طرح أمس، بجامعة قسنطينة 3، المهندس المعماري، محمد العربي مرحوم، إشكالية التأريخ في العمارة و التصميم الهندسي، مؤكدا بأن هندسة المباني تشمل صناعة الذاكرة و لا يمكن أن تتجرد من دورها في التأريخ لهوية المدن، مشيرا إلى أن مسؤولية المهندس في الجزائر، لا تنتهي عند حد رسم معالم البناء و تحديد شكله العام، بل تشمل أيضا عبء طرح الأسئلة و الإجابة عنها، بما في ذلك الأسئلة السياسية و المجتمعية، فالمؤسسات التعليمية أو الثقافية و حتى الاقتصادية و التنموية، كلها مؤسسات تابعة للجمهورية الجزئية المستقلة و يجب أن تعكس ذلك.
مرحوم، نشط محاضرة بكلية الهندسة المعمارية والتعمير بعنوان « 25 سنة وأكثر، مسار مهندس جزائري» مؤكدا بأن سحر الهندسة يكمن في القدرة على صهر البعدين المعنوي و المادي ضمن قالب واحد، كأن ندخل بناية جديدة تنتمي للجزائر المستقلة و تعبر عنها، ضمن محيط عمراني كولونيالي متجانس، فالتحدي هنا هو أن نجعل البناء قادرا على أن يعكس هويتنا، لكن دون أن يبرز كنتوء في جسد النسيج الحضري، و أن نضمن ألا تقل جماليته عن جمالية هندسة القرن 18 ، مضيفا بأن التدخل عمرانيا في هذه الحالة، ليس سهلا، بل هو عملية معقدة تخضع لمعادلة «الواجهة والهندسة و الذاكرة».
وقال المهندس خلال سرده لتجربته التي يزيد عمرها عن ربع قرن، بأن مشاريع العمران ليست مجرد بناءات، بل هي مشاريع مجتمعية، يتوجب على المهندسين قبل الانطلاق في تصميم خطوطها العريضة، طرح سؤال كيف نقدم الجمهورية الجزائرية، ثم الإجابة عنه عن طريق اقتراح تصاميم ذات قيمة مجتمعية، مؤكدا بأنها مسؤولية يجب على الفاعلين في الميدان إدراكها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمؤسسات الدولة كالمدارس التعليمية التي تعد لبنة في عملية بناء الأفراد.
و في الجزائر لا نزال، حسبه، في مرحلة البناء، و هي مرحلة تستوجب طرح الأسئلة عكس ما هو معمول به في دول الجوار أو في فرنسا وأمريكا على سبيل الحصر، أين انتقلت الهندسة هناك، إلى مرحلة الإبداع الفني، في وقت لا تزال السياسة تقيد هندسة العمران محليا، على اعتبار أن هذا التخصص ظل إلى وقت قريب تحت وصاية الدولة، ولم يستقل عنها إلا في سنوات 1994 و 1995، حينما فرضت الظروف الاقتصادية الحاجة لفتح مكاتب هندسة خاصة أو مستقلة.
و قال المحاضر أن انخفاض قيمة برميل النفط إلى 12 دولارا آنذاك، أجبر الجزائر على القبول ببعض شروط صندوق النقد الدولي التي من بينها خصخصة بعض الأنشطة المهنية، وهو ما تم فعلا، لذلك فإن هذه المهنة بشكلها الحالي، كما عبر، لم تولد من رحم نظام اجتماعي واقتصادي طبيعي، بل جاءت نتيجة « إجهاض» اقتصادي، لذلك بقيت مجهولة اجتماعيا و غير معترف بها، فالجزائري، حسبه، كان يعرف و يحترم الطبيب و المحامي، لكنه لم يكن يفهم ماهية الهندسة و طبيعة ما يقوم به أهلها، فارتبطت بعقدة لاحقتها إلى الأبد.
هذا المخاض العسير، حسب المتحدث، جر في البداية، مشاكل عديدة تتعلق بعدم تحديد خصوصية هذه المهنة و انعدام لغة هندسية مشتركة، يمكن أن تستخدم في الحوار بين المهنيين، ناهيك عن غياب نقاش حقيقي يجيب على عديد الأسئلة، و ينهي كثيرا من الجدل، بما في ذلك علاقة السياسة و المجتمع بالهندسة.خلال محاضرته، تطرق محمد العربي مرحوم، إلى عديد النقاط الأخرى حيث سلط الضوء على بعض مشاريعه، و تحدث عن عقبة الإدارة في بلادنا، كما لخص العلاقة بين المساحة و البناء و المنطق الاقتصادي والبعدين الاجتماعي والثقافي، في عملية بناء المدينة، لما لذلك من أهمية في تحديد هوية المدن و ترجمة أحاسيس من يعيشون داخلها.يذكر أن محمد العربي مرحوم، من مواليد 16 جانفي 1963 بالعاصمة، مهندس معماري معاصر، و يعتبر من بين الفاعلين المهمين و الرئيسيين في الحقل الهندسي الجزائري، و في البحر الأبيض المتوسط عموما، و هو حاصل على ثلاث جوائز وطنية في الهندسة بين سنوات « 1999ـ 2004ـ 2013». هدى طابي