المراد بإعادة بناء علم العقيدة العمل على تجديد هذا العلم تجاوبا مع متطلبات العصر ومقتضياته، وقد كان حسن حنفي أحد المنخرطين في هذه العملية التجديدية، بل نجده في أحد كتاباته التصنيفية للمجددين في علم العقيدة يعتبر نفسه ممثلا لتيار خاص. ويرى أن هذه العملية تقتضي إعادة النظر في علم الكلام القديم من حيث المفاهيم التي يستعملها، ومن حيث المضامين التي يحملها، ومن حيث الأهداف التي يصبو إليها، وهذه الأمور تستدعي عملية إعادة بناء، وهذا ما ضمنه كتابه «من العقيدة إلى الثورة». قال علي حرب عن إعادة البناء هذه هي: «إعادة قراءة للإسلام بنصوصه وأحداثه ومؤسساته من أجل إعادة البناء والتأسيس؛ أي من أجل تأصيل الأصول وإعادة بناء العلوم القديمة وتجديدها». وهنا تجدر الإشارة إلى أن التركيز على التراث الكلامي من خلال مؤلفه «من العقيدة إلى الثورة «. فهو كتاب يكرس أن عمليـات التغيير (=الثورة ) تؤسس على العقيدة، ولـذلك جاء العنوان: من «العقيدة «كمرجعية إلى «الثورة» كغاية وهدف. وتحقيق هذه الثورة يتم بإعادة البناء بناء النص التراثي والنص الكلامي خاصة وهذه العملية – إعادة البناء – تتم وفق آليات هي:
أـ رفض التقليد: أي تقليـد السلف فيما كتبوا، أوفي طبيعة تصنيفهم للمواضيع أوفي منهجية الكتابة وأدبياتها... في كل ذلك ينكر حسن حنفي التقليـد، وينكر على صناع التراث صنيعهم ذاك حيث يقول:» نهجنا هو عدم التأسي بأحد قدماء أو محدثين، هم رجال ونحن رجال نتعلـم منهم، ولا نقتدي بواحد منهم، وإذا كان القدماء قد آثروا الإتباع دون الإبداع، فإننا نـرى مأساتنا في الإتباع لا في الإبداع».
ب- التركيز على علم العقيدة: وهو أهم العلوم الإسلامية الجديرة بإعـادة البناء في نظر حسن حنفي، وعنوان كتابه يحمل هذه الدلالة «من العقيدة إلى الثورة» فكلمة «ثورة» توحي بضرورة التغييـر، وإذا تساءلنا لماذا علم العقيدة؟. نجد الدكتـور حسن حنفي يبرر دعوته إلى إعـادة بناء علم التـوحيد دون غيره من العلوم الإسلامية بما يلي:
1 - أهمية علم التوحيد: وذلك لشرف موضوعه، والمعارف كلها دون علم التوحيد مكانة، نجد الدكتور حسن حنفي يقرر هذه الأهمية، ولكن ليس لذات السبب بل لبعده الواقعي أو تأثيره السلـوكي فيقول: «فالشرف ليس في الموضوع كما قـال القدماء، بل من الأثر والقدرة على تحريك الناس وتجنيد الجماهير، والدخول في حـركة التاريخ».
2- بعده الحضاري: وهو المبرر الثاني الذي جعل الدكتور حسن حنفي يركز على علم العقيدة، ويبرر ذلك من وجهة تاريخية فيقول:» تأسست دول بأكملها من إعادة بناء نظام العقائد، وهذا بقضائها على المظاهر الشركية، والشرك ليس بمفهومه المتداول في كتب العقيدة كتعظيم القبور بل شرك في المعاملات ووجود مجتمع به أغنيـاء وفقـراء، قاهرون ومقهورون أصحاب سلطة، ومتزلفون منافقون».
2ـ مرتكزات إعادة البناء: وفي مجال إعادة البناء كانشغال محوري في مشروع حسن حنفي، وفي تركيزه على علم العقيدة يحدد مرتكزاته فيما يلي:
أـ التأصيل العقلي: وهو من الجوانب الأساسية التي تنبني عليها عملية إعادة بناء علم العقيدة وذلك لمكانة هذا العلم في المنظومة الإسلامية، ولأبعاده الحضارية، يقول حسن حنفي: «نستمر في التأصيل العقلي دون وقوع في أخطاء التجريد أو التشبيه ولكننا نزيد على التأصيل العقلي عند المتأخرين، «التأصيل الواقعي»عند المعاصرين أسوة بالمصلحين المحدثيـن حتى يرتبط التوحيد من جديـد بالعمل، والله بالأرض والذات الإلهية بالذات الإنسانية» .
ب ـ تباين الاهتمام: أي اهتمام المسلم في القديم وفي الراهن؛ فطبيعة اهتمام القدامى هي العلم والاجتهاد في تحصيلـه، خاصة علم العقيدة. إذا كانت طبيعة الاهتمام في القديم مركزة على العلم، فإن الاهتمام في مشروع إعادة البناء عند حسن حنفي تتمحور حول العمل.
ج - تجاوز المذهبية: إن إعادة البناء بخصوص علم العقيدة كما يطرحه حسن حنفي يقتضي عدم الدفاع عن عقائد فرقة معينة دون غيرها من الفرق، بل ينبغي أن يعاد تأصيل التوحيد كما ورثناه من القدماء ويعاد عرضه على ظروف العصر دفاعا عن مصالح الأمة. وهكذا نجد حسن حنفي أحد الذين اشتغلوا بالتجديد في درس العقيدة وقدموا رؤية معينة لهذه العملية التجديدية.