الثلاثاء 21 جانفي 2025 الموافق لـ 21 رجب 1446
Accueil Top Pub

يعيدون للقطع القديمة قيمتها الفنية: مهتمـون بالتــراث يصونــون الذاكــــرة

تقاوم الصناعات التقليدية العصرنة من خلال عرضها لجماليات التفاصيل المميزة، وطرق التشكيل الحرفية اليدوية، حيث تلتقي أصابع الإنسان بمواد طبيعية يُطوعها ويخرج منها تحفا تدل على فنه وبراعته، سواء تعلق الأمر بالألبسة، أو الأواني المنزلية، أو أدوات يحتاجها في حياته اليومية، ورغم تراجع الطلب على مثل هذه المنتجات ذات الطابع الشعبي إلا أن هناك حرفيين ومهتمين بالتراث يعملون على إطالة عمر تواجدها و توريثها للأجيال الجديدة.

إيناس كبير

تشهد كل قطعة على علاقة الإنسان بالطبيعة التي مثلت منذ القدم مصدرا أساسيا لرزقه، لأنها قدمت له المواد التي أعاد تشكيلها واستغلالها ليصنع منها أدوات ووسائل تساعده في حياته اليومية، فحول الخشب إلى تحف و جلود الحيوانات ووبرها وصوفها إلى ألبسة تحميه وتعبر عنه وتعكس ثقافته.
ودخلت الحرف التقليدية، أو المهارات اليدوية في قائمة التراث، لأنها تمثل جانبا من ثقافة الشعوب، وشواهد مادية على مختلف الحضارات التي مرت عليها، كما تشير إلى الحياة الاجتماعية، والتنوع الثقافي، وطرق التجارة والحالة الاقتصادية آنذاك، مثلما هو الحال في الجزائر أين تحتفظ المصنوعات الخزفية على سبيل الحصر بجزء من تاريخها، وكذا الزي التقليدي فـ"فالقشابية" مثلا، زي رجالي تقليدي يرمز للهوية الوطنية، ويحكي عن جزء مهم من تاريخها الثوري وقصة الرجال الذين صنعوه.
غير أن هذه الصناعات تكافح اليوم على أكثر من جبهة، بعدما تم تعويضها بما بوفرته التكنولوجيات الحديثة من بدائل، و تخلي أكثر العاملين في هذا القطاع عن مهنهم التقليدية بحثا عن مصادر للرزق تكون أوفر وأيسر، خصوصا وأن هذه الحرف اليدوية تتطلب جهدا كبيرا.

مقابل ذلك يأبى أوفياء "الصنعة" التفريط في هذه القطع الأثرية، متشبثين بماضيهم رافضين اندثار الصناعات التقليدية، ومصرين على الاستمرار في إبرازها كجزء من الهوية الثقافية وكمخزون تراثي تزخر به البلاد، مثلما هو الحال مع السيدة ذهبية سوداني، حرفية متخصصة في صناعة "القشابية"، وإبراهيم لازري هاوي جامع الآثار القديمة، وأمين عام جمعية أصدقاء المتحف الوطني، اللَّذين التقت بهما النصر مؤخرا، بمتحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية، قصر الحاج أحمد باي بقسنطينة.
تمـارس النسج على الطريقة التقليدية للمحافظة عليه من الاندثار
أبهرت السيدة ذهبية سوداني، حرفية متخصصة في صناعة القشابية، الحضور في معرض فوقفوا طويلا لمشاهدة براعتها في استخدام المغزل، و"القرداش" لنسج الصوف، كما اجتمع آخرون حولها يصورون طريقة عملها وكأنها عائدة من زمن غابر، خصوصا بعد أن استحوذت الآلات الميكانيكية الحديثة على المشهد.
السيدة متعددة المواهب كانت تضع أيضا أمامها "طاجين" تشكله من الطين في طور الإنجاز، وهو ما أثار إعجاب الكثيرين خصوصا الشباب الذين تعرفوا على هذه المهارات لأول مرة.

قالت لنا، إنها تستخدم أدوات نسيج يدوية قديمة كالمشط، "القرداش"، "لخلالة، و"النغاد"، بالإضافة إلى تقنيات تعلمتها من أجدادها في نسج "القشابية" التي ترفض اقتناءها بل تفضل أن تتفنن في صناعتها بيديها بالرغم من صعوبة العمل.
وقد شرحت لنا الحاجة ذهبية ببشاشة طريقة نسجها للقشابية، كما أجابت باستمتاع عن استفسارات الشابات اللواتي وقفن يسألنها عن معنى بعض العبارات القديمة التي كانت تنطق بها، وكذا وظيفة كل أداة تستخدمها في هذه العملية، كانت تستعمل لغة غريبة عن هذا الجيل لدرجة أن المستمعين لشرحها كانوا بحاجة لترجمة كلمات نطقت بها مثل "القيام"، و"الملزم" وهي تصف قطعتين من الحديد تستخدمها لتمرير الخيط من أجل النسج.
واصلت استعراض أسلوب العمل قائلة :" تساعدني امرأة أخرى في تمرير الخيط، بعدها أخيطها على لوحات خشبية بها ثقوب تُدعى "السداية"، وأوضحت أن هذه العملية تعتمد على قياسات مضبوطة سواء بالنسبة للرجل أو المرأة، بالإضافة إلى اختيار صوف ذات جودة تكون قد جُزت لتوها و تأتي كاملة وصافية، وفقا للحرفية.
عرضت الحاجة ذهبية كذلك، عينات صنعتها بيديها بألوان وزخارف ومقاسات متنوعة، وفي ردها عن السر الذي يجعلها تتمسك بهذه الصناعة منذ ما يقارب الست سنوات عبرت، بأن هذا العمل الذي يعد جزءا من هويتنا أصبح نادرا جدا، لذلك هي تصر على الاستمرار فيه حتى تحافظ عليه، خصوصا وأن الوسائل القديمة المستخدمة أصبحت غائبة عن السوق.وفي هذا السياق، دعت الحرفية المتخصصة في صناعة القشابية، إلى دعم الحرفيين كونهم يحافظون على التراث الثقافي الجزائري، خصوصا الذين يعانون من وضعية هشة.
وقياسا على المعارض التي حضرتها، أفادت بأنها لمست اهتماما كبيرا بصناعة القشابية على الطريقة التقليدية، فالزوار يسألونها عن تفاصيل هذه الصنعة مبدين اهتماما بالتعرف عليها.
يحتفظ بقطع أثرية ثمينة لينعش الذاكرة
خلال تواجدنا في المتحف، لفتت انتباهنا زاوية تحمل عطر ماض جميل كانت مزينة بأدوات عتيقة صُفت إلى جانب بعضها البعض بشكل مرتب بحيث تحيل كل قطعة منها إلى حقبة زمنية مختلفة، ومن خلال معاينتنا للمكان رأينا أواني مصنوعة من الفخار، الحطب، والنحاس، والحجر، والحلفاء، مثل "القصعة، الزير، السلة، القدر، والمطحنة".

علمنا بأنها مُلك لهاوي جمع قطع وتحف قديمة، هو أمين عام جمعية أصدقاء المتحف الوطني، إبراهيم لازري، الذي أوضح لنا خلال حديثه معنا، أنه يحب جمع كل ما هو قديم من خلال البحث أو السفر لاقتناء التحف من أصحابها، مثل المطحنة التي أحضرها من "إيشمول" ولاية باتنة، كما يوجد أصحاب قطع أثرية قديمة وثقوا به وأمنوه عليها ليعيد إليها قيمتها من خلال عرضها في المتاحف.
يضيف محدثنا، أن هذه الأواني القديمة استخدمها من سكنوا قسنطينة في حقب مضت من الرومان، إلى النوميديين، وقد حول منزله إلى متحف أثري لجمعها وعرضها، فضلا عن المعرض الذي يقيمه في قصر الحاج أحمد باي.
وعقب، بأنه لا يسمح للناس بزيارة متحفه المنزلي خشية أن تتعرض قطعه للسرقة، وحفاظا عليها يتجنب أيضا المنشورات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعرض آثارا قديمة، فيحرص على ألا ينشر صورا لمقتنياته، ولا يبيعها حتى لا تسرق وتنسب لثقافات أخرى أو بالأخرى تراث الغير، بل على العكس من ذلك يحاول شراء كل ما يقع عليه من تحف يعرف قيمتها المعنوية و خصوصيتها الثقافية.

وقد علق على الأمر قائلا: " لا أتركها في أيد لا تقدر قيمتها، أو تُهربها إلى جهات أخرى تضر بلادنا وتحاول أن تستولي على تراثها وثقافتها". موضحا، أنه يسمح لطلبة التاريخ، والآثار والهندسة بزيارة معرضه بمتحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية قصر الحاج أحمد باي بقسنطينة أين رافقنا في جولة بين أرجائه حيث لاحظنا وجود قطع قديمة جدا مثل أدوات نحاسية تُستخدم في الحمام على غرار "القبقاب" الخشب والكؤوس النحاسية الجميلة، فضلا عن آنية حديدية صغيرة للقهوة "الجزوة"، إلى جانب "قطار" نحاسي، وتشكيلة من الأزياء التقليدية النسائية والرجالية التي تعكس المهارة الحرفية. واعتبر لازري، أن استمرارية استخدام هذه الأواني في ديكور المنازل، أو حتى في الطبخ، وحفظ بعض الأغذية يعود لجماليتها خصوصا وأنها مصنوعة بطريقة يدوية تقليدية تجعل منها تحفة فنية، بالإضافة إلى أن الأواني المصنوعة من الفخار صحية لأنها صُنعت من مواد طبيعية وهي مقاومة للزمن.
إ.ك

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com