أخذت قضايا الأخطاء الطبية في السنوات الأخيرة منحنى تصاعديا مع ارتفاع عدد الضحايا في القطاعين العمومي و الخاص ، حيث برز سن قانون خاص لحماية الضحايا و تعويضهم، كمطلب ملح لحقوقيين و ناشطين جمعاويين، يتفقون على أن الأرقام التي تحصيها الجزائر في هذا المجال مخيفة، وبالمقابل يطرح الأطباء مشاكل متعلقة بتحديد المسؤولية و إجراء الخبرة الطبية، فضلا عن ضغط العمل.
« النصر» فتحت ملف الأخطاء الطبية و وقفت على واقع معقد تتداخل أطرافه و تتقاذف فيه المسؤوليات .
وتشير تقارير قدمها حقوقيون وأكدتها المنظمة الجزائرية لضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر، بأن أزيد من 40 بالمائة من الضحايا، يرفضون اللجوء إلى القضاء ، بسبب غياب قانون يحميهم، و تعقيد إجراء تكييف هذا النوع من القضايا، التي يصل 90 بالمائة منها إلى المحكمة العليا، فيما يتعدى عمر قضايا أخرى 14عاما منذ رفعها أمام العدالة،و تنتهي عادة ببراءة الأطباء أو رفض المستشفيات تسديد المبالغ المالية التي تقرها العدالة في منطوق أحكامها كتعويضات للضحايا.
ومن بين أشهر القضايا التي هزت الرأي العام خلال السنوات الماضية و لا يزال معظمها معلقا على مستوى القضاء إلى غاية اليوم، قضية 8 ضحايا فقدوا نعمة البصر و اقتلعت أعينهم تباعا، بعيادة خاصة لجراحة العيون بقسنطينة سنة 2008، و قبلها بثلاث سنوات كان 17 طفلا ضحايا أخطاء طبية أثناء عملية ختان جماعي بالخروب، فأصيبوا بحروق في أعضائهم التناسلية ،تطورت في ما بعد ، و أدت إلى تدهور حالتهم الصحية و حطمت حياة العديد منهم كرجال المستقبل.
و في سنة 2007، فقدت31 ضحية البصر، بمصلحة طب العيون بمستشفى بالعاصمة،بسبب أخطاء طبية أيضا،حيث حقنتهم الطبيبة المعالجة بدواء «أفستان» المخصص لمرضى سرطان القولون، ما أدى إلى فقدانهم البصر بعد 24 ساعة.
بعدها بسنة تحديدا، توفي طفل، بسبب تخديره بغاز ثاني أوكسيد الكربون، داخل قاعة العمليات بمستشفى سوق أهراس، حيث كان يخضع لعملية استئصال اللوزتين.
و توفيت سنة 2013مجاهدة بمستشفى تبسة، بسبب عدم معاينتها من قبل الطبيب الذي ظل غائبا لمدة 4 أيام كاملة.
الأمين العام للمنظمة الجزائرية لضحايا الأخطاء الطبية أبو بكر محي الدين، أوضح بأن هيئته تحصي أزيد من 200 1 ملف لضحايا الأخطاء الطبية ، و الرقم لا يعكس حسبه، الحقيقة الفعلية لواقع هذه الشريحة المهمشة، على حد وصفه، خصوصا في ظل غياب قانون خاص يحميهم ،و يكفل حقهم في الحصول على تعويضات مادية ومعنوية، مقابل الأضرار التي لحقت بهم في المستشفيات العامة أو العيادات الخاصة.
و أشار إلى أن مصادر من وزارة العدل كانت قد كشفت مؤخرا ،بأن محاكم الوطن أحصت حوالي 20 ألف قضية من هذا النوع، بالمقابل فإن المنظمة استقبلت خلال شهر جانفي الماضي وحده 13 حالة جديدة.
المتحدث أكد بأن مطلب سن قانون خاص للتقاضي، أو إدراج ملف ضحايا الأخطاء الطبية ضمن قانون الصحة الجديد، طرح بقوة خلال اعتصامات سابقة لهذه الشريحة في الجزائر، خصوصا في ظل عدم توفر أي هيئة خاصة تتأسس كطرف مدني للدفاع عنهم أمام أطباء و مستشفيات تتمتع بالحصانة الكافية للإفلات من العقاب، وهو ما يعمق مأساة الضحايا، على حد تعبيره، مضيفا بأن الفصل في هذه القضايا يستغرق سنوات قد تنتهي بالتحفظ على الدعوى أو قد يتم اللجوء إلى العدالة لتكييفها ،وفقا لأحكام القضايا المتعلقة بحوادث المرور، من حيث العقوبة، أو التعويض عن الضرر.
ويتساءل محي الدين أبو بكر عن مصير الاتفاق المبرم بين ممثلي ضحايا الأخطاء الطبية، ومسؤولي وزارة الصحة في جوان الماضي، بخصوص تنصيب لجنة لدراسة الحالات الإستعجالية قصد التكفل بها، خصوصا و أنه لم يتلق أي دعوة لتنظيم جلسة عمل ثانية منذ هذا الاجتماع، بحجة أن الوزير لم يعط تعليمات بذلك.
حسب الأستاذ أبو بكر الصديق محي الدين، فإن جل الحالات المتعلقة بالأخطاء الطبية تسجل داخل قاعات التوليد، حيث تعد النساء الفئة الأكثر تضررا ، مع الإشارة إلى أن مشكل تشوهات الرحم أو فقدانه ،إضافة إلى وفيات الرضع و المضاعفات الصحية الخطيرة تشكل النسبة الأكبر من الحوادث . و تأتي مصلحة طب العيون في المرتبة الثانية ،من حيث عدد الحوادث المسجلة سنويا، إذ يشكل ضحايا هذه المصلحة الفئة الأكثر حرجا، خصوصا وأن غالبيتهم يدخلونها بسبب مشاكل بسيطة ،و يخرجون منها بإعاقات مستديمة، تصل حد العمى ،بسبب إهمال بعض الأطباء، أو خضوعهم لعمليات على يد أطباء متربصين بعيادات خاصة أو عمومية.
كما تسجل كذلك حالات عديدة سببها أخطاء كارثية، ناجمة عن سوء التكفل الصحي، سواء داخل مصالح الاستعجالات أو طب العظام ،و بالأخص داخل قاعات العمليات على مستوى المؤسسات العمومية و كذلك العيادات الخاصة.
الأمين العالم لمنظمة ضحايا الأخطاء الطبية، أشار إلى أن نسبة كبيرة من الضحايا يعانون من مشاكل نفسية كبيرة، بسبب الضرر المعنوي الناجم عن هذه الأخطاء، خصوصا بالنسبة للحالات التي تعرضت لعاهات أو إعاقات دائمة، سواء بالنسبة للراشدين أو حتى فئة الأطفال.
كما سجلت حالات طلاق كثيرة بين الضحايا من الراشدين الذين لم يتقبل أزواجهم أو زوجاتهم إعاقاتهم ،فهجروهم ثم انفصلوا عنهم ،و فوق ذلك همشهم محيطهم الأسري و الاجتماعي الذي لم يتقبل أيضا ما وقع لهم. و يتعرض هؤلاء في الغالب إلى مشاكل التسريح من العمل و الإحالة على البطالة.
أما الأحداث فيقبلون على التسرب المدرسي و ينفرون من التعليم و من نظرات الأقران. و هذه من أصعب المواقف التي يتعرض لها ضحايا الأخطاء الطبية، فغالبيتهم، كما أوضح المتحدث، تدمر حياتهم بشكل كلي، بسبب فقدانهم لوظائفهم بعد الحادث بحجة العجز، ما عقد من وضعهم كثيرا، ودفع بالعديد منهم إلى طلب متابعة نفسية متخصصة،ناهيك عن معاناة الصغار منهم التي تكون أعمق.
ساعد شاب من ولاية قسنطينة، دمرت حياته بشكل كامل بسبب خطأ في التشخيص، وذلك بعدما أكد له أطباء بناء على تحاليل و فحوصات أجراها سنة 2005، بأنه مصاب بمرض السرطان. و بعدها باشر عملية العلاج الكيميائي و المتابعة الدقيقة لوضعه الصحي، ما اضطره للتخلي عن خطيبته، و إهمال مؤسسته المصغرة.
بعد أربع سنوات تحديدا، سافر إلى فرنسا من أجل مواصلة العلاج، و الحصول على تكفل أفضل بسبب تدهور وضعه الصحي، ليصطدم هناك بحقيقة أنه سليم معافى، و لا علاقة لوضعه بالسرطان، وهي الصدمة التي عجز عن تحملها و قلبت موازين حياته، فأخذت حالته النفسية في التدهور و أصيب باضطرابات شديدة إلى أن انتهى به المطاف داخل مستشفى الأمراض العقلية بجبل الوحش،بقسنطينة.
لا تختلف قصة رزيقة ،ممرضة بمستشفى قسنطينة، كثيرا عن قصة ساعد، غير أن فاجعتها كانت فقدان ابنتها صاحبة 8 سنوات ،بسبب إهمال طبي، لقد وجدت نفسها عاجزة أمام فلذة كبدها و هي تلفظ أنفاسها الأخيرة بإحدى العيادات الخاصة.
الصغيرة منقوشة لينة لجين، دخلت المستشفى في أكتوبر 2010 لإجراء عملية تمكنها من التعايش مع سرطان الغدة الدراقية، لكنها لم تغادره بسبب إهمال طبيب التخدير و الإنعاش الذي غادر المستشفى مباشرة بعد العملية ،و تركها تواجه مضاعفات خطيرة، كما أخبرتنا والدتها، مشيرة إلى أن ابنتها كان من الممكن أن تعيش بصورة طبيعية ، لو حظيت بمتابعة صحية جيدة بعد العملية، غير أن الطبيب المسؤول عن حالتها أسند مهمة مراقبتها لإحدى الممرضات، لكن هذه الأخيرة عجزت عن التعامل مع الوضع ،و تسبب تدخلها الخاطئ في وفاة الطفلة البريئة. والدة الضحية، أوضحت بأنها توجهت للقضاء لتطالب بمعاقبة المسؤولين عن فقدانها لابنتها، لكن سوء تكييف القضية من قبل قاضي التحقيق أفشل مساعيها، حيث كيفها على كخطأ طبي و ليس الإهمال المؤدي إلى الوفاة ، ما منح الطبيب و الممرضة البراءة. تستطرد بعين باكية : « استأنفت بعدها القضية على مستوى مجلس قضاء قسنطينة ،لكنني لم أتوصل إلى أي نتيجة إلى الآن بسبب المماطلة».
جمال إطار شبه طبي سابق، و هو واحد من بين 8 ضحايا فقدوا بصرهم واقتلعت أعينهم تباعا، بعيادة خاصة لجراحة العيون سنة 2008،و لا تزال قضيته محل تجاذب على مستوى المحكمة العليا إلى اليوم ، بالرغم من أن عمرها يزيد عن السبع سنوات.
قصة جمال بدأت عندما توجه إلى هذه العيادة الخاصة، من أجل معاينة طبية تساعده على اختيار نظارات مناسبة لتقوية النظر و القراءة و إراحة العينين، عندها نصحه الطبيب المختص، بإجراء عمليتين جراحيتين و تم ذلك ،حسبه، خلال أقل من 10 أيام ، ما أدى إلى إصابته بمضاعفات خطيرة، وصلت حد فقدان القدرة على الإبصار بنسبة 100 بالمائة، و ذلك بعدما تعرض لتمزق كبير على مستوى العين اليمنى، امتد إلى عينه اليسرى. وبالرغم من محاولة تدارك الوضع، و خضوعه لعمليات ترميم على مستوى العيادة الكوبية بالجلفة ثم على يد أحد أكبر الأخصائيين بتونس إلا أن وضعه لم يتحسن.
محدثنا أكد بأن معاناته لا تقتصر فقط على الإصابة بالعمى، بل تمتد إلى عدم إنصافه من طرف العدالة، كونه عجز عن تحصيل حقه ،بالرغم من أن كافة التقارير و الخبرات الطبية التي تضمنها ملفه القضائي في صالحه، غير أن «التواطؤ»على حد تعبيره، جعل من الجلاد ضحية، حيث قضت المحكمة ، كما أكد ببراءة العيادة و البروفيسور المسؤول عن المجزرة في عدد من الملفات المودعة ضمن نفس القضية، فيما حصل البعض على تعويض مادي و توفي ضحايا آخرون دون أن يستردوا حقوقهم.
غنية، 36عاما ، أكدت بأن خطأ في تشخيص حالتها حطم كافة آمالها بالحياة بعدما حرمت من نعمة الأمومة.لقد أخبرتنا بأنها تجنبت التوجه إلى الأطباء بالقطاع العمومي، خوفا من الاكتظاظ و الضغط اللذين ينعكسان على نوعية الخدمات و مستوى التكفل الصحي و فضلت العيادات الخاصة.
قصتها بدأت مع مطلع سنة 2014 ، حيث عانت من مشاكل صحية معقدة، فاتفق جل الأطباء الذين عاينوها على أن الأمر يتعلق بسرطان عنق الرحم، و نصحوها بعملية استئصال فورية للرحم لتجنب تطور المرض القاتل، بالرغم من معارضة زوجها في البداية. إلا أنه وافق بعد ذلك لأنه كان يعتقد بأنه بذلك سيحافظ على حياتها، خصوصا وأنهما أنجبا بنتا بعد سنتين من زواجهما.
واصلت غنية حديثها قائلة:» أجريت العملية على مستوى عيادة خاصة بقسنطينة و اضطررت لزرع صفائح خاصة مكان الرحم لمنع الترهل على مستوى البطن، بعدها بحوالي شهر استمر وضعي في التدهور ، فسافرت إلى فرنسا من أجل العلاج. أكد لي أول طبيب زرته بأنني تعرضت « للاحتيال « في الجزائر، لأن مشكلتي على مستوى المرارة و لا علاقة لها بالسرطان، نفس التشخيص اتفق عليه أطباء بأحد مستشفيات باريس. أعدت إجراء العملية هناك، لكنني فقدت الأمل في الإنجاب مستقبلا بعدما استئصل رحمي ببلادي، و لازلت أعاني حاليا من آلام شديدة بسبب الصفائح التي تدعم بطني».
أسرت لنا غنية بأنها فكرت في مقاضاة العيادة ثم تراجعت ،بسبب الإجراءات المعقدة لعملية التقاضي، لكنها مع ذلك ،كما أكدت لنا ،لن تسامح من « تاجروا بمرضها».
نفس القصة تقريبا عاشتها فتيحة التي تم استئصال ثديها سنة 2012 بسبب خطأ في التشخيص كذلك، حيث أوهمها الطبيب المسؤول عن حالتها بأن الورم الذي برز أسفل إبطها الأيمن يتعلق بسرطان، فباشرت عملية العلاج، ثم خضعت لعملية الاستئصال ، مقابل 60 مليون سنتيم ،ليعود نفس الطبيب و يخبرها بأنه أخطأ في تشخيص المشكل، و أنها لم تعان يوما من السرطان، و اتفق معها على تعويضها ماديا ،مقابل الضرر.
أكد رئيس اللجنة الاستشارية لحماية و ترقية حقوق الإنسان المحامي فاروق قسنطيني، بأن الجزائر تحصي أرقاما مخيفة عن ضحايا الأخطاء الطبية، الوضع الذي لا يتماشى بأي شكل من الأشكال مع طبيعة القوانين المعتمدة للفصل في هذا النوع من القضايا،وهي قوانين تعتبر عامة، و من الصعب تكييفها، مع خصوصية هذه الحوادث.
لذلك فإن ملفات الضحايا لا تعالج بالشكل المطلوب على مستوى المحاكم، التي قال بأنه وقف بها على قضايا و أحكام لا تشرف، حسبه، القضاء. و أوضح الحقوقي بأن استمرار الوضع كما هو حاليا، أمر غير مقبول، خصوصا و أن الجزائر جد متأخرة في ما يخص هذا النوع من القوانين، مقارنة بدول أخرى، ما يفرض إلزامية الإسراع في منح الاعتماد للمنظمات المتخصصة بالدفاع عن مثل هذه الفئات ، فضلا عن تفعيل مقترح سن قانون خاص لحماية ضحايا الأخطاء الطبية، وهو مقترح قال بأنه رفع للجهات الرسمية ،ضمن التقرير السنوي للجنة.
و ينص المقترح ،حسب الأستاذ قسنطيني، على أهمية تخصيص قضاة لمعالجة هذا النوع من الملفات بعد خضوعهم لتكوين خاص ، على اعتبار أن الملفات التي اطلع عليها تشير إلى أخطاء كارثية لا يتقبلها العقل، ما يستوجب ،حسبه، متابعة الطبيب المسؤول مدنيا وجزائيا، مرجعا السبب وراء ارتفاع عدد الضحايا إلى تراجع مستوى التكفل الصحي بالقطاعين العام و الخاص، بالجزائر ، فضلا عن ضعف تكوين الأطباء.
المحامي أشار من جهة أخرى إلى أن إمكانية وضع قانون خاص لحماية الضحايا جد واردة في الوقت الراهن، على اعتبار أن عدد الملفات على مستوى القضاء مخيف، وهو ما يجعل مثل هكذا قانون يفرض نفسه كحتمية. و أوضح بأن السبب وراء طول فترة الفصل في قضايا الأخطاء الطبية، هو وجود ما يعرف بالقضاء الإستعجالي و القضاء العادي ، و هذا النوع من القضايا يتطلب، حسبه، نفسا طويلا فقد يستمر الفصل فيها لسنوات ، لأن تكييفها كحالات استعجالية، أمر غير وارد مما يحتم مراجعة القوانين و وضع أحكام جديدة.
فضلا عن ذلك، يعد رفض تحميل المسؤولية الكاملة للأطباء ،على اعتبار أن المسؤولية تتوزع على الطاقم الإداري والطبي المرافق للمريض، عبر مختلف مراحل إجراء العملية، عاملا أساسيا وراء عدم حصول الضحايا على تعويضات تقرها المحكمة، نظرا لطول مدة تنفيذ الأحكام القضائية بهذا الشأن.
أوضحت الأستاذة كوثر كريكو محامية معتمدة لدى مجلس قضاء قسنطينة، بان قضايا الأخطاء الطبية، تعد من أكثر أنواع النزاعات تعقيدا، حيث يتعلق الأمر عادة، إما بأخطاء طبية مرفقية يتحمل تبعاتها المستشفى فتعالج على المستوى الإداري، أو أخطاء شخصية، يتابع فيها الأطباء بشكل جزائي، حيث تشكل الأحكام الإدارية النسبة الأكبر، على اعتبار أن مختلف الملفات تتضمن المطالبة بالتعويض المادي.
قيمة التعويض تحدد ،حسب المحامية، بالعودة إلى تقرير الخبرة الطبية الذي تطلبه المحكمة، حيث يتم على أساسه تحديد نسبة الضرر أو العجز ،و تكييفها مع قيمة التعويض الضروري، مؤكدة بأن أغلب الضحايا يفضلون التعويض من أجل مواصلة العلاج أو إجراء عمليات ترميم لتصحيح الخطأ. كما أضافت الأستاذة كريكو، بأن معظم القضايا المرفقية التي تتعلق بمقاضاة المستشفيات تنتهي بالتزام المؤسسة الصحية، بدفع المبالغ المالية لتي يقررها القضاء، دون أي تماطل. بالمقابل،فإن القضايا الشخصية التي تعالج على مستوى القضاء الجزائي، تتطلب فترة أطول لإثبات الخطأ الطبي أو الإهمال ،وهنا تنتهي القضية إلى الفصل فيها وفق الأحكام الجزائية.
أخصائيون في الطب الشرعي بقسنطينة، نفوا وجود أي نوع من التضامن أو التواطؤ بين الأطباء في ما يتعلق بالاستشارة القانونية أو ما يعرف بالخبرة الطبية ، مؤكدين بأن آراءهم تطلب خلال التحقيق الأولي فقط، أي بعد رفع الدعوى مباشرة، و للقضاء كامل الحرية في الرجوع إليها أو إغفالها.
كما يعد إجراء الخبرة الطبية مشكلا في حد ذاته، خصوصا في ظل نقص عدد الأخصائيين في هذا المجال، إضافة إلى رفض البعض لمبدأ الخوض في هذه القضايا، تجنبا للحساسيات الاجتماعية ،كون الأمر يتعلق باحتمال إدانة زميل في المهنة. مع الإشارة إلى أن طول مدة إجراء الخبرة، راجع بالأساس إلى أن الاستشارة تطلب عادة من أطباء من خارج المنطقة حسب ما يفرضه القانون، وهو ما يستنزف وقتا،بين إرسال التقرير الأولي للطبيب المعني، و انتظار الحصول على موافقته لإجراء الخبرة.
و أكد الأخصائيون من ناحية أخرى، بأن ظروف العمل و الضغط الكبير الذي تواجهه بعض المصالح، فضلا عن تضارب الآراء حول الحالات و اختلاف المناهج و المدارس الطبية، يعد من بين أهم العوامل وراء تسجيل الحوادث، علما أن 99 بالمائة منها لا يشمل الخطأ الطبي، حسبهم.
غير أن ضعف التواصل بين الطبيب و المريض، زيادة على إغفال الشق المتعلق "بالرضا الضمني" في العمليات الحرجة، سواء كان وثيقة موقعة أو إقرار شفوي بحضور شهود،كثيرا ما يضع الطبيب أمام مسؤولية قانونية يجهل كيفية التعامل معها ،نتيجة لضعف ثقافته القانونية، الناجمة بالأساس عن نقص التكوين الأولي و المتواصل في هذا المجال.
و قد طرح أطباء مقترح مراجعة محتوى التكوين من الناحية القانونية،في ما يتعلق بأخلاقيات الطب و المسؤولية الطبية، كما تم التأكيد على كافة ممارسي المهنة بضرورة التعامل بجدية مع إجراء « الرضا الضمني» وهو خطوة رسمية تسبق العمليات، حيث يتوجب على الأطباء الحصول على وثيقة موقعة من قبل المعني أو ذويه، أو موافقة شفوية مبدئية بحضور شهود، تتضمن الإشارة إلى مخاطر العملية و احتمالاتها، لتجنب أي مساءلة أو متابعة في حال تسجيل حوادث غير متوقعة .
كشف رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء الجزائريين الدكتور أحمد بقاط بركاني ، بأن عدد قضايا الأخطاء الطبية التي تمت إحالتها على العدالة خلال السنتين الأخيرتين بلغ 200 ملف، وقال أن أغلبها متعلقة بطب النساء والتوليد والعيون والجراحة، مؤكدا بأن مجالس أخلاقيات مهنة الطب على المستوى الوطني، فصلت في عدد من الشكاوى التي رفعت إليها بهذا الصدد، حيث تم إصدار 15 إنذارا بالتوقيف ضد أطباء، كما تلقى 10 أطباء توبيخات مباشرة، وتم خلال نفس الفترة توقيف نشاط 10 أطباء آخرين.
عميد الأطباء الجزائريين، أشار إلى أن كل طبيب مسؤول عن سلامة وصحة مرضاه، و لا يخول له ضغط العمل أو ظروف ممارسة المهنة ،التهاون بأي شكل من الأشكال، و ذلك التزاما بالقسم الذي أداه عند تخرجه.
و أوضح ، بأن عمادة الأطباء ،كانت قد دعت خلال مناسبات عديدة الدولة الجزائرية إلى إنشاء صندوق وطني للتعويض الإستعجالي لضحايا هذه الأخطاء، يكون تمويله على عاتق الدولة، أو تحويل الضحايا نحو الخارج ،في حال سجل الحادث على مستوى مستشفى عمومي.
و يعد المقترح خطة مبدئية في انتظار فصل المحاكم في القضايا، على اعتبار أن مدة التقاضي تتطلب سنوات كثيرة ،بسبب صعوبة تكييف القوانين، لاسيما في حالات الطعن بالنقض في مثل هذه القضايا، أو رفعها إلى المحكمة العليا، ناهيك عن رفض المستشفيات تسديد التعويضات التي تفرضها عليها العدالة .
كما تطرق عميد الأطباء إلى ما يثار، حول مسألة تضامن الأطباء في ما يتعلق بالخبرة الطبية التي تطلبها المحاكم لإثبات الخطأ، مؤكدا استحالة الأمر ،لأن كل طبيب مسؤول أمام القسم الذي أداه ،كما قال، مضيفا بأن الخبرة الطبية تطرح كمشكل في مثل هذه القضايا، كونها تسند عادة إلى أشخاص من خارج الاختصاص ،في إشارة إلى الطب الشرعي. المتحدث أوضح بذات الشأن، بأن مجالس أخلاقيات المهنة ،تعد الجهة الوحيدة المخولة لتحديد لائحة الأخصائيين المؤهلين لإجراء الخبرة ،بناء على طبيعة الخطأ و بالعودة إلى شرطي الخبرة و النزاهة.