شكل تنظيم المنتدى الإفريقي للشباب في وهران الأسبوع الماضي، خطوة استراتيجية مهمة في مسار الدبلوماسية الجزائرية المعاصرة، حيث عكس رؤية متجددة لدورها في إفريقيا ولإرثها التاريخي الداعم لحركات التحرر في القارة، و جاء المنتدى في سياق تحولات إقليمية ودولية تستدعي تعزيز أواصر التعاون والتكامل بين دول القارة، ولعل المبادرة الإفريقية التي رافقت المنتدى وهي «1 مليون المستوى القادم» والتي تهدف للعمل على تكوين شباب اليوم ليصبحوا قادة الغد للقارة على جميع المستويات، تصب في مساعي التأسيس للدبلوماسية الشبابية للرقي بالقارة السمراء وتحصين مستقبلها.
في هذا الصدد، أشاد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر وأستاذ بحث في المعهد الوطني في التربية الدكتور داودي أحمد، باستثمار الجزائر في موقعها الاستراتيجي كبوابة بين الشمال والجنوب باستضافتها للمنتدى الرابع للشباب الإفريقي، مشيرا إلى أن تنظيمه ببلادنا يعد فرصة ثمينة لتجديد أدوات الدبلوماسية بما يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين من خلال الاستثمار في الشباب وبناء جسور التواصل والتعاون، وكذا التأسيس لعلاقات مستقبلية متينة مع دول القارة، والمساهمة في تحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة.
مضيفا أن الجزائر سعت من خلال هذا الحدث إلى تجديد دورها القيادي في القارة عبر التركيز على الشباب باعتباره محركا للتغيير وصانع المستقبل، كما أن المنتدى يمثل وفق محدثنا، منصة دبلوماسية غير تقليدية تتجاوز القنوات الرسمية المعتادة، كونه يؤسس لدبلوماسية شبابية فاعلة تعتمد على التواصل المباشر وتبادل الخبرات والتجارب، وهذا النهج سيسمح بتكوين شبكة علاقات مستدامة بين شباب القارة و يعزز التفاهم المتبادل والحوار بين الثقافات المختلفة.
واعتبر الدكتور داودي، أن الجزائر تدرك اليوم أن الاستثمار في العلاقات مع الشباب الإفريقي يمثل رهاناً استراتيجياً طويل المدى، إذ يساهم في تشكيل نخبة مستقبلية على دراية عميقة بالدور الجزائري وقيمه ومواقفه، كما فتح المنتدى آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات حيوية مثل التعليم والتكنولوجيا والابتكار، وهي مجالات تشكل أولوية للتنمية في القارة الأفريقية، وأيضا أبرز المنتدى صورة الجزائر كدولة مستقرة وآمنة، وساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية في مدينة وهران التي احتضنت الحدث، مردفا أن المنتدى سمح أيضا بتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين الشباب الجزائري ونظرائه من مختلف دول القارة، و ساهم في تحقيق أهداف الاتحاد الإفريقي خاصة فيما يتعلق بالتكامل القاري والتنمية المستدامة، مشكلا فرصة لتبادل الخبرات في مواجهة التحديات المشتركة مثل قضايا الأمن والتطرف والأمن السيبراني، وهي ملفات تتطلب تعاوناً وثيقاً بين كل دول القارة.
من جانبه، ثمن الأستاذ المختص في القانون الدولي أبو الفضل محمد، حرص الجزائر على العمل في إطار الأجندة الإفريقية 2063 وهي من الدول الملتزمة بتنفيذ محاورها وخاصة محور الشباب وإشراكه وانخراطه في عملية بناء وصناعة والحفاظ على السلم والأمن في المجموعة الإفريقية.
مضيفا أن الجزائر في بعدها الإستراتيجي تؤمن بأن الشباب آلية من شأنها الحفاظ على السلام، وعليه فهي تعمل على تنمية القدرات الشبانية الإفريقية وإعطاءهم فرصة للابتكار والاستثمار وتوفير مناصب شغل وضمان التكوين المناسب والتعليم لهم ، لتجسيد عدة أهداف أساسها تجفيف منابع الكيانات الإرهابية في القارة و التي أصبحت تستغل الشباب وتجندهم في أعمالها الإجرامية.
كما تهدف الجزائر وفق محدثنا، من خلال انخراطها في البعد الإفريقي، لمكافحة الفكر التطرفي والإجرامي عند شباب القارة، وهذا عن طريق التعليم المحترف والذي ينشر قيم السلم والمحبة والتضامن والذي ينتج أيضا جيلا جديدا يؤمن بالابتعاد عن الفكر المبتذل و اتباع الفكر المعتدل و بأن إفريقيا للإفريقيين و يجب الحفاظ على ثرواتها وأن التعاون بين الدول هو أحد الآليات المهمة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، مردفا أن الاهتمام بالشباب مرتبط كذلك بالأجندة الأممية للتنمية المستدامة التي تتضمن في أحد بنودها ضرورة الاهتمام بالشباب وإيلاء الأهمية له وإعطائه فرصة للانخراط في عملية السلام وبناء الأمن بأبعاده الدولية، من أجل التنسيق بين الدول كون الجريمة المنظمة منتشرة بشكل كبير وهي تتوسع في القارة السمراء، وأن القضاء عليها لا يتأتى فقط بالجهود الرسمية بل يتطلب إشراك كل فئات المجتمع وعلى رأسها الشباب الذي يمتلك طاقة كبيرة خاصة وأن نسبته في إفريقيا كبيرة جدا ويجب التركيز عليها والاستثمار في قدراتها.
وأوضح الأستاذ أبو الفضل، أن الندوة رفيعة المستوى حول السلم و الأمن في إفريقيا والتي أصبحت تسمى «مسار وهران» و التي أصبحت اليوم نقطة ارتكاز لاحتضان التظاهرات والملتقيات الإقليمية والقارية، هي آلية إفريقية مبتكرة لفض النزاعات وتسويتها بطرق سلمية بناءا على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، إلى جانب الآليات الإفريقية الأخرى على غرار المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان أو المحكمة الدائمة للتحكيم، والتي تمكن من دراسة ظاهرة الانقلابات وعدم الدستورية، والحفاظ على المواد الدستورية في إفريقيا وخاصة المتعلقة بالولايات الرئاسية المقررة بعهدتين وهو مبدأ دستوري غير محترم في الكثير من دول القارة، مما ينجم عنه العنف وعدم الاستقرار.
وعلى صعيد آخر، نوهت «سامية نكروما» مؤسسة ورئيسة مركز كوامي نكروما للبلدان الأفريقية، بالجزائر التي تصفها بـ»مكة الثوار» و أنها تحتل مكانة خاصة في الذاكرة الجماعية لحركات التحرر في القارة السمراء، و قالت أنها تذكرها بوالدها «كوامي نكروما» الأب المؤسس للإتحاد الإفريقي والذي كان يحب الجزائر.
وقالت «سامية نكروما» ابنة المناضل الإفريقي «كوامي نكروما» في تصريح لقناة المنتدى الإفريقي للشباب، إن احتفالات الفاتح من نوفمبر التي تخلد ذكرى الثورة الجزائرية، هي مثال ملهم للقارة بأكملها، معبرة عن انبهارها بشعور الانتماء الإفريقي الذي عكسه الجزائريون خلال هذه الاحتفالات، فبالنسبة لها إحياء التاريخ الإفريقي ومواجهة محاولات المحو الثقافي التي بدأها الغرب، هي معارك أساسية لنقل التراث و التاريخ الإفريقي إلى الأجيال الشابة وفق المتحدثة التي تؤكد على أهمية إعادة إحكام التمسك بالثقافة والهوية الإفريقية.
ومن أرض الجزائر، أطلقت «سامية نكروما» نداء للأفارقة للوحدة في مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار الخارجية بجميع أشكالها، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو حتى دينية، وهي ترى أن العودة إلى المثل الأفريقية هي أساس متين لمستقبل أفريقي حر ومستقل حقًا.
بن ودان خيرة