جمعت الفنانة نوال بوهروم، بين الفن التشكيلي وتصميم الأزياء، في لوحات فنية توثق لتنوع الزي التقليدي وتختزل عادات البيوت الجزائرية وهندسة عمرانها، نجحت في اختراق حدود الوطن، محققة رجع صدى إيجابي تجلى في الطلب الكبير على تشكيلة لوحاتها، لما تحمله من رمزية تراثية وتاريخية، تحرص، كما قالت للنصر، على إبرازها للترويج للموروث الثقافي بطريقة مختلفة.
نوال بوهروم فنانة تشكيلية، امتلكت موهبة فن الرسم منذ الصغر، فكانت تعيد رسم لباس شخصيات كرتونية على الورق وهي في سن الثامنة، فكانت تستلهم الرسومات من الرسوم المتحركة « وادي الأمان» و « مدينة النخيل»، فشكلت الفساتين التي ترتديها الشخصيات الكرتونية مواضيع لوحاتها بعد أن أثارت موهبتها، وجعلتها تطلق العنان لقلمها لتبدع في رسم فساتين متنوعة، فكانت تعشق قلم الرصاص وتفضل رسم الفساتين ومختلف أنواع الأزياء.
اهتمام نوال برسم اللباس دفعها لتعلم الخياطة، لتخرج تصاميمها للعلن وتوقع بصمتها في عالم الأزياء، وسنها لم يتعد 16 سنة، فسعت لتطوير مهارتها بتطبيق ما تعلمته على قطع قماش يوفرلها والدها، الذي كان يسعى لتوفير الإمكانات اللازمة لتحقيق طموحها، تقول نوال بأن تعلقها برسم الأزياء وخياطتها كان يكبر كلما أخاطت قطعة جديدة، حيث أصبحت تخيط كل تصميم تضعه، ما جعلها بارعة في عالم الخياطة ومقصد لفتيات لتعلم أبجديات الخياطة.
مسابقة على مواقع التواصل أخرجت موهبتي للعلن
خروج موهبة نوال للعلن، كان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مشاركاتها في مسابقات تمت عبر الفضاء الافتراضي، أين اكتشفت موهبتها، حيث كانت تفوز في كل منافسة تخوضها وتلقى رسوماتها تفاعلا، وشكلت تصاميمها مصدر إلهام شابات، قائلة بأن خيالها الواسع جعلها تبدع في رسم لوحات فنية تجمع بين فن الرسم وتصميم الأزياء، الذي هو عبارة عن رسم تطبيقي، وتذهب أبعد من ذلك لتضفي حيوية ورمزية بالغة على لوحاتها، فراحت تبحث في تاريخ الأزياء التقليدية والتراث المادي واللامادي للمدن الجزائرية، لتقدم لوحات بهوية جزائرية خالصة، منها ما تترجم عادات البيوت القسنطينية وطريقة إحياء أفراحها، فنجد لوحة تحمل رسومات لنسوة بالزي التقليدي يجلسن في قعدة قسنطينية وسط دار عرب، حيث تبرز اللوحة الهندسة العمرانية الفريدة وجمال الزي القسنطيني، وبهاء صينية القهوة وتنوع الحلويات التقليدية، فالمتصفح لألبوم لوحاتها يقف على التنوع الكبير في المواضيع التراثية المثقلة بالرمزية، خاصة المرسومة بقلم الرصاص والفحم لما، وتعتبر نوال، الترويج للموروث الثقافي مسؤولية يقع شق كبير منها على الفنان، الذي بإمكانه إيصال تراثه لأبعد نقطة، خاصة في ظل الثورة المعلوماتية والرقمية التي نشهدها.
والدليل كما تقول، أن لوحاتها جالت عدد من البلدان العربية وأبهرت الكثير، ونشرت رسوماتها في مجلات عربية، منها مجلتين، فتحقيقها الانتشار ونجاحها في الترويج للموروث الثقافي، شكل حافزا لصقل مهاراتها أكثر بالتكوين الجيد، لإخراج كل ما لديها من مهارات، حيث شاركت في دورات تكوينية وتابعت محتوى مشاهير في عالم التصميم، من بينهم مصممة الأزياء والمحامية موهبة بولدروع، هي ابنة ولاية عنابة تتمتع بموهبة واحترافية عالية في المجال، تعلمت منها الكثير من التقنيات واستلهمت منها العديد من الأفكار، كما تتابع عبر اليوتيوب ومواقع التواصل مصممين صينيين وعراقيين.
طموح نوال، ذات 42 سنة، كبر أكثر بعد أن نجحت في ضبط مجال نشاطها، حيث قررت التركيز على وضع اللمسة التقليدية في لوحاتها الفنية الحاملة لتصاميمها، ومن هذا المنطلق كانت تطرح تشكيلة تصاميم تحمل لمستها، إلى أن نجحت في اقتراح تشكيلة على عراقيين يملكون أحد أكبر مصانع الأقمشة، ويعرضون على مختصين في الأزياء من مختلف البلدان أحدث تشكيلة الأقمشة، لتقديم تصاميم مناسبة لها، فكانت تشكيلتها الأفضل من باقي التصاميم المعروضة، وتعتبر مشاركتها فرصة للترويج الثقافي، بوضع اللمسة التقليدية على التصاميم، مستغلة تنوع الزي التقليدي، كإدراج مثلا قماش «الصدف» في التصميم لإضفاء لمسة خاصة على الفستان، أو إضافة القطعة العلوية للكاراكو العاصمي لزي عصري، وهو ما نال إعجاب مصميين من بلدان عربية قدموا لها تصاميم وطلبوا وضع لمستها التقليدية عليها.
مدرسة الفنون الجميلة نقطة تحول في مساري
عشق نوال بوهروم لفن الرسم، دفعها للالتحاق بمدرسة الفنون التشكيلية، لدعم موهبتها بالتكوين، فدرست وهي في سن 38 سنة على يد أساتذة المدرسة من بينهم الأستاذ سفيان محي الدين، الذي كان بمثابة المعلم والأخ، فلم يكن يبخل في تقديم كل ما بجعبته، كذلك تضيف، الأستاذ فريد بوناب الذي أشرف على تكوينها في فن السيراميك، فوجدت بأن عالم المدرسة فضاء آخر، يزخر بالمعارف ويضمن تكوينا جيدا في أساسيات الفن وفي مختلف التخصصات، حيث تعلمت مهارة المزج بين الألوان، وكيفية رسم الطبقات والخامات والضوء والنور، ناهيك عن أساسيات فن السيراميك من خلال تطويع الطين، وتقول بأن فضاء المدرسة غير مسارها بشكل إيجابي وأكسبها الدقة في التصميم، وجعلها ترسم هدفا آخر وهو التخصص في المنمنمات، مرجعة الفضل لالتحاقها بالمدرسة للمشاركة في دورة تكوينية نظمتها الفنانة في فن التصميم.
تقول نوال، بأن موهبتها الفنية برزت أيضا في الفضاءات العمومية، بوضع بصمتها الفنية بجداريات بقسنطينة ، حيث كانت من الفنانين المشاركين في تظاهرة الشان الرياضية التي احتضنتها قسنطينة، برسم بجداريات بحي زواغي سليمان، حيث رسمت سيدات باللباس التقليدي، كما تركت بصمتها الفنية بقصر أحمد باي، وتحضر لوضع تشكيلة من اللوحات في متحف سيرتا، تعبر عن الحضارة الرومانية حيث تقوم ببحث للشروع في رسم شخصيات وأواني وأحصنة ومعدات حربية، وعن مشروعها قالت بأنها تطمح لإنشاء دار للأزياء وتحضر حاليا لإصدار كتاب لتعليم رسم وضعيات المانيكان وفق قياسات ثابتة.
أسماء بوقرن