دعا، أمس، الباحث الأكاديمي، الدكتور فريد بيطاط، إلى اعتماد الشهادات الحية لصانعي الثورة التحريرية والمشاركين فيها، من بين أهم مصادر تدوين وتوثيق التاريخ وصون الذاكرة الوطنية بكل انتصاراتها لتبليغها إلى أجيال ما بعد الاستقلال، وكل الأجيال الجزائرية المتعاقبة.
نظمت اللجنة الوطنية الجزائرية للتربية والثقافة والعلوم فرع '' اليونيسكو'' بالجزائر، أمس، في مقرها بالعاصمة، ندوة تاريخية في إطار نشاطات لجنة '' ذاكرة العالم ''، بعنوان ''الذاكرة التاريخية والكتابة '' نشطها الكاتب والباحث الأكاديمي فريد بيطاط''، حيث قدم مقاربة جديدة في الكتابة التاريخية التي تتناول ثورة أول نوفمبر المجيدة.
وقد حرص الدكتور بيطاط، الأستاذ بقسم اللغة الفرنسية - جامعة منتوري 1 بقسنطينة خلال هذه الندوة على تقديم عرض لآخر إصداراته '' صورة أسطورية وقدر قاس"، و تسليط الضوء من خلاله حول ظروف انعقاد اجتماع القادة التاريخيين الستة، محمد بوضياف، العربي بن مهيدي، مصطفى بن بولعيد، كريم بلقاسم، ديدوش مراد، ورابح بيطاط، الذي جاء ليختم عدة اجتماعات سابقة لمجموعة من الشباب المنتمين للحركة الوطنية، من الذين قرروا كسر الجمود وتجاوز الخلافات وتوحيد الصفوف لإطلاق أعظم ثورة في التاريخ المعاصر.
وفي هذا الصدد أكد الكاتب أن خيار المجابهة وتبني العمل المسلح لتحرير البلاد لم يكن سهل التطبيق على أرض الواقع، كما لم يكن اتخاذ القرار بشأنه حينها هينا، غير أن شجاعة وعبقرية هؤلاء الشباب الجزائريين المنحدرين من مختلف مناطق الوطن والذين كانوا ملاحقين من القضاء ومن البوليس الفرنسي كونهم قادة بارزين في ''المنظمة الخاصة''، والمتشبعين بالروح الوطنية والعزيمة ونكران الذات، سمحت بتفجير ثورة خالدة ضد واحدة من أكبر القوى الاستعمارية.
فقد أصر القادة الستة– كما قال - على أن تكون هذه الثورة شعبية بلا زعيم ولا قيادة فردية ولا ريادة حزبية وبشعار موحد هو "من الشعب وإلى الشعب" تقودها على الجبهتين السياسية والعسكرية جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني.
وقال إن العمل الحثيث الذي باشره هؤلاء الشباب ضمن الحركة الوطنية لفترة طويلة من الزمن قد تبلور في لقاء مفصلي بتاريخ 23 أكتوبر 1954، حيث اجتمعوا بمنزل المجاهد مراد بوقشورة بمنطقة الرايس حميدو غربي الجزائر العاصمة، في اجتماع اتسم بأعلى درجات السرية لرسم معالم الثورة التحريرية التي رسّخت مبادئ كفاح الشعب الجزائري على مدار التاريخ وجعلت من وحدته الوطنية حتمية لا مفر منها من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو الانعتاق من نير الاستعمار ونيل الحرية والاستقلال.
وبعد أن أسهب في سرد تفاصيل مجريات الاجتماع ونتائجه سيما تحديد تاريخ اندلاع الثورة بيوم الفاتح نوفمبر 1954 على الساعة الصفر أي ليلة 31 أكتوبر، في جميع المناطق بدون تأخير أو تقديم على الوقت المحدّد، أكد المحاضر أن الشعب الجزائري لم يكن يخوض الكفاح المسلح للدفاع لاسترجاع السيادة الوطنية والاستقلال بل كان يقود حرب شرسة في الجانب الثاني أمام محاولات المحتل طمس هويته العربية الأمازيغية الإسلامية، ومحو ثقافته وعقيدته، بغرض نشر ثقافته بالقوة.
وأشار المحاضر إلى أن أفراد المجموعة، الذين كانوا يعيشون في السرية واجهوا الكثير من الصعوبات من زعماء تاريخيين معروفين كانوا يرون أن زمن الكفاح المسلح لم يحن بعد.
وحاول الكاتب في مؤلفه الجديد '' الصورة الأسطورية والقدر القاسي''، مقارنة شهرة ورمزية صورة مجموعة الزعماء التاريخيين الستة التي تم التقاطها في حي باب الوادي بالجزائر العاصمة، بشهرة ورمزية لوحة '' الموناليزا'' التي رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي.
دعا الدكتور فريد بيطاط إلى اعتماد الشهادات الحية لصانعي الثورة التحريرية والمشاركين فيها، من بين أهم مصادر تدوين وتوثيق التاريخ وصون الذاكرة الوطنية بكل انتصاراتها لتبليغها إلى أجيال ما بعد الاستقلال، وكل الأجيال الجزائرية المتعاقبة.
وفي هذا الصدد شدد المحاضر على ضرورة الجعل من مواصلة وتكثيف عمليات التسجيل مسعى مستعجلا ، بالنظر إلى تقدم سن بعض أفراد الأسرة الثورية والوضع الصحي لبعضهم الآخر، و استغلال هذه الشهادات والرجوع إليها في كل الأعمال ذات الصلة بمجال البحث في تاريخ الثورة التحريرية باعتبارها مصدرا تاريخيا حيا ومرجعا أكاديميا وعلميا لا غنى عنه، مبرزا أهمية الانتقال من مرحلة التسجيل إلى مرحلة الاستغلال وفق "مقاربات علمية وأكاديمية جديدة" من قبل المهتمين بالبحث في التاريخ.
وفي الأخير تساءل الكاتب عن سبب رفض فرنسا منذ عهد ديغول إلى عهد ماكرون الاعتراف بماضي جرائمها الاستعماري وتقديم الاعتذار للشعب الجزائري، قبل أن يؤكد أن سبب رفض فرنسا تقديم اعتذارها للشعب الجزائري على الأقل، لأنها لو فعلت فإن هذا يعني الاعتراف بجرائم ماضيها الاستعماري لمدة 132 عاماً من الاستعمار الهمجي، الذي أجهز على حياة الملايين من الجزائريين، وأرضهم التي تعرضت للحرق بقنابل النبالم، وبالتجارب النووية التي تم إجراؤها في الجنوب الجزائري، وبالحدود المزروعة بالألغام المضادة للأفراد التي لا تزال تقتل الأبرياء إلى اليوم.
عبد الحكيم أسابع