الأحد 3 نوفمبر 2024 الموافق لـ 1 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

فريق بحث عثـر عليها ببونوارة: اكتشاف عظام حيوانات منقرضة من عصور ما قبل التاريخ بقسنطينة


 
اكتشف خلال الأسبوع الجاري، فريق بحث من المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، إلى جانب باحثة مشاركة من جامعة عبد الحميد مهري  وطلبة دكتوراه، عظاما لحيوانات منقرضة من بينها الغزلان والكلبيات وأدوات حجرية وعظمية تعود إلى عصر ما قبل التاريخ، حيث عثر عليها في ملجأ صخري طبيعي ما يزال مجهولا من الجمهور في منطقة بونوارة، غير بعيد عن مقبرة "الدولمن" الشهيرة بقسنطينة، بعد أن أجريت آخر حفريات به قبل 68 عاما. وقد قامت النصر باستطلاع لعمل فريق البحث الذي يقوم بحفرية سبر؛ وأكد لنا أن المعطيات المرفوعة من الموقع أولية، بينما تستهدف الوصول إلى تأريخ دقيق للمكان وتحديد المرحلة التاريخية التي ينتمي إليها، فضلا عن كشف الجوانب التي ما تزال مجهولة حوله وحمايته.

استطلاع: سامي حباطي

ويجري فريق بحث من المختصين في علم الآثار حفرية سبر على مستوى الملجأ الطبيعي الذي يعود إلى ما قبل التاريخ في منطقة بونوارة، على بعد بضع عشرات من الأمتار من موقع المقبرة الميغاليتية التي تضم القبور المنضدية الشهيرة "الدولمن". وقد تنقلنا إلى المكان الذي أثير حوله جدل كبير قبل حوالي ثلاث سنوات بسبب نشاط المحاجر التي أوقِف توسعها نحو جهة الموقع، في حين تأتي هذه الحفرية بعد أن كانت مبرمجة منذ عامين، لكنها أجّلت بسبب ظروف جائحة كورونا، حيث لم نجد صعوبة في الوصول إلى الموقع من خلال المحجرة، التي أرشدنا عون الاستقبال فيها إلى المكان، وبدا في غاية التعاون معنا ومع فريق الباحثين.
ويتكون فريق البحث الذي يجري الحفرية، من الدكتورة سهيلة مرزوق، الباحثة في المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، وهي مختصة في الأركيوزولوجيا التي تعنى بدراسة البقايا الحيوانية في سياق علم الآثار، والدكتورة نادية باهرة الباحثة المشاركة مع المركز والمختصة في الأدوات الحجرية وهي أستاذة بجامعة عبد الحميد مهري، والدكتورة سامية عويمر من المركز ذاته والمختصة أيضا في الأدوات الحجرية للفترة القفصية.
ويضم الفريق أيضا طلبة دكتوراه في علم الآثار من جامعة عبد الحميد مهري في تخصصات الأركيوزولوجيا والصناعات الحجرية والعظمية والبقايا الإنسانية، حيث لاحظنا أنهم يقومون بعملية التنقيب في حفرتين متباعدتين فتحتا بشكل مربع عند أرضية الجدار الصخري الطبيعي للمكان، حيث تقربنا من باحثتين كانتا تعملان على رفع الأتربة من الأرضية برفق ووضعها في أواني، في حين كانت توضع اللُّقى التي تمثل أدوات حجرية أو عظام أو بقايا حلزونية في أكياس ويتم إغلاقها مباشرة. وذكرت لنا الشابة التي كانت تُجدّ في البحث باستعمال أداة كشط أن الحفر سيتوقف بمجرد الوصول إلى الصخرة الأم، في حين دقت زميلتها على الأرضية بملعقة الكشط الصغيرة مبتسمة وأكدت لنا أن "هذه هي الصخرة الأم".  
أما على الجهة الأخرى، فكان الباحثون يقومون بنفس العملية ويلتقطون الصور للحفرية، في وقت يحمل فيه أحد الباحثين الأتربة ويقوم بغربتلها، حيث أوضحت لنا الدكتورة باهرة أن عملية الغربلة ضرورية من أجل البحث عن بقايا تكون في الأتربة، في حين أشارت إلى أن غابرييل كامبس قد قام بحفريات في 1954 على مستوى جزء من أرضية الموقع، لذلك اختار الفريق اليوم الجهة التي لم تكتشف بعد.
ورغم أن الكثيرين يعتقدون أن إنسان ما قبل التاريخ كان يعيش في الكهوف، إلا أننا لاحظنا أن الملجأ الطبيعي ليس أكثر من جدار حجري متدرج بشكل يشبه السلالم الحجرية ويميل بما يشبه السقف، فضلا عن أن المرجح أنه كان أكبر في العصور الغابرة، حيث أوضحت لنا الدكتورة باهرة أن ملاجئ العيش لإنسان العصر المذكور لم تكن جميعها كهوفا، وإنما كانت بينها جدران صخرية يحتمي بها الإنسان ويعيش في محيطها.
بقايا عظمية لحيوانات منقرضة تكتشف لأول مرة
وأفادت الدكتورة سهيلة مرزوق أن ملجأ بونوارة، الذي يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ليس معروفا من الجمهور لأنه يقع بمحاذاة موقع القبور المنضدية بنفس المنطقة، حيث أوضحت أن غابرييل كامبس قام بحفريات في هذا الموقع في الخمسينيات من القرن الماضي، وتم تصنيفه أنه ينتمي إلى ثقافة انتقالية بين نهاية العصر الحجري القديم الأعلى والعصر الحجري القديم المتأخر "إيبيباليوليتيك".
وأضافت الباحثة أن الدافع للعودة إلى الموقع يكمن في الأهمية الكبيرة للمراحل الانتقالية في فهم التغيّرات الثقافية، أي أنها تسمح بمعرفة كيفية انتقال الإنسان من مرحلة إلى أخرى من خلال معرفة الخصائص التي أتاحت له التطور في السلوك التقني من خلال التغيرات التي طرأت على الأدوات الحجرية التي استعملها والسلوك الغذائي أيضا.
ويحتوي موقع ملجأ بونوارة على بقايا من وسائل الحياة اليومية التي تعطي نظرة شاملة على النمط المعيشي لإنسان ما قبل التاريخ الذي كان فيه، حيث أكدت الباحثة أنها تضم أدوات حجرية استعملت كأسلحة للصيد أو للاستعمال اليومي في أشغال الجزارة وتقطيع الحيوانات وسلخها، بالإضافة إلى البقايا العظمية التي ستمكن من معرفة البيئة الطبيعية القديمة، فالحفريات الأولية الجارية في الموقع قد أثمرت بالعثور على بقايا حيوانات منقرضة من المنطقة على غرار الظبي الببالي L'antilope bubale الذي تعود بقاياه عموما للعصر الحجري القديم المتأخر الذي يعود إلى ما بين العام 10 آلاف و6 آلاف قبل الحاضر، أي قبل سنة 1950 التي بدأ فيها استعمالُ الكربون 14 في التأريخ.وأضافت محدثتنا أن الحفريات قد أفضت إلى العثور على بقايا الغزال والحيوانات الآكلة للحوم، بينما أشارت إلى أنه لم يتم العثور من قبل على بقايا حيوان الأروي في الموقع، رغم أنها تؤكد أنه من المرجح أن البقايا العظمية التي تم العثور عليها خلال عملية السبر الجارية قد تفضي إلى وجوده بينها. أما بالنسبة للحيوانات الآكلة للحوم، فأوضحت الباحثة أن الحيوانات التي ذكرت من قبل في حفريات غابرييل كامبس تنتمي لفصيلة ابن عرس Mustelidae، بينما أكدت أن حفرية السبر الحالية قادت إلى العثور على حيوانات جديدة لم تذكر من قبل مثل فصيلة الكلبيات.

وتمثل هذه الاكتشافات المسجلة في الوقت الحالي على مستوى موقع ملجأ بونوارة، الملاحظات الأولية التي يضعها الباحثون خلال حفرية السبر التي يقومون بها، مثلما أكدت الدكتورة مرزوق، حيث قالت إن المرحلة الثانية من البحث تقوم على الدراسة المدققة في المرحلة المخبرية، كما أوضحت أن الحفر قاد أيضا إلى العثور على أدوات مصنوعة من عظام الحيوانات بعد أن يستهلكها. وأشارت نفس المصدر إلى أن دراسة الأدوات العظمية والحجرية وحتى التقنيات المتبعة في استهلاك هذه الحيوانات، تقدم تصورا حول الفترة التي كان يعيش فيها، فضلا عن أنها تسمح بتشخيصها.
وتقتصر اللقى التي عثر عليها فريق الباحثين على بقايا عظمية صغيرة بشكل عام، حيث أوضحت الدكتورة مرزوق أن ذلك يعود لكون مستهلك الحيوانات المعثور عليها، كان يقوم بأعمال الجزارة ويقطعها إلى أجزاء، فضلا عن أنه كان يتغذى على نخاع العظم ما يجعله يحطم العظام، كما كانت هذه العظام تستعاد أيضا من أجل إعادة استعمالها كأدوات.
وأضافت محدثتنا أن عوامل أخرى كانت تلعب دورا في تحطيم العظام، مثل دوس البشر والحيوانات عليها خلال المشي، بيننا أوضحت أن العظام المتماسكة جدا هي التي يعثر عليها كاملة عموما، مثل المفاصل على عكس العظام الطويلة التي تكون خاوية داخليا، ما يجعلها هشة.
البحث عن بقايا إنسانية في الموقع
وبما أن الحفريات القديمة قد ذهبت إلى أن الموقع ينتمي إلى المرحلة الانتقالية، فإن الدراسة الحالية ينبغي عليها أن تؤكد إن كان الموقع ينتمي فعلا لمرحلة انتقالية أو أنه ينطوي على مستويات مختلفة، مثلما أكدت الباحثة، وأضافت أن دراسة كامبس لم تشتمل على الطباقية، أي أنه أخذ جميع التسربات كمجموعة واحدة، في وقت تأخذ الحفرية المنتظمة المنجزة من طرف المركز الوطني، الطبقات الستراتيغرافية "الأثرية" المختلفة بعين الاعتبار، من أجل البحث في إمكانية وجود مستويات مختلفة بغية الإجابة عن سؤال ما إذا كان الموقع قد شغل في فترة واحدة أو في فترات متعددة، بالإضافة إلى أنها ترمي إلى العثور أيضا على بقايا إنسانية، فحفرية كامبس لم تذكر من قبل العثور على شيء من هذا القبيل.
وتستهدف الحفرية الحالية أيضا الوصول إلى الكشف عن معلومات جديدة لم تكشف عنها الحفريات السابقة التي أنجزت بتقنيات قديمة، بينما يمتلك باحثو المركز اليوم تقنيات أدق، حيث أكدت الباحثة أنها قادت إلى معلومات جديدة في مجال الحيوانات، وستعمل أيضا على دراسة تقنيات الأدوات وأعمال القصابة للنظر في إمكانية انتهاج تقنيات مختلفة فيها. ونبهت محدثتنا أن الوجه الثاني من الحفرية يستهدف التأريخ المطلق للموقع، لأن الباحثين لا يملكون حاليا إلا تأريخا نسبيا لملجأ بونوارة، لكن البحث يستهدفُ الوصول إلى تحديد تاريخ دقيقٍ.
وأوضحت الباحثة في ردها على سؤالنا حول مساهمة الدراسة المعمقة لملجأ بونوارة في فهم موقع المقبرة الميغاليتية، بالتأكيد على أنهما منفصلان تماما عن بعضهما، لأن المقبرة تنتمي إلى عصور متأخرة مقارنة بالموقع الأول.
وقد نبهت محدثتنا أن المقبرة الميغاليتية التي تنتمي إلى فجر التاريخ قد طغت على المكان مقارنة مع الموقع الذي ينتمي لما قبل التاريخ، رغم تأكيد الباحثة أن البحث قد يقود إلى أنه أقدم ممّا كان يُعتقد من قبل، موضحة أن عملية التأريخ المطلق ستجرى على البقايا العظمية أو البقايا الفحمية، كما ذكرت أن التأريخ المطلق قد يقود إلى تحديد شريط زمني دقيق جدا يتراوح بين 30 إلى 40 سنة حول الموقع.  
ملجأ بونوارة من المواقع القليلة التي ما زالت موجودة بقسنطينة
أما الدكتورة نادية باهرة، فقالت إن قسنطينة لم تعد تضم عددا كبيرا من المواقع التي ما زالت تتيح حيزا لإجراء حفريات، بعد أن تم الحفر فيها من قبل، حيث ذكرت كهف الدببة وكهف الأروي، اللذين نقب فيهما آرثر ديبريج بطرق تعود إلى بداية القرن العشرين، وكانت تتميز بعدم الإبقاء على الكثير من الأشياء وإزالة جميع ما يمكن الوصول إليه، رغم إشارتها إلى وجود مجموعة اللّقى التي اكتشفت في الموقعين بمتحف سيرتا ومقالات ديبريج، إلا أنها اعتبرت أن المعطيات حولهما تظل غير كاملة.
وأضافت نفس المصدر أن الآثار التي تعود إلى فجر التاريخ ما زالت موجودة على غرار القبور المنضدية الموزعة في عدة نقاط من الولاية، في حين اعتبرت أن ملجأ بونوارة مهم جدا من حيث وجوده واحتوائه على الأدوات إلى اليوم، كما أوضحت أن العودة لإجراء حفريات في الموقع تستهدف حمايته أيضا والإجابة على السؤال الأساسي حول ما إذا كان موقعا انتقاليا فعلا.
وأضافت الباحثة أن مواقع الفن الحجري ما زالت موجودة بقسنطينة، من بينها مواقع تتضمن خطوطا فقط، وما تزال تحيط بها الكثير من التساؤلات العلمية، في حين أشارت إلى أن عملية الحفر الجارية قد تستمر إلى غاية يوم الجمعة، لعدم وجود طبقات كبيرة من الأتربة بحكم أن الموقع مائل ما يؤدي إلى زوال كميات معتبرة من التربة مع هطول الأمطار، فضلا عن أن التراب قد انخفض منذ الزمن الذي أجريت فيه أبحاث كامبس.
س.ح

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com