تشكل الأماكن المقدسة على اختلافها في الجزائر، مراكز استقطاب وجذب روحية ويدا ممدودة للدبلوماسية، وهي أيضا منجم سياحي يكتنز ذهبا، من شأنه أن يثري أرصدة البلاد و يضعها في صدارة الوجهات السياحية عبر العالم، خصوصا وأن والسياحة الدينية تمثل اليوم، رافدا مهما لاقتصاديات بلدان عديدة، ولها سوق متخصصة ومنصات ترويجية، وهو توجه تعيه الدولة جيدا وتشتغل عليه من خلال ترميم المعالم و تقدير المساهمة الاجتماعية والثقافية والهوياتية للزوايا، وإنشاء مشاريع كبرى على شاكلة مسجد الجزائر الأعظم لأن السياحة ترفع من قيمة العملة المحلية وتضاعف قيمتها السوقية، الأمر الذي يوفر أدوات و حلولا إضافية لتعزيز صلابة اقتصادها و تحقيق الاستدامته كما يرى خبراء في الاقتصاد.
ملف: نور الهدى طابي
على خطــى الرحالــــة والمستشرقيــــن
سحر ثراء هذه الأرض زوارها دوما، فللمسلمين فيها مساجد فوق الأرض وتحتها، و للمسيحيين كنائس تاريخية وهناك أضرحة و زوايا للمتصوفة وأتباع الطرقية، وقد كتبت إيزابيل إيبرهارت يوما « بأنها تتمنى أن تعيش في شمال إفريقيا وتحديدا في الجزائر، وأنها هناك ستولد من جديد»، عندما بلغت الأديبة الشهيرة العشرين حققت حلمها، امتطت حصانا وشقت رمال الصحراء نحو عين الصفراء، أين احتضنها رحم الطريقة القادرية، فاستقرت هناك، واعتبرت «الإسلام منالها في الحياة».
أما المستشرق الفرنسي إيتيان ديني، فقد زار بوسعادة فنانا ليعيش ويموت فيها ناسكا، فالمدينة التي تحفها بركات زاوية الهامل القاسمية، تملك من السحر ما يخضع القلوب و العقول، لأن الضوء فيها يغذي روحانية المكان، فيلهم العناق بينهما الزائر لحد العبادة.
واجهة واحدة و وجهات متعددة
تتمتع مدن الجزائر ككل بزخم روحي حضاري و ثقافي كبير، ولذلك فإن التجربة السياحية تكون مختلفة وثرية جدا في كل منطقة، وتصف الباحثتان سميرة عبد الصمد و فوزية برسولي، من جامعة باتنة و المركز الجامعي بركية، الخارطة السياحية الدينية الجزائرية بأنها واسعة الامتداد و التشعب وخليط ثقافي و تاريخي و عقائدي عمارني موغل في القدم، فالأغواط مثلا، تضم واحدا من أجمل القصور القديمة وهو « زقاق الحاج» الذي كانت تمر به قوافل الحجيج القادمة من ليبيا، و تتميز العاصمة الجزائر بمساجدها، مثل جامع كتشاوة العاكس لجمالية الهندسة العثمانية، والجامع الكبير الذي شيده المرابطون، وهو نموذج مميز عن الفن المعماري الإسلامي، إلى جانب مسجد عبد الرحمان الثعالبي الذي يضم ضريح الرجل.
أما ورقلة، فتحتضن الزاوية التيجانية محج آلاف الأفارقة، وبها مدينة «سدراتة» التاريخية المتخفية تحت الرمال لمؤسسها الشيح « حادور» إمام الإباضية. كما تضم تنس بالشلف مسجد سيدي معيزة، الذي يعود للحقبة الفاطمية، وقد أسس بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، ويمثل منارة علم ودين عمرها عشرون قرنا.
وفي غرداية، يوجد المسجد الكبير والمدينة المقدسة للإباضيين « بني برقى» التي تأسست سنة ألف وخمسين ميلادي، وتضم مدينة مستغانم بدورها المسجد العتيق « المريني»، الذي بناه السلطان المنصور بالله أبو الحسن علي بن عبد الحق المريني، وقد صلى فيه الشيخ مصطفى العلوي شيخ الطريقة العلوية العالمية، كما تضم القصر العتيق لعين ماضي الذي يرجع إلى زمن التيجانيين.
بسكرة، تعتبر كذلك محطة مهمة في مسار السياحة الدينية، بفضل مسجد الصحابي الجليل عقبة بن نافع والذي يعود للقرن الثامن للميلاد، وهو ذو أهمية بالغة لأنه يضم ضريح الصحابي، كما تضم المدينة الزاوية القادرية.
أرضية خصبة للاستثمار
ويشكل هذا المزيج العمراني الروحي الحضاري أرضية خصبة للاستثمار في المجال خصوصا وأن بلادنا تتبنى مبدأ وسطيا معتدلا محبا ومتسامحا وجامعا، تدعو إليه مؤسساتها الدينية الرسمية كما تكرس له كذلك زواياها التي يزيد عددها عن 1600 زاوية، وكلها عناوين مهمة جدا بل و محورية في المسار الداخلي الذي تمثل السياحة الدينية أحد أنماطه.
ويبرز اهتمام الجزائر بهذا الشق السياحي، من خلال الملتقيات الأكاديمية التي تنظم في الإطار، على غرار الملتقى الوطني للسياحة الدينية وطرق تفعيلها، ناهيك عن برمجة الدولة للمساجد و القصور العتيقة و الزوايا و غيرها من المؤسسات الروحية والدينية ضمن مخططات الترميم و إعادة الاعتبار، لأجل تثمينها تمهيدا لإدراجها ضمن المسارات السياحية للمدن في إطار العمل على ربط الشق الاقتصادي بشقين رئيسيين آخرين يتصلان به اتصالا مباشرا هما الشق الثقافي والاجتماعي.
وقد كان المفكر والمختص في الحركة الصوفية الحديثة الدكتور محمد بن بريكة، من بين من دعوا إلى الاهتمام بهذا المورد المهم الذي اعتبره قناة دبلوماسية أيضا، فالمعاهد والجامعات و المراكز الدينية إلى جانب الزوايا الصوفية، قاطبة حسبه، للمريدين من كل الربوع و البقاع، وهي بذلك تخدم الاقتصاد عن طريق ضخ العملة الصعبة، كما تسمح بتشكيل الصورة التي نريدها عن بلادنا والترويج لها و تصديرها إلى الآخر، عبر واجهة السائح الذي يزورنا فنحدثه عن أنفسنا بلساننا لينقل عنا الرواية الصحيحة.
الزوايا قلاع المتصوفة ومعالم لا تشيخ
و تعتبر زوايا الجزائر على تعددها، قلاعا سياحية تعكس الهوية وتكرس للثقافة المجتمعية، و تتفرع أذرعها على امتداد البلاد، كما أنها من أهم المعالم العتيقة التي تستقطب السياح من الداخل و الخارج.
في مدينة بوسعادة عند مشارف الصحراء، تجذبك طاقة قوية جدا للمكان وتدعوك للمكوث فيه، تمنحك سكونا و تناغما مطلقا مع الطبيعة، وهو شعور يربطه السكان المحليون ببركات زاوية الهامل القاسمية، وهي قلعة قديمة يقصدها كل باحث عن السلام.
تقع الزاوية القاسمية على بعد 13 كلم في الجنوب الغربي من مدينة بوسعادة، على المرتفعات المتاخمة لجبال أولاد نايل، يحيط بها سور ولها هندسة إسلامية جميلة على بساطتها، عندما تدخل المكان يستقبلك القائمون عليه بحفاوة كبيرة أيا كان طلبك، و يتطوعون لمرافقتك في جولة تعريفية، ثم يكرمونك أولا بطبق « العياد» التقليدي المحضر من القمح والخضر، ويكون الختام بفنجان قهوة بوسعادية.
تأسست الزاوية سنة 1844، على يد الشيخ الإمام سيدي محمد بن أبي القاسم الشريف الحسيني، وهي اليوم من أشهر الزوايا العلمية في المغرب العربي الكبير، نظرا للدور الإيجابي الذي اضطلع به رجالها، كما أوضحه لنا سمير، المكلف بالاستقبال، مشيرا إلى أن الصرح قاطب للزوار من كل حدب، إذ تعتبر قبلة لأعراش ولايات الجلفة وتيارت وتيسمسيلت ومن بلاد القبائل أيضا، مؤكدا بأنها تستقبل في أيام المواسم والأعياد 1500 إلى 2000 زائر في اليوم.
أما غربا وتحديدا في وهران، فتعد الزاوية البلقايدية الهبرية مجمع علماء وفقهاء الإسلام، فهذه المؤسسة تحصي أزيد من خمسة ملايين مريد، ويعود وجودها في الجزائر إلى سنة 1911، وقد أسسها الشيخ محمد بلقايد المنحدر من عائلة نسبها شريف من أهل البيت.
الزاوية تحفة معمارية تزين المدينة و تعد من معالمها الشهيرة جدا تستقطب زوارا من الجزائر و خارجها، و لها مكانة مهمة في المجتمع المحلي كما تملك مقرا حديثا بديع الهندسة في العاصمة كذلك.
شيدت الزاوية على مساحة تقدر بـ 5 هكتارات، تضم مدرسة قرآنية بطاقة استقبال تصل إلى 300 طالب وهي قبلة للطلبة من داخل وخارج الوطن.
تعي الدولة أهمية الزاوية و تركز على تثمين دورها، خصوصا وأنها تحتضن سلسلة الدروس المحمدية منذ سنة 2005، ففي كل سنة يجتمع فيها علماء مسلمون لمناقشة الراهن ومقاصد الدين، وهي بذلك ملتقى لسفراء العلم من هذه الدول ما يمنحها بعدا دبلوماسيا إن صح القول.
جمالية الهندسة و روحانية المكان في مساجدنا
لا يمكن لسائح أو مدون أو صانع محتوى زيارة مدينة جزائرية، إلا والتوقف عند مسجد له تاريخ و خصوصية هندسية فريدة، ففي خليج العاصمة مثلا، وتحديدا في بلدية المحمدية، التي كانت تسمى في العهد الاستعماري الفرنسي بـ»لافيرجي»، تعلو مئذنة جامع الجزائر الأعظم وتمتد على طول حوالي 265 مترا لتناطح السحاب و تتحدى رياح العولمة، وهو صرح حضاري وديني وسياحي شهير في العالم اليوم.
فالجامع قطعة مهمة في بطاقة هوية الجزائر السياحية، بل وقد صار قلب الصورة ومركزها، منذ افتتحه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مطلع السنة الجارية، إذ يعتبر الأكبر في إفريقيا و الثالث في العالم ككل، أما مئذنته فهي الأطول دون منازع.
تتشكل مئذنته، من 43 طابقا خصص 15 منها كفضاء لاحتضان متحف يخص تاريخ الجزائر و10 طوابق كمركز للبحوث بالإضافة إلى محلات تجارية، كما تم وضع في القمة منظار ليتمكن زوار الموقع من الاستمتاع بجمال خليج العاصمة، خصوصا وأن المسجد الأعظم يمتد على مساحة 30 هكتارا.
عندما تزور المسجد، لا تغفل عن دخول قاعة الصلاة الكبرى، لأن فيها سجادا باللون الأزرق الفيروزي يأسر النظر، ولا يقل تميزا عن التصميم الهندسي العام للجامع الذي يتميز بسخاء في توظيف الرخام الأبيض.
يحتضن جامع الجزائر كذلك «دارا للقرآن، التي تتسع لـ1500 مقعد موجه للطلبة الجزائريين والأجانب في مرحلة ما بعد التدرج، في العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية.
و تعد قسنطينة عنوانا مسجلا في دفاتر أسفار طلبة العلوم الإسلامية و الباحثين من كل العواصم الإسلامية، ففي مسجد و جامعة الأمير عبد القادر المتجاورين، تنصهر العلوم الدينية بروعة وجمال الهندسية الدنيوية، ويشكل الصرعان معا معلمين سياحيين شهيرين و محطة مهمة في المسار السياحي للمدينة، وهما واجهة حضارية رئيسية لقسنطينة والجزائر عموما.
والجامعة وحدها قلعة للسياحية العلمية والدينية، كونها واحدة من أعرق جامعات العلوم الإسلامية في العالم، تربطها شراكات علمية بجامعات من كل البقاع تقريبا، وتستقبل وفودا من العالم ككل، و هي أيضا قبلة للسفراء، فقد استقبلت سنة 2019 مثلا، سفيرة إندونيسيا «سفيرة محروسة»، كما كانت محطة لسفير الولايات المتحدة الأميركية، و للكثير من الباحثين والمفكرين الذين شاركوا في الندوات العلمية و الملتقيات البحثية التي دأبت المؤسسة على تنظيمها.
وهي في الأصل تحفة معمارية متفردة، يرتبط هيكلها العام ببناية مسجد الأمير عبد القادر، و يتشاركان معا في الزخارف البديعة التي تعلو المداخل الثلاثة للحرم الجامعي و تحيط بشبابيك خشبية تزين الواجهة الأمامية للمؤسسة.
يشمل محيط الجامعة الجزء الأرضي و الطابقين الثاني والثالث فقط بينما الطابق الأول بأكمله تابع للمسجد، تتوفر البناية على مساحة خضراء معتبرة، أما ميزتها الأهم فهي الاستخدام الباذخ للرخام في كل التفاصيل، وهو رخام جزائري ذو جودة عالية، استخدمه المهندس المصري الذي صمم الحرم الجامعي، على الأرضية و بعض الجدران، كما وظف الفسيفساء العربية الإسلامية بجمالية متناهية، كما يميز الخشب المشغول بعناية فائقة، كل ركن من أركان الفضاء الفسيح للجامعة.
في جنوب غرب الجزائر وتحديدا بمدينة الرقاصة ولاية البيض يوجد مسجد الموحدين، وسط صحراء قاحلة بين كثبان رملية كثيفة، بني تحت الأرض على عمق ستة أمتار، وتبلغ مساحته 200 متر مربع ولا يزال إلى يومنا يحتفظ بقيمته التاريخية ومكانته الدينية والاجتماعية، للمسجد تاريخ نضالي مهم، فقد بني سريا لتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية، يحتوي على أعمدة أرضية تحمل سقفه، تماماً مثل أي مسجدٍ فوق الأرض، كما أنه مفروشٌ بالرمال، الأمر الذي يجعله بارداً خلال فصل الصيف رغم الحرارةً العالية في المناطق الصحراوية الجزائرية.
أكثر من مجرد كنائس
كنائس الجزائر من جهة ثانية، ليست مجرد دور للعبادة فقط، بل تعد عناوين مهمة على المسار السياحي للمدن، وهي كذلك الوجه المتسامح و المنفتح للجزائر.
في العاصمة تقف كنيسة السيدة الإفريقية شامخة في أعالي العاصمة وقد بنيت فوق ربوة مطلة على البحر بعمارة بيزنطية، تفتح أبوابها للمسلمين والمسيحيين و للسياح من جميع أنحاء العالم.
شرقا في مدينة عنابة، توجد كنيسة القديس أوغستين الرائعة، شيدت هذه الكنيسة على تلة هيبون، تكريما لذاكرة «أوغستين» الذي كان أسقف هيبون من 395 إلى غاية وفاته عام 430 ميلادية، هندستها المعمارية مزيج بين الطابعين العربي الإسلامي والروماني البيزنطي، وهي مؤلفة من عدة أجنحة من بينها دير ودار للمسنين ومكتبة.
أما كنيسة نوتر دام دو سانت آكروز بوهران، فهي أشهر من نار على علم بفضل موقعها الاستراتيجي المطل على خليج المدينة الساحر وجمال معمارها وصومعتها الحجرية الشاهقة، التي يعلوها تمثال العذراء. ولا تحظى الكنيسة بقدسية لدى الأقلية المسيحية فحسب، بل يبجلها مسلمون كذلك وينزلونها منزلة الولية الصالحة، فالوهرانيون يذكرون إلى اليوم كيف ساهمت القديسة قبل 170 عاما في مواجهة الكوليرا.
الوعدة .. مهرجان السياحة الشعبية
كالمساجد والكنائس، تشكل الأضرحة و المقامات جزءا من الثقافة المحلية في الجزائر و يمتد تأثيرها إلى خارج حدود الوطن ذلك لأن لبعض الطرق الصوفية مريدين من كل فج وصوب، فمنطقة عين ماضي بالأغواط تستقبل سنويا زوارا من زوايا الجزائر الأربع ومن خارجها، لأنها مسقط رأس شيخ الطريقة التيجانية ومؤسسها، وهي طريقة يبلغ تعداد مريديها في إفريقيا وحدها ما يقارب 250 مليون شخص، ومن الأمثلة أيضا شجرة الزيتونة بسوق أهراس، التي جلس تحتها القديس أوغستين لكتابة وشرح الإنجيل، وهي مناطق يمكنها أن تتحول إلى قبلة سياحية دينية في الجزائر، تستقطب المسلمين وغيرهم من مختلف أنحاء العالم، كما تشكل الوعدة طقسا احتفاليا هاما لاستقبال المولد النبوي الشريف بمنطقة تيزي وزو كذلك.
وقد تضمنت توصيات المؤتمر الدولي حول السياحة الدينية وطرق تفعيلها، الذي انعقد في الجزائر سنة 2019، إشارة إلى أن هذا النمط السياحي يمكن أن يحقق مداخيل تصل إلى مليوني دولار في حال استغل بشكل أمثل، ما يبرز القيمة العالمية لهذه المحطات.
فزيارة أضرحة ومقامات الأولياء الصالحين، تقليد متجذر في الثقافة المحلية، يرتبط بالتبرك بالمكان و طلب الشفاء و السكينة و غيرها من المعتقدات، و يرتبط بعادات احتفالية تعرف بالوعدة، ولها مواسم خاصة في كل منطقة ويشارك فيها الآلاف سنويا قادمين من مختلف ربوع الوطن و يطبعها الفلكلور الشعبي.
وتكمن الخصوصية السياحية لهذه الوعدات في أنها تتميز بما يحضر خلالها من أطباق تقليدية وما يرافقها من عادات وتقاليد استخدام للأقمشة والألوان و الخيل و اللباس التقليدي، وممارسة طقوس روحية، وهو ما يعطيها صفة الفنتازيا، تماما كتلك المهرجانات الشهيرة في إيطاليا و اليونان التي يحج إليها الملايين سنويا من العالم.
* عائشة حنيفي باحثة في التراث الإسلامي جامعة الجزائر 2
هكذا نوظف تراثنا الإسلامي في خارطة السياحة
ترى أستاذة علم الآثار الإسلامية بكلية علم الآثار بجامعة لجزائر 2، عائشة حنفي، بأن كل المقومات متاحة لتتحول الجزائر إلى وجهة للسياحة الدينية، وأن استغلال هذا الموروث، يستوجب تخطيطا جيدا وآليات تنفيذ فعالية.
وقالت البروفيسو حنيفي، إنه من المهم تسليط الضوء على الآثار الإسلامية من خلال حصرها و جردها وتصنيفها، لضبط مخطط ترويج مبني على أساس توزيع وتنوع المساجد التاريخية التراثية القديمة والجديدة على غرار الجامع الأعظم، الذي يعد مكسبا سياحيا كبيرا.
واعتبرت المتحدثة، أن العملية يجب أن تشمل الزوايا أيضا، لكثرتها وتنوعها و تعددها و اختلافها في عمائرها و عناصرها التراثية ومواد بنائها، فزاوية سيدي عبد الرحمان الأزهري في العاصمة، تستقطب لوحدها آلاف الزوار كما قالت، ناهيك عن الزاوية التيجانية التي تحصي مريدين من كل مناطق الوطن ومن إفريقيا و العالم.
وقالت أستاذة الآثار الإسلامية، إن أهمية الأضرحة لا تقل عن أهمية الزوايا في جانب الجذب السياحي، على غرار ضريح سيدي بومدين وسيدي الهواري، ومن الضروري كما أوضحت أن يتم إحصاؤها و إعداد بطاقات تقنية سياحية لاستغلالها و التعريف بها، بما يسمح بإثراء الخارطة السياحية الدينية.
وأشارت الباحثة، إلى آلية ثانية هي المهرجانات و الفعاليات الدينية أو المواسم والوعدات كما يطلق عليها بالعامية، وقالت إن لها فعالية كبيرة في تشجيع الحركة السياحية الداخلية والخارجية، شريطة أن تضبط ببرمجة خاصة تحدد مواعيدها بشكل يمكن أن يخدم أجندات السياحة، واعتبرت أن هناك مواعيد مثل المولد النبوي الشريف، تكون مهمة جدا و يصح أن تقام لها مهرجانات تستمر لأسبوع كامل في مناطق محددة. وتحدثت كذلك عن تنظيم مسابقات وفعاليات في أماكن و معالم دينية تاريخية، مثل مسابقات القرآن في رمضان، و برمجة رحلات للطلاب و الدارسين في الزوايا، تقودهم إلى مختلف المعالم الدينية في الجزائر كالمساجد التاريخية الشهيرة، وقالت إن الدولة تعي أهمية الترويج للتراث الإسلامي، ولذلك فقد تقرر إنشاء متحف للتراث الإسلامي على مستوى جامع الجزائر الأعظم وهو ما يعزز قيمته كمحطة دينية سياحية.
ودعت من جانب آخر، إلى تنظيم معارض للمخطوطات، و التحف الفنية التي صنعت في الفترة الإسلامية، ومن المهم حسبها، تحسين البنية التحتية لهذه المواقع لأجل استغلالها بشكل أمثل، مع تكوين مرشدين متخصصين و توفير النقل وإعداد مجلات إشهارية أو دليل صغير يتضمن خريطة توجيهية نحو المعلم، وتحديد ما يوجد حوله من فنادق ومرافق خدماتية أخرى.
* المستشار و الخبير الاقتصادي حمزة بوغادي
نمط سياحي يعزز الصلابة الاقتصادية ويضمن الاستدامة
يعتبر المستشار والخبير الاقتصادي حمزة بوغادي، أن النماذج الاقتصادية التي لجأت للعلم تمكنت من تطوير تصور جديد مستوحى من البيئة الاجتماعية، التاريخية و الثقافية لدولة تطمح للتقدم و الرفاهية، إذ تخلت الدول عن فكرة تقليد النماذج التي ترى أن الطريق الوحيد يكمن في الصناعات الضخمة التي تلتهم الموارد و تغير التشكيل الاجتماعي للدول و تؤر على مقوماتها و مواردها الطبيعية، لذلك تبنت حلولا بديلة تعتمد على استغلال الموروث الاجتماعي الثقافي الديني و الإثني في التنمية الاقتصادية عن طريق الجانب السياحي.
ويقول الخبير، إن السياحة الدينية في دول كالهند و الصين و بعض الدول الآسيوية تدر ملايير الدولارات، لأن هذه البلدان أحسنت استغلال الجانب التاريخي لمعالمها و تأثيره الروحاني فأصبحت مزارات غزيرة يقصدها السياح من المنتمين عقائديا لها و حتى السياح الذين يبحثون عن اكتشاف الآخر، لذلك انعكس الأمر على النشاط التجاري والصناعات التقليدية والفنادق والإيواء...إلخ.
ومن المعروف ماليا كما أضاف، أن السياحة من بين العوامل الرئيسية التي ترفع من قيمة العملة المحلية لأن الإقبال عليها يرفع الطلب و بالتالي تتعاظم قيمتها السوقية، الأمر الذي يعطي الدولة أدوات و حلولا إضافية لتعزيز صلابة اقتصادها و استدامته.
ن.ط