يسعى منتجون جزائريون لتسخير إمكانياتهم لصناعة أفلام متحركة تلائم الثقافة الجزائرية بعاداتها وقيمها، وتنافس على صعيد دولي لجذب مستثمرين إلى المجال، مستغلين توجه الشباب والأطفال نحوها فضلا عن تطور التقنيات الحديثة في الرسم والتحريك.
إيناس كبير
وتدخل صناعة الأفلام المتحركة في الجزائر مرحلة جديدة، بعد أن تغيرت النظرة إليها بظهور جيل متأثر بالمانغا وأفلام الأنيمي اليابانية، ومنفتح على التجارب الجديدة، خصوصا وأن المنصات الإلكترونية مكنت من ظهور مواهب شابة في صناعة ألعاب «الفيديو»، وفقا لما رصدته النصر من حسابات يختص أصحابها في التصميم ثلاثي الأبعاد، وصناعة الفيديو تنشط على منصة «تيك توك»، مثل نموذج شائع للعبة مستوحاة من أحداث الثورة الجزائرية.
وبحسب ما أوضحه مؤلف الفيلم المتحرك «رسائل اللقلق» عبد الباسط عمورة، فإن هذا المجال يمكن أن يذر أموالا طائلة على الاقتصاد الوطني إذا وجد الدعم الكافي.
توجد أفلام تحريك موجهة للكبار
وعلى خلاف النظرة المنتشرة عن أفلام التحريك أوضح عمورة، أنه يوجد منها نوع عائلي موجه للراشدين، ويكون ذو رسالة واضحة تحمل عبرة تُقدم للمتلقي بأسلوب مباشر، لكن النمطية التي تطغى على صورة هذه الأفلام المتحركة في الجزائر تعد عائقا أمام جذب المستثمرين إلى المجال.
وأضح بأن الأغلبية تعتقد أن الفيلم التحريكي موجه للأطفال فقط في حين أنه ينافس في «البوكس أوفيس العالمي» للأفلام السينمائية ويحصد جوائز أوسكار، ولذلك وجب علينا كما قال أن نجدد ونحين طريقة تفكيرنا فيما يتعلق بقيمة أفلام التحريك أو « الأنيميشن»، ولابد أن يمس هذا التغيير عدة مستويات تتدخل في تحديد قيمة الأعمال و تصحيح النظرة إليها بما في ذلك لجان التحكيم في المهرجانات التي تعنى بصناعة الأفلام عموما.
وعن فيلم «رسائل اللقلق»، الذي أُنتج في «استوديو سيفار»، والحائز على أربع جوائز وطنية وجائزة عالمية، فضلا عن مشاركته في مهرجانات دولية، قال إنه يتضمن رسالة تحفيزية حول شعلة الأمل وعلو الهمة والثقة بالنفس والقدرات الدفينة.
وبحسبه، فإن هذه الأفكار جُسدت في قصة طفل من ذوي الهمم تحلى بالثقة في نفسه وقدراته على الكتابة، وعن طريق رسائل كان يكتبها لطائر لقلق اتخذ من شجرة قريبة لنافذته بيتا له، استطاع الصغير تحقيق أحلامه وتغيير واقعه والتغلب على الوحدة التي كان يعاني منها بالرغم من إعاقته.
وقد حاول المؤلف دراسة الفئة المستهدفة أثناء التحضير للسيناريو وتوسيع دائرتها لتجذب أكبر عدد ممكن من أطفال و مراهقين وشباب، كما أوضح علما أن فكرة العمل بسيطة، مع توظيف جانب من العمق حتى يستميل الشباب والمراهقين أيضا ويؤثر فيهم ليستخرجوا منه العبر.
وقال عمورة، إنه عازم على المضي في مجال صناعة الأفلام المتحركة فقد قدم ثلاثة سيناريوهات جاهزة سيعمل عليها مع «استوديو سيفار»، فضلا عنه أنه بصدد التواصل مع فريق إنتاج من تونس للشروع في العمل معه قريبا، كما قدم مقترحات لمخرجين من الجزائر.
تاريخ الجزائر ثري بالأفكار
وفي تعليق له حول الاقتباس من الثقافة الجزائرية، في أفلام متحركة أجنبية، مثل الفيلم الفرنسي الذي انتشر مؤخرا حول قصبة الجزائر، قال عمورة إن هذا راجع إلى تشبع المجال بـ»الأنيمي» فالإنتاجات اليابانية والعالمية وفقا له، تسير بوتيرة كبيرة ما دفع بعض الشركات والمنتجين إلى التوجه نحو ثقافات أخرى غنية يغيب أهلها عن ساحة صناعة الأفلام المتحركة، وتجهل خلفيتهم الثقافية فضلا عن لباسهم ومواقعهم الأثرية والسياحية، مشيرا إلى أن توظيف الهوية البصرية الجزائرية أتاح لصناع العمل المذكور تمرير عدة رسائل تشكل خطرا على الهوية وأفكار الملتقي.
ويرى المتحدث، أن الإنتاج الجزائري يملك فرصة كبيرة للتفوق في مجال الأفلام التحريكية التي تعبر عن المجتمع، بتوظيف حضارة البلد وتاريخه الضارب في العصور، وأنه قادر على المنافسة على المستوى العالمي ويُغني عن استقبال أعمال أجنبية بثقافات لا تتناسب وأعراف المجتمع وقال، إن صناعة الأفلام المتحركة والسينمائية عموما تعد ميدانا استراتيجيا عائداته كبيرة جدا وتكاليفه غير مرهقة، وذكر بأن اليابان تحقق حوالي 180 مليار دولار سنويا من إنتاج «المانغا» وألعاب «الفيديو».
وعن التجربة الجزائرية في صناعة «الأنيمي»، أوضح بأن العملية ككل يجب أن تمر بمراحل أساسية مثل طباعة كتب مصورة مرفقة بتعليقات وكتابات جانبية، وعند نجاحها تُحول إلى رسوم متحركة، بالإضافة إلى أن وتيرة إنتاج حلقات هذه الأعمال الترفيهية يجب أن تكون كبيرة للدخول في السوق، مع توفر فريق عمل كبير ومحترف، وكذا الحصول على تمويل جيد لأن نجاح الحلقة الواحدة يفرض إنجاز حلقات أخرى في وقت محدود وهذا ما لا يتوفر في الجزائر.
موضحا، أن السبب في هذا التأخر هو غياب الاستثمار الذي يعد تحديا كبيرا، ولذلك فإن إنتاج فيلم بسيط من عشر دقائق يتطلب مدة تفوق سنة كاملة، ومن جملة التحديات أيضا، نقص العتاد مثل اللوحات الرقمية الجرافيكية للرسم الرقمي، وقد أشار المتحدث إلى أنهم في «استوديو سيفار» يستخدمون معداتهم الخاصة كما يحاولون في كل مرة توفير أجهزة أكثر دقة لتقديم رسم احترافي، مضيفا بأنهم أيضا يكونون فريقا احتياطيا يساهم في الرسم والتحريك.
مستقبل صناعة الأفلام المتحركة غامض في الجزائر
من جانبه، اعتبر المخرج العمل عنتر دعدوش، الرسوم المتحركة أداة فنية لغرس القيم لدى الجيل الصاعد، وهو ما عملوا عليه في فيلم «رسائل اللقلق» المجسد من طرف شباب مبدعين جمعهم حب الفن والشغف بالمجال.
وقال في هذا السياق، إن المواهب موجودة خصوصا في مجالات الرسم والتحريك والدبلجة، لكنها مبعثرة وغير مصقولة وتحتاج لمن يرسم لها الطريق.
كما تطرق المخرج، للإنتاج الجزائري الذي أكد بأنه منعدم، وأعقب قائلا « مستقبل صناعة الأفلام التحريكية غامض جدا»، وأرجع ذلك إلى صعوبة تقنيات إنجازها وجهل معظم المنتجين والمخرجين بها، بالإضافة إلى الجهد الكبير الذي تتطلبه والوقت.
مشيرا أيضا، إلى أنها تحتاج إمكانيات وموارد كبيرة، ناهيك عن غياب سوق يسمح للمنتجين بعرض وبيع أعمالهم، الأمر الذي يمنع كذلك استغلال الألعاب الإلكترونية، خصوصا وأن قصص بعضها يمكن أن تُحول إلى أفلام تحريكية، ونبه إلى ضرورة الاهتمام بهذا المورد في ظل اتجاه الشباب نحوه واستغلال الثورة التي واكبت ظهور ألعاب الموبايل.
وفي حديثه عن إمكانية توظيف تطورات الذكاء الاصطناعي في مجال صناعة الأفلام التحريكية، يرى المتحدث أن هذه التقنية ما تزال بعيدة جدا، فرغم قدرتها على إنشاء مقاطع فيديو لكنها لا تستطيع إلى حد الآن إنتاج رسوم متحركة في المستوى، خصوصا مع تطور الأفلام ثلاثية الأبعاد التي تقدمها «الاستوديوهات العالمية كـ«ديزني»، و«دريم وورك»، والموجة الجديدة التي تتجه نحوها «المانغا» و«الأنيمي».
كما كشف المخرج عنتر دعدوش، عن طموح لإنتاج فيلم طويل وضخم حول شخصية تاريخية جزائرية، لكنه حلم مرهون بغياب التمويل يشكل عائقا لهم، بالإضافة إلى عملهم على بعض المشاريع التجارية الصغيرة، وفيلم قصير.
إ.ك