لا تختلف أيام الحجر الصحي بالنسبة للكاتب سعيد خطيبي، صاحب روايتي «أربعون عاما في انتظار إيزابيل» و»حطب سراييفو» المرشحة لنيل جائزة البوكر العربية في القائمة القصيرة والمنتظر الإعلان عن الرواية الفائزة بها اليوم الثلاثاء، كثيرا عن الأيام العادية مثلما يؤكده لنا في هذا الحوار مع النصر، رغم أنه يستشعر فيها جوا استثنائيا مثيرا للريبة والتأمل في آن، كما يتوقع حدوث قطيعة في عالم ما بعد كورونا بإفرازات سياسية أكثر براغماتية مما سبق بحكم التسابق إلى النجاة الفردية الذي أبداه البشر، بينما يستبعد الطرح الذي يرى في الظروف الحالية عتبة تحول جمعي، ويستدل بالأزمات الكثيرة التي عاشتها البشرية ولم ينتج عنها غير التكرار الممل للتاريخ. يتحدث سعيد خطيبي أيضا عن دور الأدب في تدوين اللحظة، ويتطرق إلى مساهمة الأدب الجزائري في التقاط الأزمات التي عاشتها البلاد بصورة متفاوتة، كما يقدم رأيا في الأطروحات التي تجد في نظريات المؤامرة منهلا لتغذية تفسيرات لما يشهده العالم، فضلا عن الأصوات الدجالة التي تتخذ من القنوات الفضائية منفذا على الجمهور الواسع لتسويق بضاعتها على حساب أهل الاختصاص.
حاوره: سامي حبّاطي
النصر: كيف تعيش أيام الوباء هذه؟
uسعيد خطيبي: الجوّ استثنائي ومثير للرّيبة والتأمّل في آن. تحوّلت المدينة إلى ما يُشبه ديكور فيلم عبثي. بات من النّادر أن أصادف شخصاً يمشي على الرّصيف. من حين لآخر قد تمرّ سيارة، وفي الغالب مسرّعة، كما لو أن أحدا ما يُطاردها. هذا في الخارج، بينما شخصياً أنا متعوّد على العزلة، لم يتغيّر شيء في حياتي الشّخصية، لا أزال مشتغلاً بالمطالعة، وبقليل من الكتابة.
النصر: «تاريخ الأمم يوحّدها»، مثلما عبّرت يوما. هل ترى أن وباء كورونا لحظة تاريخ موحد بالنسبة للأمم البشرية؟ وهل يعني ذلك هدنة في الحرب الهوياتية عند اللحظة المُعاشة وسط هجوم مادي مصدره غير مرئي، دون أن يكون من الغيب المجهول؟
uسعيد خطيبي: أظنّها بالأحرى وقتاً مستقطعاً من حياتنا. أشبه ما تكون راحةً ما بين شوطين في مباراة كرة قدم. الهدنة ليست واردة، فالصّراعات لا تزال مستمرة، بل غيّرت موقعها من الواقع إلى العالم الافتراضي. ولا أظّن أن هذه اللحظة الوبائية توحّدنا، فكلّ واحد مهموم بنجاته الفردية، إنها تزيد من هرمونات الذّاتية، وتكرّس قطيعة بين المواطن وحكومته، فالاعتقاد السّائد أن المواطن يشعر أنه قد خُدع، أن الحكومة لم تستشرف هذه الأزمة، ولم تُبادر إلى الاحتراز، بل تأخّرت في فعلها. الشّيء الأكيد أن وباء الكورونا يؤرّخ لقطيعة جديدة.
النصر: كيف تتصور العالم سياسيا بعد تجاوز أزمة الوباء؟
uسعيد خطيبي: كما أسلفت الذّكر، الأكيد أننا نتّجه نحو «قطيعة»، لعلّها قطيعة صغرى لحدّ السّاعة، فقد اهتزّت ثقة المواطن بحكومته، هذه الملاحظة تشمل غالبية الدّول التي عاث فيها الوباء فساداً، ستحصل لا محالة افرازات سياسية جديدة، أكثر براغماتية مما سبق..
النصر: هل نحن عند عتبة ثقافة عالمية فعلا، مثل الحرب العالمية الثانية، تنذر بنهاية عصر ما بعد الحداثة، وتسمح لنا غدا باستخدام وصف «ما بعد كورونا»، أم تجد في ذلك بعض المبالغة ؟
uسعيد خطيبي: من السّابق لأوانه طرح نتائج بهذه الحدّة.برأيي أن انعكاسات الوباء ستكون في البدء فردية، تختلف من شخص لآخر، فهل ستشكّل عتبة تحوّل جمعي؟ لست متفائلا لذلك جداً، فقد عرفنا أزمات مشابهة ولم ينتج عنها سوى تكرار للتّاريخ حدّ الملل.
النصر: كيف ترى وباء كورونا أدبيا، وهل تعتقد أن الأدب دائما ما تنبأ بانهيار قيم الإنسانية وتصوراتها وبلحظات مماثلة لما يحدث اليوم؟
uسعيد خطيبي: ليست مهمّة الأدب التّنبؤ أو استباق التّاريخ، بل يمكنه قراءة مآلات المستقبل بناء معطيات سابقة، بناء على تشابهات من الماضي. برأيي، يعدّ دور الأدب الآن مهمّا، على الأقل في تدوين اللحظة التي نعيشها، في كتابتها. هناك حدث جلل يحصل، والأدب هو المخوّل بأن يمنح الأشياء مسميّات، أن يرفق الوقائع بأسماء، يقبض عليها كي لا تنجرف إلى المجهول.
النصر: أتظن أن الأدب العربي والمغاربي اشتغل على مواضيع الكوارث والأوبئة. وإن كنت ترى غير ذلك، فما سبب تقصيره في هذا الباب في رأيك؟
uسعيد خطيبي: في منطقتنا، نتعايش، منذ عقود، مع كوارث مستمرة. في الجزائر مثلاً: منذ الاستقلال أكثر من زلزال مدمّر في 1980 و2001 على سبيل المثال، فيضانات 2003، كوارث سياسية، فظائع التّسعينيات، إننا لا نكاد نستفيق من أزمة حتّى نلج أخرى جديدة. وهذه الكوارث كانت لها انعكاسات أدبية، بدرجات متفاوتة.
النصر: ما رأيك في نظريات المؤامرة التي رافقت انتشار الوباء، والحديث عن حرب بيولوجية بين الدول العظمى ؟
uسعيد خطيبي: طبعاً، في الجزائر نحن أصحاب الميدالية الذّهبية في تفسير كلّ ما نعجز عن تفسيره بالمؤامرة. لا نتريث بل نتسابق في الهتاف بأن مؤامرة تحصل، لكن دون تقديم حجّج أو أدلة. في جوّ الوباء هذا أفضل مؤامرة يصحّ أن نتآمر بها على أنفسنا هي أن نلتزم بيوتنا، نتأمّل وندوّن، ونستمع لأهل الاختصاص، ونتجنب الانجراف في طوفان المشاعر وفي تهييج العواطف، وعلينا أن ندرك أن ما يحصل لا يخصّ بلدا دون غيره، بل كلّنا في سفينة تترنح ولا تعرف لحدّ الآن أين سوف ترسو.
النصر: كيف تقرأ صعود بعض أصوات الدجالين في الجزائر ممن يدعون اكتشاف العلاج في البلاطوهات التلفزيونية ؟
uسعيد خطيبي: كلما مرّت الجزائر بأزمة، نبت من الخلاء مشعوذون، لكن هذه المرة الأولى صار المشعوذون– يا للغرابة! – أكثر شهرة من الأطباء ومـــن رجال الدّين، والفضل في ذلك يعود إلى نشاط الفضائيات الجزائرية، التي أبانت عن لياقة حسنة في استدراج كلّ الباحثين عن الشهرة إلى أستوديوهاتها. س.ح