الثلاثاء 8 أفريل 2025 الموافق لـ 9 شوال 1446
Accueil Top Pub

استخدام المنصات التكنولوجية لاستقطاب الأجيال الجديدة: استراتيجيات حديثة لتقديم المادة التاريخية


أصبح الاهتمام بالمعارف التاريخية مهما خصوصا في العصر الحالي أين تعمد التقنيات الرقمية إلى تغيير الحقائق والتلاعب بها، وبالنظر إلى خصوصية الجيل الجديد الذي «يستثقل» المجالات المرتبطة بالعلوم الإنسانية ويجدها معقدة، يبتكر مهتمون بالتاريخ أساليب حديثة لتبسيط هذا المجال وتقديمه إما في شكل محتوى تثقيفي على «يوتيوب»، أو من خلال إنشاء نواد مدرسية تُنشط فيها مسابقات فكرية تُعرف بشخصيات تاريخية وتكون قاعدتهم المعرفية.

إيناس كبير

يستبدل كل من صانع المحتوى والمهتم بالتاريخ مصطفى جغلال، وأستاذة مادة التاريخ في طور المتوسط، شروق مسعودي، الأساليب التقليدية في تقديم المعلومات التاريخية على غرار التلقين، والتركيز على معلومات مكررة ووضعها في قالب جاف، بأخرى حديثة تساعد الجيل الجديد على استيعابها وترسيخها في الذاكرة، وذلك من خلال توظيف تقنيات تدخل أساسا ضمن ميولات التلاميذ، على غرار المنافسة من خلال المسابقات التي تُعد متنفسا لهم. وتبسط المعلومات التاريخية كذلك، بتوظيف وسائل التكنولوجية الحديثة مثل السرد القصصي عبر مقاطع فيديو قصيرة، والنشر على «يوتيوب»، والجرافيكس وغيرها، وهي أساليب يرى المعنيان أنه بإمكانها تغيير النظرة إلى مادة التاريخ وزيادة الاهتمام بها والتعمق أكثر في تفاصيلها.
تلاميذ يعتمدون على يوتيوب في إنجاز واجباتهم المدرسية
يوظف صانع المحتوى والمهتم بالتاريخ مصطفى جغلال، مهاراته في التعليق الصوتي وبأسلوب يجمع بين الإبداع والجدية، يجذب تلاميذ إلى قناته «الحكواتي» على «يوتيوب» التي يشترك بها حوالي 2000 متابع. وقد أكد، في وقت سابق على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن أغلب جمهور قناته من تلاميذ التعليم المتوسط الذين يستعينون بفيديوهاته التاريخية في إنجاز واجباتهم المدرسية
و تتوفر القناة على سير ذاتية قصيرة ومبسطة عن شخصيات صنعت أمجاد الشعب الجزائري كالعربي بن مهيدي، ومصطفى بن بولعيد، والأمير عبد القادر، وأخرى قد يلتقون بها لأول مرة مثل «فرانز فانون»، أبو القاسم سعد الله، وعبد الحميد مهري.
ولا يكتفي مصطفى بهذا فحسب، بل يتحدث أيضا عن محطات مهمة من التاريخ الإسلامي مثلما جاء في «فيديو» معركة حطين وفتح بيت المقدس، ويتطرق إلى المقاومة الجزائرية على غرار حديثه عن «مقاومة المقراني والشيخ الحداد».وقال صانع المحتوى للنصر، إن التلاميذ يُطالبون أحيانا بإنجاز تعبير كتابي عن بعض الشخصيات أو الأحداث التاريخية، فيجدون ضالتهم في قناته خصوصا وأن المقالات والأفلام الوثائقية تكون إما طويلة أو معقدة بعض الشيء بالنسبة لهم، ولا تشرح المعلومة بطريقة مباشرة وبسيطة. ويحاول من خلال أعماله المنشورة تقديم المعارف التاريخية على أبسط وجه ممكن، وسردها بطريقة مباشرة ومتسلسلة.يعرض صانع المحتوى تاريخ ومكان ميلاد الشخصية، ثم نشأتها، بعدها نقطة التحول في حياتها، إلى غاية الوصول إلى وفاتها، كما يحرص على أن يكون الصوت واضحا وصافيا، والمونتاج جيدا، وهي كلها عوامل يرى بأنها تشد انتباه المشاهد من الدقيقة الأولى.وبسبب قلة القنوات الجزائرية على «يوتيوب» المختصة في هذا المجال، خصوصا التي تتحدث عن أحداث تاريخية جزائرية، أو شخصيات يجهل البعض سيرها تماما، فإن قناته تركز على تسليط الضوء على هذا المحتوى، وتقديمه للجيل الجديد ليأخذ التلاميذ فكرة عنه خصوصا الشخصيات العظيمة، أو الأحداث المهمة التي لا يُعرف الكثير عنها وبالتالي تحفيز التلميذ على الاطلاع والتعمق أكثر في البحث، فالمقاطع القصيرة وفقا له، ممهدة للانتقال إلى مشاهدة الوثائقيات الطويلة. أما بخصوص المصادر التاريخية التي يعتمد عليها، أوضح مصطفى أنها تكون حساسة جدا أحيانا خصوصا عندما تتعارض فيما بينها، لذلك فإنه يميل إلى أكثرها دقة وخبرة، وذكر الكتب التاريخية، ورسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، وبعض المقالات المنشورة على مواقع موثوقة، ويستعين أيضا بأفلام وثائقية تناولت الموضوع ذاته.
ومن الأعمال التي اعتبرها مهمة، أشار إلى سلسلة عن تاريخ فلسطين من العصر القديم إلى العصر الحديث، رافق من خلالها أحداث «طوفان الأقصى»، حيث كان يقدم معلومات تتناول قضايا ومحطات تاريخية مختلفة، وقد وصفها صانع المحتوى والمهتم بالتاريخ، بأنها «أفضل أعماله».وأوضح، أنه عرض من خلالها الموضوع بطريقة بسيطة وموجهة للأطفال حتى يكون لهم علم بتاريخ القضية، وكذا «فيديو» « كرونولوجيا حراك 2019»، الذي يعتبره من بين الأعمال القليلة جدا على الساحة التي تناولت الموضوع بالترتيب.
ويرى مصطفى، أن جذب الجيل الجديد للتاريخ مهم لأنه يعزز هويته وفهمه للماضي، مما يساعده على بناء مستقبل أكثر وعيًا، وتحقيق ذلك يكون وفقا له، من خلال تبسيط المحتوى التاريخي، واستخدام منصات مثل «يوتيوب» لتقديمه بأسلوب مشوق يجمع بين السرد البسيط، والتقنيات الحديثة كـ»الفيديوهات» القصيرة و»الجرافيكس».
نادي رواد التاريخ يبني جيلا مدركا لتاريخه
خلال الأسبوع الأول من بداية السنة الدراسية، اقترحت أستاذ مادة الاجتماعيات، بمتوسطة الإخوة حمدي لحسن والعربي ببليدية الشهبونية، ولاية المدية، شروق مسعودي، إنشاء نادي «رواد التاريخ»، الذي يهدف إلى تنشئة جيل واع ومدرك لتاريخه خصوصا الوطني، من خلال إقامة أنشطة متنوعة.
وذكرت الأستاذة، إقامة المعارض التاريخيّة مثل معرض بمناسبة إحياء ذكرى اندلاع ثورة أول نوفمبر، تخللته مسابقة حول أحسن عمل إبداعي معبر عن الحدث، وكذلك إقامة المسابقات الفكرية الثقافية التاريخيّة بين الأقسام بتقسيم التلاميذ إلى مجموعات، متكونّة من خمسة أعضاء يجيبون على أسئلة تاريخية تقدّم إليهم خلال مدة زمنية معينّة، لينتهي الأمر بترشّح مجموعة واحدة عن كل قسم لتنافس بقية المجموعات من الأقسام الأخرى ذات المستوى الواحد، حيث يتحصلّ الفائزون على جوائز تحفيزية.وأشارت أيضا، إلى تنشيط المسرحيات وتخصيص فرق إنشادية وهذا ما يعمل عليه النادي في هذه الأيّام ويسعى لتحضيره.
وقد لاحظت الأستاذة تغيرا كبيرا على تلاميذها بفضل انضمامهم للنادي الفكري التاريخي، كما لمست تأثيرا إيجابيا على تحصيلهم الدراسي في مادتها وجعلتهم يهتمون أكثر بها ويركزون مع تفاصيلها سواء خلال الدرس، أو عبر متابعتهم لصفحة النادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تكون منشوراتها في شكل أسئلة ثقافية مرتبطة بالدروس المقدمة داخل القسم، ليُكرم صاحب الإجابة الصحيحة بهدايا رمزية، وهو ما يجعل التلاميذ يتنافسون فيما بينهم لمراجعة المادة وفقا لها، وبمجرد وصول الفرض أو الامتحان لا يحتاجون وقتا كبيرا لتحضير أنفسهم.
كما غير النادي نظرة التلاميذ إلى مادة التاريخ وقربها منهم، تقول الأستاذة مؤكدة أنه فتح لهم المجال لتوسيع فكرهم التاريخي، وأصبحوا يبحثون أكثر ويستفسرون حول الأحداث والشخصيات، ويترقبّون الأيام الوطنية بحماس للقيام بأنشطة.
هكذا نجلب الاهتمام بمادة التاريخ
وتأسفت أستاذة مادة الاجتماعيات، بخصوص نفور الجيل الجديد من مادة التاريخ، حيث ترى أن ذلك راجعا إلى عدم إدراك الشباب لجوهرها الأصلي، لذلك تسعى بطرق مختلفة إلى إبراز أهميتها وتغيير الصورة النمطية عنها، وعقبت شروق، أن جذب التلميذ وتبسيط المعلومة له أهم من تلقينه إياها ليتحصل على نقاط جيدة في الامتحان. ومن الاستراتيجيات التعليمية الإبداعية التي تعتمد عليها، ذكرت «كسر الجليد» وقد أخبرتنا أنها عندما تدخل إلى القسم تقف على المصطبة وتطرح أسئلة بطريقة مشوقة مثل «هل تعلمون أصل طبق «القرنطيطة؟»، أو أصل بعض الكلمات في اللهجة الجزائرية، أو تشوقهم لمعرفة «إخوتنا في كاليفورنيا»، وتربط الفكرة مباشرة بموضوع الدرس. وتضيف، أنها في بعض الأحيان لا تطرح سؤالا وإنّما تقدم لهم معلومة تاريخية وعلقت:»بعض التلاميذ اعتادوا على الأمر وأصبحوا في كل حصة يبحثون عن معلومات أكثر». كما تطرقت إلى استراتيجيات أخرى مثل «استراتيجيات التعلم النشط التي تطبقها خلال سير الدرس كالقيام بمسرحية حول حدث معيّن، وغالبية المسرحيات تكون مفاجئة.وقالت، إنها تتفق مع اثنين أو ثلاثة من التلاميذ يمثلون مشهدا بينما يعبر زملاؤهم عنه، بالإضافة إلى « استراتيجية الكلمات المبعثرة» بحيث يرتبّها التلميذ ويكوّنون جملة تاريخيّة ذات معنى، أما عن أهم استراتيجية ذكرتها فهي «استراتيجية الصور» التي تفضلها كثيرا في عملها، ففي مرّات عدّة تحضر جهاز الحاسوب، وتعرض من خلاله صورا مختلفة متعلقة بالدرس ثم تنتقي تلميذا يصف الصورة بطريقته، ويحاول بقية زملائه كشف الكلمة المفتاحية التي يريد إيصالها إليهم، وأوضحت أن هذه الطريقة زادت من نشاط التلاميذ وعمقت تفكيرهم.كما أطلقت على كل قسم تشرف عليه اسم شخصية جزائرية كان لها تأثير، بهدف ردّ الاعتبار لهذه الشخصيات وتعريف التلاميذ بها وبإنجازاتها، واختارت المفكر مالك ابن نبي رحمه الله، ومصطفى بن بولعيد، وحسيبة بن بوعلي، وعمار ياسف، والشيخ البشير الابراهيمي، والشيخ العربي التبسي. وأعقبت، أنها لم تتوقع مدى تأثير هذا الأمر البسيط، فهم أصبحوا يبحثون في كل مرة عن الشخصية التي سمّي قسمهم باسمها، والبعض قدّم بحوثا مكتوبة حولها، بعدما كانت جهولة لديهم.
وحول الأمر أفادت الأستاذة، أن التلاميذ يحبون الإسقاطات على الواقع وكلما رُبط ماضيهم بحاضرهم كلما زاد لديهم استيعاب الفكرة والتفاعل معها، لذلك تحاول من خلال المواضيع التي تتطرق إليها وضع هذه الصورة المقارنة بين الحدث وحدث يشبهه في الواقع، مركزة على الأسباب والنتائج، وهل استفدنا من الأخطاء أم مازلنا نسير بنفس النهج. وقالت :»على سبيل المثال في درس التنظيم الإداري والسياسي للدولة الجزائرية الحديثة، عالجت معهم في الوضعية مشكلة الانطلاقة والأوضاع العامّة في العالم خلال العصر الحديث، وظروف الغرب المسيحي والشرق الإسلامي أنداك، ووصلنا بالحديث إلى سقوط الأندلس، وكيف بقي المسلمون فيها ثمانية قرون لتندثر بعدها حضارتهم وكأنها لم تكن، ثم استخلصنا سوية أن التاريخ يعيد نفسه فقط تغير المكان والزمن». كما تستغل شروق نقاشاتها مع تلاميذها لتصحيح بعض المعلومات التاريخية المغلوطة، وتغيير كثير من المفاهيم الخاطئة لديهم خاصّة ما تعلّق منها بالتاريخ الإسلامي الإسلامي عامّة والوطني خاصّة.وأفادت، أن التلاميذ يتقبلون الفكرة ويندفعون بشغف لمعرفة الحقيقة كما تكلفهم بإنجاز بحوث عن المعلومات الجديدة التي تلقوها وجلب معلومات مفصلة ليتناقشوا فيها.كما تنصحهم أيضا بمشاهدة فيديوهات وثائقية على «يوتيوب»، وكذلك بعض القنوات والصفحات الموجودة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي والتي تقدّم معلومات تاريخيّة مبسطة ومفهومة واعتبرت الأستاذة، مادة التاريخ ماتعة لأنها مرتبطة بماضي الشعوب وحاضرها ومستقبلها، لذلك فإن التلميذ بحسبها يحتاج إلى أستاذ ذكي حيوي ونشط، منفرد بأسلوبه يعرف كيف يجذبه من خلال تطبيقه لاستراتيجيات جديدة تتماشى مع عقلية الجيل الجديد، ولا يحصر فكرة في أساليب التعليم القديمة، والتجديد والإبداع اللذين ينميان لدى التلاميذ. وأردفت، أنهم يحتاجون أيضا إلى كتب تحتوي على أسئلة تحليلية تدفعهم إلى البحث وتنشيط أذهانهم، وتبني لديهم معرفة متينة أساسها التفكير النقدي، خصوصا وأن أغلب الكتب، وفقا لها، مشبعة بكمّ معلوماتي هائل من صور وسندات، تشتت تفكير القارئ وتجعله يكتفي بها فقط.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com