الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

لحظة الاِستقلال في المدوّنة السردية

حضرت الثورة (كتيمة وكموضوع) في المدوّنة الأدبيّة والسرديّة أكثر من الاِستقلال. إذ الكثير من الروايات والقصص والأشعار وحتّى المسرحيات تناولت الثورة واحتفت بها وبسنواتها وأحداثها وسياقاتها أكثر من الاِستقلال. وهذا ما يطرحه اليوم «كراس الثقافة «. فكيف كانت وكيف حضرت صورة الاِستقلال في المدوّنة الأدبيّة/والسرديّة؟. هل هي بمستوى الاِستقلال كمعطى اِنتصاري وبطولي، ولماذا لم تتعامل هذه المدوّنة مع موضوعة الاِستقلال بالزخم نفسه الّذي تناولت به الثورة التحريرية. ولماذا ظلّ الاِستقلال ذِكرى لم يكرسها المخيال السردي الجزائري؟. ومن جهةٍ أخرى، ما مدى إمكانية نجاح النّص الأدبي في تقديم صورة الاِستقلال بكلّ أبعادها المعرفيّة والعاطفيّة كموروث رمزي يُلهم الأجيال ويقوي هويّتها الجماعيّة؟

أعدت الملف: نـوّارة لـحـرش

* عبد الحميد بورايو
 الروايات الجزائرية لم تتوقّف بصفة لافتة عند لحظة الاِستقلال
يقول الناقد والكاتب عبد الحميد بورايو، «يمثّل حدث الاِستقلال لحظة اِستثنائيّة عاشها المجتمع الجزائريّ؛ بصفة فرديّة أو جماعيّة. لا يمكن معرفة الحالة الأولى إلاّ من خلال محاورة المعنيّين كفرادى وعيّنات، لا شكّ أنّ ذلك كان يختلف من شخصٍ لآخر حسب سنّه، وطبيعة علاقته بالثورة التحريريّة، وفئته الاِجتماعيّة، ومدى تعرّضه للضغط في ظروف الحياة زمن الاِستعمار، وهو ما لم يقع نقله أو تسجيله في ما أعرف من قِبَلِ الأدباء، فلم أطّلع فيما أذكر على تجربة توثيقيّة في هذا المضمار».
أمّا الحالة الثانية المُتمثّلة في الشعور الجمعي، فتعكسها -حسب ذات المتحدث- المشاهد الاِحتفاليّة المُتمثّلة في رفع الأعلام الوطنيّة وامتطاء المركبات التي تذرع شوارع المُدن وبالخصوص العاصمة، ولقطات الرقص الجماعي التي ساهم فيها النساء والرجال، وكان يبدو التركيز فيها أكثر على فئة الشباب والفتيان من الجنسين. وهي مطبوعة بالعفويّة والتعبير الجسدي عن طريق الحركة والاِبتسامات وانفراج ملامح الوجه والنظرات المضيئة.مضيفًا في ذات المعطى: «مثل هذه المشاهد كثيراً ما نقلها التلفزيون، في مناسبات مختلفة، وأتصوّر كذلك بأنّ الأفراد يحتفظون بالصور الفوتوغرافيّة التي لها دور في تسجيل اللحظة وتثبيتها. وأذكر هنا بالخصوص، صور جنود التحرير في مواقع الثورة وهم يرفعون البنادق ويعبّرون عن فرحة الاِستقلال. لاشكّ أنّ كثيراً من العائلات تحتفظ بمثل هذه الصور الجماعيّة والفرديّة والتي تحتاج إلى دراسة أنثروبولوجيّة».وتابع قائلاً: «شخصيًا لم يعلق بذهني نصّ أدبيّ صوّر هذه اللحظة، فالروايات باللّغة العربيّة أو باللّغة الفرنسيّة قدّمت ظروف الثورة كخلفيّة للطروحات الفكريّة التي قدمتها حول تاريخ الثورة والتطوّرات التي أصابت المجتمع الجزائري، كما بيّنت صفحاتها المُتعلّقة بِمَا قبل الاِستقلال تاريخ بعض الشخصيّات الروائيّة التي لعبت دور البطولة (روايتا ريح الجنوب لبن هدوقة واللاز للطاهر وطار وغيرهما). غير أنّ هذه الروايات لم تتوقّف بصفة لافتة للنظر عند لحظة الاِستقلال».
وهنا يتساءل صاحب «منطق السرد»: «هل يعود ذلك لكون الرواية العربيّة ظهرت في تاريخ متأخّر عن الاِستقلال (في السبعينيّات)؟.. أم يعود للإحباطات التي حدثت، غير أنّ الصراعات والتقلبات السياسيّة وتحوّلات المواقف التي عبّرت عنها الرواية، حالا دون اِنعكاس مشهد الاِستقلال في تعبيراته المختلفة. الأمر يحتاج إلى بحث نقديّ متفحّص».
واختتم قائلاً: «أرى أنّ المشهد الفنّي المُتمثّل في الأغنية و السكاتش (الأداء التمثيلي القصير) ومسرحيّات الأطفال، كان تعبيراً أكثر رواجًا في ذلك الوقت من الأدب، ويمكن القول بأنّه عكس لحظة الاِستقلال، ويمكن العودة إليه من أجل معرفة السياق العاطفي والذهني الّذي عاشته الجماعة الجزائريّة لحظة الاِستقلال. كانت مثل هذه النشاطات تُؤدّى في المُدن والقُرى الجزائريّة في السنوات الأولى من الاِستقلال، من قِبَلِ المؤسسة الرسميّة الوليدة، وكان يُقبل عليها النّاس بكلّ عفويّة، شارك عدد من الفنّانون في أدائها من أمثال حسن الحسني (بوبقرة) ومحمّد العنقة ونورة وآكلي يحياتن الخ..».

* منى صريفق
فترة لم تعاَلج كموضوع سردي فني مُهيمن في الخطاب الروائي
تعتقد الناقدة والباحثة الدكتورة منى صريفق، أنّ الكاتب الجزائري لم ير في الاِستقلال سوى ذلك الحدث الّذي يحمل بعده عالمًا يجب الوقوف على أهم أحداثه ومشاريعه السياسية والإيديولوجية. إذ نجده -حسب رأيها- في فترة الاِستعمار قد تبنى فكرة الثورة فجعلته يُحاول بشتّى الطُرق أن يحمل أعباء تلك الفترة إلى القارئ، ليجعل المدونة السردية الجزائرية المكتوبة بالعربيّة أو بالفرنسيّة حُبلى بالنصوص التي تُعالج موضوع الثورة كتيمة أساسية تدور حولها الأحداث السرديّة، ولها أبطال مفهومهم الأساسي هو التحرّر من الاِستعمار والمُستعمر.
وتستدرك في هذا المعطى: «الحقيقة أنّنا لو حاولنا تحليل هذه المُعالجة الإبداعية الاِنتقائية بشكلٍ دقيق، لوجدنا أنّ الغرض الأساسي وراء الكتابة عن الثورة هو فعل تثويري باِمتياز يستهدف الوعي لدى القارئ آنذاك؛ وغرضه الأساسي الحصول على الاِستقلال كمطلب شرعي ووحيد وكفكرة جوهرية وجب تحققها. وخير مثال على ذلك روايات محمّد ديب بخاصة نصه السردي (الحريق) الصادر سنة 1954. إنّها بالفعل تصنع من الرواية فِعلاً سرديًا يُحاول الكاتب من خلاله مُقاومة المُستعمر على أرض موازية المفاهيم مع المجاهدين والثوّار بالسلاح».
إلاّ أنّ فترة الاِستقلال -حسب رأيها دائماً- ولحظة الاِنتصار كتيمة أساسية في النص الجزائري لم تُعَاَلج كموضوع سردي فني مُهيمن في الخطاب الروائي. فقد كانت بالنسبة للكُتّاب تحصيلاً حاصلاً لفكرة جوهرية هي التحرّر من المُستعمر هذا من جهة ومن جهة أخرى كانت فترة الاِستقلال وما تلاها من السنوات فترة كثيفة مُثقلة بالأحداث السّياسيّة والاِنتقالات الأيديولوجية، والتي عرفت البلاد بدورها أحداثًا صعبة ومأساوية قادتها إلى مزالق جعلت من الكاتب الجزائري يعيش نوعًا من الضبابية في الرؤية فما لبث أن وجد نفسه يتخطى حدث الاِستقلال والاِحتفالات والاِنتصارات مباشرة نحو فترة السبعينيات التي تزعمها شعار الاِشتراكية ليجعلها هدفًا جديداً للكتابة السردية. وخير مثال على هذه الفترة وكتاباتها ما قدمه “عبد الحميد بن هدوقة” في روايته “ريح الجنوب” والطاهر وطار ورشيد بوجدرة في كثير من نصوصهم؛ لتصبح الكتابة أكثر تعمقًا وتعلقًا بِمَا هو قادم من الزمن لا ما مضى منه.
وتواصل في ذات السياق: “إن عاد الروائي بوثبة نحو الماضي نجده يعود مباشرة إلى فترة الثورة وكيف كان الجزائريون يضحون بكلّ ما يملكون من أجل الوصول إلى هذه اللحظة الآنية التي يسعون من خلالها إلى بناء غدٍ أفضل. وفي هذه النقطة تحديداً أصبح وصف الثورة كتيمة مقدسة لديهم في حين أصبحت مرحلة الاِستقلال مرحلة يتم ربطها بِمَا تمّ نهبه وأخذه وتوريثه بصفة غير شرعية من وجهة نظر الكاتب طبعًا. لنجد الكاتب ما لبث أن اِستجاب في التسعينيات إلى كلّ ما تعلق بالعشرية السوداء، فنقل ولا يزال ينقل لحد الساعة هذه المأساة بكلّ الأوصاف التي تنطبق على عُمق جروحها التي خلفتها”.
لهذا -حسب الدكتورة صريفق- كانت معالجة الاِستقلال كمفهوم أقل من مستوى الاِستقلال كمعطى اِنتصاري وبطولي يجب الاِحتفاء به وتصويره بالشكل اللائق الّذي يمكن للأجيال القادمة الاِطلاع عليه. وهذا -كما تضيف- ليس لومًا أو عتبًا على الكاتب الجزائري بقدر ما يجب على القارئ/الناقد أن يستوعب ذائقة الكاتب في كونه يملك من الحرية ما يُخوله أن يختار أي موضوع يريد الكتابة عنه. وخلصت إلى القول: “..لهذا فنحن لحد الساعة ننتظر النص الّذي يحتفي بهذه اللحظة التّاريخيّة البطوليّة، التي تستحق التمجيد. فهي لحظات إبداعية لا تتعلق بالزمن بقدر ما هي مُتعلقة في الأساس بالموضوع السردي المُهيمن في حد ذاته”.

* عبد الحميد ختالة
ذِكرى لم يكرسها المخيال السردي
يقول الناقد والأكاديمي الدكتور عبد الحميد ختالة من جامعة خنشلة: «الحق أنّ الرواية الجزائرية لم تتعامل مع موضوعة الاِستقلال بالزخم نفسه الّذي تناولت به الثورة التحريريّة، ولعل مردّ ذلك إلى جملة من الأسباب الاِجتماعية والثّقافيّة وحتّى السياسية، ومنها تباين مستوى تمثل الفكرتين معًا، إذ أجد أنّ موضوعة الاِستقلال تجسدت على مستوى الواقعي أكثر من تمثّله على مستوى الوعي الجمعي في الجزائر، هذا الوعي الّذي صنع مرجعية الرواية الجزائرية في السبعينات وبعدها. وهذا ما يجعلني أقول بأنّ موضوعة الاِستقلال لم تكتب سرديًا بعد، وقد اِقتصر حضورها في شكل اِستشرافات سردية لم تُشكل الصوت المُهيمن في المنجز السردي الجزائري، وإنّي أعزو ذلك إلى أنّ الرواية الجزائرية منذ السبعينات وهي في حركية موضوعاتية دؤوبة، تُحاول من خلالها الرواية أن تُواكب التحوّلات الاِجتماعية والاِقتصادية والثّقافيّة والسّياسيّة التي عاشتها الجزائر منذ الاِستقلال إلى يوم النّاس هذا».
وتابع قائلاً: «الرواية الجزائرية لم تتشرب فكرة الاِستقلال بمستوى عظمة النصر المُحقّق، إذ لم يحدث ذلك اِجتماعيًا ولا إعلاميًا ولا فنيًا لأنّ الّذي حدث أنّ المجتمع الجزائري اِنتقل عبر مسيرة من الثورات بدايةً من الثورة التحريرية ثمّ الثورة الصناعية ثمّ اِتسعت مساحة التحديّات حتّى بقيَ يوم الاِستقلال ذِكرى لم يكرسها المخيال السردي الجزائري».
إلاّ أنّ هذا الطرح -حسب ذات المتحدث- لا يلغي حضور فكرة الاِستقلال كردة فِعل واعية في المدونة الأدبية أو في الرواية الجزائرية، حتّى وإن اِقتصر على بعض الحوارات المقتضبة أو التنبؤات الشخصيّة من شخصيات الرواية، كما حدث في رواية الحريق لمحمّد ديب أو عند عبد الحميد بن هدوقة، وقد يُستثنى من هذا الحكم ما قرأناه في رواية «الحب ليلاً في حضرة الأعور الدجال» للروائي عز الدين جلاوجي.
وتعدّ هذه الرواية -حسب رأي الدكتور ختالة- قراءة واعية في المرحلة الأخيرة من الثورة التحريرية إذ تطرح فكرة الاِستقلال كمتخيل سردي جدلي بين شخصيات الرواية، وهنا يظهر الوعي بلحظة النصر فكرة واعية ونقاشًا مُنتجًا للمعرفة بحقيقة الاِستقلال. ولعلّ الردّ الّذي كان من شخصية البطل «العربي الموسطاش» في أنّه لن يتنازل عن بندقيته، وسيكمل مسيرة التحدّي ضد الخونة دليل على أن فكرة الاستقلال لم تنضج بالقدر الكافي لدى المنجز السردي الجزائري. كما تظهر موضوعة الاِستقلال كمعطى سياسي لم تكتمل صورته اِجتماعيًا ولا ثقافيًا ولعلّ هذا السبب المُقنع لغيابه سرديًا.
موضحاً في هذا السياق، أنّ المجتمع الجزائري يحتفل بيوم الاِستقلال وهو مشحون بفخامة الثورة التحريرية، حتّى على المستوى الإعلامي والسياسي لم تتضح معالم مشهد الاِستقلال منفصلاً عن بطولات الشهداء وشهادات المجاهدين وكأنّ عظمة الثورة الجزائرية كانت أكبر من لحظة التحرّر والاِنعتاق. وخلص إلى القول: «تبقى فكرة الاِستقلال مستوىً من مستويات الوعي الّذي يجب أن يشتغل عليه الروائي الجزائري ليأخذه من مرحلة الفكرة إلى مستوى التخييل، وإنّي أتوسم في هذا الملف الّذي فتحه (كراس الثقافة) اليوم، أن يفتح مساحات النقاش نقديًا وإبداعيًا حتّى يرتقي التخييل السردي إلى معراج لحظة النصر والاِنعتاق من تاريخ المستدمر الفرنسي».

* محمّد داود
 الأدب الجزائري اهتم أكثر بالثورة
يقول الناقد والمُترجم الدكتور محمّد داود، من جامعة وهران1، إنه: «من المفارقات العجيبة أنّ الأدب الجزائري باللغتين (الفرنسية والعربية) الّذي تغنى كثيراً بالثورة وبَشَّرَ بها من الناحية الفنيّة والجماليّة وأشاد ببطولاتها وتضحياتها كثيراً في المراحل المختلفة قد زهد في الحديث عن الاِستقلال، مِمَّا يطرح أكثر من سؤال. والجدير بالذِكر أنّ نصوص الروائيين من أمثال كاتب ياسين ومولود معمري ومحمّد ديب ومولود فرعون وآسيا جبار، من الرعيل الأوّل من الأدباء الجزائريين الذين كتبوا باللّغة الفرنسية، تناولت الأوضاع المزرية التي كان يُعاني منها الشعب الجزائري في الفترة ما قبل الثورة، كما تضمنت نصوصهم الإرهاصات الأولى للوعي الوطني المُتحرّر والدعوة بشكلٍ خفي أو مُباشر إلى ضرورة الاِنعتاق من العبودية والاِستغلال الممارسين من قِبل الإدارة الفرنسية وجيشها والكولون التي كانت تقوم بحمايتهم وتمييزهم عن السكان الأصليين للجزائر».
وتابعَ مستطرداً: «نجد أنّ هذه الخطابات الأدبية شكلت قطيعة أيديولوجية مع الفكر الاِستعماري الّذي سعى إلى بسط هيمنته السّياسيّة على كافة الفئات الشعبية المستضعفة. مثل الأدب الجزائري آنذاك وبخاصة في الخمسينيات من القرن الماضي لسان حال الجزائر المستَعمرة، يُدافع عن حقها في الحرية والكرامة ويدعو إلى ضرورة الحفاظ على هويّتها الوطنية وعلى تاريخها العريق، وقد برزت هذه التوجهات أيضًا لدى الأدباء الذين كتبوا باللّغة العربية، بشكلٍ مُستتر أو صريح. وقد واصل الأدباء الكتابة عن الثورة من خلال نصوصهم، على غرار محمّد ديب في روايته (من يتذكر البحر) ومولود معمري في روايته (الأفيون والعصا)، وغيرهما».
وقد كان من المنطقي -حسب ذات المُتحدث- أن يفرح الشعب الجزائري بتحقيق النصر على الاِستعمار والوصول إلى الهدف المنشود، ألا وهو الاِستقلال التام واسترجاع السيادة الوطنية على كافة الأراضي والموارد الطبيعية وإعادة بناء الهوية الثّقافيّة التي دُمرت من قِبل المُحتل، لكن دخول البلاد في الصراعات السّياسيّة وتصفية الحسابات بين رفقاء السلاح وقادة الثورة وانقسامهم حول المشاريع السياسيّة أدى إلى أزمات سياسية حادة تعاقبت في فترة وجيزة، ألا وهي بداية الستينيات، مِمَّا جعل الفرحة لم تكتمل وساد الغموض لفترة طويلة، وعمت الخيبة والاِنكسار لدى النخبة المثقفة ومنهم الكُتّاب الذين هاجروا القلم وبعضهم هاجر حتّى البلاد، ولعلّ محمّد ديب أحسن مثال على ذلك.
وفي ذات النقطة، أضاف: «هكذا تحوّل الخطاب الأدبي من الصراع مع الآخر الأجنبي إلى الصراع مع الأنا اِبن البلد ورفيق السلاح، ونذكر في هذا الصدد قصة الطاهر وطار (الشهداء يعودون هذا الأسبوع) ورواية رشيد ميموني (النهر المحول)، وهما نصان يتحدثان عن الاِنحرافات التي وقعت في فترة الاِستقلال».
وخلص إلى القول: «حتّى وإن كان معروفًا لدى الكثير من الملاحظين والمؤرخين: أنّ أغلب الثورات –على اِختلافها- تمر بأزمات وقد تكون تتويجاتها مخيبة للآمال، وهذا ما يجعل الأديب وهو الإنسان الحساس بطبيعته ينفر من المحن وينتقد خلفياتها في نصوصه».

* عبد القادر فيدوح
مفهوم الثورة تداخل مع مفهوم الوطن
يقول الناقد والباحث الأكاديمي الدكتور عبد القادر فيدوح، أنّه ما من شك في أنّ المواطنة تتجاوز إقامة الإنسان واستقراره، أو الإسهام في تشييده، بل المواطنة هي فوق ذلك من خلال زرع الآمال بإمكانية غرس روح المواطنة بالاِنتماء الروحي، وبالعلاقة المنطقية بين المواطن والاِنصهار بالمصداق، بالنظر إلى ما تتركه من أثر في أجواء المواطن النفسية والاِجتماعية؛ بروابط الرّوح الثّقافيّة والاِجتماعيّة المشتركة.
ثمَ أضاف موضحاً: «لقد تداخل مفهوم الثورة مع مفهوم الوطن، مع مفهوم التحرّر في ساحتنا الثّقافيّة، وأخذت هذه الأجناس النصيب الأوفر في المجال السردي والشِّعري، والمسرحي، وحتّى في الثّقافة الشعبيّة، في حين تلافت صورة الاِستقلال عن الوعي الإبداعي والثقافي، وأعرضت الأقلام عن موضوع أهم مناسبة وطنية طالما انتظرها المواطن منذ أزيد من (132 سنة). وإذا كان إنتاجنا الفكري والثقافي قد أغفل -دون وعي منه– بشكلٍ لافت الحديث عن أهم خاصية للوطن وهي الاِستقلال فذلك في اِعتقادي لأنّ الثقافة والحركة الإبداعية في حينها ركزت على الاِبتناء والتعمير، اِمتثالاً للخط السياسي الّذي اِنتهجته البلد، وهو الخط الّذي كان يُشكل القاعدة الأساسية لتعزيز المؤسسات، وتبعًا لذلك لم تحضر صورة الاِستقلال في المدونة الأدبية، أو الثقافية بالقدر الأجدى، والأوفر حظًا، قياسًا إلى باقي الموضوعات الوطنية الأخرى التي أحرزها موضوع الثورة من قِبلِ جيل كان مُتعطشًا للتحرّر، والانعتاق، من القيود التي فرضها عليه الاِستعمار فاندفع بكلّ ما يملك من اِستطاعة لتحقيق التغيير نحو الأسمى، تغييراً جذريًا. وهديًا على ذلك –على نحو ما جاء في سؤالك- كانت صورة الاِستقلال في الحركة الأدبيّة والثّقافيّة باهتة، ولم تعطِه حقه، وقيمته كما يجب».
صاحب «تأويل المتخيل، السرد والأنساق الثّقافيّة»، أضاف مستدركاً: «إذا كان الوعي الثّقافي المُعاصر قد تجاوز مرحلة الاِنفتاح على رحابة ثورة البناء والتشييد، فإنّه على ضميرنا النابض بحب الوطن أن يجعل من مناسبة الاِستقلال أيقونة وطنية، تكون على سعة من ثقافة التغذية الراجعة بالعودة إلى المرحلة التي غمرت وطننا في حينها، والحال هذه ليس لمبدعينا ومثقفينا إلاّ أن يغمروا بنشاطهم الإخلاص لشهداء هذا الوطن، وترسيخاً لمصافاة مع التاريخ، بعد أن جاء النصر العظيم يغمر آمالنا في هذا الوطن، فضلاً عن إمكانية التوسع في دائرة البهجة والمسرة، وبثها في أجيالنا الواعدة، بخاصة من الذين لم يحضروا هذه المناسبة البهيجة، والتطلع أكثر إلى معرفة ماذا يعنيه تاريخ 5 جويلية 1962، بوصفه الرمز الخالد في أثناء الإعلان عن اليوم الّذي أشرقت فيه شمس الحرية على وطن اُغتصب قسرًا لمدة 132 سنة».
وجريًا على ذلك، -يضيف- «فإنّ إبداعنا الأدبي والثقافي والفكري معنيٌ بالكشف عن مدى إعادة الاِعتبار لفرحة الاِستقلال؛ من أجل تعزيز المؤثرات المعنوية لدى أجيالنا حتّى لا تميل إلى تجريد الأحداث الخالدة من القيم الوطنية، وتقويض فرحتنا، كما أنّ ثقافتنا معنيةٌ بمدى نجاح الوعي حتّى يقدم هذا الوعي رمزية الاِستقلال ويعيد لها قيمتها الحقيقيّة التي شهد لها العدو قبل الصديق بكلّ ما تحمله المعايير المعرفيّة والثّقافيّة، وحتّى نرسخ هذه المناسبة بوصفها تاريخًا عظيمًا يُلهم الأجيال ويقوي هويتها الجماعية أمام هذه الصورة الخالدة لذكرى الاِستقلال، والدالة على الفرحة العارمة، ألَيس من حق براعمنا أن تنعم بسعادة الرعيل الّذي شهد تاريخ الاِستقلال المجيد؛ من خلال نشر ما يكفي من النصوص الأدبيّة والثّقافيّة في كُتبنا المدرسية، بالنظر إلى أنّ تاريخ الاِستقلال هو أحد الثوابت المعبرة عن هويتنا».

* محمّد الأمين لعلاونة
 الروايات الجزائرية بقيت محافظة على نفس التيمات
يرى الناقد محمّد الأمين لعلاونة، أنّ الساحة الروائية الجزائرية بعد الاِستقلال شهدت نوعا من الكتابة التي خاطبت الاِستدمار الفرنسي بلغته، بيد أنّها نحت نحواً آخر من حيث تيماتها، فصورت ما عاناه ويعانيه المواطن الجزائري من جهة، ومحاولتها التطرق للمسكوت عنه في الثورة الجزائرية من جهةٍ أخرى. فالروائي -كما يضيف ذات المتحدث- لا يمكن بمكان أن يكتب التاريخ من زاوية المؤرخ الّذي ينقل الأحداث وفقط؛ بل وجب عليه الإشارة إلى المضمر في تلك الأحداث بطريقة تخييلية يُسائل من خلالها التاريخ ويفتح أسئلة الواقع الجزائري ما بعد الاِستعماري، وهو ما نجده في عديد المدونات الجزائرية حينذاك كـ»اِبن الفقير» و»الأرض والدم» لمولود فرعون و»الأفيون والعصا» لمولود معمري، إضافة إلى ثلاثية محمّد ديب التي كانت في مجملها حديثًا عن الأرض والثورة والجزائر، لتأتي فترة السبعينات وما تلاها من كتابات حاولت هي الأخرى المحافظة على تيمة الأرض والثورة والتحرر فكتب وطار اللاز وكتب بن هدوقة «بان الصبح» وكتب واسيني الأعرج «نوّار اللوز» و»أوجاع رجل غامر صوب البحر» كمحاولة منه ربط الماضي الاِستعماري بالواقع الجزائري بطابع تاريخي يغلب عليه التخييل، وهو ما يُميز الرواية عن التأريخ؛ إذ تسمح الأولى بطرق مغاليق التاريخ دون المساس بقدسيته.
وواصل في توضيح فكرته قائلاً: «لم تكن الرواية الجزائرية بمعزل عن أحداث التاريخ الجزائري والثورة التحريرية المجيدة، غير أنَّ المُتفحص الحذق سيجد أنَّ الروايات الجزائرية التّاريخية إن صحَّ التعبير بقيت محافظة على نفس الثيمات (الفقر، الجوع، المعاناة، التهميش...) ولم تتطرق لما هو أهم –مع بعض الاِسثناءات طبعًا- كالتفجيرات النووية في رقان والاِستقلال وقضية الحركى ومصيرهم بعد الاِستقلال الوطني وقضية المجاهدين المزيفين، لنجد أنَّ هذه المواضيع تعدُّ من الطابوهات السردية التي لم يستطع/ ولم يُرد الروائيون التطرق إليها وفي المقابل راح بعضهم يتحدث عن دور اليهود الإيجابي في الثورة التحريرية ما يجعل المدونة السردية الجزائرية عاجزة عن البحث في مواضيع جديدة، تكون بمثابة الخيط الرفيع الّذي يفصل التاريخي عن التخييلي، وهذا راجع حسب رأينا إلى الخط الإيديولوجي الّذي ينتصر له بعض الروائيين على حساب الخط الوطني الّذي وجب أن يكون هاجس أي روائي يكتب عن تاريخ الجزائر وعن ثورة الجزائر وعن شعب الجزائر».
صاحب كتاب «كيمياء الرواية» خلص إلى القول: «إنّ الرواية الجزائرية اليوم مطالبة بأن تتخلص من جميع الإيدلولوجيات، وأن ينطلق الروائيون الجزائريون من معطيات التاريخ الجزائري الفعلي وترك الفلسفات الغربية وطروحات الحركات ما بعد الكولونيالية التي وإن كان ظاهرها نبذاً للاِستعمار إلاّ أنَّ باطنها اِنتصارًا له وتمجيداً لبعض مكوناته، فكيف يعقل أن ينبذ روائي اِستعمار وطنه وفي مقابل ذلك تجده يمجد البنايات الكولونيالية والهندسة الكولونيالية؟ بل والأدهى والأمر أن تنقلب بعض الأسماء الروائية عن مكتسبات الشعب الجزائري وتطعن في ثورته المجيدة خدمةً للوبيهات معروفة بعدائها للجزائر أو اِنتصاراً لجوائز أدبية غايتها التشكيك في تاريخ الشعوب والأمم».

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com