الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

مرزاق بقطاش

الكاتب الذي كبر بعيدا عن الضجيج

كاتب ظل على بعد مسافات، من الأضواء والحضور شبه اليومي الذي يصر عليه الكثير من الكُتاب، كما ظل بعيدا عن الضجيج وعن مآدب الملتقيات والمهرجانات والمؤتمرات، ونادرا ما يسجل حضوره في مناسبة أدبية أو ثقافية. يفضل أن يشتغل في صمت، وأن ينشر أعماله بكثير من الهدوء.
يقول عنه الناقد والأكاديمي مخلوف عامر: «إنه الكاتب الذي واكب تحولات الجزائر وعرفها، وأبى إلا أن يجرد قلمه ليستخلص من المؤقت الزائل ما يمكث في الأرض، وهو لم يتنصَّل يوما من كتاباته في السياسة والفكر أو يتنكَّر للواقع، بل إن ذلك كله يقع في صلب أعماله».
كما قال عنه الأستاذ سعيد بوطاجين: «بقطاش نموذج فعلي للمثقف، للأخلاق والتواضع واحترام الذات والكرامة البشرية. إنه مرجع حقيقي، سواء اتفقنا معه في طريقته السردية أو لم نتفق، لكنه سيظل دائما قيمة لا يمكن تجاوزها في المشهد الأدبي والثقافي في الجزائر». مضيفا بأن له معرفة موسوعية لافتة، متشعبة ودقيقة وممنهجة وعقلانية، لكنه لا يحب الظهور كثيرا، وقد يعود ذلك إلى السياق الثقافي العام الذي يشهده البلد، وإلى هذا الخلط الكبير في ظل انهيار القيم الفنية والجمالية وهيمنة الزيف والجماعات الضاغطة التي مسخت الثقافة والكتابة وأصبحت المبتدأ والخبر.
من جهته الكاتب والباحث محمد مفلاح، يؤكد على أن بقطاش: «يُعد من المثقفين المتصوفة الذين آمنوا بالكلمة الصادقة وخدموها بإخلاص وتحملوا مشاقها بصبر كبير». أما القاص والناقد مصطفى فاسي، فيقول عن صاحب «طيور في الظهيرة»، بأنه: «يؤمن بأن الكتابة الإبداعية ينبغي أن تنبع من حياة الأديب وتجربته ومن محيطه الذي يعرفه جيدا وقد جاءت أعماله معبرة عن هذا الإطار».
«كراس الثقافة» في عدده لهذا اليوم، يحتفي بالكاتب والأديب مرزاق بقطاش، من خلال هذا الملف التكريمي، الذي يتحدث فيه كتاب وأدباء في شهاداتهم، عن الكاتب بقطاش، عن سيرته الأدبية ومسيرته وتجربته في الكتابة والإبداع، وهذا في سياقات متعددة، تشمل: بقطاش الأديب، القاص، الروائي، الصحفي، المترجم، وكاتب السيناريو، وكاتب المسرح، وعاشق اللغة العربية والمنتصر والمنحاز لها، من خلال إصراره الدائم على الكتابة والإبداع بها رغم إجادته وإتقانه لعدة لغات.

إستطلاع/ نوّارة لحــرش

مخلوف عامر/ كاتب وناقد
القلم الوطني الذي لا يجفُّ والذي أدرك مبكِّراً أن للأدب خصوصيته
«مرزاق بقطاش» هذا الكاتب المرموق الذي عرفتُه أول مرة حين قرأت روايته: «طيور في الظهيرة» ثم «البزاة» وما بعدهما.
ففي «الطيور» كنتُ أُحسُّ برفرفة أجنحة الأطفال الأبرياء وهم يبحثون عن فرصة للَّهو واللعب. وإذا الجنود الفرنسيون يرعبونهم ويطاردونهم، فلم يملك الأطفال إلا أن ينتقموا بالإضراب عن تعلُّم الفرنسية. وتوقَّعتُ من عنوان «البزاة» أنها تحلِّق عالياً في السماء وتأبى العيش بين الحُفَر.
وكان واحدٌ من أولئك الأطفال يُخزِّن في ذاكرته ما يجري من حوله ليُحوّله نقوشاً باقية ويترقَّب أن يحين أوانها ليسكبها حبراً على ورق.
هو هذا الكاتب «مرزاق بقطاش» الذي أدرك مبكِّراً أن للأدب خصوصيته، وأن من اختار طريق الكتابة الأدبية عليه أن يحافظ على أدبية الأدب.
لم أفهمْ -يوماً- من كتاباته أنه يتنصَّل من السياسة والفكر أو يتنكَّر للواقع، بل إن ذلك كله يقع في صلب أعماله، لأن أنجح الأعمال الأدبية أقْدرها على إخفاء ما مِنْ شأنه أن يسم الإبداع بالفجاجة والتسطيح. من هنا تميز «بقطاش» -من بين قلائل- بالاشتغال على اللغة العربية التي أحبَّها وكان في وُسْعه أن يكتب بالأمازيغية أو الفرنسية أو الإنجليزية لو كان يسعى إلى تحقيق شهرة زائفة.
إني أتصوَّره لحظة الكتابة يفكر في كل كلمة يضعها، يستحضر ظلالها ودلالاتها، وقد لَمْلمَ في ذاكرته الخصبة ما عزَّ من روائع الأدب العربي والعالمي.
لعلَّه بعدما اكتسب تجربة طويلة في الكتابة بالعربية، أدرك أيْضاً أن الإبداع بلغة ما، يقتضي مشواراً طويلاً من الدّربة والمراس، ليس بأن يجعل لغة المألوف ترقى إلى اللا مألوف وحسب، وإنما بأن ينْأى بنفسه عن لغة الصحافة التي يتقنها وتطاوعه. ولديْه هذه المقدرة المتفرِّدة في أن ينقل أصعب النصوص بلغة عربية راقية كما في «ألف وعام من الحنين». فهو -بحق- ليس بخادم للغة بقدر ما هو وسام على جبينها.
ثم إنه الكاتب الذي واكب تحولات الجزائر وعرفها، وأبى إلا أن يجرد قلمه ليستخلص من المؤقت الزائل ما يمكث في الأرض. فإذا كان يغمس ريشته الأدبية في الزمان والمكان، فإنما ليرتفع عن الزمان والمكان. لأن صورة الوطن الذي يؤمن به ليست حكراً على جيل مضى ولا على جيل الحاضر. فهو يريدها صورة جميلة لا تفقد بريقها على مر العصور. ولا سبيل إلى بلوغ غاية مماثلة إلا من خلال أدب جميل. ذلكم هو الهاجس الذي أراه يسكن هذا الإنسان الوقور منذ أقدمتُ على متابعة كتاباته.
وهو حين يكتب بهذا الوعْي الوطني الحاد، فلأن الكتابة بالنسبة إليه ليست «قفزة في الظلام». إلا إذا كان الظلام يعني الكتابة في لحظتها الإشراقية، وإلا إذا كان النص يكتنفه الغموض الذي يكتنز فلسفة عميقة وتماهياً مع التربة التي نهْواها، مصوغاً في خطاب أدبي يستوقف القارئ هو ذاته قبل أن يمكِّنه من اختراق حاجزه البلوري.
إنه من ألمع مثقفينا الذين لم تتمكَّنْ رصاصات الإرهاب من كسْر قلمه، فأبى هذا القلم إلا أن يسيل مداداً وطنياً خالصاً مُخْلصاً.

مصطفى فاسي/ قاص وناقد
ظل يطور تجربته بهدوء بعيدا عن التجريب والمغامرة فنضج أدبه على نار هادئة
أول لقاء لي مع «بقطاش مرزاق» كان ذات يوم من سنة 1969 عن طريق قصته «عندما يجوع البشر»، الحائزة على جائزة رضا حوحو، وتعرفت عليه شخصيا بعد ذلك، ثم تكررت اللقاءات من خلال القراءة  على الخصوص، لأن اللقاءات الفعلية كانت قليلة نسبيا بفعل اختلاف وظيفة كل منا، أنا بالجامعة التي  التحقت بها سنة 1973 وبقطاش بالصحافة والإعلام.
ولكنني ظللت أتابع وأقرأ ما ينشره في مجال القصة على الخصوص، وهو آنذاك من الكُتاب الشباب  الذين يأتون على رأس جيل السبعينيات، إلى أن قرأت له سنة 1976 رواية، «طيور في الظهيرة»، وهو  أول كِتاب نشره على ما أعرف حتى قبل أن ينشر مجموعته القصصية الأولى بعنوان «جراد البحر»، سنة 1978.
وقد كانت هذه الرواية ناضجة مثلما كانت قصته الأولى، وقدم لها الطاهر وطار الذي أعجب بها، وقال عنها إنها ولدت قوية تعبر عن قوة صاحبها، الفنية، أو بالأصح عن أصالة ملكته، أو موهبته، أو عبقريته، وأن التجربة ستجعل بقطاش أحد الكُتاب الجزائريين المحترمين. كما قال عن بقطاش أيضا إنه  كالمحارب، اللفظة بالنسبة إليه عيار ناري، مستقل بذاته، هدفه المعنى الواضح كما هو، والصورة الفنية  كما هي، حتى أن الإنسان وهو يمضي في القراءة لا يتمالك من القول، إن التعبير باللغة العربية في  الجزائر لم يعد مغامرة خطيرة، كما يلاحظ وطار بحق أن بقطاش هو الوحيد من بين كُتاب هذه المرحلة  الذي ينتمي إلى المدينة، فهو مولود بالعاصمة، ولذلك يكتب عنها بمعرفة.
وظل الرجل يواصل الكتابة، ومع الممارسة تنضج التجربة، وقد جمع بين الإبداع قصةً، فنشر عبر مسيرته مجموعات قصصية جادة وجميلة تعبر عن تجربة ناضجة ابتداء من أول قصة له. وروايةً بحيث  بلغت نصوصه في هذا المجال عدة روايات، كما كتب مسلسلات للإذاعة والتلفزة قُدمت في الجزائر  وخارجها، وقام بترجمة عدة أعمال أدبية منها في مجال الرواية لرشيد بوجدرة وفي القصة ترجم مجموعة «التفاحة الحمراء»، المختارة بذوق رفيع من عدة كُتاب عالميين، وهو خريج قسم الترجمة، اختصاص  العربية والفرنسية والإنجليزية، وفي علمي أنه كتب بعض إبداعاته باللغتين الفرنسية والانجليزية أيضا، إلا أن إبداعه بالعربية التي أحبها أكثر من غيرها قد طغى على الباقي. وظل إلى جانب ذلك كله ينشر المقالات الثقافية والأدبية في الجزائر وبعض البلدان العربية في المشرق، هذه المقالات التي تنم عن إطلاع واسع على الثقافة العربية والعالمية قديما وحديثا.
فمع كون «بقطاش» إعلاميا من الناحية المهنية فإنه ظل طوال مسيرته مخلصا لمجال الثقافة والأدب، روايةً وقصةً ومسلسلات ومقالات ثقافية وأدبية، وقد ظل لحوالي نصف قرن يطور تجربته المتسمة بالهدوء والاتزان والعمق، بعيدا عن التجريب والمغامرة، فنضج أدبه على نار هادئة، وتميز أدبه بحضور الأسلوب الرصين، واللغة الجميلة مما جعل الدارسين يلتفتون إليه، ويقدمون عن رواياته وقصصه عدة رسائل جامعية، ماجستير ودكتوراه، بمختلف جامعات الوطن.
يؤمن «بقطاش» أن الكتابة الإبداعية ينبغي أن تنبع من حياة الأديب وتجربته، ومن محيطه الذي يعرفه جيدا، وقد جاءت أعماله معبرة عن هذا الإطار، فكانت، مثلا، روايته الأولى، «طيور في الظهيرة»  1976 تصور جوانب من طفولة الكاتب زمن ثورة التحرير، وقدمت رواية «عزوز الكابران» 1989 صورة  معبرة فيها كثير من السخرية والكاريكاتير عن تعفن النظام السياسي والإداري وعن النفاق والزيف المتسم بهما في مرحلة من مراحل هذا النظام، وترحل رواية «خويا دحمان» 2000، بالقارئ عبر زمنها المركز إلى الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، ومن خلال أحداثها وشخصياتها الحية تقدم تجربة  غاية في العمق والأهمية، وتقدم رواية «دم الغزال» 2002، التجربة المريرة والفريدة التي مر بها الكاتب  والمتمثلة في محاولة اغتياله في جويلية 1993، وإذا كان القدر قد شاء له أن ينجو من الموت، فإن جرح هذه التجربة سوف يبقى، ويبقى عميقا. ثم تأتي رواية «رقصة في الهواء الطلق» 2011، تعمل على تعرية واقع متعفن يتعايش فيه الإرهاب والسياسة والمافيا وتضارب المصالح، مصالح الكبار، والخلاصة أنها تقدم عالما يسوده التعفن والتخلف.
نتمنى للكاتب الأديب المبدع «بقطاش مرزاق» الصحة والعافية ليواصل إتحافنا بمزيد من أعماله الدراسية وإبداعه الأدبي الجميل.

السعيد بوطاجين/ كاتب وناقد ومترجم
مرزاق بقطاش: العلاّمة والعلامات
أعتبر الأديب مرزاق بقطاش أحد أقطاب الرواية والترجمة والقصة والثقافة في تاريخ الجزائر المعاصرة، رغم ما لحقه من تهميش ونكران، إن نحن احتكمنا إلى الصورة التي تُقدم عن المشهد في البلد، بالإعلاء من شأن بعضهم وطمس الآخرين، دون مبررات فنية أو جمالية مؤسسة على مسائل أكاديمية بحتة، وليس احتكاما إلى الأموال والعلاقات ومختلف الوسائط الأخرى.
هذا الأديب هو حلقة وصل ما بين جيل الستينيات وجيل السبعينيات، الجيل الأول الذي مثله الطاهر وطار وبن هدوقة ورشيد بوجدرة، والجيل الثاني الذي مثلته أقلام كثيرة، ومن هؤلاء: إبراهيم سعدي، الحبيب السائح، الأعرج واسيني، الأمين الزاوي، عبد العزيز بوشفيرات، محمد الصالح حرز الله، محمد مفلاح، جيلالي خلاص، الشريف الأدرع، وغيرهم من التجارب التي تبوأت في فترة كانت لها سياقاتها وخصوصياتها.
لقد قدم مرزاق بقطاش للرواية الجزائرية أعمالا أدبية جليلة، بلغة راقية ومنظورات متقدمة، وهو يعرف جيدا معنى الحداثة والتحديث، معنى أن تشتغل على التقنيات والموضوعات والرؤى، من غير السقوط في الابتذال الذي وقعت فيه عدة روايات لم تستوعب الحداثة، أو نظرت إليها بشكل سطحي لا يرقى إلى فلسفتها وجذورها وأسبابها ومقاصدها.
هذا الكاتب يعرف الآداب العالمية، وهو، بالمقابل، مؤهل لتبيئة المستورد وتوطين ما أمكن توطينه بالنظر إلى تجربته وتكوينه المركب الذي يمتد إلى معارف كثيرة: لسانية وفكرية وسردية وأنتروبولوجية، بصرف النظر عن خياراته الفنية والجمالية في فعل الكتابة، أو في التصور السردي من حيث إنه موقف من الأشكال والطرائق.
هناك أيضا مرزاق بقطاش المترجم النوعي الذي قدم ترجمات ذات قيمة معتبرة، ويجب التأكيد، دون أي تردد، على قدراته الكبيرة في النقل من لغة إلى لغة، بروية وإدراك، وبمعرفة نادرة لم ننتبه إليها كثيرا ولم ننوه بها في الوقت المناسب. هناك خلل ما وجب استدراكه عرفانًا بجهده الاستثنائي في هذا الحقل: هذا الكاتب يتقن العربية والفرنسية بطلاقة، ودون أي ادعاء، مثلما انتشر في السنين الأخيرة في بعض الأوساط الأدبية التي أشكلت عليها الأمور: مرزاق بقطاش معرب كما ينبغي عندما يتطلب الأمر ذلك، ومفرنس كما ينبغي عندما تفرض عليه الظروف أن يكون مفرنسا، لكنه اختار الكتابة الروائية باللغة العربية لأسباب كثيرة، رغم أن الكتابة بالفرنسية ليست متعذرة عليه، كما تحيل على ذلك مقالاته المتألقة في بعض الجرائد الوطنية.
إضافة إلى ذلك فإن له معرفة موسوعية لافتة، متشعبة ودقيقة وممنهجة وعقلانية، لكنه لا يحب الظهور كثيرا، وقد يعود ذلك إلى السياق الثقافي العام الذي يشهده البلد، وإلى هذا الخلط الكبير في ظل انهيار القيم الفنية والجمالية وهيمنة الزيف والجماعات الضاغطة التي مسخت الثقافة والكتابة وأصبحت المبتدأ والخبر.
مرزاق بقطاش نموذج فعلي للمثقف، للأخلاق والتواضع واحترام الذات والكرامة البشرية: إنه مرجع حقيقي، سواء اتفقنا معه في طريقته السردية أو لم نتفق، لكنه سيظل دائما قيمة لا يمكن تجاوزها في المشهد الأدبي والثقافي في الجزائر، كما سيظل، من منظوري، أديبا يعرف حدوده وقدراته، ومثقفا نوعيا لا يتنازل عن مواقفه ولا يبيع الخرافات والمسخ والأساطير من أجل تحقيق غايات غير أدبية، كما يحصل في راهننا المعرفي والسردي. كل التقدير والامتنان لهذا المبدع الرائع، لهذه القامة المنسية التي طمستها أعوام الضجيج.

محمد مفلاح/ روائي
من مؤسسي الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية وأثرى حياتنا الثقافية بقراءاته المتنوعة
ارتبط اسم «مرزاق بقطاش» في مخليتي بمجموعته القصصية الموسومة «جراد البحر»، وكان غلافها في طبعتها الأولى تُزينه لوحة مثيرة: أمواج متلاطمة. ومنذ تلك اللحظة تعرفتُ على عالم هذا الكاتب السامق الذي احتل فيه البحر مكانة مميزة، وقد أحببتُ علاقة مبدعنا الكبير بهذا «المخلوق الخرافي» الذي خلده  في رواياته وقصصه الرائعة.
إنه فعلا «فنان مدينة البحر الرجراج» الذي ظل في كل كتاباته، يحمد الله على خلق نعمتيْ القراءة والكتابة، كما ظل مصرا على ممارستهما حتى في الأيام الصعبة التي مر بها. لقد أفنى «بقطاش» كل حياته بين خلوة «القراءة» وعزلة «الكتابة»، فهو يُعد بحق من المثقفين المتصوفة الذين آمنوا بالكلمة الصادقة وخدموها بإخلاص وتحملوا مشاقها بصبر كبير، ولم يلتفت يوما إلى الخلف منتظرا أي اعتراف زائف.
بقطاش من جيل المؤسسين للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، إذ نشر روايته الأولى «طيور في الظهيرة» سنة 1976، وله في السرد العربي بصمته المميزة فهو عاصمي المولد والهوى والإبداع، وهو بالأخص «مراد» ابن البحار، أصيل حاضرة بني مزغنة العريقة، الذي ظل وفيًا لروح مدينته فخلد بأعماله الجميلة أحياءها الشعبية، ورسم هموم سكانها، كبارهم وصغارهم، في أثناء الثورة التحريرية وفي زمن الاستقلال بمختلف مراحله، وقد عشق «بقطاش» بحرها، وانشغل بمصائر البسطاء الذين امتزجت حياتهم بفضاء البحر العجيب الرهيب.
ومن خلال مقالاته «أبجديات» التي كنتُ أٌقرأها في الجرائد والمجلات الوطنية قبل أن تُجمع سنة 2007 في كتاب أنيق، اكتشفتُ عالمه الإنساني المتسامح وفكره المستنير العميق، فهو يكتب بمحبة وبلغة عربية جميلة عن أعلام تراثنا العربي الإسلامي وبخاصة عن رموز الحركية العجيبة التي شهدها القرنان الثالث والرابع من الهجرة، كما ظل يكتب عن أبرز أعلام الثقافة المعاصرة وبخاصة في مجالي الفلسفة والأدب، فأسهم بذلك في التعريف بجل الأدباء العالميين وأثرى حياتنا الثقافية بقراءاته المتنوعة.
فبقطاش يؤمن بالحداثة التي لا مناص منها، ويدعو لها بحماسة وتبصر، وهي حداثة تسند إلى زاد من تراثنا المستنير وإلى معرفة واعية بالذات الجزائرية. وهذا الفهم العميق هو الذي جعله يكتب أعمالا إبداعية وبوعي حاد، ويتجلى هذا باشتغاله على معنى الكتابة وهواجسها ضمن مشروعه الفكري الأصيل، فهو يكتب بصدق ولا يفتعل التيمات الغرائبية جريًا من وراء موضة السراب، ولم يدعِ يوما أنه أبدع لغة متفجرة لم يأت بها الأوائل.
إنه صوت متميز في سيمفونية الرواية الجزائرية التي بدأ عزفها محمد ديب، فلا أحد يشبهه في ساحتنا الثقافية، إذ يُعد من بين الأدباء الكبار الذين خلدوا البحر وأهواله، ومنهم أرنست هيمنغواي وحنا مينا.    
لما التقيت بكاتبنا أول مرة في مدينة برج بوعريرج، وكنت قد كونتُ عنه صورة مثالية من خلال قراءاتي لكتاباته، وكان كما تخيلته: رجل هادئ، طيب، متواضع، ومغرم بالحديث عن الأدب العظيم، وفي هذا اللقاء أبهرني بإطلاعه الواسع على سير الروائيين العالميين وبخاصة كُتاب الأدب الإنجليزي، فكان يسرد أدق التفاصيل عن سيرهم وأعمالهم أيضا، وفي بعض الأحيان يذكر لي جملة أو فقرة كاملة من رواية وباللغة الإنجليزية التي كان يتقنها إلى جانب اللغة الفرنسية. ورغم سيطرته على اللغة الأجنبية فلم يكتب بها أي عمل إبداعي، وظل وفيًا للكتابة بالعربية. ولقائي به، كان بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال الجبان، ورغم آثار هذا الحدث المروع فقد ظل كاتبنا مصرا على القراءة والكتابة، مواصلا سيره في درب الفكر والإبداع المحفوف بكل المخاطر.
أما عن موقف بعض المنتقدين لرواياته بسبب انتمائه إلى الواقعية، مدرسة كبار الأدباء، ورغم مرارة هذا الانتقاد، فلم يتوقف أديبنا الكبير عن التدفق الإبداعي. ولو اهتم كل روائي جزائري بالحفر في «البحر» الذي يعرف ذاكرته وأعماقه، كما فعل بقطاش، لقدمنا للأدب العربي والعالمي رواية مميزة بروائحها المتنوعة تنوع جغرافيا هذا الوطن القارة.
رائعة جدا التفاتتكم التكريمية إلى هذا الكبير في زمن الجحود. وهي في نظري التفاتة إلى أبنائه الخالدين وهم «طيور في الظهيرة»، و»البزاة»، و»عزوز الكبران»، و»دم الغزال»، و»خويا دحمان»، وغيرها من الأعمال الإبداعية. أطال الله عمر خويا مرزاق العزيز الصبور الذي أحب العيش في عالم القراءة والكتابة، فأحببناه لذلك.  

ذلك الذي فـقـد البحر..

قصة بقلم: مرزاق بقطاش
أومأت إليه برأسي أن نعم دون أن أنزل من السيارة. لم يقل كلمة واحدة، بل قام بتؤدة من المقعد الحجري في الحديقة العمومية الواسعة. تعود طيلة عقود أن يستريح في نفس المكان لبعض الوقت مع أصحابه من أهل البحر. ودعوته إلى أن يركب إلى جانبي. كان وحيدا على غير عادته في ذلك الأصيل. عندما يصعد من الميناء، يتناول بعض الشاي ويدخن عددا من السجائر دون أن يطيل الكلام مع رفاقه. كل من يريد مقابلته يتعين عليه أن يبحث عنه في ثلاثة أماكن: في عرض البحر، أو في هذه الحديقة،  أو في المقهى العتيق المطل على أميرالية البحر. البحارة من أمثاله يحبون احتساء القهوة والشاي والثرثرة، ثم ينصرفون إلى أعمالهم، أو هم يعودون إلى ديارهم.
الطيور التي تأوي إلى أشجار هذه الحديقة كل أصيل تثير الآن عجيجا متقطعا قبل أن تنام وتعاود الارتحال في الصباح الباكر من اليوم التالي. هناك تشابه كبير بينها وبين أهل البحر في هذه الحياة. هم أيضا يفعلون نفس الشيء، ولكن دونما صخب أو عجيج. تلك عادة عمي الحسين منذ عام 1922، أي منذ يفاعته. ولعله ورث عادات البحارة الأوائل، أولئك الذين كانت أميرالية البحر تزدهي بهم. يتجمعون فيها قبل أن يكون لهذه الحديقة وجود. وينتظر الواحد منهم هذه السفينة أو تلك قبل الارتحال صوب البحر العريض للتجارة أو للدفاع عن الجزائر المحروسة أو لخدمة حجاج بيت الله الحرام. كانوا يقومون بذلك على متون السفن الشراعية، في مبدإ الأمر، ثم السفن البخارية التي حلت محلها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
لم يتوقف عمي الحسين عن الإبحار بالرغم من أنه تجاوز السبعين عاما. عندما لا يجد سفينة أجنبية يرتحل على متنها، يفضل أن يخرج على متن قاربه المشدود إلى الأميرالية. غايته هي السفن الأوربية الراسية خارج الميناء لكي يتبادل مع بحارتها بعض السلع أو السجائر، أو لكي ينقلهم من تلك السفن إلى رصيف المرسى. وهو في العادة يقدم لهم بعض ما يحتاجونه من معلومات عن الجزائر المحروسة. ثم يبحرون فرادى أو جماعات في تضاعيف المدينة على هواهم. أهل البحر لا ينافسونه في هذه التجارة المربحة لأنه يتكلم عددا من لغات أهل البحر، وينطق بالإنجليزية مثل الإنجليز والأمريكيين، ولا يجد أية صعوبة في التفاهم مع البحارة الذين عاشرهم أكثر من خمسين عاما في مختلف موانئ الدنيا. وكثيرا ما يعود بعد هذه الصفقات السريعة بعدد من السراويل والقمصان والقبعات الأمريكية ومختلف أنواع السجائر والأجبان. بل إنه يعود أحيانا محملا بعلب الكافيار. قبل بضع سنوات، عاد إلى الدار بمطرح مبطن بالريش أعجب أمه كثيرا، ومنذ ذلك الحين وهي تنام عليه. هو نفس المطرح الذي ارتحلت عليه إلى العالم الآخر في تلك العشية.
لم ينزل إلى المرسى في هذا اليوم. عرفت بعد ذلك من صديقه الحميم، عبد الرحمن أنه وقف في الصباح قبالة الأميرالية يتأمل حركة البحر وعمال الأرصفة، ويسترق النظر بين الحين والآخر إلى قاربه المربوط في قلب الأميرالية. قلبه لم يحدثه بالخروج صوب السفن الراسية في خليج الجزائر. ظل سحابة نهاره ينتظر من يقول له إن والدته على وشك الرحيل أو هي ارتحلت نهائيا. غادر الدار في الصباح الباكر بعد أن ألقى نظرة عليها، وحين لاحظ أنها غائبة عن الوعي، لم يتناول قهوة، لا، ولا هو دخن سيجارته الأولى. وضع قبعته على رأسه وانطلق صوب أميرالية البحر ماشيا على غير عادته.
تزوج عمي مرتين بعد أن شارف الستين عاما، وطلق في المرتين كلتيهما. كيف لإنسان مثله أن يستقر، ولو لبعض الوقت، في مكان واحد وقد أمضى حياته كلها وهو يقفز من سفينة إلى أخرى، ويجوب بحار الدنيا؟ قال لي مرة أنا لست قوقعة بحرية تسكن صخرة ولا تبارحها إلى الأبد! من ليفربول إلى هوستون إلى ميناء سان بيدرو في كاليفورنيا، إلى يوكوهاما في اليابان، إلى جزر هاواي في المحيط الهادي، إلى ولنجتون في أقصى الكرة الأرضية! ويعود في كل مرة محملا ببعض الحاجات التي يوزعها على أفراد العائلة أو يهديها لبعض أصحابه. وتـنـتـهره والدته في كل مرة: يدك مثقوبة، يا الحسين!. لا يكاد يجني فرنكا حتى يبذره في الحانات أو في جهة أخرى. ميزته الأولى والأخيرة هي أنه يحب سمكا معينا هو كلب البحر. يعود من أرباض المرسى وقد تعتعه السكر، ويأمرني، وهو يدس بعض الدراهم في جيبي: اذهب بسرعة إلى سوق "جامع اليهود"، وجئني بقطع من كلب البحر! ويعمل هو بنفسه على تنقية السمك، ثم يطبخه بطريقة لا يعرفها إلا هو، مكثرا من الطماطم والفلفل الحار، ويدخن عددا من السجائر وهو ينصت إلى  الإذاعات البريطانية والأمريكية متابعا أخبار الدنيا، وأخبار الحروب بوجه خاص.
مضى عليه أسبوع كامل دون أن يفتح الرادبو. راديو والدته هو الذي يشغل باله. يتابع أخباره وهو بعيد عنه. وفي المساء، يهبط من غرفته الواقعة في سطح الدار، وينظر إليها نظرة فيها الكثير من الحيرة والتساؤلات، ثم يمضي الليل بطوله وهو ينفث دخان سجائره الأمريكية. هل كان ينتظر أن تدب الحياة فيها من جديد وتعود إليها عافيتها المعروفة عنها؟ يقول لي بنبرة من الحنان: لقد عملت أكثر مما يلزم في حياتها هذه. زوجت أبناءها وبناتها، ونقلت الكثير من الحجارة والرمل لكي تبني هذه الدار. وكانت شديدة الشفقة بالرغم من خشونتها في التعامل مع بعض الناس!
عندما شارفنا الدار، توقف بضع ثوان في الطريق، ثم قال بصوت عذب لم أعهده فيه: أتدري، يا ابن أخي؟ أمي مثل البحر العريض تماما. وها أنذا أفتقد هذا البحر إلى الأبد!
لم تفصح عيناه عن شيء في تلك اللحظات اللهم سوى عما يشبه الضياع. هو ضياع في عرض البحر المحيط هذه المرة. بل هو أشد وطأة من ذلك الذي عرفه عام 1953 مع صاحبه عبد الرحمن وبعض البحارة الأوربيين الذين كانوا معه. بين يدي الآن صورته وقد نجا من الموت بالقرب من جزر الآزور في المحيط الأطلسي. في تلك الصائفة اصطدمت السفينة التي يعمل على متنها بجبل ثلجي عائم انزلق من "غرولاند" في الشمال. عينان مشعتان، ووقفة تتحدى كل شيء، بما في ذلك الموت. أما الآن، فقد حل رماد الحيرة محل ذلك البريق.
عمي الحسين أصغر الإخوة، وليس له من موئل آخر سوى الدار التي بنتها والدته قبل أكثر من خمسين عاما. يعود إليها بعد أن يضرب طولا وعرضا في محيطات الدنيا. وأعجب ما فيه هو أنه ظل يخاطب والدته باللغة الأمازيغية. لم ينس هذه اللغة بالرغم من أنه أتقن عددا من لغات البحر. في كلامه مع والدته حب عميق. يعرف كيف يختار كلماته، كيف يهادنها إن اشتدت عليه. ينأى عنها بضع دقائق، ثم يعود إليها متوددا وكأنه ما يزال في صباه الأول. وتفهمه هي، تعرف حركاته وسكناته وما يجول في خاطره، لأنها لم تلده فحسب، بل عايشته في جميع حالاته النفسية، بما فيها تلك التي يجد فيها نفسه تحت وطأة السكر الشديد.
حياته كلها تتلخص في خط منكسر ينطلق من الدار إلى البحر والعكس. فهو إما على متن سفينة تشق عباب المحيط، أو في بعض الحانات التي يختلف إليها بالقرب من أميرالية الميناء، أو في أحد موانئ الدنيا. وفيما عدا ذلك لا ينصت إلى غناء ولا إلى موسيقى. قالت لي عمتي ذات يوم إنه كان في شبابه الأول يحب غناء السيدة "طيطمة"، مطربة الفن الحوزي الأندلسي.
حين دخلنا الدار، وقعت عيناه على جمع من الجارات اللواتي بلغهن خبر موت والدته. لم يدخل إلى الغرفة التي سجيت فيها. لم يجرؤ على ذلك وهو الذي تجرأ على الأمواج والطوافين وضربات الشمس في المحيط الهندي وعلى الجبال الصقيعية بين مضيق بيهرينغ وشواطىء اسكندنافيا والنرويج وغرولاند، بل، وعلى فصيل الإعدام الذي نجا منه في اللحظة الأخيرة عام 1940. جلس على طرف الحاجز الإسمنتي الذي يفصل ما بين صحن الدار والحديقة الصغيرة. أولى ظهره لغرفة والدته، وامتنع عن الصعود إلى السطح حيث توجد غرفته. لم يشعل سيجارة، بل نظر صوب نقطة ما من مدخل الدار، وأمضى بضع دقائق على هذا النحو. ثم ها هو ينفجر باكيا. اقتربت منه عمتي، وكانت أصغر منه سنا، وقالت له: أنا هنا يا خويا الحسين! وإذا به يتوقف عن البكاء. لم يبال بالنسوة اللواتي رحن يحدقن فيه، إذ ما أقل ما وقعت أعينهن عليه بفعل غيباته الطويلة المتكررة في البحر.
قلت في نفسي وأنا أجلس بالقرب منه عند بداية السلالم المفضية إلى السطح: لعله يتمنى الآن أن لو استقبلته والدته ببعض الصفعات على قفاه. وكدت أضحك لولا أنه نظر إلي وطلب مني أن أجيئه بفنجان قهوة. استذكرت ما روته لي جدتي. قالت لي إنها هبطت نحو المرسى ذات يوم من عام 1922، لتستقبله بصفعات على وجهه وقفاه بعد أن غامر لأول مرة في البحر، وانطلق على متن سفينة أمريكية نحو الإسكندرية. استلمته من قائد السفينة التي عاد على متنها وهي تدرك في قرارة نفسها أن البحر سيكون عالمه إلى آخر أيامه. أما هو فإنه استلذ ضرباتها تلك. وعندما كبر، امتنعت عن الوقوف في وجهه كلما حمل كيسه الخشن من الكتان ونزل صوب الميناء. واكتفت بتوجيه اللوم له، وبانتزاع النقود التي في جيبه حتى لا يبذرها في حانة من الحانات.
المرة الأولى التي رأيت فيها عمي يبكي كانت عندما عاد من إفريقيا الشرقية. كان على متن سفينة سويدية مبحرة إلى أندونيسيا، وأصيب بمرض الزحار. نقل من زنجبار إلى عبدان في إيران، ومنها إلى أثينا، فمرسيليا، فالجزائر العاصمة. جسده تداعى كلية بفعل المرض. شق عليه أن يموت بعيدا عن والدته وعن بلده. بكى بكاءً حارا لم تفهم معناه إلا والدته على الرغم من أنها شارفت المائة عام. أما أنا فقد استغربت أن ينفجر بمثل ذلك البكاء لأنني تعودت أن أرى فيه إنسانا قوي الشكيمة، لا يتواضع لأحد في هذه الدنيا حتى وإن تعين عليه أن يواجه فصيل الإعدام بعد أن ضرب محافظ شرطة فرنسي في ميناء عنابة عام 1940.
عندما انتصف الليل، هبط من السطح نزولا عند رغبة عمتي، ودخل غرفة والدته. خشيت هي عليه أن ينفجر باكيا، لذلك لم تتركه وحده. نظر إلى جثمان والدته المسجى، وحدق مليا في صدرها، وخرج وهو يفرك يديه. تلك هي عادته، وهي عادة ورثها عن والدته منذ الصغر عندما كانت ترى شيئا يزعجها. سمعته عندئذ يقول وهو يعاود صعود السلالم: الله يرحمك يا أمى! الله يرحمك، أيها البحر العريض!.

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com