يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم، إلى الجزائر، في زيارة رسمية تدوم ثلاثة أيام، هي الثانية من نوعها والأولى في عهدته الثانية، و سيكون مرفوقا فيها بوفد وزاري هام، ويدور برنامج الزيارة، وفق ما كشفه قصر الإيليزيه، حول إعادة بعث العلاقات الاقتصادية ودعم الحوار واستذكار الجوانب التاريخية في العلاقات بين البلدين.
تأتي الزيارة الأولى للرئيس الفرنسي خلال ولايته الثانية، في سياق رغبة فرنسية لتجاوز الخلافات التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال العام الماضي، ووفق الرئاسة الفرنسية، فإن الزيارة تهدف إلى وضع أساس لإعادة بناء وتطوير العلاقة بين باريس والجزائر، ومواصلة العمل حول ملف الذاكرة، وهو ما أعلنته السلطات الفرنسية، وأكده قبل ذلك الرئيس تبون، الذي أعلن خلال لقائه الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية شهر فبراير الماضي, عن انفراج في العلاقات الجزائرية-الفرنسية.
وتمهيدا لعودة الدفء للعلاقات الثنائية بين البلدين, قام وزير أوروبا والشؤون الخارجية لجمهورية فرنسا, جان ايف لودريان, بزيارتين إلى الجزائر في ديسمبر 2021 وأبريل 2022, كان الهدف منهما إرساء «علاقة ثقة» يطبعها احترام وسيادة كل طرف و»رفع العوائق وحالات سوء الفهم بين البلدين».
ومن المقرر وفق ما كشفته وسائل إعلام، نقلا عن الرئاسة الفرنسية، أن تحط طائرة ماكرون بعد ظهر اليوم الخميس، على أن يتوجه بعدها مباشرة إلى مقام الشهيد في الجزائر العاصمة حيث سيضع إكليلا من الزهور على أرواح شهداء الثورة التحريرية، وسيتوجه ماكرون بعد ذلك إلى قصر المرادية حيث ستجمعه محادثات مع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وفي نهاية اليوم، ستقام مأدبة عشاء على شرف الرئيس الفرنسي والوفد المرافق له.
أما اليوم الثاني من الزيارة، فستتخلله محادثات على انفراد مع الرئيس تبون، ولقاء مع رواد الأعمال الشباب في الجزائر العاصمة، كما سيزور ماكرون بعض معالم العاصمة. وبعد إتمام نشاطه بالعاصمة، سيطير ماكرون إلى وهران حيث سيزور هناك كنيسة سانتا كروز، وبيت مصمم الأزياء الشهير إيف سان لوران المرمم حديثا، كما ستكون له جولة في المدينة وبعض معالمها مثل متجر أغاني الراي “ديسكو مغرب” الذي تحول بفضل فيديو كليب الموسيقي العالمي الفرانكو جزائري دي جي سنايك إلى مزار للسواح بوهران.
ديناميكية جديدة وفق رؤية مبنية على الندية
وتأتي الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون, إلى الجزائر, في إطار الإرادة السياسية التي تحدو البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية وبعث ديناميكية وفق رؤية جديدة مبنية على الندية وتوازن المصالح. واعتبرت وكالة الأنباء الجزائرية، أن اختيار الرئيس الفرنسي زيارة الجزائر في بداية عهدته الرئاسية الثانية, يبرز الأهمية التي توليها باريس لتعزيز علاقاتها مع الجزائر كشريك استراتيجي له وزنه واعتباره, ولتقديرها للدور المحوري الذي تؤديه الجزائر في المنطقة, خاصة في ظل سياسة رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, التي رسمت العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية على الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة.وتعد زيارة السيد ماكرون إلى الجزائر الثانية من نوعها له كرئيس للجمهورية الفرنسية, عقب تلك التي قام بها سنة 2017. ورغم ما تخلل هاتين الزيارتين من تغير في المعطيات والأوضاع وما شهدته العلاقات الثنائية من حالة مد وجزر, إلا أن المؤشرات توحي بأن العلاقات تشهد انطلاقة جديدة بمناسبة هذه الزيارة.
وقد دعا رئيس الجمهورية نظيره الفرنسي إلى زيارة الجزائر في رسالة تهنئة بعث له بها بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية في أبريل الماضي, أكد خلالها أن الرؤية الجديدة المبنية على الندية وتوازن المصالح «التي نتقاسمها فيما يتعلق بالذاكرة وبالعلاقات الإنسانية والمشاورات السياسية والاستشراف الاستراتيجي والتعاون الاقتصادي والتفاعلات في كافة مستويات العمل المشترك, من شأنها أن تفتح لبلدينا آفاقا واسعة من الصداقة والتعايش المتناغم في إطار المنافع المتبادلة».
التقدم في معالجة الملفات الكبرى
وأبرز الرئيس تبون أن المأمول من الزيارة هو إطلاق «ديناميكية تدفع إلى التقدم في معالجة الملفات الكبرى وإلى تكثيف وتوسيع العلاقات الجزائرية-الفرنسية». ومن أهم الملفات على تعددها وتنوعها, ملف الذاكرة الذي توليه الدولة الجزائرية أهمية خاصة, إذ سبق للرئيس تبون أن أكد في رسالة له بمناسبة إحياء اليوم الوطني للمجاهد, على «واجب صون الذاكرة الجماعية والسهر على حمايتها من مكر أولئك الذين ما زالوا يجرون وراءهم, منذ عقود, حقدهم على انتصار الجزائر المستقلة السيدة».
ولطالما كان لهذا الملف بالذات الأثر البالغ في تحديد طبيعة العلاقات بين البلدين, والتي شهدت خلال السنوات الأخيرة إعادة بعث هذا الملف بخطوات عملية, على غرار استرجاع الجزائر لجماجم رموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي. وأكد رئيس الجمهورية، في عدة مناسبات أن استئناف العلاقات الطبيعية مع باريس يكون على أساس «الاحترام الكامل للدولة الجزائرية» ومن خلال التعامل «الند للند», مبرزا في إحدى الحوارات مع وسائل الإعلام أنه «مع الرئيس ماكرون, نستطيع أن نذهب بعيدا في حل الإشكالات المتعلقة بالذاكرة».
زيارة سياسية بدوافع اقتصادية
ويظهر من خلال نوعية الوفد الفرنسي الأهمية البالغة التي تكتسيها الزيارة، إذ سيرافق ماكرون أبرز الشخصيات في حكوماته، وفي مقدمتهم برونو لومير وزير الاقتصاد والمالية والذي سيناقش ملف الشراكات الصناعية والاقتصادية. كما سيكون حاضرا أيضا جيرالد دارمالان وزير الداخلية الذي ينحدر من أصول جزائرية، والذي يمسك بالملف الشائك المتعلق بتنقل الأشخاص. كما يوجد ضمن الوفد وزيرة الخارجية كاترين كولونا، لبحث قضايا الساحل وليبيا وتدفق المهاجرين وغيرها من المواضيع التي تخص التعاون الأمني.
وشهدت التعاملات التجارية بين الجزائر وفرنسا مدا وجزرا، ورغم أن فرنسا تعد من أهم الشركاء التجاريين للجزائر، إلا أنها عرفت تراجعا لاسيما خلال السنوات الأخيرة، على خلفية توجه الجزائر لتوسيع دائرة الشركاء التجاريين والاقتصاديين وتنويع المعاملات، بما في ذلك بالنسبة لبعض المواد التي كانت تمثل فيها فرنسا حصة معتبرة مثل القمح والمواد الصيدلانية.
وقد فقدت فرنسا مواقع عديدة في مجال شبكة المبادلات التجارية على حساب أطراف عديدة، ومع ذلك، فإن حجم المبادلات التجارية ظل معتبرا، فقد بلغ حجم المبادلات سنة 2021 نحو 7.95 ملايير أورو، منها 3.7 ملايير أورو صادرات فرنسية باتجاه الجزائر، و4.3 ملايير أورو واردات فرنسية من الجزائر، مع ترجيح الكفة لصالح الجزائر بنحو 500 مليون أورو. وسجلت الصادرات الفرنسية تراجعا محسوسا، حيث قدرت بـناقص 11,6 %، بينما سجلت صادرات الجزائر نموا إيجابيا بـ59.1 في المائة.
ومن المتوقع أن يكون ملف الطاقة ضمن الملفات التي ستطرح للنقاش، في ظل صعود الجزائر كأحد أبرز الممونين للسوق الأوروبية. وتحوز شركة توتال الفرنسية على استثمارات مهمة في الغاز والبترول، وقد دخلت هذه الشركة مؤخرا في شراكة مع سوناطراك وإيني الإيطالية لتطوير حقل غاز ضخم باستثمار يصل إلى 4 مليار دولار.ع سمير