الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

الفائز بجائزة آسيا جبار عن روايته "سييرا دي مورتي" عبد الوهاب عيساوي للنصر

التاريخ يكتبه المنتصر و الرواية وجـــدت ليكتبهــــا المهزومـــون
فاز الروائي الشاب عبد الوهاب عيساوي بجائزة آسيا جبار الأدبية  عن روايته «سييرا دي مورتي»، ضمن فعاليات الصالون الدولي للكتاب في طبعته العشرين بالجزائر العاصمة، والتي تتناول تأثير الحرب الإسبانية على منطقة الجلفة بعد نفي الكثير من المناضلين الإسبان والفرنسيين إلى سجن عين الأسرار المتواجد بولاية الجلفة.

حاوره حمزة دايلي
الرواية التي طبعت منها نسخ قليلة ضمن إصدارات الرابطة الولائية للفكر والإبداع بولاية الوادي ، تلقت إشادة كبيرة من لجنة تحكيم جائزة آسيا جبار والتي يترأسها الكاتب الجزائري الكبير مرزاق بقطاش، حيث اعتبرتها اللجنة «الرواية التي خرجت عن المألوف في تناولها للمشهد الجزائري»  كما كتب عنها كتاب جزائريون معروفون ،على غرار واسيني لعرج الذي كتب في صفحته على الفايسبوك: «انتهيت قبل شهر من قراءة سيرا دي مويرتي (جبل الموت) لعبد الوهاب عيساوي، وسعدت بميلاد روائي مميز خارج ضجيج طواحين الهواء».
الروائي الشاب التقيناه ضمن معرض الكتاب الدولي و مشاعر الفرحة تعلو محياه ، فعبر لنا عن سعادته بفوزه بجائزة تحمل اسم الكاتبة الكبيرة آسيا جبار .و سننقل لكم في هذا الحوار تصورات الكاتب الشاب عن روايته وإجاباته على بعض الأسئلة التي بقيت غامضة في روايته «سييرا دي مورتي»
. النصر :فزت بجائزة  آسيا جبار في طبعتها الأولى،  وكان اسمك غير مكرس إعلاميا و في الساحة الأدبية الجزائرية كيف تقيّم تتويجك بالجائزة؟
ـ  عبد الوهاب عيساوي : حسب وجهة نظري، فإن الجائزة الأدبية، بعيدا عن النظر إليها كونها قيمة مادية، قيمتها المعنوية لا يمكن أن نتجاهلها، فحامل أية جائزة أدبية مهمة يكتسب تطلعا مختلفا إلى نصه ،لأنه يستعير تلك الأهمية من الجائزة التي يحملها، و بالرغم من أني لم أكن أفكر في الجائزة حين كتبت رواية «سييرا دي مويرتي»، لأنها كتبت قبل عامين إلا أنها شكلت مسؤولية جديدة تضاف إلى مسؤولياتي و هموما موضوعية و فنية، أنوء بها، ثم جاءت جائزة آسيا جبار كتتويج لي ولكنها في الوقت نفسه حصار معرفي جديد تشكل من حولي ألا وهو ارتباط اسمي باسم الكاتبة الكبيرة آسيا جبار.   
. الجلفة أو كما كتبتها في روايتك «الجلفا»، المدينة الباردة ليلا ،الموحشة نهارا، لماذا تعمدت تصويرا نوعا ما سوداويا للمدينة؟
أثناء مطالعاتي للشهادات التي كتبها المعتقلون كنت أصطدم بالوصف القاسي للمكان، كانت لفظة البرد تتكرر بطريقة مرعبة وحتى أوصاف طبيعة العالم المحيط بالقرية القاحلة التي عبر عنها الشاعر الإسباني ماكس أوب في قصته الرسائلية مقبرة الجلفة: « أنت لا تعلم من أين سأخرج، لا تشغل بالك، اقرأ وسترى، أتذكر الجلفة، المعتقل، الشجرات الخمس، والشجرة المورقة الوحيدةّ، تلك التي قال عنها «التشيكي» إنها المنظر كله؟»
 تلك الأوصاف كانت تتكرر كثيرا في الشهادات بطريقة أو بأخرى، كانت تُشكل نظرة سوداوية للمكان لم أجرؤ أن أتدخل لأغيرها لذا تجاوزني السواد إلى الرواية.   
.استحضرت الحرب الأهلية الإسبانية ونزول الحلفاء في الجزائر ،كما كانت حكومة فيشي الفرنسية حاضرة في أحداث روايتك ،هل علينا أن نعيد صياغة تاريخينا أدبيا بعد أن تمت روايته من قبل الآخرين؟
ـ لا أؤمن كثيرا بأن الرواية تكتب التاريخ، و لكن على الأقل لها الحرية أن تقول ما تريد، فالتاريخ يكتبه المنتصر، ولكن الرواية يكتبها المهزوم، ربما ذلك الذي لم ينصفه واقعه أو تاريخه بتصور عام وليس المجزوء في حادثة معينة، أفهم أن الرواية حينما تستعير خلفية تاريخية لا يكون همها تعليميا أو إرشاديا ،بقدر ما تكون انتصارا للإنسان داخل تلك الحقبة الزمنية امتدادا أو توازيا مع الإنسان في الزمن الرديء الذي يعيشه العالم العربي. تجلت لي آثار خيبات 67  على العالم العربي، وكأنها نفسها التي كان يصرخ بها بابلو أو مانويل، أو الصراخ الذي أسمعه يرتفع الآن من سوريا ما هو إلا رجع صدى لحرائق قديمة موغلة في التاريخ، تتكرر كل مرة و لكن باختلاف الأمكنة والأشكال. وبالتأكيد يبقى الموت هو العلاقة الأساسية المشتركة بين الأديان، التي يرى معتنقوها من خلالها العالم.
 . أين هي حدود التخيل الروائي أمام أحداث تاريخية و واقعية في روايتك؟
ـ لا يمكن الفصل بين التخييل والتاريخي في الرواية، هناك مزيج بينهما، بعض الشخصيات لم أجد ما يملأها لذا اضطررت أن أجعلها جماعا بين صفات لشخصيات مختلفة، بهذه الطريقة استعنت بالشهادات وبعض الكتب التاريخية وحتى الروايات والمراسلات، كان يمكن أن أجعل كل شخصية حقيقية على حدا، ولكني انزحت قليلا عنها ،بإضافة تفاصيل من شخصية أخرى، في الظاهر العام يفهم العارف بالتاريخ أن تلك الشخصية المتخيلة لابد المقصود منها الشخصية التاريخية المعروفة، ولكنه حين يطلع على التفاصيل في الرواية يجد بعضا من الاختلاف مما يمكنه أن يُعين صاحب النص على ربط ما يمكن ربطه بين الشخصيات، أو بالأحرى ما يسمى الضرورة الفنية، مثلا نجد في الرواية شخصية تخيلية وهي بابلو الأناركي، بالتأكيد ما هو إلا أنتونيو أتاراس الذي كان معتقلا في الجلفة و اشتهرت مراسلاته مع الفيلسوفة الفرنسية سيمون فاي، ولكن هناك العديد من التفاصيل التي تفرقه عن الشخصية التي توازيه في العالم التخييلي ولعل أهمها النهاية. أنتونيو أتاراس خرج من معتقل الجلفة بعد انتهاء حكمه، لكن بابلو فرّ من المعتقل وشوهد في مقبرة
المجحودة التي ظلت تكتنفها الأسرار، وربما أصبح حفار قبور هناك. هنا تطرح الأسئلة لماذا ينتهي أناركي ،خسر الحرب في وطنه و مثقل بالخيبات ،إلى هذه النهاية في مقبرة غريبة وقد يكون حفارا للقبور..ربما نجد الإجابة في سؤال آخر :كيف كانت نهاية الحرب العالمية الثانية؟
بالطريقة نفسها حاولت التعامل مع جميع الشخصيات والتي لا يمكنها إلا أن تطرح مزيدا من الأسئلة في حضور الفظائع التي كانت المرحلة التاريخية تعيشها.
 . الرواية طرحت بعض المفاهيم الدينية والإيديولوجية كاليهودية والشيوعية، هل على الرواية أن تحاول فهم الأديان والإيديولوجيات من خلال  طرح ما؟
ـ أعتقد أن هناك دينا واحدا وبأشكال مختلفة فقط، وما كان حوار الشخصيات إلا محاولة لإيجاد علاقات بين الأشكال، ولعلّ أهم علاقة مشتركة كانت الموت، فهو أكثر حضورا بين المعتقلين، و قد كانوا إلى يوم قريب لا يفارقون أسلحتهم، ثم حدث ما حدث وحُملوا إلى مكان بعيد في صحراء جافة و قاسية ، و في ظل ظروف مثل هذه يرتبك اعتقاد أي إنسان، و بعد أن كانت الأسئلة تجاه الخارج ،تكون موجهة إلى الذات مظهرة بذلك علاقة الإنسان بالله بشكل مباشر ،إما الإيمان الكلي « في الصحراء حيث الله قريب جدا من البشر» أو النفي الكلي « لقد تخلّى الله أيضا عنا حين كنا في سيّيرا» وتبقى شخصية أخرى تتخبط باحثة في وجوه العرب والناس من حولها عن موقف أو معجزة ربما يمكنها أن تقول عكس ما قالته آخر هزيمة لهم في سييّرا.  
. روايتك تحيلنا إلى أعمال روائية كبيرة تناولت الحرب الأهلية الإسبانية ،حيث نجد هيمنغواي في روايته «لمن تقرع الأجراس» والكاتبة ليدي سالفاير في عملها الروائي «لا بكاء» الذي نال الكونكور. لماذا تجنبت الحرب وخضت في عالم آثار الحرب في معتقل في جلفا كما كتبتها أنت في روايتك؟
ـ قرأت ثلاث روايات لثلاثة روائيين عالميين عن الحرب، والعجيب أنهم كانوا من المشاركين في الحرب الأهلية الإسبانية، جورج أورويل في «الحنين إلى كاتالونيا» و»الأمل» لأندري مالرو ثم «لمن تقرع الأجراس» لأرنست هيمنجواي،
 ورأيت كيف كانت تجربة كل واحد منهم، وكيف تحولت تجربته وخيبته في الحرب إلى رواية. تلك العوالم سافرت مع شخصيات رواية سييرا دي مويرتي، ولكنها خلّفت أسلحتها في أوروبا واستبدلتها بالصراخ الطويل، ثم تحول الصراخ إلى نظرة تأملية تغوص إلى الغور العميق، بينما كانوا في معتقل جلفا، تلك القرية الباردة في جنوب الجزائر. ربما لو قُدّر لأحد أولئك الروائيين الكبار أن يكتب جزء آخر من سيرة الخيبة، لكان اختار هذه المعتقلات ليكمل سرد تفاصيل محنته في المعتقلات الإفريقية.
. الرواية تنتصر لحياة الشعراء والكتاب والمفكرين الذين خاضوا حروبا ونقلت لنا حواراتهم ، هل تلك الحوارات لها سند تاريخي أم هي تخيلات أدبية؟
ـ لا يمكن القول بأن الحوارات كانت عالمة إلا عند الشخصيات التي كانت لديها خلفية معرفية، ولكن الألم والخيبة يجعل من الشخصية تقول أشياء عميقة رغم تلقائيتها. وجدت بعض تلك الخيبات مبعثرة في الشهادات ولأن طبيعة المعتقلين كانت مختلفة توزعت بين الجمهوريين والأناركيين والنقابين، يعني أن لكل شخص توجهه ونظرته للحياة، ولا أؤكد أن كل الحوارات كانت واقعية مستمدة من الوثيقة التاريخية أو الأدبية ولكنها مع ذلك تقترب في التوجه العام لتفكيرها وهواجسها.                                                
. تجنبت اللغة الشعرية في روايتك الجديدة، رغم استعانتك بها في روايتك الأولى «سينما جاكوب»  وكانت اللغة بسيطة، هل ترى بأن الرواية لا تحتمل الكثير من الشعر؟
ـ إن المتأمل لظروف نشوء الرواية في عالمها الأصلي يكتشف أن بدايتها كانت فَكاكا من الشعر أو بالأحرى ثورة عليه، فالتفسيرات الماركسية التي تبدو إلى حد ما أكثر وعيا تقول بأنها جنس تعبيري جديد لمجتمع أراد أن يجد ذاته من خلاله فتخلص من الملحمة التي تكتب بالشكل الشعري. إذن قضية الشعر في الرواية محسومة من البداية في مكان نشوء الرواية، ولكن يبقى أمر آخر وهو تكوّن الذات العربية التي هي في أصلها شاعرة، والشعر كان قيمة وجود وكينونة بالنسبة للعربي، وإلى فترة قريبة كان أيضا الجنس التعبيري الذي مثله، وهكذا وبعد اكتشاف المجتمع العربي للرواية كقادم من الغرب، انزلقت همومه الشعرية إلى الرواية، مع أن النصوص الروائية العربية الأولى كانت بعيدة إلى حد ما عن الشعر، وانا أتكلم مثلا عن نجيب محفوظ.  لذا استدركت الأمر بعد روايتي الأولى
«سينما جاكوب» وكتبت «سييرا دي مويرتي»، محاولا أن تكون اللغة بسيطة ولكنها تنتمي أكثر للشخصية وتتوافق مع جوهرها لأنه هذا هو المهم في اعتقادي.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com