الثلاثاء 25 فبراير 2025 الموافق لـ 26 شعبان 1446
Accueil Top Pub

إلى أي حــد استفــــادت الدرامـا مـن الروايـــة؟

تتزايد المسلسلات والدراما التّلفزيونيّة، التي تُعرض على وفي مُختلف الشاشات والفضائيات المحلية والعربية، وتختلف في مستوياتها الفنّية والإخراجية وكذا في مستوى النصوص والسيناريوهات. وهناك بعض الأعمال التي تتكئ على الأعمال الأدبية لكِبار الكُتّاب، حيثُ تستثمر في نصوصهم ورواياتهم وتقتبس منها، وقد شهدنا الكثير من المسلسلات العربية المُقتبسة من روايات وأعمال أدبية عربية. وهذا ما يدفع لطرح العديد من الأسئلة عن ثنائية الرواية والدراما، وهل نجحت الدراما العربية في اِقتباس الأعمال الأدبية العربية واِستثمارها فنيًا وتقديمها للمشاهد العربي، دون أن تُخل بالسّياق العام للعمل الأدبي. وهل نجحت هذه الدراما بفضل النص الروائي/ أو النص القصصي العربي؟ أيضا هل قدمت إضافة لهذه الأعمال الأدبية وساهمت -مثلاً- في اِنتشارها أكثر أو التعريف بها بشكلٍ أكثف وأوسع؟ وما مدى الإضافات التي قدمها كلُّ طرفٍ للآخر؟ أسئلة كثيرة تُطرح/ويتم طرحها حول ثنائية الإبداع والتكامل والاِستلهام والاستثمار بين الرواية والدراما التّلفزيونيّة في الساحة الأدبية والفنّية الجزائرية والعربية.

أعدت الملف: نـوّارة لحـرش

واليوم يفتحُ "كراس الثقافة" لهذا الأسبوع ملف العدد للحديث عن هذه الإشكالية ومناقشتها مع مجموعة من الكُتّاب والنقاد.

* الروائي والكاتب المسرحي محمّد الأمين بن ربيع
العلاقة بين الرواية والدراما قائمة على تبادل المنفعة
حول هذا الشأن، يقول الروائي والكاتب المسرحي، محمّد الأمين بن ربيع: "شكّلت الرواية العربية مادة أولى للكثير من الأعمال الإبداعية، فقد اِقتبس صُنّاع الدراما والسينما والمسرح النصوص الروائية وحولوها إلى أعمالٍ فرجوية. ولأنّ الرواية مادة طيعة في يد من يعرف كيف يقتبسها راح صُنّاع الدراما يبحثون عن النصوص الروائية التي يمكن اِقتباسها إلى الشاشة الصغيرة".
وأردفَ: "بل لم يخلُ موسم رمضاني من مسلسل مُقتبس من رواية ما، وقد حقَّقَت بعض تلك المسلسلات نجاحًا غَطى على نجاح الرواية أو على الأقل ذَكَّرَ المشاهدين بها، فكان من الجليّ أنّ العلاقة بين الرواية والدراما علاقة قائمة على تبادل المنفعة، فالرواية تقدّم للشاشة نصًّا قابلاً للاِقتباس، في حين يُقدم المسلسل للرواية حياةً جديدة يُوقعها سيناريست العمل ومُخرجه".
وفي ذات السّياق، واصل قائلاً: "يذكر مُحبو الدراما، رمضان 2001 حين قَدَمَ المُخرج أحمد صقر رواية نجيب محفوظ "حديث الصباح والمساء" في شكل مسلسل حَقَّقَ نجاحًا مدويًا حينها ولا يزال نجاحه مُستمرًا حتى بعد مرور سنوات على عرضه، قارئ الرواية ومشاهد المسلسل سيدرك حتمًا أنّ العملين مُختلفان فقد قَدَمَ المُخرج رؤية مُختلفة عن تلك التي كانت في الرواية، التي اِعتمدت على أسلوب غير نمطي حيثُ كتبها الروائي اِعتمادًا على السجلات الشخصية، في حين كان المسلسل أكثر تفصيلاً في تقديم الحبكة الدرامية، ورغم أنّ الرواية ليست أهمّ روايات محفوظ إلاّ أنّها بعد عرض المسلسل صارت من أكثر رواياته مقروئيةً".
بن ربيع، أضاف مُستدركاً: "إذا كانت روايات نجيب محفوظ من أكثر الأعمال الروائية جذبًا لصُنّاع الدراما إذ أحصى التلفزيون المصري إنتاج روايات كثيرة للروائي، فبالإضافة إلى (حديث الصباح والمساء) تابع المشاهد العربي قبله (خان الخليلي) و(بين القصرين)، و(الحرافيش) وبعده (أفراح القبة)، فإنّ هناك روايات لروائيين عرب تَمَ اِقتباسها إلى شاشة التلفزيون وحقَّقت نجاحًا لا يقل عن نجاح المسلسلات المُقتبسة عن روايات محفوظ".
وهنا أردف: "قد نذكر في هذا المقام رواية (لن أعيش في جلباب أبي) للروائي إحسان عبد القدوس التي أخرجها إلى التلفزيون أحمد محرم في مسلسل بالعنوان نفسه، ومسلسل "بنت اِسمها ذات" المُقتبس من رواية "ذات" لصنع الله إبراهيم، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المسلسلات وغيرها من الأعمال الدرامية قَرّبت النصوص الأصلية إلى المشاهد ومكّنته من أن يعيش داخل أحداثها ويقترب من شخصياتها ويُعايش أحداثها، وأخرجت الروايات من دائرة قُرّاء الرواية إلى دائرة أوسع شملت قُرّاء الرواية وغيرهم".
وفي ذات المعطى، واصل قائلاً: "وإذا اِبتعدنا عن الدراما المصرية إلى الدراما السورية سنجد بعض المسلسلات الناجحة التي اُقتبست من روايات هامة كمسلسل (نهاية رجل شجاع) المُقتبس من رواية حنا مينا، ومسلسل (أسعد الوراق) المُقتبس من رواية (الله والفقر) وكلا المسلسلين حَقَّقا نجاحًا كبيرًا وقت عرضهما".
أمّا الدراما الخليجية فقد كان لها أيضاً نصيبٌ من الاِقتباس -حسب ذات المُتحدّث-، حيثُ حُوّلت (ساق البامبو) لسعود السنعوسي إلى مسلسل بالعنوان نفسه سنة 2016.
غَير أنّ هذا الإقبال على اِقتباس الروايات العربية -كما يقول- لا يمكن أن نجد له مثيلاً في الجزائر. مؤكداً في ختام كلامه: "..فبعد أن اِقتبس مصطفى بديع (الدار الكبيرة) و(الحريق) لم نُشاهد مُسلسلاً جزائريًا مُقتبسًا من رواية، مِمَّا يعني أنّ هناك عزوفًا من صُنّاع الدراما الجزائرية عن الاِقتباس، وقد يرجع ذلك إلى أسباب تتعلق بالتكلفة الإنتاجية أو بضعف القدرة على الاِقتباس، كما قد يعود إلى جهل المُنتجين بأهمية النصوص الروائية".

* الكاتب والناقد محمّد بن زيان
الكثير من الأعمال القوية كانت مرتكزة على نصوص أدبية
يؤكد الكاتب والناقد محمّد بن زيان أن: " أهم عمل درامي جزائري، في سبعينيات القرن الماضي، عنوانه (الحريق) إخراج الراحل مصطفى بديع، كان مُقتبسًا من عمل روائي لمحمّد ديب، والكثير من الأعمال القوية سينمائيًا ودراميًا عربيًا وعالميًا، كانت مُرتكزة على مرجعية نصوص أدبية".
لكن لكلّ حقل -حسب رأيه- خصوصياته والدراما كصياغة لها تقنياتها ورؤية صُنّاعها. والرواية مهما كانت قوية ليست ضمانًا لتفوق درامي، فالنص الروائي لَمَا يحوّل دراميًا تُعاد صياغته وكتابته الدرامية التي قد يتعاضد فيها السناريست وكاتب الحوار.
فالرواية -كما يُضيف المُتحدّث- نصٌ للقراءة، أمّا الدراما فموجهة للمشاهدة ولكلّ تلقي خصائصه وأيضا مستوياته.
وهنا أردفَ: "النص المكتوب روائيًا كلمات والعرض الدرامي مُنجز جماعي تحضر فيه مكونات مشهدية فضاء وديكور وموسيقى وأداء جسدي. الدراما تَبثُ الحركة المشهدية في النص الروائي وقد يكون ذلك تكثيفًا دلاليًا لعالم الرواية وتكون الدراما نوعًا من التلقي المُثمر لرؤية أو تأويل. ولهذا كان نجيب محفوظ يركز على أنّ مسؤوليته ككاتب مُرتبطة بنصه. أمّا ما في الدراما فالمسؤولية ترجع إلى صُنّاعها".
ولقد خدمت الدراما ومعها السينما، -حسب رأيه- الكثير من الروايات التي تضاعف اِنتشارها بعد مُتابعة المتلقين لاِقتباساتها الدرامية والسينمائية.
مُضيفاً في ذات السّياق: "هناك نماذج من نجاحات وأيضًا من إخفاقات اِستثمار الدراما للروايات. والإشكال في الرؤى الإخراجية وفي الصياغة الدرامية. والروايات مستويات وأنواع، منها المُيسّر حبكةً ولغةً للتحوّل إلى منجز درامي وهناك ما يستدعي اِشتغالاً مُكثفًا وعَارفًا. ومربط الفرس في الكتابة الدرامية، يتمثلُ في قدرات ومهارات كُتّاب السيناريو والحوار الذين يُبدعون في اِستلهام وترجمة النص الروائي دراميًا".
وواصل مُستكملاً رأيه: "ومن عناصر التوفيق التفاعل بين الكاتب وصُنّاع الدراما، تفاعلاً كالّذي عرفته الدراما في مصر من شراكة مع كُتّاب مثل إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ونجب محفوظ.. بل أنّ المخرج صلاح أبو سيف سينمائيًا حَفَزَ نجيب محفوظ على التمرس على كتابة السيناريو".
مُشيرًا من جهةٍ أخرى، بأنّ هناك إشكالات في هذا المجال، إذ يقول بهذا الخصوص: "ومن إشكالات الدراما اِرتباطها باِشتراطات سوق وبمواعيد، وهو ما جعل بعض المخرجين والمُنتجين يُفضلون الطُرق السهلة ويتجنبون الاِشتغال على اِستثمار لنص روائي يتطلب جهدًا.. ومن إشكالات الدراما أيضًا، خصوصًا عندنا غياب التواصل بين صُنّاع الدراما والحقل الأدبي وعدم الاِهتمام بتنمية مهارات كُتّاب السيناريو والحوار وإتاحة الفرصة لهم لكي يتنافسوا في صياغات تُعيد الوصل بتجربة مسلسل (الحريق) الرائد".
مُؤكدًا في ذات المعطى، أنّ هناك إشكال مطروح عندنا في الجزائر في الدراما والسينما والمسرح، هو إشكال تغييب مكونات المُعادلة وخصوصًا القطيعة مع النص الروائي.
وخلص إلى القول: "هناك أعمالٌ روائية وقصصية كثيرة، تمتلك مؤهلات الترجمة الدرامية وما يعضّد هذا الرأي أنّ أهم ما أُنتج في الدراما والسينما والمسرح جزائريًا كان مُستمدًا من نصوص سردية مثل مسلسل (الحريق) لمصطفى بديع المُقتبس من رواية محمّد ديب، وفيلم (الأفيون والعصا) لأحمد راشدي المُقتبس من رواية مولود معمري، و(نوة) لعبد العزيز طولبي المُقتبس من نص لطاهر وطار، و(ريح الجنوب) لمحمّد سليم رياض المُقتبس من رواية بن هدوقة...الخ".

* الكاتب والناقد الفني سمير رابح
قليلة هي الروايات التي تمَ اِستثمارها في السمعي البصري
يُؤكد الكاتب والناقد الفني، سمير رابح، أنّ الاِشتغال على تحويل الروايات إلى أعمال سينمائية بدأ منذ مطلع القرن العشرين في العصر الصامت للسينما، وقد عرفت هذه العملية تطوراتٌ كثيرة جعلت من أهم الأعمال الأدبية مجموعة روائع خالدة في تاريخ السينما ثم التلفزيون.
ثم أردف: "في الجزائر على عكس الدراما العربية قليلةٌ هي الروايات التي تَمَ اِستثمارها في السمعي البصري بالرغم من نجاح بعض التجارب كمسلسل (الحريق) للمُبدع الراحل مصطفى بديع والمُقتبس من رائعتي محمّد ديب (دار السبيطار والحريق)".
مُضيفاً في ذات النقطة: "الأعمال السردية لم تعد تحظَى باِهتمام صُنّاع الدراما في الجزائر بالرغم من نجاحاتها واِفتكاكها لجوائز مرموقة على المستوى العربي والعالمي كأعمال ياسمينة خضرة، رشيد بوجدرة، عز الدين جلاوجي، عبد الوهاب عيساوي وآخرون تُرجمت أعمالهم إلى لُغات كثيرة حول العالم وأسالت حبر النُقاد والباحثين في الوطن العربي".
ذات المُتحدّث واصل قائلاً: "العائق الأكبر أمام كُتّاب السيناريو الذين خاضوا هذه التجربة هو عدم توافق رؤيتهم مع الأدباء، وهو ما حصل مثلاً مع السيدة أحلام مستغانمي بعد إنجاز مسلسل (ذاكرة الجسد) الذي لم تكن راضية عنه على مستويات عِدة بدايةً من la scénarisation التي قامت بها ريم حنا، ثم خلافها مع المخرج السوري نجدة إسماعيل أنزور، والخلل في تصوري هو الاِختلاف الكبير بين البنية السردية للرواية والبنية الدرامية للسيناريو".
فتكييف الروايات -يُضيف المُتحدّث- لجعلها تتناسب مع شروط الشاشة يحتاج لتقنيات فنية مُحدّدة، ما قد يتسبب في اِختزال أو تغيير الكثير من السرد فيضيع الخطاب الروائي لصياغة خطاب مرئي وفقًا لقواعد الصناعة السينمائية أو الدرامية.
بمعنى آخر -حسب رأيه دائماً- فإنّ المسألة تخضع لوسائل مُحاكاة مُغايرة، لأنّ إعادة إنتاج خطاب تحكمه قيود أجناسية مُحدّدة إلى أشكال مادية اِظهارية تعتمد الفِعل أكثر من الوصف، والسرد لا يمكن بأي شكل أن يتم اِستنساخ كلّ ما هو موجود في النص الأصلي.
وأرقى هذه التجارب على المستوى العالمي -في تقدير المُتحدّث- هي التي اِعتمدت على ورشة كتابة تجمع السيناريست والروائي والمُعالج الدرامي ما يخلق نوعًا من المُواءمة بين النصّين.
ثم أردف قائلاً: "في الجزائر بالرغم من المشاكل الكثيرة على مستوى السيناريو إلاّ أنّنا لم نعتمد على المُنجز السردي الجزائري الّذي بإمكانه تقديم مواضيع جديدة خارج دائرة الاِستهلاك والتكرار التي تعرفها الدراما الجزائرية لاسيما في العقد الأخير. الأمر الّذي قد يعود إمّا لعزوف صُنّاع الدراما من منتجين ومخرجين وكُتّاب سيناريو عن قراءة الأعمال الروائية، أو لمشاكل إنتاجية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية". مُشيرًا إلى أنّ بعض المشاكل، من ناحية الاِنتشار والمبيعات هي مرتبطة أساسًا بحجم المشروع الإنتاجي فيما يتعلق بالتمويل والميزانية.مؤكدًا من جهةٍ أخرى، أنّ ضخامة العمل الدرامي وحسن تسويقه تُضيف للنصوص المُغمورة والروائيين المغيبين إعلاميًا، بينما من المُمكن أن تكون الرواية هي التي ترفع العمل جماهيريًا إذا ما كان النص قد حقَّقَ مبيعات عالية أو كان لكاتب كبير كما هو الشأن في مسلسل (ذاكرة الجسد) الّذي اِنتظره قُرّاء مستغانمي بشغف كبير، وواضح جدًا أنّ شعبية الروائية ساهمت في اِنتشار العمل.
الأمر نفسه -يُضيف المُتحدّث- حَدَثَ مع المسلسل السوري (عندما تشيخُ الذئاب) المُقتبس من رواية الكاتب الأردني الراحل جمال ناجي والتي حصلت على جائزة البوكر سنة 2010 وحُظيت بشهرة كبيرة روّجت بعد سنوات للمُسلسل الّذي تَمَ تصويره في سوريا بينما العمل الأصلي يتحدث عن تفاصيل الحياة في عمان القديمة بمنطقة جبل التاج.
في الأخير اختتم بقوله: "الأعمال الروائية التي من المُمكن أن تُحقِّق نجاحًا في حال تحويلها لعمل درامي هي تلك الروايات التي يستصيغها المُقتبِس ويُحافظ على دلالاتها ومدلولاتها في الصورة المرئية دون أن يُضيع فكرتها الجوهرية".

* الأكاديمي والناقد علي خفيف
الكتابة الروائية هي التي تـجعل الدراما التلفزيونية والسينما تزدهر
يقول الأكاديمي والناقد الدكتور علي خفيف، من جهته: "تعرف الساحة الفنّية الـجزائريّة والعربيّة اِزدهارًا ملحوظاً في مـجال الدراما التّلفزيونيّة، فعلى الـمستوى العربـي لاحظنا في سنوات ماضية كيف كانت الدراما والـمسلسلات التّاريـخيّة السّوريّة تتطلّع لصناعة مشروع قومي عربي بالعودة إلى رؤيةٍ تاريـخيَّةٍ مُعيّنة، من خلال مسلسلات كالجوارح والكواسر، وغيرها.. كما لا يـخفى على أحد الصدى الإعلامي والثقافي الّذي صنعته السينما الـمصريّة في الترويج الثقافي والسيّاحي لمصر في سنوات السبعينات والثمانينات والتي كانت في مـجملها تتكئ على روايات لكُتّاب كبار كنجيب محفوظ وغيره".
وفي ذات السّياق، أضاف: "يُقال الأمرُ نفسُه على الأثر الفني والثقافي والتاريخي الّذي ما فتئتْ تصنعه الـمسلسلات التّلفزيونيّة والأفلام في الجزائر، ومن أحسن الأمثلة على ذلك الـمسلسلات والأفلام التالية -على سبيل المثال لا الحصر-: الشيخ بوعـمامة، لالّا نسومر، عبد الحميد بن باديس، الـحريق، دوريّة نـحو الشرق، العصا والأفيون، الخارجون عن القانون، ريح الأوراس، ريح الجنوب، مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي، زيغود يوسف، وغيرها..".
ثم أردف: "وبلا شك فإنّ الأعـمال التّلفزيونيّة والسينمائيّة تتكئ غالبًا على الرواية وتستـمِـدُّ منها كثيرًا، ولذلك فإنَّ عدم وجود روايات تاريـخيّة واجتماعيّة بوفرة كافية، يُؤثِّر سلبًا على وتيرة اِزدهار الـمُسلسلات والدراما التّلفزيونيّة وعلى السينما بشكلٍ عام".
وهنا أضاف قائلاً: "ولتوضيح العلاقة بين الكتابة الروائيّة والسينما يـمكن أن نتأمّل الـمثال التالي: شاهدتُ بـمناسبة ستينيّة الاِستقلال فيلـمًا وثائقيّا، عرضه الـمخرج الـجزائري سعيد عولـمي، بقاعة السينيماتيك بـمدينة عنّابة، عنوانه (العودة)، يتناول مأساةً حقيقيّةً، تُعدُّ إحدى أبشع مظاهر جرائم فرنسا في الجزائر، وهي مأساة الـمنفيّين الـجزائريّين إلى كاليدونيا عبر الـمحيط، في رحلةٍ مأساويّة تدوم حوالي ستّة أشهر، في ظروف مناخيّة قاسيّة جدًّا، حيثُ يـموت كثير منهم في الطّريق، وتُرمى جــثَـــثُهم طعامًا لأسماك الـمحيط". وهُنا يستدرك مع سرد مستطرد لبعض التفاصيل: "وأنا أشاهد الفيلمَ الوثائقي، تذكَّرتُ روايةً للكاتب الفلسطيني الشهير غسّان كنفاني، عنوانـها (رجالٌ فـي الشّمس) تدور أحداثها حول مأساة هجرة الفلسطينيين، بعد نكبة 1948، حيثُ اِضطرّ ثلاثة رجال إلـى الـهجرة إلى دول الخليج طلبًا للرزق، ولأنّـهم لا يستطيعون التّنقّل بين الحدود بطريقةٍ نظاميّة، يتمُّ اِستغلالهم من طرف مـهرِّبـي البشر، فينقلهم أحدُ الـمهرِّبين بين دولتيْن متجاورتيْن في شاحنةٍ داخل صهريجٍ (خزّانٍ) مُغلَقٍ، حتّى لا يُــنتبهَ لـهم من طرف حراّس الـمعبر الـحدودي، عندما أوقف الـمهرِّبُ الشّاحنةَ تحت الشّمس الحارقة فـي الـمعبر، لينهي مُعَامَلَـتَه، أمسكه الـحرّاس طويلًا بالحديث والأسئلة، حتى إذا عاد إلى الشّاحنة وجَدَ الثلاثةَ قد فارقوا الحياة اِختناقًا من شدّة الحرّ، فـما كان من الـمهرِّب إلّا أن أوقف الشّاحنة فـي مكان لرمي القمامة، ورمى الجُثثَ هناك، بعد أن أخذ الدراهم من جيوبـهم ونزع السّاعةَ من يد أحدِهم، ليقطع الطّريق ويعود للقيام بـمهـمّة تـهريبٍ أخرى". ذات المُتحدّث، أضاف مُتسائلاً: "عندما تذكّرتُ هذه الرواية التي حُـوِّلَتْ إلـى فيلم كبير ومؤثّر جدًّا، قلتُ إذا كان الكاتب الكبير غسّان كنفاني قد صاغ من هذه الرّحلة التي مُدّتـها عدّة ساعات ومسافتها مئات الكيلومترات، روايةً عالـميَةً تحوّلتْ إلى فيلم كبير، فكم يـمكن للمبدعين الـجزائريين أن يكتبوا من رواية، وينجزوا من فيلَم حول رحلةٍ مأساويّةٍ تـمتدُ حوالي ستّة أشهرٍ على مسافة 22 ألف كيلومتر؟ ألا يـمكن أن تُصاغَ حول كلّ فردٍ من أفراد هذه الرحلة الـمأساويّة -الذين يُعدّون بالآلاف- روايةٌ لتتحوّل إلى دراما تلفزيونيّة خالدة؟".
وفي ذات النقطة واصل قائلاً: "على فكرةٍ، تذكّرتُ أيضًا الـمسلسل الدرامي التّاريخي الشهير (التّغريبة الفلسطينيّة) للكاتب وليد سيف، الّذي أخرجه حاتم علي، وقلتُ في نفسي إنّ الشّتات والتشريد الاِستعماريّ الجماعي مسّ الجزائريين كثيرًا، وبشكل فظيع وشاملٍ، فـلماذا لا يتحوّل ذلك إلى عشرات الروايات والأفلام والـمسلسلات الدّراميّة التي تـحفظ الذّاكرة، وتُعرّي جوانب البشاعة الاِستعماريّة؟".
ومن هذا الـمثال الّذي يمكن أن تُقاس عليه أمثلة كثيرة، -حسب المُتحدّث- يتّضحُ أنّ الكتابةَ الإبداعيّة الروائية هي التي تـجعل الـمسلسلات والدراما التّلفزيونيّة والسينما تزدهر أكثر.إذ يمكن للكُتّاب الجزائريين -حسب رأيه- أن يكتبوا مئات الروايات على أحداث الثورة الـجزائريّة العظيمة، ومئات أخرى على تاريخ الـمقاومات الشعبية الـجزائريّة والجرائم الاِستعمارية الرهيبة، لتتحوّل إلى مئات الأفلام والـمسلسلات التي تُـخلِّدُ الذَّاكرة الوطنيّة..
فالرواية -كما خَلُص إلى القول- وحدها هي التي تؤدّي إلـى اِزدهار السينما، بينما السينما هي التي تـمتلك التأثير الأكبر والاِنتشار الأوسع.

* الكاتب والإعلامي عمار بورويس
هناك عداءٌ واضح بين الرواية والدراما التلفزيونية في الفضاء العربي
يرى الكاتب والإعلامي عمار بورويس، أنّ هناك عداءٌ واضح بين الرواية والدراما التّلفزيونيّة في الفضاء العربي. مُؤكداً أنّ هذه حقيقة لا يمكن نكرانها، برغم وجود تجارب واستثناءات بسيطة وقليلة لا تكاد تُذكر. مُضيفًا في ذات المنوال: "الدراما التّلفزيونيّة العربية تخضع في الغالب إلى مبدأ الربح والخسارة، بوصفها (مشروعًا تجاريًا) ينبغي أن يعود بالفائدة على المُنتج، ولذلك يميلُ المنتجون إلى المواضيع المُثيرة التي تشدُ اِنتباه الجمهور والمُعلنين التجاريين الذين أصبحوا يتحكمون في إنتاج الدراما من كلّ جوانبها".
ومُستدركاً يقول: "الرواية، وإن كانت ناجحة وواسعة الاِنتشار، تتعاطى في الغالب مع مواضيع إنسانية جادة، لا تُناسب روح (الإثارة) التي ينشدها المُنتج والمُعلن التجاري. هناك مسألة مهمة أخرى ينبغي الإشارة إليها، وتتعلق بعلاقة المُخرج أو المُنتج بالرواية".
والواضح -كما يضيف المتحدّث- أن لا أحد منهما يقرأ ما يصدر من روايات على المستوى العربي، لكي يجد نصوصًا تليق أن تنتقل إلى الشاشة الصغيرة، بخلاف علاقة الروائي بالدراما، حيثُ نُلاحظ أنّ الروائي يُتابع ما يبث ويتفاعل معه كثيرًا، مثلما تدل على ذلك الكتابات التي تُنشر هنا وهناك حول الدراما.
ثم يُؤكد قائلاً: "وفي مقامٍ آخر يتفادى المُخرجون والمُنتجون الاِنفتاح على الرواية، تجنبًا للمشاكل مع الرقابة، إذا اِعتبرنا أنّ الرواية غالبًا، هي موقف سياسي".
وفي ذات الفحوى، يضيف: "إنّ أسوأ ما يُريده المُنتج أن يصطدم بعمل فيه رائحة السّياسة، فذلك يؤدي به إلى طريق مسدود وإلى خسائر مالية كبيرة. يقول المخرجون والمنتجون العرب، إنّ وظيفة الدراما هي التسلية، ولذلك ينبغي أن تكون مضامينها هزلية، ساخرة. بمعنى أنّهم جعلوها ضدّ الجد. وهذا فهمٌ خاطئ طبعًا لوظيفة الدراما ولدورها في المجتمع".
وهنا واصل مُوضحًا وجهة نظره: "هناك ظاهرة خاصة بالجزائر وحدها، ويتعلق الأمر بالدراما الرمضانية. فنحن لا نُنتج الدراما خارج إطار الشهر الفضيل إلاّ نادرًا. ولاحظنا خلال السنوات الأخيرة أنّ المُنتج أصبحَ يتحكمُ في المضامين بشكل كلي. كما لاحظنا أيضًا أنّ السيناريوهات المُقترحة كلّ سنة أصبحت تقترب بشكلٍ لافت من قضايا المُجتمع وهمومه، في سباقٍ كبير نحو حشد أكبر عدد من المُتابعين".
غيرَ أنّ القطيعة -حسب رأيه- بقيت قائمة بين الدراما من جهة والرواية من جهة أخرى.
واختتم قائلاً: "لا أعتقد أنّ الرواية الجزائرية ستجد مَنْفَذًا نحو الشاشة الصغيرة في القريب، برغم أنّها وجدت طريقًا، ولو ضيقًا، نحو السينما".

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com