أكد الأستاذ بريش محمد عبد المنعم رئيس الجمعية الجزائرية للمناجمنت وإدارة الصحة، أنه حان الوقت لإحداث “ثورة” في قطاع الصحة من أجل التسيير الراشد والحفاظ على الكفاءات الوطنية لأحسن خدمة للمريض، مثمنا قرار رئيس الجمهورية والمتمثل في دخول الجزائر لأول مرة في تاريخها في شراكة “قطرية -ألمانية” في مجال الصحة بإنجاز مستشفى بمعايير دولية، داعيا لتوسيع الفكرة وتجسيدها في مدن طبية عبر جهات الوطن، والتي من شأنها وضع اللبنة الأساسية لولوج عالم اقتصاد الصحة وتقديم خدمات طبية ذات جودة.
واعتبر الأستاذ بريش في اتصال مع النصر، أن مشروع استحداث المدن الطبية الصحية بمعايير دولية، هو أكبر خطوة يجب أن تخطوها السلطات للخروج من نفق المنظومة التي “لم تعد تواكب التطورات الوطنية والدولية”، داعيا لتجسيد هذه المشاريع الاستثمارية في أقرب الآجال لإحداث التغيير والتكفل بكل الانشغالات.
وقدم المتحدث تصورا عن خلق المدن الطبية الصحية في أربعة أقطاب ببلادنا “وسط، غرب، شرق وجنوب” على أن تحتوي المدن الطبية على جميع الفروع والتخصصات الصحية وكل التجهيزات الطبية الضرورية وأن تكون مدنا ذكية، أي عمودها الفقري هو الرقمنة من أجل تقديم خدمة عمومية طبية ذات جودة، وهذا لا يلغي، مثلما قال، المجانية في المؤسسات العمومية التي تتكفل بالمؤمنين اجتماعيا، مردفا، أنه يجب أن يتم تسيير هذه الأقطاب من طرف مجلس إدارة يحرص على كل صغيرة وكبيرة، ويتخذ القرار المناسب في حال تسجيل أي خلل من حيث تقديم الخدمات للمرضى، “لأن كل مستخدم يحاسب على نوعية وجودة الخدمة التي يقدمها للمريض الذي يصبح زبونا لدى المدن الطبية بما أنه يدفع نظير خدمته، وحتى الأطباء والجراحون يتقاضون أجورهم وفق عدد حالات المرضى التي يشرفون عليها مع ضمان أجر قاعدي ثابت لهم”.
وبخصوص الأطباء دائما، شدد الأستاذ بريش على أن يتم توفير كل المستلزمات لحياتهم العادية، أي السكن وضروريات الحياة ومنتزهات ومدارس لأولادهم وغيرها لضمان العيش الكريم في المدينة الطبية، معتبرا أن كل هذا يعود بالفائدة على المريض أولا ثم على مستخدمي الصحة والخزينة العمومية أيضا، لأن “المريض سيدفع مبالغ مالية نظير هذه الخدمات، وهي ليست مبالغ كبيرة بل تقريبا تعادل ما يدفعه المريض حاليا من أجل العلاج (تحاليل، أشعة وغيرها) في القطاع الخاص، وكل هذا في إطار تطبيق النظام التعاقدي مع التأمينات الاجتماعية التي تدفع المستحقات عن كل مريض من اشتراكاته بصندوق الضمان الاجتماعي”، مبرزا أن هذه المشاريع يمكن تجسيدها بالشراكة مع أجانب أو أن تكون جزائرية 100 بالمائة، و المهم، حسبه، أنها تحترم كل المعايير “الصحية – الاقتصادية”، من أجل خلق منافسة في تقديم الخدمات الصحية مع المؤسسات الاستشفائية العمومية التي تصبح مضطرة لترقية خدماتها وتحسين تسييرها.
وإذا أرادت السلطات تطبيق النظام التعاقدي بالمؤسسات العمومية لاحقا، فمن الأفضل، حسب محدثنا، أن يتم تطبيقه بعد إثبات نجاعته بالمدن الطبية سالفة الذكر، أي بعد أن يلمس المواطن ضرورة تطبيق هذا النظام بالمؤسسات العمومية لترقيتها هي أيضا بجودة الخدمات الصحية، والبداية تكون، وفق الأستاذ بريش، بإحصاء الفئات المجتمعية، حيث أن “المؤمنين اجتماعيا لهم اشتراكات في (كناص) تتكفل بدفع المستحقات عنهم، وذوو الدخل الضعيف أو الفئات الهشة تتكفل بهم وزارة الداخلية مع وزارة التضامن الوطني، بينما صنف غير المؤمنين من أرباب العمل والتجار وغيرهم فلا يستفيدون من الخدمات الصحية في المستشفيات إلا إذا اشتركوا في التأمينات الاجتماعية، بحيث لا يمكن لغير المؤمنين أن يستفيدوا من خدمات يدفع قيمتها المؤمن والذي ربما لا يزور المستشفى، ومن هنا يبدأ مبدأ التعاقد بأن تتكفل مصالح الضمان الاجتماعي بتمويل المؤسسات الاستشفائية من مداخيل الاشتراكات، فهذا الصندوق مازال لحد الآن يساهم بمبلغ جزافي في ميزانية المؤسسات الاستشفائية، وعلى سبيل المثال فإن ميزانية مؤسسة عمومية استشفائية تقدر بـ 100 مليار سنتيم، يساهم فيها صندوق التأمينات الاجتماعية بقيمة جزافية ضئيلة جدا، ولكن في النظام التعاقدي فإن مجلس إدارة المؤسسة الاستشفائية يقدم كشفا مفصلا عن المصاريف التي أنفقتها و (كناص) بدورها تدقق الحسابات مقابل نوعية الخدمات بفضل خبرائها حتى لا يكون أي خلل”. وأوضح محدثنا أنه في رسالته للدكتوراه قام بدراسة حول الاستفادة من الخدمات الصحية في ظل مجانية العلاج، فتبين أن ثلاثة أضعاف المستفيدين هم من الفئة غير المؤمنة اجتماعيا والجزء الباقي للمؤمنين الذين بفضل اشتراكاتهم يساهم قطاع الضمان الاجتماعي في دعم تمويل المنظومة الصحية، ففي النظام التعاقدي كل سرير استشفائي هو تكلفة، ووصف الأستاذ بريش هذا الوضع بـ “اللاعدالة” الصحية.
بن ودان خيرة