الثلاثاء 8 أفريل 2025 الموافق لـ 9 شوال 1446
Accueil Top Pub

حوار رمزي ورسائل الحب و الخصوبة والفرح: رقصــة أولاد نايــل ..شيفـرة الجســد

تتجاوز الرقصة النايلية كونها مجرد حركات فلكلورية لها تأثير على النفس البشرية وتحسين المزاج، فقد أصبحت مع مرور السنوات موروثا ثقافيا يرتبط ارتباطا وثيقا بالحياة اليومية لسكان المنطقة، لأن كل حركة في هذه الرقصة تحمل معنى و تترجم جملة من الأحاسيس.

فارس قريشي

يعتبر الرقص من أقدم طرق التعبير التي عرفتها البشرية، حيث يلقى اهتماما متزايدا ورواجا في العديد من المجتمعات لاسيما في الجزائر التي تشهد تنوعا في الرقص الشعبي، ويختلف الأداء والحركات عموما من منطقة إلى أخرى، وتبرز في منطقة بوسعادة وأولاد نايل بالجلفة الرقصة النايلية الشهيرة، التي يؤديها السكان في جميع مناسباتهم السعيدة كالأعراس، وقد ذاع صيت هذه الرقصة مؤخرا بفعل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، التي تروج لها كنوع من الحوار الجسدي الجميل بين الراقصين الذين يكتب كل واحد منهم رسائل إلى شريكه، من خلال حركات متناغمة تتحدث عن الحب، والخصوبة، والفرح، والشوق وخليط متعدد من المشاعر.
رسائل الحب والخصوبة والفرح
ولا يمكن تحديد فترة زمنية لظهور هذه الرقصة، كونها رمزية لدى أهل المنطقة، يتم تناقلها من جيل إلى جيل عن طريق التقليد، حيث عادة ما تكون حاضرة في لحظات الفرح والسرور، فالرقصة النايلية حالة شعورية تترجم في حركات تضخ كثيرا من الطاقة الإيجابية التي يتميز بها أولاد نايل ببوسعادة والجلفة ومنطقة الحضنة عموما.
الرقص في المنطقة طريقة للتعبير عن النفس، سواء بالنسبة للرجل أو للمرأة، حيت تحمل الحركات على اختلافها رسائل متعددة، فيكون الرقص هنا بمثابة حوار مشفر لا يفك رموزه سوى من يعرف حقيقة الرقصة ومعنى كل حركة، وهو أمر ليس بالصعب لأن هذا الفلكلور الشعبي يعتبر جزءا لا يتجزأ من هوية المنطقة، حيث يتوارثه الأجيال عن طريق الممارسة، لأن الرقصة عادة ما تكون حاضرة في كل مناسبات الفرح، خصوصا في الأعراس أين يجتمع المدعوون في ساحة مفتوحة تسمى « الرحبة»، وهناك يقوم كل واحد بإبراز إمكانياته في القيام بحركات يمكنها أن تجذب انتباه الطرف الآخر.
ويمتاز الرقص الشعبي في منطقة الحضنة عموما، والرقصة النايلية تحديدا، بالرشاقة والجمال والقوة معا وذلك بالنسبة للرجل، إضافة إلى حسن المظهر الذي يضمنه اللباس التقليدي، أما بالنسبة للمرأة فهي رقصة تعبيرية تبعث العديد من الرسائل والإشارات، بل هي محاولات للإغواء وإثارة الفضول لاستقطاب الرجل المرغوب.
حالة شعورية للتعبير عن الذات الإنسانية
ويرى مهتمون بالرقص الشعبي، أن الرقصة النايلية مدرسة في حد ذاتها تحتاج إلى الكثير من الاهتمام من قبل الباحثين في الأنثروبولوجيا وغيرها من التخصصات التي يمكنها أن تساعد الناس في التعرف على هذا الموروث الثقافي.
فرقة « السعادة للرقص النايلي»
سنة 1968، أسس محمد بوضياف عضو الديوان المحلي للسياحة ببوسعادة، فرقة « السعادة للرقص النايلي»، وكان هدفه من ذلك حسب خذير لقوي، الرئيس الحالي للفرقة، تعريف السياح بماهية التعابير الشعبية والثقافية للمنطقة، وقد كانت المجموعة تنشط كثيرا على مستوى فندق ترانزات ( كردادة حاليا )أين اشتهرت جدا وحققت النجاح وبالتالي ساهمت في انتشار الرقصة.
ويوضح محدثنا، أن ما يميز الرقص النايلي عن بقية أنواع الرقص الشعبي في الجزائر، هو أن الرجل يستطيع أثناء تأدية الرقصة أن يلامس  يد المرأة، سواء ملامسة الرجل لزوجته أو ابنته أو محارمه.
مضيفا، أن الرقص النايلي والقبائلي يلتقيان في ميزة مشتركة بينهما، حيث يتم أداء الرقصتين بين مجموعة من الأفراد، وتعبر حركات اليد أثناء أداء الرقصة النايلية عن مجموعة من المعاني والإشارات والرسائل التي تبعث إلى الطرف الأخر. وهي عبارات ترمز إلى الحب والسمو وتلميح من المرأة إلى الرجل بأنه باستطاعتها تحمل مشقات ومسؤوليات الحياة الزوجية، وقدرتها على العيش في جميع الظروف وأن تصون العشرة الطيبة مع شريكها طيلة العمر.

وأما الرجل فيبادلها بحركات مختلفة ردا على طلبها، حيث ترمز كل حركة تصدر منه إلى معنى ومدلول معين، عن طريق تحريك اليدين والرجلين في وضعيات مختلفة، ليوصل مراده ويرد على طلبها بالقبول أو الامتناع والرفض.      
وأشار خيذر لقوي، في لقاء مع النصر، إلى أن الرجل النايلي في هذه الرقصة يقوم برفع مشط القدم قليلا، أما المرأة فتكون قدمها أقل ارتفاعا من ذلك لتلامس الأرض تقريبا، وهي ما يطلق عليها « التعليل «، فالمرأة بطبعها خفيفة الحركة وسريعة كما عبر، بينما تكون حركة الرجل غالبا ثقيلة وهو ما يحقق التوازن بينهما أثناء أداء الرقصة بشكل ثنائي، أو بصفة جماعية.
بين التناسق والانسجام و التنافس
وتمتاز الرقصة النايلية كذلك، بأن  روعتها وجمالها لا يكتملان ما لم تؤدى ثنائية تجمع الرجال والنساء معا، ليحدث التناسق والانسجام وحتى التنافس أحيانا، وهو ما يثير انتباه المشاهدين ويزيدهم متعة.
ويؤكد المتحدث، أن للرقصة النايلية مميزات كثيرة تختلف من منطقة إلى أخرى، رغم أنها رقصة تنتمي إلى نفس الجغرافيا، وذلك على اعتبار أن قبيلة أولاد نايل تشغل مساحة كبيرة من الجزائر ويتوزع أهلها على العديد من ولايات الوطن.
مشيرا، إلى أنه كراقص محترف اكتسب معارفه من التعلم والبحث وذلك لشغفه بالرقص منذ كان صبيا، حيث أراد دائما اكتشاف أسرار هذه المحاكاة الجسدية الجميلة، وقد أرجع الفضل كذلك للسيد محمد بوضياف مؤسس ديوان السياحية ببوسعادة الذي علمه الكثير كما قال.
وتنقسم الرقصة النايلية حسبه إلى أنواع، هي الرقصة البوسعادية ويطلق عليها رقصة السعداوي، وعرفت نسبة لشخص اسمه « سعد «، حيث يروى بأنه كان معزوما إلى عرس في يوم، وهناك أدى رقصة لفتت انتباه الحضور، فأطلقوا عليها تسمية رقصة السعداوي، أو سعد كثير الحركة.
وهناك «رقصة سبسب»، وتختلف عنها في الأداء والإيقاع الموسيقي، وكذا «رقصة عين الشرفة»، و»رقصة المجدلي»، و»القايدي» و»الفرجاوي» و»الصوري»، وهناك رقصة خاصة بالنساء فقط وهي رقصة « الحبيب»، والتي تؤديها النساء فيما بينهن فقط، حيث يتنافسن في إبراز أنوثتهن وجمالهن.
وهناك رقصة « العودة «، ويتم أداؤها ثنائيا أو رباعيا أو سداسيا بتساوي بين الراقصين من رجال ونساء، وهي عبارة عن ترويض الفارس لفرسه وتتضمن مجموعة من الحركات التي تؤدى جماعيا.
جمال الأزياء وإيقاع «الغياطة»
وعرج رئيس فرقة السعادة للرقص النايلي، إلى الآلات المستعملة في تحديد إيقاع الرقصة، والأنغام التي يجب أن تضبط نسق الحركات حيث لا يمكن حسبه، أن ينجح الإيقاع دون وجود آلة « الغايطة «، هي نوعان من «السباعي» و»العشاري»، إضافة إلى «البندير، والطبل، والقصبة» ومن دون هذه الآلات تصبح الرقصة النايلية عرجاء ولا يمكن أن تستوي وتحدث اضطرابا في النغم الذي يجعل الراقص يؤدي الحركات بشكل صحيح.
ومن أهم مميزات الرقص الشعبي أو النايلي تحديدا، اللباس التقليدي الذي يعد شيئا جوهريا بالنسبة للرجل الراقص، ويتعلق الأمر بالطربوش على الرأس، وكذا « المريول « وهو قميص طويل يضاف إليه معطف دون ذراعين، فضلا عن السروال العربي، والبرنوس المنسوج من شعر البعير، كما يرتدي الرجل أيضا حذاء خاصا يساعده على أداء الرقصة برشاقة وخفة وهو ما يسمى بـ « الريحية «.
يحمل الراقص كذلك، الدبوس أو البندقية ويضع الموس البوسعادي على الخصر كرمز للفحولة والشجاعة والقوة، وهذه جملة من الخصائص التي لا بد أن تتوفر في الرجل النايلي.
أما المرأة فلها لباس خاص بها ويتمثل في « قندورة « تتم خياطتها على شكل طائرة على مستوى الصدر، تغطي مفاتنها و تستر جزءا كبيرا من جسدها.
كما تضع على رأسها « لوقا « و» العصابة «، لتخفي شعرها أثناء الرقص، وتستعمل غطاء للوجه حتى لا يستطيع الرجال التعرف عليها وتمييزها عن بقية النساء، حيث تخفي ملامحها كليا، ولكنها تتزين مقابل ذلك بحلي من الذهب أو الفضة، حيث ترتدي المرأة النايلية على رأسها ما يسمى «بالجبين» وهي قطعة فضية تقليدية مخصصة لمقدمة الرأس.
وترتدي في أذنها أقراطا تسمى « المشرف «، مصنوعة من المعدن الأصفر أو الفضة، تدخل في القرط ضفائرها كنوع من الزينة، أو يمكن أن تتدلى منه سلاسل من المعادن الثمينة لتصل إلى رقبتها، وتكمل إطلالتها بـ «اللويزات» أو «الخناقي «، وبعدها تقوم بوضع مادة العنبر

والجوهر على صدرها، ثم تلف حزامها الفضي أو الذهبي على خصرها مع حزام من مادة الصوف يسمى « البثرور «.
تضع السيدة في رجلها «الخلخال البورنة»، وهي حلية تصدر صوتا تلبسها للفت انتباه الرجل كي يفسح لها الطريق، أما حذاؤها فيسمى كذلك بـ « الريحية « ويكون بلون أحمر، وقد تغنى به العديد من الفنانين من المنطقة، حيث يصنف حذاء المرأة النايلية ضمن أهم مغريات الرجل انطلاقا من لونه القاني.
«ريش النعام» على رؤوس النساء
رغم التشابه الكبير بين حركات وأزياء النساء في الجلفة وبوسعادة، إلا أن هناك تفاصيل معينة تصنع الفرق، ففي بوسعادة تزين المرأة رأسها بـ» ريش النعام « وهي ريشة يطلق عليها في المنطقة اسم « النزورة «، يعتقد أنها تجلب الحظ السعيد وتبعد الحسد والعين، وتميز كل امرأة عن بقية الراقصات حين يلتقين في المكان ذاته.
ويرى خذير لقوي، أن الحفاظ على هذا الموروث الشعبي ممكن جدا ما لم تطرأ عليه تغييرات مقصودة في محاولة  لتحديث وتطوير الرقصة النايلية، محذرا من أن ذلك من شأنه أن يمس بعمق الرقصة التي يتم الترويج كثير مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أنها دخلت «الترند» بين أبناء الجالية في الخارج، وقد لوحظ اهتمام كبير بها و بالزي التقليدي المرافق لها في أعراس المغتربين، لكن العديد من الفيديوهات تظهر أداءها بشكل خاطئ.
واعتبر المتحدث، أنه من المهم جدا العمل على تثمين هذا التراث وحمايته، لأنه كان دائما ملهما للأهالي و المستشرقين أيضا، ففي سنة 1879، قاد الباحث في الأنثروبولوجيا « شارل درقالون «، مجموعة مستشرقين ألفوا بعد زيارتهم إلى مناطق عين الحجل، وسيدي عيسى و بوسعادة، والمسيلة مجموعة من الكتب حول العادات و التقاليد، ومن بينها الرقص الشعبي، وتتوفر معلومات عديدة من الموضوع حسبه، في كتاب لهم يحمل عنوان « رحلة «، حيث تضمن العمل بحثا في الموسيقى والرقص و تعريفا بالرقص الشعبي النايلي.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com