92 بالمئة من حوادث المرور ترجع لعامل بشري والردع هو الحل
* الخروج من حالة الغلق رفع من حوادث المرور هذا الصيف
يؤكد الخبير الدولي في السلامة المرورية، امحمد كواش، أن ارتفاع حوادث المرور هذا الصيف بالذات له أسباب خاصة مرتبطة بخصوصية هذا الموسم، الذي جاء بعد غلق لعامين بسبب جائحة كورونا، وهو ما جعل التنقل كثيفا في كل الاتجاهات بسبب التعطش المتراكم لدى المواطنين، لكنه يشدد على أن حوادث المرور ظاهرة اجتماعية تطورت في المدة الأخيرة عندنا للأسف إلى ما يسمى «الإبادة الأسرية « بسبب التهور البشري أولا ووضعية الطرقات وعدم صيانة المركبات في المقام الثاني.
حوار: إلياس بوملطة
* النصر: نلاحظ ازدياد حوادث المرور بشكل ملحوظ في فصل الصيف، هل هناك علاقة بين هذا الفصل وارتفاع حوادث المرور؟ وكيف؟
الخبير امحمد كواش: كمقدمة للموضوع أقول أن الجزائر تعرف كل سنة أربع ذروات لحوادث المرور، ذروة الدخول المدرسي والدخول الاجتماعي، ذروة التقلبات الجوية، ذروة شهر رمضان، و أعلى نسبة من حوادث المرور تسجل في ذروة فصل الصيف.
حوادث المرور هي ظاهرة اجتماعية تطورت في المجتمع من مخالفة مرورية إلى عنف مروري ثم إلى إجرام مروري و أكثر من ذلك إرهاب الطرقات ثم أصبحنا نتكلم عن المجازر المرورية، وفي الآونة الأخيرة سجلنا ما يعرف «بالإبادة الأسرية»، نعم وذلك لأن طبيعة فصل الصيف تكون مختلفة عن فصل الشتاء.
فالتنقل في الصيف يكون جماعيا في الغالب سواء لزيارة الأماكن، أو للتوجه إلى الأماكن السياحية وأماكن الاصطياف، وهذا ما يجمع كل أفراد الأسرة في مركبة واحدة، وقد شاهدنا الكثير من الدفاتر الأسرية أغلقت بفعل حوادث المرور.
بالنسبة لأسباب حوادث المرور في فصل الصيف هناك عوامل ثابتة وأخرى متغيرة، بالنسبة للعوامل المتغيرة فهي تكمن في خصوصية هذا الصيف الذي كان مختلفا عن المواسم السابقة، أولا عشنا سنتين في ظل جائحة كورونا حيث كان هناك توقف في التنقل بين الولايات، وتوقف في زيارة الأماكن السياحية، ففي مثل هذا الوقت من الصائفة الماضية كانت كل الشواطئ مغلقة.
وبالتالي هناك اليوم تعطش وكبت كبير لدى المواطن الجزائري على غرار ما هو موجود في كل دول العالم، و منه سجل هذه السنة توافد كبير جدا للمواطنين على الأماكن السياحية أو للزيارات العائلية، فكل ما كانت هناك زيادة في مستويات التنقل لدى المواطن تكون احتمالية وقوع حوادث مرتفعة.
أما بالنسبة للعوامل الثابتة فهي موجودة كل سنة، فالسبب الأول مرتبط بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي في فصل الصيف، وكما يعلم الجميع فإن الكثير من المحاصيل الزراعية تقطف في فصل الصيف، وبالتالي هناك نشاط اقتصادي معتبر، والسائقون في ظل الطلب المتزايد للسوق يعملون على توصيل البضاعة ليلا ونهارا، غير مبالين بظروف التنقل سواء بالنسبة للتعب و الإرهاق، السياقة الليلية، السياقة للمسافات الطويلة ونصف الطويلة، وكلها عوامل تزيد في احتمال وقوع حوادث المرور.
أضف إلى ذلك النشاطات الاجتماعية التي تكون كثيفة جدا في فصل الصيف مثل تنقل العائلات للزيارات العائلية ، الأفراح المناسبات أو التوافد على أماكن الاصطياف.
وهناك أيضا ما يحلو لي أن أسميه «هيستريا حوادث الزفاف» بما فيها من سرعة وتهور والتجاوزات والمناورات الخطيرة، وكلها عوامل تحول هذه الأفراح في بعض الأحيان إلى مآتم.
فصل الصيف أيضا مرتبط بالسياقة في أماكن الاصطياف المرهونة بالإزدحامات المرورية والسياقة في حالة سكر، بالنسبة للازدحام المروري خاصة إذا طال من حيث الزمن فإنه يشحن سلبا السائق بالقلق والتوتر والاكتئاب والتأخر، وبالتالي بعد فتح حركة المرور يحاول السائق استرجاع الوقت الضائع، وهذا يكون على حساب السلامة المرورية بسبب السرعة المفرطة والتجاوز الخطير واللامبالاة.
فضلا عما سبق فإن الحرارة المرتفعة في فصل الصيف لها تأثير مباشر على السائق وعلى المركبة، بحيث أن السائق الذي يتنقل في حرارة شديدة أكيد يصاب بالإرهاق الشديد والعطش ومستويات التحكم لديه والفعل ورد الفعل، تصبح منخفضة جدا بسبب القلق والتعب والعطش وغيره.
وللحرارة أيضا تأثير مباشر على المركبة وأدائها، وعلى العجلات والأجزاء الالكترونية في المركبة، وقد وقفنا على حوادث من قبيل انفجار العجلات أو احتراق المركبات أو اندلاع شرارة كهربائية داخل المركبات.
وفصل الصيف أيضا مرتبط باستعمال الدراجة سواء الدراجة الهوائية لدى الأطفال أو الدراجة النارية لدى الشباب بشكل مفرط، وقد رأينا موجات من الشباب متوجيهن نحو البحر دون مراعاة شروط التنقل سواء بالنسبة للسرعة ووسائل الحماية وحتى دون إنارة.
السياقة الليلية في فصل الصيف لها دور كبير كذلك في حوادث المرور، بفعل عدم الخبرة في السياقة ليلا، كما أن لها خطورة كبيرة بفعل نقص الرؤية والتعب والتخوف وغيرها، كما تزداد حوادث المرور عند الأطفال في الصيف بسبب إهمال الأولياء، أو ما يعرف بالأطفال الباعة الذين ينتشرون على حواف الطرقات خاصة السريعة منها.
* النصر : ما مدى مساهمة وضعية الطرق ووضعية المركبات في نسبة الحوادث المسجلة؟
الخبير امحمد كواش: حوادث المرور عامة لديها أربعة عوامل أساسية، العامل البشري، عامل المركبة أي حالة المركبة، عامل الطريق أي حالة الطريق، وأخيرا الظروف المناخية، بالنسبة لوضعية الطرق فهو أمر مهم جدا، وللأسف الكثير من طرقنا سواء الولائية منها أو البلدية وحتى بالنسبة للطريق السيار تحتوي على الكثير من النقاط السوداء التي تعتبر مكانا لتكرار الحوادث.
وأكيد كلما كانت الطريق سيئة، وبها المنحدرات والمنعرجات الخطيرة، ووضعية الزفت غير جيدة، وتشكل بعض الحفر الخطيرة جدا تكون مصدرا خطيرا خاصة في حال السرعة الكبيرة، وهناك مثلا منحدر الجباحية بالبويرة، ومنحدر الأربعطاش بولاية بومرداس، ومنحدر خميس مليانة بعين الدفلى، و كلها نقاط سوداء تترصد أرواح الجزائريين بشكل متواصل، بفعل زاوية الانحدار الخطيرة التي توجد عليها خاصة منحدر الجباحية.
نعم للطريق دور مهم في حوادث المرور خاصة بالنسبة للغرباء الذين لا يعرفون المنطقة و الذين لا يراعون مقتضيات السياقة الحذرة.
بالنسبة للمركبة لها هي الأخرى دور كبير في حوادث المرور وكما يلاحظ الجميع هناك تكرار لحوادث الحافلات والشاحنات بشكل متواصل جدا، وهنا نقول أن المركبات للأسف لا تخضع للصيانة الدورية بل تخضع فقط للمراقبة التقنية وللفحص الميكانيكي عندما يظهر عطب ما.
ولهذا قلنا أن من أهم أسباب حوادث المرور هي الأعطاب الميكانيكية الناتجة عن عدم صيانة المكابح، أو نظام العجلات أو المحرك أو نظام التوازن، وبالتالي قد يتحول الأمر إلى كارثة.
وبالنظر للأزمة الاقتصادية التي تمر بها كل دول العالم وفي ظل غلاء قطع الغيار فقد شجع ذلك بعض المواطنين على عدم صيانة مركباتهم أو عدم تغيير قطع الغيار أو اللجوء إلى قطع مستعملة أو مقلدة وهذا يزيد من احتمال وقوع الحوادث.
* النصر : السبب الأول في حوادث المرور بالجزائر هو العامل البشري، برأيكم كيف يمكن ردع تهور بعض السائقين؟
الخبير امحمد كواش: العامل البشري يمثل بالفعل نسبة 92 من المائة أو أكثر من حوادث المرور، صحيح أن العوامل سالفة الذكر لها دور في حوادث المرور لكن العامل البشري هو العامل الرئيسي فيها، السائق الوقائي هو من يقدر حالته الجسدية والنفسية و من يقدر حالة المركبة التي يستعملها، وهو من يقدر حالة الطريق الذي يسير عليه، و يقدر الظروف المناخية، ومما سبق يظهر أن العامل البشري هو من يتحكم في كل الظروف المذكورة.
* النصر : كيف نردع السائق المتهور؟
الخبير امحمد كواش: يجب أن نردع الأشخاص المصرين على المخالفات المرورية، فالسائر في طرقاتنا يرى مختلف أنواع السيارات، لكن في الغالب أصبحنا نرى أنواعا من السائقين، بمعنى السائق المتهور، العدواني، العنيف، المتردد، السائق مشتت الذهن كأنه غائب في الطرقات.
ولهذا فإن أساليب الردع هي الحل الوحيد لترصد هؤلاء الذين يرمون بأنفسهم وبالآخرين إلى التهلكة، ويكون ذلك أولا من خلال نقاط المراقبة، ومن خلال الكاميرات وحتى بالنسبة لطائرات الدرون التي لها دور كبير جدا، دون أن ننسى الدور المهم جدا لمساهمة المجتمع المدني كما رأينا من خلال تصوير بعض الفيديوهات التي رصدت المخالفين والمتهورين.
الردع إذن مهم جدا ويكون أيضا من خلال سحب رخصة السياقة بالتنقيط وهو رائع جدا، لأنه أسلوب بيداغوجي تربوي تكويني ردعي، كيف؟ لأن السائق الذي يرتكب مخالفة معينة وتسحب منه نقاط فإذا التزم مدة معينة يسترجع هذه النقاط ، أما السائق الذي يكرر المخالفات وتكون من الدرجة الثالثة والرابعة أكيد سوف تسحب منه رخصة السياقة بشكل سريع جدا، وبالتالي إما أن تسحب نهائيا أو يخضع لتكوين مرة ثانية.
في الأخير أقول إن الدول المتقدمة ليست متقدمة تلقائيا، لكن الصرامة في تطبيق القانون هي من تفرض النظام، وبالتالي الردع هو أسلوب ممتاز لمواجهة المخالفين.
شخصيا ومن منطلق كوني خبيرا دوليا في السلامة المرورية فقد ألفت موسوعة في مجال السلامة المرورية، وحضرت دراسة عبارة عن حلول استعجالية وعملية وتطبيقية لمواجهة حوادث المرور في بلادنا، وقد وجهت نسخة منها لرئاسة الجمهورية وأخرى للبرلمان وأنتظر الرد.
كما وضعت بطاقة الأولى من نوعها في العالم تسمى «بطاقة التحري» في حوادث المرور وفيها يتم تحليل الأسباب الرئيسية والعميقة لحوادث المرور لأن مصالح الأمن تسجل فقط الأسباب الظاهرة مثل السرعة المفرطة التجاوز الخطير، والمناورات الخطيرة وعدم السيطرة إلى آخره.
لكن يجب التحري العميق للوصول إلى الأسباب الحقيقية، وكمثال فقط على ما وضعته في بطاقة التحري، عمر السائق، مستواه الثقافي، من أين حصل على رخصة السياقة، خبرته في السياقة، علاقته بالمركبة، علاقته بالمنطقة التي يسوق فيها، مدة سياقته، حالته الاجتماعية، كل هذه الأسئلة وضعتها تحت تصرف السلطات المعنية من أجل حقن دماء الجزائريين.
إ. ب