أثار كوكب المريخ اهتمام العلماء على مر العقود الماضية، وقد بدأ استكشافه في الستينيات وتمت ملاحظته في السماء منذ العصور القديمة، فظهر في الثقافة والفنون وحيكت عنه كثير من قصص الخيال العلمي، بينما بقي سؤال أزلي قائما، «هل توجد حياة على سطح المريخ؟». هذا ما طرحته الزميلة ياسمين بوالجدري في بودكاست النصر على عالِم الفيزياء الجزائري البروفيسور نور الدين مليكشي، الذي عمل منذ عدة سنوات ضمن فرق استكشاف الكوكب الأحمر مع وكالة «ناسا».
مرّ عام تقريبا على هبوط مركبة «بيرسيفيرانس» على سطح المريخ، وقد أرسلت صورا وأصواتا مدهشة، بعضها يوضح آثارا لما يشبه فيضانات قديمة في الكوكب الأحمر. ما هي أهم الاكتشافات التي توصلتم إليها من خلال هذه المهمة الفضائية؟
هذا السؤال يتطلب وقتا للتفصيل فيه والتحدث عن كل ما قامت به مركبة «بيرسيفيرانس» في مدة عام. لقد حطّت المركبة على سطح المريخ إلى جانب مروحية صغيرة بتاريخ 18 فيفري 2021، وهو حدث جد مهم، أتى بفضل مجهودات مئات العلماء والمهندسين.
تمكنت هذه المركبة خلال فترة تواجدها بالكوكب من التقاط الكثير من المعطيات التي وصلت إلى غاية هذه اللحظة، إلى 1.3 تيرابايت من البيانات الموجودة في نظام البيانات الكوكبية التابع لوكالة “ناسا” وهو مفتوح لجميع الراغبين في الإطلاع على معطياته والعمل عليها.
أحد الأهداف الأساسية لـ “بيرسيفيرونس» هو أخذ عينات من سطح المريخ وغلافه الجوي ووضعها في كبسولات، لتقوم «ناسا» بإرسال مركبة أخرى لإحضار العينات إلى كوكب الأرض، أين يتم تحليلها والقيام باختراعات واكتشافات لأن مركبتي “برسيفيرانس» و “كيريوسيتي» لا يملكان أدوات لتحليل هذه العينات على سطح المريخ. يوجد أيضا الكثير من الاكتشافات أيضا والمقالات التي نشرت في المجلات العلمية، والتي سوف تُنشر.
سنطرح عليك الآن سؤالا ملحا نعلم أنه يتكرر على مسامعك كثيرا، هل هناك دلائل تشير إلى وجود حياة سابقة في المريخ، أو على الأقل عناصر للحياة يمكن أن تجعل هذا الكوكب قابلا للعيش في المستقبل؟
هذا سؤال جيد،ويتطلب وقتا طويلا للإجابة عنه، لكن ما يمكن قوله هو أن الهدف الأساسي لوكالة ناسا من خلال بعثاتها إلى كوكب المريخ، هو الإجابة عما إذا كان هناك حياة على سطح المريخ أو كانت موجودة سابقة، وقبل ذلك يجب تحديد مفهوم الحياة كالتي نعرفها على الأرض والتي تتطلب توفر الماء، لذلك فإن البحث عن حياة في المريخ يعني البحث عن الماء الذي هو مكون مهم وأساسي للحياة.
الأدلة الموجودة حتى الآن والآتية من مركبة “كوريوسيتي» الجوالة والمهمات الأخرى والملاحظات السابقة عبر الأقمار الصناعية، تُبين أنه منذ 3.6 ملايير سنة مضت كان هناك ماء يتدفق على سطح كوكب المريخ، لكننا لا نعرف بعد أين اختفى هذا العنصر وما الذي حصل له. الأسئلة لا تزال مفتوحة والإجابة غير موجودة لحد الآن، ولهذا السبب وأسباب أخرى، يستمر العمل للإجابة عنها، ونتمنى أن تتمكن الأجيال القادمة من ذلك.
التقطت مركبة « كوريوسيتي» صورة وُصفت بالغامضة لما بدا أنه مدخل أو بوابة على سطح المريخ، تخفي ربما حياة أخرى لمخلوقات فضائية، حسب التكهنات والتفسيرات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. ما حقيقة هذه الصورة بروفيسور؟
هذه الصورة التقطتها مركبة «كوريوسيتي» يوم 7 ماي المنصرم، وهي تُظهر انكسارا صخريا على سطح المريخ ضمن ظاهرة طبيعية لا أكثر، وليس كما هو متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأن الأمر يتعلق ببوابة وأشياء أخرى. الخيال جيد جيدا لأنه يعطينا آفاقا واحتمالات جديدة لكن الخيال يجب أن يرتبط في النهاية بدقة العلوم والحقائق العلمية.
نذهب الآن بروفيسور إلى شق آخر من عملك، فقد بدأتم منذ عدة سنوات في أبحاث للكشف عن أمراض مثل السرطان والزهايمر عن طريق تحليل الخصائص الفيزيائية والضوئية للدم. إلى أين وصلت هذه الأبحاث؟
نقوم بجملة من الأبحاث للكشف المبكر عن السرطان والزهايمر وأمراض أخرى، وقد نشرنا مقالات علمية بخصوصها منذ عدة سنوات، وما نزال نعمل عليها للوصول إلى اكتشافات أخرى لا شيء فيها مؤكد بعد، لأن الشك جزء من العلم.
الفكرة تأتي من محاولة فهم أساس المرض ومتى يبدأ، قبل أن تظهر أعراضه على المصاب. هذا البحث طموح جدا لكن نعمل عليه تدريجيا وندرس تفاعلات جسم الإنسان انطلاقا من الذرة أين نحدد الإشعاعات التي قد تكون مؤشرات على بداية أمراض.
أدعو في الأخير إلى الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا وحتى العلوم الإنسانية والفنون لأنها ضرورية جدا لكي نتطور ولكي نفهم من نكون.