الأربعاء 16 أفريل 2025 الموافق لـ 17 شوال 1446
Accueil Top Pub

تكنولوجيا تعبث بالحمض النووي للأفراد و المجتمعات: «المواطنون الرقميون» جيل ربته الخوارزميات

يعرف الإنسان عن جيله عادة بالفترة الزمنية التي ولد فيها، أو بالظرف الذي نشأ فيه، فإما أن تكون من مواليد الستينيات أو الثمانينيات مثلا، ابن الثورة أو من جيل البناء، بهذه الطريقة كانت قواميس اللغة تضبط تعريف الفرد لجيله، وذلك إلى أن أمطرت الحوسبة السحابية بغزارة على العالم واستنسخت تكنولوجيا الإنترنت رحما رقميا حمل جيلا ربته الخوارزميات.

نور الهدى طابي

بين هذا الجيل و باقي الأجيال الأخرى، التي يمثلها في الغالب الآباء والأجداد، فجوة تكنولوجية وثقافية، واجتماعية، وإنسانية كبيرة اليوم فلكل مجموعة من هؤلاء البشر لسان مختلف تنطق به، وتركيبة نفسية خاصة، مع تباين في النظرة إلى العالم، وطريقة التفاعل الاجتماعي وعيش وفهم التجربة الإنسانية.
جرب مثلا، أن تسأل مراهقا أو شابا يافعا عن نفسه وعن جيله، وستلاحظ أنه لن يقدم نفسه انطلاقا من تاريخ ميلاده، بل سيخبرك بأنه إما « آلفا» أو «زد»، وهكذا سيتعين عليك تحديد الفئة التي يقصدها إن كنت تحفظ التقسيم الأبجدي للأجيال.
ولدت هذه الفئة من سكان الكوكب والمعروفة بـ « زالفا» بين سنوات 1996 إلى يومنا الحالي، وعرفت ذروة نموها الديموغرافي بداية من 2010 إلى غاية 2025، حيث يعتبر أفرادها الأكثر عددا عبر التاريخ وقد نشأت في ظل بيئة رقمية تهمين عليها منتجات التكنولوجيا وتحركها منصات التواصل، والميتافيرس والذكاء الاصطناعي.
أعادت كل هذه المعطيات تعريف العديد من المفاهيم الاجتماعية والثقافية وأوجدت مواطنا رقميا جديدا أكثر اتصالا وتفاعلا، وأقل ارتبطا بالنظم التقليدية التي كانت تشكل مرجعيات أو معايير تحدد شكل الحياة العامة في المجتمعات، بما في ذلك اللغة، والتواصل، والوظائف، والانخراط في القضايا، وكذا المبادئ و القيم المشتركة و غيرها.
ماديون و يشكلون ربع سكان الكوكب
سنة 2022، نشر الباحث في علم الاجتماع، الأسترالي مارك ماكريندل، كتابا عنونه « جيل آلفا»، وذكر فيه بأن دراساته الميدانية بينت بأن هذا الجيل هو الأكبر ديموغرافيا على مر الأزمنة، ويمثل حاليا حوالي ربع سكان الكوكب، حيث يولد له 2.5 مليون طفل كل أسبوع.
أما الباحث في التنمية البشرية دان شاوبيل، فقد أوضح لمجلة « فوربس» الأميركية، أنه وبحسب معايير تحديد فترات ميلاد الأجيال، فإن جميع أفراد هذا الجيل سيكونون قد ولدوا في عام 2025، و سيكون عددهم قد بلغ ملياري شخص عبر العالم.
و يتميز هذا الجيل « زالفا»، وهو مزيج بين الجيلين « آلفا» و» زد»، بأنه متصل، و يتجاوز تفكيره الحدود المتعارف عليها، لأن العولمة التي نشأ في ظلها ألغت العديد من الخصوصيات الثقافية وأنتجت مواطنين رقميين، يفكرون بطريقة مختلفة ويتحركون وفق أنماط غير تقليدية.
واعتبر باحثون في علم الاجتماع في استطلاع نشرته منصة « هافت بوست»، أن خصوصية هذا الجيل تكمن في كونه أكثر انفتاحا على باقي ثقافات ومجتمعات العالم، وهو أيضا أقل عنصرية مقارنة بغيره من الأجيال، كما أن لديه بعض القضايا المشتركة مثل « التغير المناخي» و» الجائحة».
ومن مميزاته أيضا أنه سريع التعلم، و متعدد المهارات وذلك بالنظر إلى توفر المعلومة بشكل سهل ومجاني عبر الإنترنت والامتيازات التي قدمتها التكنولوجيا، على غرار فرصة التعلم الذاتي، فضلا عن ظروف نشأته التي عرفت تحسنا في مستوى الرعاية الصحية وتضاعف فرص التعليم.
تقرير آخر، نشرته مؤسسة «هوت واير آند وايرد كونسلتينغ الأميركية، تحدث عن كون هذا الجيل أكثر مادية مقارنة بغيره، وذلك لأنه كبر في ظل بيئة عرفت تزايدا في مستويات الاستهلاك، مع ظهور ما يعرف بالتسوق الرقمي في السنوات الأخيرة.
كما أن أطفال هذا الجيل امتلكوا الهواتف النقالة و الألواح الرقمية، وتمتعوا بإمكانية استخدام الإنترنت في سن مبكرة، وهو ما لم يحظ به غيرهم من الأفراد في أجيال أخرى، ويترجم هذا التباين بوضوح مفهوم الفجوة التكنولوجية بين هذه الأجيال، وما أفرزه ذلك من اختلاف في القيم والمفاهيم.
ونشرت مجلة «فوربس» عام 2020، في تقرير لها أن 81% من الأطفال دون سن 12 عاما، يؤثرون على مشتريات الأسرة، بما يصل إلى نحو 500 مليار دولار من المشتريات سنويا، مع الإشارة إلى أن معظم خطط التسويق الخاصة بالشركات الكبرى تركز بشكل كبير على هذه الفئة من المستهلكين وتعتبرها « فريستها الأهم» على المديين القريب والبعيد.
جيل هش و غير محظوظ و يعاني من الوحدة !
ورغم أن هناك من يرى بأن هذا الجيل محظوظ لأنه لم يعاني في حياته للحصول على المعلومات والخدمات، ولم يعش الكثير من الأزمات القوية ما عدا أزمة كورونا، فإن دراسة بعنوان « قضية الاتصال» للباحث في علم النفس راين جينكنس نشرت في مجلة « بسيكولوجي توداتي»، بينت أن الجيل « زد» على سبيل الحصر، ليس محظوظ ويعاني من الشعور بالوحدة.
والسبب حسب ما جاء في الدراسة، هو أن هذا الجيل و الجيل «آلفا» الذي تلاه، يعانيان من العزلة الاجتماعية بفعل الاتصال المفرط عبر الإنترنت أين يمكن للفرد القيام بأمور يستحيل عليه ممارستها ضمن سياقات اجتماعية واقعية أو حقيقة.واتضح من خلال البحث أن أبناء هذا الجيل المختلط يواجهون مشاكل حقيقة في تقبل بعض الأمور الحياتية، مثل العمل، و الالتحاق بالوظائف والزواج و تكوين أسرة، لأنهم يتخوفون من التعامل مع الزملاء في أماكن العمل و يفضلون الحرية من كل الالتزامات، كما أنه جيل لا يتحمل الضغط، وتم وصفه بأنه أقرب إلى «زخات الثلج» من حيث الهشاشة وعدم القدرة على مواجهة الحياة الواقعية.
ويصفه عالم النفس الأميركي جونثان هايد، بأنه «جيل يملك معدلات عالية من القلق والاكتئاب والميل إلى إيذاء النفس والانتحار»، حتى إنه عبر عن الوضع الذي يمر به أبناء جيل « زد» في أمريكا بـ « الأزمة الوطنية».
أزمة «الآباء الهليكوبتر»
وأرجع الباحث هذه النتيجة، إلى دراسة علمية سابقة حول ما يعرف بتأثير « الآباء الهيلكوبتر»، ويمثلهم الجيل» إكس» وهم الأفراد الذين ولدوا بين منتصف الستينيات إلى منتصف الثمانينيات».
ويعرف عنهم أنهم يراقبون أبنائهم في كل ما يفعلونه، ويحومون حولهم مثل الطائرة التي تحمل نفس الاسم، وهو مصطلح يطلق اليوم على طريقة التربية التي خضع لها أبناء الجيلين « ألفا» و»زد» الذين يمثلون بدورهم أصغر أبناء الجيل « إكس».
ويتمثل تأثير هؤلاء الأولياء في نوعية الضغوطات غير المباشرة التي يفرضونها على أبنائهم عن غير قصد، والمرتبطة أساسا برغبة مبالغة في حمايتهم وتوجيه حياتهم لعدة أسباب، منها الفرق بين الطبقات الاجتماعية، ومحاولة دفع الأبناء إلى تحقيق إنجازات تتجاوز قدراتهم سواء على المستوى التعليمي، أو فيما يخص المواهب وحتى الرياضة وغيرها.
ناهيك عن المنافسة بين أبناء نفس الجيل ومحاولة تقديم نموذج الطفل المثالي للمجتمع، بمعنى أن الأولياء يدفعون أبنائهم لتحقيق ما عجزوا هم عن بلوغه.
وقد فسر عالم الاجتماع النفسي جوردن بيترسن، هذا الوضع بالقول بأن عدد أفراد الأسرة له علاقة بالرغبة الملحة للأولياء في حماية أبنائهم والضغط عليهم عن دون قصد، لأن الآباء الذين يملكون طفلين إلى ثلاثة فقط، يميلون إلى التركيز بشكل مبالغ فيه على حماية هؤلاء الأبناء وتوجيه مسار حياتهم.
كما أشار الباحث، إلى عامل آخر هو سن الزواج، فالأولياء في السابق كانوا أكثر شبابا وأقل خبرة، مقارنة بالأولياء الحاليين الذين يتزوجون في سن أكبر و ينجبون أول طفل لهم وهم في عمر قد يتعدى الثلاثين وبالتالي فإن هؤلاء الآباء المتحكمين يكونون سببا في هشاشة نفسية وشخصية أبنائهم من الجيلين» زد» و خصوصا « آلفا» والذين يعانون بعد الانفصال عنهم و الاضطرار لمواجهة حياة العمل.
وتحدث نفس الباحث، كذلك عن تأثير أزمة كوفيد 19، مبرزا بأن الشباب من أبناء جيل « زالفا»، قضوا فترة الدراسة الجامعية تقريبا معزولين بسبب الحجر الصحي، وأن الجائحة خلفت لديهم مشاكل تتعلق بالمعاناة من التوتر الزائد والقلق، وهو ما يجعلهم غير قادرين على تقبل ظروف العمل والوظائف، وذلك بعكس الأبناء الذين تحصلوا على تربية مختلفة أقل ضغطا وحماية.
* الباحث في الإعلام الجديد عبد العالي زواغي
المأزق التقني عمق الفجوة بين الأجيال

يقول الكاتب والباحث في مجال الإعلام والإعلام الجديد، الدكتور عبد العالي زواغي، بأن فكرة تقسيم الأجيال وترتيبها أبجديا، جاءت نتيجة للتطورات والتغيرات العميقة والسريعة التي يشهدها العالم في المجال التقني، وما تبعها من تحولات جذرية على المستوى الاجتماعي والثقافي والتواصلي.وقد اتجه العلماء والباحثون حسبه، لا سيما أولئك المنتمين إلى حقل الإعلام والاتصال، إلى إعطاء تقسيمات خاصة بكل جيل لفهم سماته وكيفية تأثره وتأثيره في البيئة التي يحيا في ظلها، وتمييز كل جيل عن الآخر وتحديد سماته والفروقات التي تجعله مختلفا.
فمصطلح الجيل الصامت، يشير باختصار إلى الأشخاص الذين عاشوا قبل بزوغ فجر الثورة الرقمية والتكنولوجية، واعتمدوا بالأساس على الأعمال اليدوية والوسائل التقليدية في حياتهم، وهم عادة الأشخاص الذين ولدوا بين 1928 و 1944. يعرف هذا الجيل أيضا بجيل الراديو، الذي عايش الانعطافات الكبيرة في التاريخ الحديث كالحرب العالمية الثانية، وقبلها فترة الكساد الكبير، وامتاز بكونه جيلا محافظا وملتزما بالقيم والأعراف الاجتماعية السائدة دون الرغبة في تغييرها واستبدالها، والميزة الأخرى التي تعكس التسمية، هي أن هذا الجيل كان تقليديا ميالا للاستقرار ومتجنبا للاحتجاجات والتعبير الصاخب عن آرائه مقارنة بالأجيال التالية.
مرحلة تشكل الرحم الرقمي
أما الجيل «زد» أو «gen Z «، فيعرف أيضا بجيل ما بعد الألفية، أو الجيل الرقمي الأصلي لأنه نشأ في الرحم الرقمي، حيث أسهم التطور التقني في نشأته بشكل كبير، وهم عادة الأفراد الذين ولدوا في الفترة الزمنيّة الممتدة بين 1996-2013، وهو جيل يجمع بين إدراكه للتحولات التكنولوجية الكبيرة واستخدامه لتقنياتها، مع تمسكه بالقيم الحديثة.و ذكر صاحب مؤلف» فخاخ الحداثة وسطوة الشاشات»، أنه من بين أهم مميزات هذا الجيل مواكبة التكنولوجيا والعيش في ظلها، والإقبال على التعليم بالوسائل الحديثة، والانفتاح والتواصل الفعّال مع الآخرين، والحاجة للاهتمام والمشاركة في صنع القرار، فهذا الجيل نشأ مع الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي كنمط حياة يومي، حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أنه يشكل حوالي 27% من سكان العالم، وهو أكثر انخراطا في الحياة السياسية وتأثيرا في الرأي العام، و الأشخاص من هذا الجيل مستفيدون من الفرص التي توفرها التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وهناك أيضا الجيل «ألفاALPHA» وهم الأطفال الذين ولدوا ما بين 2010 و2025، أي أنهم وجدوا أنفسهم يعيشون في بيئة رقمية بالكامل، يتشكلون فيها وبها، وصارت التكنولوجيا والتطبيقات الرقمية والذكاء الاصطناعي ثابتا أساسيا في حياتهم، مما أدى إلى التأثير العميق في طريقة تفكيرهم وتفاعلهم مع أنفسهم ومع الآخرين.
إعادة تعريف العلاقات الإنسانية والحياة الاجتماعية والابتكار والوعي
وقد جاءت هذه التسمية كما أوضح الباحث، ليس فقط كوصف زمني، وإنما للدلالة أيضا على مستقبل آخر أكثر تفردا، سيعاد خلاله تعريف العلاقات الإنسانية وطبيعة الحياة الاجتماعية والابتكار والوعي بشكل مختلف جدا.
ومن المهم أن نشير هنا حسب تعبيره، إلى عامل مهم في تربية هذا الجيل، يلعب دورا حاسما في التأثير عليه، وهو نمط التربية المفرط في الخوف والإحاطة بالحماية الزائدة، حيث يذهب بعض المتخصصين إلى تسميته بجيل «رقائق الثلج Generation Snowflake»»، وهو جيل يبدو «هشا وناعما»، ليس لديه مقدرة على مواجهة الضغوط اليومية وتحمل صعاب الحياة والتعامل مع تعقيدات الواقع.
ويضيف الباحث، بأننا نتحدث كذلك عن فرد يعيش فوق ذلك في عوالم رقمية موازية تضعه في فقاعات، شبيهة بسجون انفرادية، مليئة بالتفاهة و الفساد والفردانية المطلقة، وهي التوليفة التي تجعل عمليات توجيه هذا الجيل وغسل دماغه وحشوه بمختلف الأفكار والقيم المنحرفة، سهلة و مريحة، وكلها عوامل يشترك فيها مع الجيل «زد «، لاسيما الجزء منه الذي ولد في ما بعد الألفية الثانية.
راهنية دائمة في الشاشات
و يعتبر الباحث، بأن التجارب الحياتية والوعي بالواقع تعرض للتآكل بشكل كبير جدا في ظل العصر الرقمي والتقني، مقارنة بما كان عليه الأمر مع أبائنا وأجدادنا، وهذا مرده بالأساس إلى كون الجيل الجديد يعيش راهنية دائمة في الشاشات، و يحيى حاضرا لا أفق له سوى نفسه، ملتحما بجهاز الهاتف النقال الذي أضحى امتدادا لجسده.
كما تنتابه لوثة من الذعر إزاء ابتعاده عن هذا الجهاز، أو ما يسمى في علم النفس الرقمي بظاهرة ،(Nomophobia) أو الخوف المبالغ فيه عند فقدان الفرد لهاتفه النقال، فتراه منكبا على الشاشة والواقع الافتراضي بشراهة زائدة غير آبه لواقعه الحقيقي متجاهلا لمخاطبه الحاضر والماثل أمامه.
ويرجح زواغي، أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي قد قادت إلى كتابة نهاية التجربة الإنسانية، أو لنقل إفقار التجربة المعيشة باستعارة إحدى تعابير الفيلسوف «فلتر بنيامين»، فذوبان الحدود الشعورية، صارت سمة لصيقة بإنسان العصر الرقمي، وسمة ملازمة للواقع الافتراضي كما الواقعي.
تجد هذا الإنسان حسبه، يشارك في تأبينية أو يعلق على منشور وفاة بغير أن يبدي أي مشاعر حزن، ثم يخرج فيجد احتفالا صاخبا ينخرط فيه من أجل الفرجة، أو يضغط زر الإعجاب على صورة احتفال دون أن يحصل على قسط من الفرح النابع من القلب؛ و في غمرة الفرجة، تأتي سيارة تصدم شخصا من بين الحضور، يلتفت إلى المشهد ليستعلم عن الحادث دون أن يتألم بصدق لمقتله، ثم يمضي ليصادف الكثير من المواقف و يمر على عديد المنشورات و يتفاعل معها جميعا بنفس الطريقة.
فتفاعلية الشبكة تمنحنا كما أوضح، أدوات جديدة فعالة لإيجاد المعلومات، والتعبير عن أنفسنا، والتحدث مع الآخرين، كما أنها كذلك تحولنا إلى فئران تجارب نضغط باستمرار على مقابض لنحصل على حبيبات صغيرة من التغذية الاجتماعية أو الفكرية.
وقال الباحث في الإعلام، إن ما نراه هو عقل مستغرق في الوسيلة، وعندما نكون متصلين بالشبكة، غالبا ما نكون غافلين عن كل شيء يجري حولنا، فيتضاءل العالم الحقيقي أثناء معالجتنا لسيل الرموز والمحفزات القادمة عبر أجهزتنا.
* الخبير في الإعلام الآلي و الذكاء الاصطناعي عبد النور بولسنان
خلفيات تجارية وراء التقسيم الأبجدي للأجيال

يوضح الدكتور في الإعلام الآلي والمختص في الذكاء الاصطناعي، عبد النور بولسنان، بأن تقسيم الأجيال يخضع لتأثيرات متعددة، منها ما سمح باستحداث التصنيف لأجل تسهيل عملية البحث العلمي خصوصا في العلوم الاجتماعية، والدراسات التسويقية لأجل استهداف أفضل للمستهلكين.
كما يرتبط التقسيم كذلك حسب الباحث، ببعض النظريات الغربية التي تعنى بدراسة الهوية و التعبير عن الذات من خلال الجيل الذي ينتمي إليه الفرد، علما أن هناك دائما مساحة لإعادة تعريف الجيل أو حتى دمج بعض الأجيال مثلما هو قائم حاليا بين الجيلين زد وآلفا، وكلها أمور نظرية و تحليلية حسبه.
ويقسم المختصون في المجال، الأجيال انطلاقا من جملة من العوامل أبرزها الحقب الزمنية وما تتضمنه من خصوصيات في مختلف المجالات، فالجيل الصامت مثلا واكب الحروب، ومعروف عنه أنه يحترم القواعد والقوانين و السلطة، و من أبرز خصوصياته أنه جيل تقليدي يقدر الاستقرار العائلي.
أما جيل الطفرة فقد تزامن و الانفجار الديموغرافي الكبير و تزايد عدد الولادات، و قد عرف نوعا من الرخاء المعيشي مقارنة بالجيل الذي سبقه.
وفي خانة ثالثة، يأتي الجيل إكس، من 1965 إلى 1985، وتزامن ظهوره مع بداية العولمة، وهو جسر بين الأجيال التقليدية والأجيال التي أتت بعدها مثل جيل الألفية أو «الميلينيالز» MILLENIALS من 1981 إلى 1996، الذي عايش بداية الإنترنت وما يصطلح عليه بالفجوة التكنولوجية.
«آلفا» و الطفرة الإبداعية
ويوضح بولسنان، أن الجيل الحالي من مواليد 2013 إلى غاية الآن هو الجيل «آلفا» الذي ولد في عصر الذكاء الاصطناعي، و من خصوصياته التعلم عن بعد.
ويعتبر هذا الجيل مختلفا جدا وبمثابة طفرة في عالم الإبداع بالنظر إلى فرص التعلم المتاحة، كما أن مرحلة الجائحة أثرت بشكل كبير على حياته و على أسلوب العيش والتواصل عنده، خصوصا مع انفجار استهلاك التكنولوجيا واستخدامات، وهناك عديد التوصيفات والتسميات لهذا الجيل، على غرار جيل الشاشات، أو البلازما، أو جيل اللغة الإنجليزية، أو اللغة الموحدة، ويتميز بفضل ذلك بسهولة في التواصل وعلى نطاق عالمي.
وتعتبر قوة التكنولوجيات، وسرعة التصفح، و الذكاء الاصطناعي و الميتا فيرس والعالم الافتراضي، كلها عوامل سهلت وصول أبناء هذا الجيل إلى المعلومة، وهو امتياز منحه صفة تعدد المهارات وسهولة التعلم والإتقان، فضلا عن تميزه بالقدرة على الإبداع بشكل أكبر.
مع ذلك فإن جيل آلفا، يفتقر للصبر و للقدرة على تطوير تفكير نقدي صحيح، فالتكنولوجيا عند هذا الجيل بديهية، لدرجة أن لغات و عمليات البرمجة صارت مرنة جدا بالنسبة له ولا تحتاج إلى تفكير أعمق أو أعقد، في ظل توفر الموارد المناسبة لمختلف الأعمار بما في ذلك الأطفال، وهو ما يساعد على زيادة دور التجارب الإنسانية المشتركة في ترسيخ الوعي الجمعي بخصوص عديد القضايا المشتركة.
وتطرح في هذا الجانب كذلك، حسب الباحث في الإعلام الآلي و الذكاء الاصطناعي، تساؤلات مستقبلية مهمة تتعلق بطبيعة أطراف التفاعل، فبظهور الذكاء الاصطناعي، لم يعد التبادل المعلوماتي أو تبادل الخبرات يقتصر على الأفراد، أو يتم بين بني البشر فحسب، بل صار التبادل ممكنا بين الإنسان و الآلة.

تأثير التجارب المشتركة في بناء الوعي الجماعي
ويقول بولسنان، بأن انتشار المعلومة على وسائل التواصل الاجتماعي وتوفرها على المنتديات والمجموعات الإلكترونية الضخمة، سمح للفرد من هذا الجيل بالاستفادة من عدة تجارب واهتمامات، بما ساعده على تطوير معرفته ووعيه حول مختلف المواضيع.
أما بالنسبة للمخاطر التي تحيط بأفراد آلفا وخاصة الجيل الأخير، فتشمل بالعموم التأثر بالمحتوى الغير المسؤول، الذي تفرزه النماذج الضخمة وتحديدا النماذج القادمة من الذكاء الاصطناعي، و التي تولد البيانات بشكل يحتمل الشك.
هذا التباين الكبير في ظروف النشأة و استهلاك التكنولوجيا، خلف فجوة كبيرة بين الأجيال حسب الباحث، وهي فجوة ببعدين الأول تكنولوجي و الثاني هوياتي، فمن الناحية التكنولوجية، يعتبر «زالفا» أو الجيل المختلط بين «زد وآلفا» متقاربا في ظروف النشأة، لكنهما معا بعيدين جدا عن الأجيال السابقة، وهو ما أعاد تعريف العديد من المفاهيم الاجتماعية وحتى طرق التواصل، واختلاف الثقافة والمهارات.
مبادئ وقيم المواطنة الرقمية
وينسحب التباين والاختلاف كما أضاف بولسنان، على تشكيل المبادئ والقيم بين المجتمعات السابقة والمجتمعات الحديثة، خصوصا في ظل ظهور عديد المفاهيم الجديدة مثل المواطنة الرقمية.
معلقا، بأن المبادئ سواء كانت تقليدية أو رقمية تظل أمرا هاما جدا لاستمرار المجتمعات وضبط العلاقة بين الأفراد، وبين الأفراد والمؤسسات، فالمواطنة الرقمية حاليا، تفرض على الفرد أن يتحلى بسلوك أخلاقي على الفضاء الرقمي المشترك، ويحترم الخصوصية والأمن الرقميين، وأن تكون له مشاركة مسؤولة ومحترمة على المواقع التواصلية. وحتى بخصوص العمل، فإن المبادئ اختلفت كثيرا مع ظهور المهن الرقمية والعمل عن بعد، أو ما يعرف بـ «الفريلانس» ، لأنه من الصعب اليوم بحسب الباحث، أن تقنع هذه الفئة الشابة بفكرة الالتحاق بالدوام التقليدي، والالتزام بالقوانين و المواثيق التي يفرضها ذلك.
ويوضح المتحدث، أن هناك أيضا جانبا أخلاقيا آخر يتعلق بتلقي المعلومات والأخلاقيات المرتبطة بالتعاطي معها، خصوصا المعلومات المغلوطة و الكاذبة، و المولدة عن طريق الذكاء الاصطناعي، وما لذلك من تأثير على طبيعة التعاطي اجتماعيا، و ردود الفعل و توجيه الرأي العام، واحترام الملكية والخصوصية وغير ذلك.
هـ-ط

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com