عاد، أمس السبت، الأفراد الثلاثة من عائلة «خطلة» التي كانت موقوفة بالعاصمة الليبية طرابلس إلى أرض الوطن، وذلك بعد قضاء 40 يوما بين ظلام السجون وقسوة المحققين، بسبب تهمة «كيدية» بالسحر والشعوذة والتشيع حاكها راق وشقيقات صهر العائلة.
عادت الفرحة، أمس، لبيت عائلة «خطلة» بحي ديبونو الكيلومتر الرابع طريق باتنة بقسنطينة وذلك بعد حوالي شهر ونصف من اختفاء ثلاثة من أفرادها في ظروف غامضة أثناء تواجدهم بالعاصمة الليبية طرابلس، أين كانوا بصدد إيصال إبنتهم «حواء» المتزوجة من شاب فلسطيني الأصل منذ 2012 إلى منزلها المتواجد بمنطقة «تاجورة» البعيدة عن «تاجورة» بـ 11 كلم.
وقد شهد منزل العائلة، صبيحة أمس، توافد العشرات من أقارب وأصدقاء وجيران العائلة، الذين عبروا عن فرحتهم بعودة كل من الوالدة جميلة بومعزة 64 سنة، وابنتها المتزوجة بليبيا حواء خطلة 33 سنة والابن عبد الجليل خطلة 27 سنة بسلام إلى أرض الوطن.
وقد كان لنا حوار مع أفراد العائلة حول أسباب التوقيف وظروفه وطريقة التعامل، وكذا تجاوب الديبلوماسية الجزائرية مع نداءات عائلتهم المتكررة بالجزائر، إلى غاية عودتهم إلى الجزائر.
مسلّحون اختطفوهم وحولوهم إلى دائرة مكافحة الجريمة
أوضح العائد عبد الجليل أن رحلتهم نحو ليبيا في الفاتح من نوفمبر الماضي كانت تبدو في بدايتها عادية جدا، مثلها مثل الرحلات التي قاموا بها من قبل، وذلك من أجل إعادة شقيقته «حواء» المتزوجة من شاب فلسطيني الأصل ليبي الجنسية إلى منزلها العائلي بعد أن كانت في زيارة عائلية لمنزل والدها بقسنطينة، حيث أكد أن المعاملة التي لقوها من عناصر الأمن الليبي عبر كامل البوابات العشرة التي مروا بها كانت في غاية اللطف، ولم يتعرض لهم أي شخص بسوء.
وأضاف أن صهره قام في اليوم الموالي باصطحاب أمه وشقيقته في جولة من أجل إجراء اتصال بالعائلة في الجزائر بينما ظل هو بمفرده بالمنزل، قبل أن يتفاجأ باقتحام حوالي 7 مسلحين للمنزل واقتياده إلى الخارج، إلى أن التحق به كافة أفراد العائلة، قبل أن يوضع الجميع داخل سيارات مصفحة من نوع «تويوتا»، وقد بدا المسلحون عدوانيين كثيرا، ولم يكونوا يرتدون زيا موحدا، كما كان بعضهم ملثما والبعض الآخر بوجوه مكشوفة كما أن اثنين منهم على الأقل يطلقون لحاهم.
وقد وجه له أحد المسلحين الذي يدعى عز الدين بومنجل تهم التشيع والشعوذة بعد أن عثر بحوزة عبد الجليل على كتاب البردة، مخاطبا باقي أفراد المجموعة بأنهم ظفروا بالمتشيع عدو الله الكافر، ليضيف محدثنا أنه وطوال الطريق كان يؤكد له أن الله سيأجره بعد أن قبض عليه وعلى عائلته.
وفور القبض على الأفراد الثلاثة من العائلة الجزائرية وصهرهم تم اقتيادهم نحو دائرة مكافحة الجريمة بتاجورة أين قضوا 11 يوما في الحجز، حيث تم وضع كل من عبد الجليل وصهره محمود سعيد شاكر في زنزانة رفقة سجناء من جنسيات مختلفة ليبية، أردنية، مصرية وتونسية، فيما كانت كل من حواء ووالدتها في غرفة لوحدهما لكون الدائرة لا تتوفر على مصلحة خاصة بالنساء.
وحسب ما أدلى به عبد الجليل فإنه طوال 11 يوما التي قضاها بالدائرة المذكورة خضع للتحقيق مرة واحدة من قبل أحد الضباط واسمع «عادل صيد» كما تعرض للضرب المبرح بواسطة العصي ما تسبب له في آلام حادة في أنحاء متفرقة من الجسم خاصة على مستوى اليد، وهو نفس المصير الذي تعرض له صهره الذي أخضع للتحقيق مرتين من قبل نفس الضابط، في حين كانت شقيقته ووالدته تتعرضان لشتى أنواع السب والشتم.
ضباط ليبيون تعاطفوا مع العائلة وقدموا لها يد المساعدة
بعد 11 يوما شاقا قضته عائلة «خطلة» بدائرة مكافحة الجريمة تم نقلها من قبل ملثمين على متن سيارتين مصفحتين نحو سجن بالعاصمة طرابلس ،يقع في منطقة تسمى بوسليم البركي، ومن هنا عرف وضعهم نوعا من الانفراج وذلك بسبب التعاطف الكبير الذي لقوه من قبل مجموعة من الضباط الليبيين الذي تيقنوا أن اعتقالهم كيدي ولا يستند على أي دليل.
وأوضح عبد الجليل أن أكثر الأشخاص تعاطفا معه ومع عائلته هو ضابط يدعى «عقبة» والذي قدم لهم يد المساعدة وخاطر بنفسه ومنصب عمله مقابل أن يقدم لهم يد المساعدة، إلى درجة أنه بعد اليوم الثاني من وصولهم قام بمنحهم هاتفه النقال لإجراء مكالمة هاتفية مع العائلة بالجزائر.
بعد مرور 11 يوما بسجن «بوسليم البركي» من دون أن يتم التحقيق مع الموقوفين الأربعة، تم تحويلهم نحو المباحث العامة، أين خضعوا للتحقيق مجددا من قبل أحد المسؤولين والذي قضى ببراءتهم من التهم المنسوبة إليهم، مؤكدا لهم أنه سيتم السماح لهم بالمغادرة فور انتهاء الإجراءات الإدارية، غير أن الأمر استمر بعدها 16 يوما إضافية، إذ تمت إعادتهم مرة أخرى نحو سجن «بوسليم البركي».
وقد كان للضابط «عقبة» دور كبير في الرفع من معنويات العائلة حسب ما أكده لنا عبد الجليل، والذي أوضح أن هذا الأخير كان ينقل لنا أخبار بعضنا البعض بعد أن تم حجز الرجال في جهة والنساء في جهة أخرى، كما حاول مرارا التوسط لدى النائب العام من أجل النظر في قضيتهم، وهو ما تم حيث تم استدعاؤهم من قبل نائب المدعي العام إلى مجمع المحاكم، ومن ثم تحويلهم نحو محكمة تاجورة والتي قضت ببراءتهم من تهم الشعوذة، السحر نشر المذهب الشيعي.
راقي وشقيقات صهر العائلة وراء كابوس الاعتقال
وعن أسباب الاعتقال وظروفه كشف عبد الجليل وشقيقته أن المعلومات التي نقلها لهم الضابط «عقبة» من ملف التحقيق تؤكد أن شقيقات صهرهم «محمود سعيد شاكر» كن وراء وشاية كاذبة تؤكد بأنهن ضحية أعمال سحر وشعوذة حالت دون زواجهن، وذلك بإيعاز من راق كن يتردّدن عليه بكثرة، حيث قمن بتسريب المعلومة لعناصر الميليشيا بقدوم «حواء» ووالدتها وشقيقها من الجزائر ومكوثهم بمنزل شقيقهم.
وقد استند عناصر المجموعة المسلحة لبعض الكتب التي تم العثور عليها في المنزل خاصة ما تعلق بالبردة، إضافة إلى «سبحة» والتي اعتبروها كدليل على اعتناقهم للمذهب الشيعي.
الدبلوماسية الجزائرية نجاعة في صمت
وشددت عائلة «خطلة» على أهمية الدور الذي قامت به الدبلوماسية الجزائرية من أجل إطلاق سراح المعتقلين الثلاثة وعودتهم بسلام إلى أرض الوطن، حيث كان الاتصال بشكل شبه يومي مع العائلة هنا في الجزائر، إلى جانب التنسيق الأمني مع عدد من المسؤولين بالعاصمة الليبية طرابلس.
وفي هذا السياق أكد عبد الجليل أن نائب القنصل العام بمدينة قفصة التونسية أجرى الكثير من الاتصالات، وقام بمجهود كبير مكنه وعائلته من العودة بسلام، وهي المعلومات التي قال أنه تحصّل عليها من قبل عدد من رجال الأمن الذين تواصل معهم بليبيا قبل إطلاق سراحه.
وقد تواصل عمل القنصلية الجزائرية بقفصة إلى غاية وصول العائلة إلى الجزائر وذلك من خلال تأمين العودة والتي انطلقت يوم الخميس صباحا على متن سيارة سياحية رفقة عنصرين من الأمن من بينهم الضابط «عقبة»، حيث تم نقلهم إلى غاية مدينة الزاوية، قبل أن يستقلوا سيارة أخرى بترقيم ليبي يقودها أحد الجزائريين المقيمين بليبيا.
عبد الله بودبابة