بتنصيب السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، تكون الجزائر قد وضعت الحلقة الأخيرة في استكمال بناء الصرح المؤسساتي المكرس دستوريا والمتعلق بمكافحة الفساد والثراء غير المشروع ونهب المال العام، تجسيدا للالتزام الذي قدمه رئيس الجمهورية، بالعمل من أجل أخلقة تسيير الشأن العام و وضع حد لتداخل المال في الشأن السياسي وتغول أصحاب المال على السياسيين.
من المنتظر، أن يتم قريبا استكمال إعداد النصوص التنظيمية التي ستسمح للسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، التي أشرف الوزير على تنصيبها رسميا، من ممارسة مهامها وصلاحياتها بفعالية وعلى أكمل وجه، لاسيما مهمة وضع الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته مع تحديد آليات تنفيذها ومتابعتها. وتتولى الهيئات المتخصصة التي استحدثها المؤسس الدستوري، دورا فعالا في مجال الرقابة على الممتلكات والأموال العمومية، وكذلك التحقيق في كيفيات استخدام الوسائل المادية والأموال العمومية وتسييرها، لاسيما وأن الممتلكات والأموال العمومية أصبحت المجال الخصب لتفشي وانتشار ظاهرة الفساد الإداري والمالي، لذلك كان من الضروري البحث عن مؤسسات تساهم في أخلقة الحياة العامة، وتعزيز مبادئ الشفافية، والحكم الراشد، والوقاية من الفساد ومكافحته، وهو الدور الذي تقوم به الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته والتي أصبحت تسمى السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته بموجب التعديل الدستوري لسنة 2020.
واستنادا إلى القانون المحدد لتنظيم السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد و مكافحته، يهدف إنشاؤها إلى "تحقيق أعلى مؤشرات النزاهة في تسيير الشؤون العمومية"، استنادا إلى جملة من الصلاحيات المخولة لها. وتتمتع هذه السلطة، وفقا لهذا القانون، بجملة من الصلاحيات، فضلا عن تلك المنصوص عليها في المادة 205 من الدستور، من بينها "جمع و مركزة ونشر أي معلومات و توصيات من شأنها أن تساعد الإدارات العمومية وأي شخص طبيعي أو معنوي في الوقاية من أفعال الفساد وكشفها". و من بين الصلاحيات الأخرى التي تتولاها السلطة، "تلقي التصريحات بالممتلكات و ضمان معالجتها و مراقبتها، وفقا للتشريع ساري المفعول"، مع "تعزيز قواعد الشفافية و النزاهة في تنظيم الأنشطة الخيرية و الدينية و الثقافية و الرياضية، في المؤسسات العمومية و الخاصة". وتتولى السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته أيضا "التحريات الإدارية و المالية في مظاهر الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي الذي لا يمكنه تبرير الزيادة المعتبرة في ذمته المالية"، علما أنه "لا يعتد بالسر المهني أو المصرفي في مواجهة هذه السلطة". ويشير نفس النص إلى أنه "يجوز تبليغ و/أو إخطار السلطة العليا من قبل أي شخص طبيعي أو معنوي لديه معلومات أو معطيات تتعلق بأفعال الفساد"، كما أنه بإمكانها معاينة، من تلقاء نفسها، وجود انتهاك لجودة و فعالية إجراءات مكافحة الفساد، المطبقة داخل الهيئات و الإدارات العمومية والجمعيات والمؤسسات. أما على الصعيد الدولي، "تسهر السلطة على تطوير التعاون مع الهيئات والمنظمات الإقليمية و الدولية المختصة في الوقاية من الفساد و مكافحته"، و كذا "التعاون بشكل استباقي في وضع طريقة منتظمة ومنهجية لتبادل المعلومات مع نظيراتها على المستوى الدولي و المصالح المعنية بمكافحة الفساد". وفي ما يتعلق بتشكيلة هذه السلطة، يوضح القانون بأن رئيسها يكون معينا من طرف رئيس الجمهورية لعهدة مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة. كما تتكون من مجلس يضم ثلاثة أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية من بين الشخصيات الوطنية المستقلة و ثلاثة قضاة واحد من المحكمة العليا و واحد من مجلس الدولة و الثالث من مجلس المحاسبة، علاوة على ثلاث شخصيات مستقلة تختار من قبل رئيسي غرفتي البرلمان و الوزير الأول (أو رئيس الحكومة)، على أساس كفاءتها في المسائل المالية والقانونية و نزاهتها و خبرتها في مجال الوقاية من الفساد.كما يضم المجلس كذلك ثلاث شخصيات من المجتمع المدني، يتم اختيارها من طرف رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني.
ع سمير