يرى الضابط السابق والمحلل الأمني بن أعمر بن جانة أن التحالف الإسلامي الجديد لمكافحة الإرهاب الذي أعلن عن تشكيله مؤخرا جاء بصورة ارتجالية و هو غامض الأهداف والغايات والأبعاد السياسية والأمنية، و بالتالي فإن الانضمام إليه يتطلب توخي الحذر و تفكيرا عميقا، والجزائر لا يمكنها الانضمام إليه لأن ذلك قد يزج بها في مغامرات لا تحمد عقباها وهو يتناقض مع مبادئ سياستها الخارجية وعقيدة جيشها.
النصر: ماهي الأسباب التي جعلت الجزائر ترفض الانضمام للتحالف الإسلامي الجديد المشكل مؤخرا لمحاربة الإرهاب؟
بن أعمر بن جانة: علينا أن نتساءل أولا عن أهداف وغايات هذا التحالف الجديد، لنقول أنه جاء ارتجاليا وغامض الأبعاد والمرامي السياسية والأمنية، و المسائل الأمنية أمر هام جدا وجدي يتطلب نوعا من توخي الحذر والتفكير العميق.
بالنسبة للجزائر هذه الأخيرة لديها عقيدة عسكرية تعتمد أساسا على الدفاع وذلك موضح ومرسخ في الدستور، وعليه فإن دخول هذا النوع من التحالفات يتطلب قرارا سياسيا كبيرا، والجميع يعرف آليات ومراحل اتخاذ مثل هذا القرار الذي يتعدى المؤسسة العسكرية إلى رئاسة الجمهورية والبرلمان وغيره، ثم كما قلنا فإن الجانب الدستوري يمنع على الجزائر الدخول في هكذا تحالفات على أساس أن القوات المسلحة لها عقيدة دفاعية ولا يجب أن تعمل خارج حدود البلد.
هناك من يسأل مثلا كيف أرسلت الجزائر جيشها للشرق الأوسط سنتي 1967 و 1973؟ وهنا أرد أن ميثاق الجامعة العربية ينص على ما يسمى الدفاع المشترك في حال وجود خطر خارجي يهدد عضو من أعضاء الجامعة العربية، أما إذا كان التهديد داخليا فإن ميثاق الجامعة لا يتلكم عنه، للأسباب المذكورة سلفا أرى أن الجزائر ترفض الانخراط في هذه التحالفات الارتجالية، وفضلا عن ذلك فإن دخول تحالفات كهذه قد يؤدي بالجزائر إلى ما لا تحمد عقباه.
كيف؟
الانضمام لمثل هذه التحالفات يؤدي بالضرورة إلى التدخل في شؤون الداخلية لدول عربية على غرار ما يقوم به التحالف العربي الذي يتدخل عسكريا في اليمن، وهذا قد يؤدي إلى مغامرات خطيرة جدا قد تمس استقلال الجزائر وسيادتها على قرارها السياسي وقد يمس سيادة المؤسسة العسكرية.
برأيكم أي إرهاب سيحاربه هذا التحالف الذي يضم 34 دولة خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث يختلط الحابل بالنابل كما يقال؟
كما قلنا في البداية فإن أهداف وغايات هذا التحالف غير واضحة، و يجب أن نعرف جيدا أن المشرق العربي يعيش صراعات يغلب عليها الطباع الطائفي ومحاربة الإرهاب برأيي يجب أن تأخذ طابعا وقائيا على المستوى الاجتماعي والسياسي وغيره، والجزائر منذ البداية كانت تنادي بهذا الجانب مثل تحريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب ومحاربة التطرف بكل أشكاله. لكن التحالف الجديد المعلن عنه مؤخرا هو تحالف عسكري بحت، أي له بعد عنفي كونه يرتكز على العنف و استعمال القوة العسكرية، واستعمال القوة العسكرية يرتكز بدروه على ما يسمى المسائل الاستباقية، أي ترمي إلى تحقيق اهداف استباقية بكل ما لذلك من تبعات. كما لا يجب أن ننسى أن العقيدة العسكرية هي عملية تفاعلية مع العمل الدبلوماسي أو العقيدة الدبلوماسية، فإذا دخلت الجزائر في تحالفات عسكرية فإن ذلك يتناقض في نهاية المطاف مع مبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبالتالي ستفقد مصداقيتها وسيادتها على قرارها السياسي تبعا لذلك.
هل تعتقدون أن التحالف الإسلامي الجديد قد يستغل أو يوظف من قوى عظمى لتحقيق أهداف خاصة بها، أو قد يوجه منها لضرب قوى أو دول أخرى مضادة لها؟.
نعم هذا ممكن جدا، ولابد أن نعلم جيدا أن دول المشرق العربي لا تزال تعيش التبعية وليست لها القدرة على اتخاذ القرار السيادي الصحيح، ومن هذا المنطلق فإن كل هذه التحركات والأحلاف مشبوهة، وقد تكون وراء التحالف الجديد قوى خارجية تهدف من وراء إنشائه ضرب دول معينة، وتحقيق أهداف خاصة بها وخلق فتنة دينية قد تبقى مشتعلة على مدى عشرات السنين.
وعليه فقبل اتخاذ أي قرار يتعين علينا أن ننظر بجدية كبيرة لهذه الفقاعات التي لن تؤدي إلا للمزيد من التفكك والانقسام و هدر القدرات الوطنية، فقد تكون لهذه التحالفات أبعادا خطيرة تسيرها جهات خفية، ولا ننسى هنا أن الكيان الصهيوني وجد اليوم مساحات فارغة وهو يعبث بها كما يريد.
حاوره: محمد عدنان