحدث عن القايد صالح، سواء من رفقاء السلاح، من الذين زاملوه أيام حرب التحرير، أو من زملائه في الجيش الوطني الشعبي، ومن اشتغل تحت إمرته، تؤكد أن الفقيد كان يتحلى بشجاعة فائقة، كما يشهد له بالصرامة وإنجاح وتنفيذ الأوامر بحذافيرها.
خلال الأشهر القليلة الأخيرة من حياته، وبالتحديد منذ يوم 22 فيفري 2019، لعب أحمد قايد صالح دورا مفصليا، قد يكون الأهم في حياته وفي تاريخ الجزائر، بعد أن واكب الحراك الشعبي، في مرحلة صعبة وجد حرجة من جميع النواحي، سياسيا واجتماعيا وكذا اقتصاديا، وبالأخص من الناحية الأمنية، وذلك بعد إسقاط العهدة الخامسة، ومسايرة الهبة الشعبية بكل مكوناتها، حيث حافظ على سلامة الشعب والبلاد، رغم الظروف الصعبة والحملات الشرسة التي استهدفته ومؤسسة الجيش الوطني الشعبي.
وقد أبان عن حنكة ورزانة كبيرتين، عبر الخطابات الأسبوعية، التي كان يطمئن من خلالها الأمة، موجها رسائل متتالية، نتجت عنها أحداث هامة خلال التسعة أشهر الماضية، حيث أعلن منذ بداية الحراك، عن دعم الجيش الوطني الشعبي للشعب الجزائري، قبل أن يقترح على المجلس الدستوري الجزائري إعلان عائق عبد العزيز بوتفليقة الصحي وتطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري، ثم طالب بعد ذلك بالتطبيق الفوري للإجراء الدستوري لإقالة رئيس الجمهورية، الذي قدم استقالته على اثر ذلك، ومن أبرز تصريحات القايد صالح خلال خطاباته، هو تعهده بعدم هدر قطرة دم واحدة للجزائريين، إلى غاية قيادة الجزائر إلى بر الأمان، وهو ما نجح فيه فعليا، بإقامة الانتخابات الرئاسية، واختيار الشعب لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عبر صناديق الاقتراع، دون وقوع أي مكروه.
حاز الفقيد وسام جيش التحرير الوطني ووسام الجيش الوطني الشعبي من الشارة الثالثة ووسام مشاركة الجيش الوطني الشعبي في حروب الشرق الأوسط 1967 و1973 ووسام الشجاعة ووسام الاستحقاق العسكري وكذا وسام الشرف، وتم تقليده يوم الخميس الماضي، وسام برتبة صدر من مصف الاستحقاق الوطني، من طرف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، نظير جهوده الجبارة والدور الكبير الذي اضطلع به في هذه المرحلة الحساسة لأجل إثبات سمو الدستور وضمان سلامة المواطنين وأمن البلاد ومؤسساتها الجمهورية.
عبد الرزاق.م