ووري الثرى بعد ظهر أول أمس الخميس، بمربع الشهداء بمقبرة العالية بالعاصمة، جثمان المجاهد ، قائد الولاية الرابعة التاريخية، العقيد يوسف الخطيب، المدعو"سي حسان"
الذي وافته المنية عن عمر ناهز 91 عاما.
و بعث رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، برسالة تعزية الى عائلة المجاهد يوسف الخطيب، أبرز من خلالها مناقب الفقيد "أحد الثوار الرواد" الذي نشأ على "النضال والجهاد ونكران الذات".
وجاء في رسالة التعزية: "الله أكبر .. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا". صدق الله العظيم.
وتابع رئيس الجمهورية قائلا: "قضى المولى تبارك وتعالى أن يتولى المجاهد المرحوم يوسف الخطيب برحمته، فلقد بلغنا، هذا الصباح، نبأ انتقاله إلى جوار المولى عز وجل ولا نملك إزاء هذا المصاب الأليم الذي فقدنا فيه أخا عزيزا ومجاهدا من الرعيل الأول ووطنيا خالصا أكرمه الله تعالى بتواضع الرجال وأعزه بالمواقف الوطنية الصرفة وحباه بالمحبة والتكريم، وهو الذي نشأ على النضال والجهاد ونكران الذات منذ أن التحق بجبهة التحرير الوطني سنة 1955 وبمعاقل الثورة في جبال نواحي المدية بالولاية التاريخية الرابعة، التي اضطلع لاحقا بقيادتها تقديرا لحنكته السياسية والعسكرية وأشرف بها على العمليات العسكرية في جبال الونشريس والظهرة، فأبلى مع رفاقه بلاء مشهودا".
واستطرد الرئيس تبون يقول: "وإننا إذ نودع في هذا الظرف الأليم أحد الثوار الرواد، أتوجه إليكم وإلى كافة ذويه وأقاربه وأخواته وإخوانه المجاهدات والمجاهدين بأحر التعازي وأخلص مشاعر المواساة، داعيا المولى عز وجل أن يلحقه بمن سبقه من الشهداء الأبرار والمجاهدين الأطهار في جنة الخلد مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يلهم الجميع الصبر والثبات. إنا لله وإنا إليه راجعون".
وقد حضر مراسم تشييع جثمان الفقيد، كل من رئيس مجلس الأمة، السيد صالح قوجيل، والوزير الأول، السيد أيمن بن عبد الرحمان، ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، وعدد من أعضاء الحكومة، الى جانب قادة أحزاب سياسية وممثلي هيئات ومنظمات وطنية وكذا رفقاء الفقيد في الجهاد وأقاربه.
وفي كلمة تأبينية، أبرز وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، مناقب وخصال الفقيد الذي يعد "واحدا من أبناء الجزائر البررة وأبطالها الأشاوس الذين التحقوا بجبهات القتال ومقارعة الاستعمار في صفوف الثورة التحريرية المجيدة من أجل حرية الوطن".
وأضاف أن الراحل يوسف الخطيب "قاد الولاية الرابعة التاريخية بحكمة وتدبر، حيث جمع بين معالجة الجرحى بوسائل متواضعة وكان أيضا قائدا ميدانيا ومسؤولا مقتدرا".
وعرف الفقيد الذي ولد في 19 نوفمبر 1932 بولاية الشلف، بـ "الهدوء والرزانة في معالجة مختلف القضايا وكذا أداء المهام والمسؤوليات الموكلة إليه ولم يتخلف يوما عن الإسهام في بناء صرح الدولة الجزائرية بكفاءة عالية ومستوى علمي وثقافي لاسيما خلال المراحل الصعبة".
وذكر الوزير بأن العقيد يوسف الخطيب أسس مؤسسة ذاكرة الولاية الرابعة التاريخية التي ترأسها إلى غاية وفاته "إيمانا منه أن ثورة التحرير المباركة لم تكن حربا فقط، بل منظومة قيم وأخلاق أيضا".
مثال القائد العسكري الفذ
و الإنسان المتواضع (شهادات)
أجمع العديد من المجاهدين المقربين من قائد الولاية التاريخية الرابعة المجاهد العقيد يوسف الخطيب ، على طيبة قلب وإنسانية هذا القائد العسكري الذي يعد من أبرز قادة الثورة التحريرية.
وأكد العديد من المجاهدين الذين عبروا عن حزنهم الكبير لوفاة العقيد يوسف الخطيب، أنه كان مثالا للقائد العسكري الطيب المحبوب وسط الجميع بفضل تواضعه في تعامله مع الجميع باختلاف رتبهم و مكانتهم الاجتماعية أو مستواهم التعليمي.
وفي هذا الصدد، عبر الأمين العام لمؤسسة ذاكرة الولاية التاريخية الرابعة الواقع مقرها بمدينة العفرون (غرب البليدة)، علي ميلودي، عن الأسى الذي خلفه وفاة صديقه العقيد يوسف الخطيب الذي كان "مثالا للقائد العسكري المثقف و المتواضع"، كما قال.
وأضاف أن الفقيد الذي يعد أحد رموز الثورة التحريرية واصل مسيرة الثورة التحريرية عقب الاستقلال بالعمل على الحفاظ على مآثر و بطولات و تضحيات الشهداء من خلال تأسيس مؤسسة ذاكرة الولاية التاريخية الرابعة التي سعى من خلالها رفقة العديد من المجاهدين إلى "حفظ ذاكرة الثورة و حمايتها من التحريف".
وقال أن أكثر ما كان يلفت انتباهه في شخصية العقيد يوسف الخطيب المدعو "سي حسان" هو قربه من الأطفال و اهتمامه الكبير بهم حيث كان دائم الحرص على مجالستهم و سرد روايات لهم حول بطولات و مأثر أسلافهم بطريقة مبسطة حتى يحببهم في التعرف على تاريخ بلادهم.
وبدوره، عبر أحد أعضاء المؤسسة، بغالم بوقادوم، هو الآخر عن حزنه لرحيل أحد أبرز قادة الولاية التاريخية الرابعة الذي عرف عنه "تواضعه و بساطته في التعامل مع المجاهدين" لافتا إلى أنه كان "جد محبوب من طرف المحيطين به بفضل تعاملاته الإنسانية مع الجميع".
كما تحدث أحد المجاهدين المقربين منه، المدعو عمار رمضان، عن الجانب الإنساني للعقيد واصفا إياه ب"المجاهد و القائد العسكري الذي لن يتكرر، حيث كان يجمع بين صرامة القائد العسكري و طيبة الانسان المتسامح"، لافتا إلى أنه كان "حريصا" على زيارة القرى و المداشر البعيدة لجمع شهادات المجاهدين و محاولة مساعدة العائلات المحتاجة.
وقال أن العقيد يوسف الخطيب الذي كان أيضا محبا للرياضة "لم يهتم يوما بالجانب المادي حيث كان يعيش حياة بسيطة مثله مثل أي مواطن عادي مما أكسبه محبة المحيطين به"، حسبه.
كما تطرق المجاهدون أيضا في شهاداتهم إلى مساعي الفقيد في الحفاظ على ذاكرة الثورة التحريرية حيث كان يولي "أهمية بالغة" لجمع شهادات المجاهدين الجماعية و الفردية التي تتعلق بالأحداث و المعارك و الاشتباكات التي خاضها المجاهدون ضد العدو الفرنسي إبان ثورة التحرير الوطني، حرصا منه على حفظ ذاكرة الولاية التاريخية الرابعة التي كان هو آخر قادتها، بشكل خاص، و تاريخ الثورة التحريرية، بشكل عام.
يذكر أن الفقيد من مواليد 19 نوفمبر 1932 بولاية الشلف، زاول تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه وتحصل على شهادة البكالوريا في سنة 1953 وسجل بقسم الطب بجامعة الجزائر (الجامعة المركزية) لينخرط في الخلايا التابعة لجبهة التحرير الوطني التي كان هدفها تأطير الطلبة وضمهم لصفوف الثورة التحريرية.
وعلى اثر اضراب الطلبة في 19 ماي 1956 التحق الراحل بصفوف الثورة التحريرية حيث كانت وجهته الأولى المدية، والتحق بعيادة بوضربة ومن هناك ربط الاتصال بالمجاهدين ليتم التحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني في جوان 1956 بمنطقة جبال تامزغيدة، وتمثل دوره في تقديم الدعم الطبي والاسعافات الأولية للمجاهدين ومعالجة السكان المدنيين في الأرياف، وكذا الإشراف على تكوين الممرضين والخلايا الصحية في مناطق الولاية الرابعة التاريخية.
وقد عين قائدا للمنطقة الثالثة بالولاية الرابعة سنة 1959 و بعد استشهاد سي محمد بونعامة في 8 أوت 1961، عين "سي حسان" خلفا له على رأس الولاية الرابعة التاريخية و بقي في هذا المنصب إلى غاية استقلال البلاد.
وبعد الاستقلال، تولى الفقيد العديد من المهام والمسؤوليات، منها عضو بالمكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني سنة 1964، وعين رئيسا للجنة الحوار الوطني في أكتوبر 1993 وفي سنة 1994 عين رئيسا لندوة الوفاق الوطني.
كما ترأس الفقيد مؤسسة ذاكرة الولاية الرابعة التاريخية إلى غاية رحيله، وكان يلح على الجانب المتعلق بكتابة التاريخ للمساهمة في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري.