• الأمازيغية استغلت سياسيا و ترسيمها أبعدها عن الصراعات الايديولوجية
أكد الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية سي الهاشمي عصاد في حوار مع النصر، أن ترسيم اللغة الأمازيغية جعلها من مأمن من التوظيف السياسي، الذي خضعت له في فترات سابقة، موضحا بأن تعميم استعمالها في كافة المستويات والهيئات يتطلب بعض الوقت، وأن خطوة هامة مثل هذه لا يمكن أن تتم في عجالة، منتقدا بشدة من تعمدوا إثارة ما يعرف بحرب الحروف، و اعتبر أن اعتماد الكتابة الثلاثية هو الحل السديد قبل الوصول إلى لغة أمازيغية جامعة.
• حــاورتـه: لـطـيـفة بـلـحاج
هل يمكن أن نعتبر صدور نص تعديل الدستور في الجريدة الرسمية بداية للشروع في ترقية اللغة الأمازيغة، وتوسيع مجالات استعمالها؟
أنا أعتقد أنه طالما لم يصدر القانون العضوي لا يمكننا أن نقدم تأويلات، لكن الأكيد أن الإنطلاقة لن تكون من فراغ، هناك مكسب وعمل مؤسساتي، وعمل تقوم به المحافظة السامية للأمازيغية، التي لديها رصيد وتجربة، بفضل العمل الجاد الذي قامت به منذ 20 سنة، بالتنسيق مع جامعيين، لتثمين دور الجامعة التي كانت رائدة في ترقية الأمازيغية، وذلك منذ عام 1990، أي منذ إدراج معهد اللغة والثقافة الأمازيغية، أي خمس سنوات قبل نشأة المحافظة، وهذه التجربة أفادتنا بعد توسيع الشراكة مع الجامعات، وأقول أن الخبراء الذين نتعاون معهم يوميا، هم جزائريون حاصلون على شهادات عليا في الجامعة الجزائرية، وهؤلاء سيكونون في تركيبة المجمع.
ألا تخشون من إحتمال تأخر صدور النصوص التنظيمية للدستور الجديد، مما قد يعطل العمل الميداني الرامي إلى توسيع استعمالها في مختلف الهيئات؟
لا نتخوف من تأخر صدور النصوص التنظيمية، لأن ذلك يتطلب جهودا على أعلى مستوى، فالنصوص لا تعدّ في عجالة، بل ينبغي الاستناد إلى مرجعيات قانونية، وهذا يتطلب بعض الوقت، لكن ليس وقتا كبيرا، وأظن أن الاستشارة ستكون مع مؤسسات الدولة أولا، وهذا سيخضع لميكانيزمات واضحة، ونحن سنشارك كهيئة رسمية تابعة لرئاسة الجمهورية في ذلك، رفقة كل الجهات، لأن القانون العضوي يتطلب تمعنا في هيكلة ومحتوى وأهداف المجمع.
ألا تعتقدون أن اللغة الأمازيغية وظفت سياسيا من قبل جهات، مما عرقل وصولها إلى المرحلة التي بلغتها اليوم؟
التوظيف السياسي تم بالفعل، مثلما وظفت كل مقومات الشخصية الوطنية، وفي ظرف ما كانت مستغلة ولم تكن في مأمن، وأنا أظن أن توظيفها سياسيا من الأحزاب كان حقيقة، وأؤكد أن المكانة الشرعية للأمازيغية هي في الجامعة والمؤسسات، والحمد لله الأمور تطورت اليوم، لأن مطلب ترسيمها كان شرعيا، وما كانت تفتقده الأمازيغية سابقا هو هذه الآليات المؤسساتية، بما في ذلك الأكاديمية وأنا أظن أن كل هذا تحقق.
وأنا أرى أن التوظيف السياسي لهذا المطلب كان من باب المزايدة، والتركيز على التهميش، وهذه مرحلة فاتت، ولابد أن نلج اليوم مرحلة التجنيد الفعلي لترقية اللغة، لأن تداعيات الدسترة الأمازيغية ستتجلى من خلال العمل على ترقيتها، خاصة مع وضع آلية مؤسساتية تتولى تهيئة الظروف لترقيتها وتعميمها على كل المستويات وطنيا، وهذا بالطبع لن يتم في عجالة، لكن بأرضية صحيحة، وبالتنسيق مع مختصين، وأنا أقول أن النضال كان في ظرف سابق ضروريا وأعطى ثماره، من باب الاعتراف لرجال ناضلوا وطالبوا بتثبيت وتكريس مكانة الأمازيغية، كمطلب شرعي وهذا من باب الجميل الذي يجب أن نعترف به.
وبعد احتضان مؤسسات الدولة في مرحلة أولى الأمازيغية في المدرسة ووسائل الاتصال، علينا الآن أن نمر إلى مرحلة ثانية، وهي التفكير والتركيز على الجيل الصاعد، كي يكون في مأمن من التوظيف السياسي.
هناك حديث عن إشكالية توحيد الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية؟
الأمازيغية موجودة منذ مدة في المدرسة، دون أي عائق أو إشكال، نحن نعيش حراكا في بعض الجرائد أو العناوين التي تحدثت عن حرب الحروف، هذه المتغيرات ليست إشكالا بتاتا، ولابد أن نسعى من خلال التواصل معكم كصحفيين من أجل التهدئة، باعتبار أن اللسان الأمازيغي حقيقة سوسيولوجية منذ القديم، والأمازيغية باحتكاكها مع اللغة العربية، لم تتصارع معها يوما، وهناك تعايش لغوي في الجزائر. كما أن تعدد اللسان اللغوي الأمازيغي يشكل مصدر ثراء اللغة الأمازيغية، بفضل تنوع مفرداتها، لكن من ناحية النحو، هناك قاعدة واحدة، والأمازيغية الجامعة هي التي لا بد أن توظف المصطلحات الجديدة، هذا ما نسعى إليه منذ 20 سنة، قدمت خلالها المحافظة عملا جادا في هذا الميدان واقتراحات عدة، والتواصل باللغة الأمازيغية الجامعة موجود بالفعل بالمدرسة، بالطبع هناك تفضيل للمتغيرة المحلية في الطور الابتدائي بمناطق عدة، وعلى سبيل المثال بمنطقة الشاوية تدرس الشاوية في الابتدائي، لكن بتواصل الطفل مع الأستاذ الذي يستعين بمحتوى المقرر الرسمي، يتعلم أسس الأمازيغية الجامعة، التي يتحمل المجمع والأكاديمية المسؤولية الأولى في تجسيدها، وهذا يتطلب الوقت كما سبق ذكره، ومن بين آليات تحقيق هذا المسعى، إعداد قاموس ضخم، سيجمع نفس المتغيرات اللغوية، يعني أن كلمة واحدة تقابلها مرادفاتها في كل المتغيرات، التي يقصد بها الشاوية والترقية والقبائلية والميزابية وغيرها.
هل أحصيتم عدد المتغيرات اللغوية المنتشرة في مختلف مناطق الوطن؟
ليس لدينا إحصاء لغوي دقيق، هناك تسعة متغيرات متداولة في الجزائر، والأكثر انتشارا هي القبائلية، وبعض المتغيرات تواجه خطر الاندثار، إلى جانب التراث اللامادي الذي نسعى لتدوينه قبل أن يفوتنا الوقت، فطبيعة الظرف الأمني في بعض المناطق المتسم بعدم الاستقرار في سنوات ماضية، لم يسمح لنا القيام بعمل ميداني، لجمع معطيات اللغة، لكن الأمور تحسنت اليوم، وهذا ما نعمل عليه منذ سنتين ميدانيا، عن طريق القيام بتسجيلات مثلا بمنطقة حمام ملوان البعيدة عن العاصمة ببضعة كيلومترات، حيث الأمازيغية المحلية لا يتكلمها إلا الشيوخ فقط، لذلك قمنا بعمل تحسيسي مع إذاعة المتيجة لإعداد حصة خاصة بمنطقة شريعة.
هناك مناطق تتحدث الأمازيغية دون أن يُروج لها إعلاميا؟
اكتشفنا بفضل العمل الميداني أن الأمازيغية موجودة بالوادي وبشار، بل منتشرة في أغلب المناطق، وبمجرد الخروج من مقار الولايات، تأكدنا بأن الأمازيغية بخير، وأذكر على سبيل أن من يذهب إلى الشلف والبليدة وعين الدفلى وتيسمسيلت يكتشف تداول الأمازيغية، لذلك فإن الاهتمام باللغة لا يجب أن يكون على عاتق المحافظة فقط، وأنا أرى بأن العمل الذي قمنا به خلال 20 سنة أحدث صحوة هوية، علما أنه منذ سنة 1962 تم تهميش التراث اللامادي، لكن في السنوات الأخيرة ظهر وعي أمازيغي، حتى في المناطق غير الأمازيغية، مثلا سكان منطقة بني سنوس بتلمسان لا يتحدثون الأمازيغية، لكن البعد المحلي أمازيغي، وقد زرنا مدارس تدرس اللغة، وناقشنا مع الأولياء سبل تعميمها، ولدينا نمط مع وزارة التربية من أجل تعميمها تدريجيا، على أن يقتصر الأمر على البلديات الناطقة بالأمازيغية كمرحلة أولى، إلى جانب تدريسها لفائدة أقسام محو الأمية، لإعطاء الفرصة للكبار لتعلمها وهي عملية تمتد على المدى القصير، مع تركيز الجهد على الطور التحضيري كتوجه استراتيجي للدولة بداية من العام 2017، وذلك بمقترح من المحافظة، لان الطفل في هذه السن يستوعب كل اللغات، خاصة إذا تعلق الأمر باللغة الأم، ليكون في مأمن عن الاستغلال والتوظيف السياسي للأمازيغية.
ألن يواجه الباحثون والأكاديميون إشكالية توحيد الحرف الأمازيغي؟
ليس هناك حرب حروف، وعلى الصحفيين أن يتجهوا نحو التهدئة ، لأن إشكالية طريقة كتابتها بأي حرف ليست مطروحة بتاتا، لكنني عندما أطالع بعض المقالات الصحفية أجدها في غير محلها، لأن هناك إشكاليات نابعة من دوافع إيديولوجية، وراءها أناس كانوا يغطّون في سبات عميق، دون أن يقدموا أي اقتراحات لترقية اللغة، صحيح كل واحد له الحق في التعليق، لكن على المواطن البسيط أن يطمئن بأن هناك عملا جادا يجري، و هناك مقترحات لتقنين كتابة الأمازيغية، ولن نضغط على أي أحد أو نجبره على الكتابة بحرف معين.
أما عن تطور الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني، فذلك مرده إلى العمل الجاد الذي قام به رجال قدموا الكثير للأمازيغية، على غرار مولود معمري، وأنا أرى أنه في ظل الديناميكية التي تشهدها اللغة، برزت بعض المساعي لعرقلتها، ونحن نؤكد بأن مقترح كتابة الأمازيغية بالحروف الثلاثة أي العربية واللاتينية والتيفيناغ، هو الخيار الجيد والسديد في هذه المرحلة، وطرح هذا النقاش غرضه عرقلة هذه الديناميكية، وهو ما نمارسه يوميا بالأكاديمية، وهو اختيار المؤسسات الجزائرية، لكن مع تنصيب الأكاديمية، ستكون اقتراحات من ذوي الاختصاص والنخبة والسياسيين للحسم في الموضوع.
كيف يمكن تعميم استعمال الأمازيغية على مختلف الهيئات ؟
في هذه المرحلة يجب أن نقدم البرهان بأن الأمور ستتحسن والدولة ستتكفل بترقية الأمازيغية، فقد أمضينا بروتوكولات اتفاق مع بعض الوزارات، منها الثقافة التي تكفلت بعديد الإصدارات بالامازيغية، فضلا عن الترجمة من العربية إلى الأمازيغية والعكس، غير أن توسيع استعمال الأمازيغية إلى كل الهيئات يتطلب الوقت، لأن مهمة المحافظة، هي إعادة الاعتبار للامازيغية، واليوم أضحى كل جزائري واعٍ ببعده الأمازيغي سواء تكلم اللغة أم لم يتكلمها، كما ستعم كل المناطق بقوة الدستور، فضلا عن تعميمها عبر وسائل الاتصال، مع تعديل بعض القوانين، منها قانون الإعلام لإلزام المؤسسات بتخصيص صفحة بالأمازيغية، وإصدار جرائد ناطقة بها، علما أننا قمنا بمبادرة مع وكالة الأنباء الجزائرية في هذا السياق، والدليل على التعايش اللغوي بين العربية والأمازيغية، إطلاق مشروع ضخم مع وزارة الشؤون الدينية لترجمة القرآن إلى الأمازيغية.
هل سنرى في يوم ما الأمازيغية متداولة في المحاكم والإدارة وغيرها من الهيئات الرسمية؟
لقد أعطى الدستور الطابع القانوني الجديد للأمازيغية، وهذه الأمور تتم بالتدريج وليس بعجالة، حتى لا نضغط على المواطنين الذين قد يبدون ردة فعل معاكسة، وفي البداية ستعمم الأمازيغية في بعض الفضاءات منها المدرسة ومراكز التكوين المهني، ثم تأتي مراحل أخرى، وهذه هي السيرورة، وأنا شخصيا ليس لدي أي مشكل في التعامل بالأمازيغية، لدينا إصدارات بها، وقد تتعمم في الولايات بكتابة اللافتات والواجهات.
لا بد من التلاحم، وتوظيف كل ما تمنحه قوة القانون، كل واحد على مستواه يوظف الأمازيغية وكذلك النخبة، فهناك عمل توعوي وعلى جميع المستويات، لأن الجيل الصاعد يستحيل أن يتطور بمعزل عن ثقافته بمكوناتها.
ما هي الخطوات المزمع القيام بها كمرحلة أولية تمهيدا لتعميم اللغة الأمازيغية؟
سنعمل على إعداد قاموس أمازيغي أمازيغي، ثم عربي أمازيغي، هذا مشروع كبير سينبثق عنه وضع مجموعات عمل على مستوى المركز الوطني للبحث في الأمازيغية الذي سينجز ببجاية، فضلا عن وضع تطبيقات إلكترونية جديدة لتعليم اللغة من الناحية البيداغوجية، لأننا نريد الابتعاد عن التوظيف السياسي، من خلال سد الفراغ، كما نطمح لاستغلال الشاشة الصغيرة كوسيلة لتنمية التواصل بالأمازيغية، سنستعمل الشاشة الصغيرة كوسيلة للتواصل بما يخدم الوحدة الوطنية.
وما سر التركيز أكثـر على الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية؟
إن المحافظة السامية للأمازيغية تعتمد بالدرجة الأولى على الحرف اللاتيني في المؤلفات، وسبب عدم اعتمادها العربية، يعود إلى عدم وجود نفس ما يقابلها من الأصوات في الأمازيغية، أو ما يعرف لدى المختصين بتقنين اللغة، لكن هذا لا يعني الإنقاص من شأن المؤلفات التي كتبت بالحرف العربي، والمهم هو توسيع المقروئية، في حين أن الحرف المتفق عليه في الواجهة هو التيفيناغ، لكنه اقتراح مستورد، وسكان الجنوب يفضلونه، ونحن لا يمكننا أن نقصي أي جهة، لكن والاختيار الأكبر في المدارس هو الحرف اللاتيني، وفي بعض المناطق هناك توجه نحو الحرف العربي، لكننا نحن حاليا نفضل الاختيار الثلاثي.
لطيفة/ ب