قررت الحكومة التخلي عن إجراء إلزامية تسديد الواردات بالائتمان المستندي كوسيلة وحيدة لتسوية عمليات التجارة الخارجية، وخاصة بالنسبة إلى المواد الأولية، وذلك بعد أكثر من 7 سنوات من إقراره في إطار قانون المالية التكميلي 2009. وجاء القرار بسبب المشاكل والفضائح التي عاشها قطاع التجارة الخارجية في السنوات الأخيرة، ومنها تحايل بعض المتعاملين واستيراد سلع غير صالحة لتغطية عمليات تحويل الأموال إلى الخارج.
بعد أكثر من سبع سنوات على إقراره، كوسيلة وحيدة لتسوية العمليات المرتبطة بالتجارة الخارجية، قررت الحكومة التخلي عن القرض المستندي، حيث نصّ مشروع قانون المالية للعام 2017 الذي وافق عليه مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، على إلغاء المادة 69 من الأمر رقم 09-01 في 22 جويلية 2009 الذي تضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2009. والتي تحدّد القرض المستندي كوسيلة وحيدة لتسوية الواردات.
وترى الحكومة، بأن القرض المستندي «لا يشكل في حد ذاته ضمانا كافيا بشأن نوعية ومطابقة المواد المستوردة»، واعتبرت الحكومة في مشروع قانون المالية بأن هذا النظام المعتمد في تسديد الواردات يمنح مزايا للممونين على حساب الاقتصاد الوطني، ووفقا لمشروع القانون، فإن «هذا الإلغاء سوف يمنح المزيد من المرونة للمتعاملين الاقتصاديين لاختيار طريقة الدفع التي تناسبهم والتي يتيحها القانون» وعلاوة على ذلك، قالت الحكومة، بأن اقتراح إلغاء تلك المادة هو أكثر ملائمة، كون أن صياغة تلك المادة واعتمادها في قانون المالية لم تعطي النتائج المرجوة. وجاء قرار الحكومة بإلغاء إلزامية تسديد الواردات عبر القرض المستندي، بعد عديد الفضائح التي تفجرت في قطاع التجارة الخارجية، وإحصاء مصالح الجمارك عشرات العمليات المشبوهة للاستيراد والتي لم تكن سوى فرصة لتهريب الأموال إلى الخارج عبر عمليات احتيال واسعة، حيث اكتشفت الجمارك في عديد الموانئ حاويات بها حجارة وأتربة وقمامات ومواد غير صالحة للاستعمال، وتم التصريح على أساس أنها سلع بغرض تهريب الأموال. من جانب آخر، خصصت الحكومة غلافا ماليا يقدر بـ 42 مليار دينار أو ما يعادل 320 مليون دولار لإعادة رسملة البنوك العمومية و هو ما يساهم أساسا في تطهيرها من الديون المتعثرة و دعم أصولها و الرفع أيضا من مواردها.
ويأتي الإجراء في سياق مساعي الحكومة لإعادة رسملة البنوك العمومية على خلفية اعتماد تدابير خاصة في مشروع قانون المالية 2017، بسبب تراجع إيرادات البنوك التي تضررت كثيرا من انخفاض المداخيل. و يشار إلى أن السلطات العمومية خصصت خلال العشرين سنة الماضية أكثر من 20 مليار دولار في عمليات إعادة رسملة متتالية وتطهير محافظ البنوك العمومية، في سياق مساعي الحكومة الحد من مخاطر الديون المتعثرة الخاصة بالمؤسسات العمومية بالخصوص،فضلا عن دعم الموارد التي تسمح برفع رأسمال البنوك.
كما تضمن مشروع قانون المالية 2017 الذي وافق عليه مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، مقترحا جديدا ينظم عملية التنازل عن السكنات التي تم الحصول عليها في إطار برنامج الوكالة الوطنية لتطوير السكن -عدل – بصيغة البيع بالإيجار.
وتقترح الحكومة في المشروع السماح بالتنازل عن السكن من قبل المستفيد بعد سنتين من الاستغلال مقابل 5 سنوات حاليا، بعد دفع قيمة السكن كاملة بطريقة مسبقة. ويسمح المقترح من تمكين الخزينة العمومية من موارد إضافية من خلال السماح بطرح جزء من الحظيرة السكنية في السوق العقارية، فضلا عن تخفيف الضغط في مجال الطلب على السكن.
وأظهرت الوثيقة النهائية لمشروع قانون المالية 2017، عن تراجع حاد في ميزانية التجهيز، فيما حافظت ميزانية الدفاع الوطني على نفس مستوى موازنة 2016، وسجل المشروع ارتفاع في ميزانية الصحة بـ 10 ملايير دينار، فيما تراجعت الداخلية والجماعات المحلية بـ8 ملايير دج، كما تراجعت للمرة الأولى خلال أزيد من 15 عاما ميزانية التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني.
وتبرز الوثيقة، شروع الحكومة فعليا في ترشيد النفقات العمومية، سواء تعلق الأمر بالشق المتعلق بالتسيير أو التجهيز (الاستثمارات العمومية) وتشير الوثيقة إلى تراجع في الإنفاق الإجمالي بالمقارنة مع العام 2016 بما يعادل 216 مليار دج (2.16 مليار دولار) وهو ما يعكس اقتطاعات اضطرارية من ميزانيات مختلف الدوائر الوزارية.
وحافظت ميزانية الدفاع على نفس مستوى الإنفاق المسجل في 2016 عند 1118.29 ميار دج (11.18 مليار دولار) بسبب التحديات التي تجابهها الجزائر على حدودها الملتهبة مع دول الساحل الإفريقي وليبيا، وسجلت موزانة الفلاحة والمجاهدين تراجعا بـ 34 مليار دج و3 مليار دج على التوالي، فيما عرفت ميزانية العمل والضمان الاجتماعي تراجعا حادا بـ79 مليار دج لأول مرة منذ أزيد من عقد.
ولأول مرة منذ العام 2002 تقرر الجزائر خفضا في استثماراتها العمومية بعد ثلاث مخططات خماسية ضخمة للغاية ناهزت حوالي 480 مليار دولار. وعرفت ميزانية التجهيز انكماشا ناهز 12.6 مليار دولار، ما يعني أن الاستثمار العمومي سيعرف جمودا بداية من العام 2017 وقد يستمر إلى ما بعد 2019 في حال بقيت أسعار النفط في مستوياتها الحالية عند متوسط 50 دولارا للبرميل الذي يعتبر قاعدة أساس لموازنات العام 2017-2019 بحسب الوثيقة.
من جهتها ستعرف رخص البرنامج تراجعا بـ507.5 مليار دج (-26.8%) حيث ستنزل من 1894.2 مليار دج إلى 1386.7 مليار دج في 2017 حيث سيتوزع المبلغ المتوقع لعام 2017 بين 1169.2 مليار دج مشاريع جديدة و217.5 مليار دج لعمليات إعادة تقييم المشاريع الجارية.
أنيس نواري