يبرز اسم جيفري مارسي، كأحد العلماء المبدعين الذين أسهموا بشكل كبير في توسيع حدود معرفتنا عن الكواكب الخارجية، فقد قاد عالم الفلك الأمريكي العديد من الاكتشافات الرائدة في مجال الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى، ويعتبر واحدا من أبرز العلماء الذين ساعدوا في إطلاق ثورة جديدة في علم الفضاء، وهي تجربة يتحدث عنها ويكشف انطلاقا منها تصوره للطريقة التي يمكن بها للجزائر أن تستفيد من فرص التعاون العملي في مشاريع الفضاء و العلوم الكبرى.
يتحدث جيفري مارسي مدير معهد الليزر الفضائي «كاليفورنيا»، بالولايات المتحدة الأمريكية، في هذا الحوار مع النصر، عن مستقبل استكشاف الفضاء، ومشاريع الفضاء والعلوم الكبرى التي تساهم في تقدم البشرية و كيف يمكننا أن ننشئ جيلا محبا لعلم الفلك.
يفصل أيضا، العالم الذي تمكن رفقة فريقه من اكتشاف أكثر من 70 كوكبا خارجيا، في قضية إمكانية وجود الحياة في كواكب أخرى.
النصر: تتواجد في الجزائر للمشاركة في فعالية علمية خاصة بالتلاميذ و الطلبة، فكيف يمكننا تحفيز الجيلين الحالي والقادم على الاهتمام بعلوم الفلك والفيزياء منذ سن مبكرة؟
ـ جيفري مارسي: أفضل طريقة لإثارة وتحفيز الأطفال للاهتمام بمجلات العلوم، كالبيولوجيا والكيمياء والفيزياء وعلم الفلك وعلم الأرض، هي تعزيز فضولهم وتوفير تجارب تعليمية مشوقة لهم، حيث يمكننا على سبيل المثال، أن نعرض لهم خصوصية الطبيعة في وادي قسنطينة، ونعرفهم على أسماء و وظائف النجوم، والأشياء التي تعمل بطرق غريبة وتحتوي على فيزياء مثيرة مثل العجلات أو الألعاب.
ماهي الطرق الفعالة لجعل الفيزياء والفلك مواضيع ممتعة وجذابة لمن يعتبرونها صعبة أو مقعدة؟
أهم شيء لجعل الناس مهتمين بالفيزياء أو علم الفلك هو طرح أسئلة مثيرة للاهتمام للأطفال حول كيفية عمل الآلات أو كيفية عمل الألعاب وتشجيعهم على النظر إلى السماء في الليل، والتعرف على الأجسام المثيرة للاهتمام مثل الكواكب والنجوم التي يمكن أن يثير فضولهم، كما يمكن أيضا استخدام التلسكوب لرصد هذه الأجسام السماوية، بما يعزز لديهم حب التجربة والشغف للفهم .
ويمكن الاعتماد على نفس الأسلوب بالنسبة للشباب، فمن الضروري تعزيز فضولهم وتشجيعهم على اكتشاف الأشياء بأنفسهم.
كيف يمكن لعلم الفلك أن يحفز الأطفال والشباب على الاهتمام بالعلوم الأخرى مثل الرياضيات و الفيزياء والكيمياء؟
من المثير جدا أن علم الفلك يجذب الكثير من الناس، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجرات والثقوب السوداء والانفجار العظيم، في كثير من الأحيان يصبح الأطفال مفتونين بعلم الفلك ويدركون أنهم بحاجة إلى التعليم في الرياضيات والفيزياء والكيمياء لفهم الكون، لذلك يعتبر علم الفلك دافعا قويا للطلاب لتعلم المزيد عن العلوم.
كيف يمكن للآباء والأساتذة، أن يشجعوا التلاميذ على حب مجال الفلك والفيزياء خارج أقسام الدراسة؟
أعتقد أنها فكرة جيدة جدا أن نخرج إلى الطبيعة في نزهات، لنرى النباتات والأشجار و الوديان و الصخور وطبعا السماء في الليل، ومن المفيد أن يطرح الآباء على أطفالهم أسئلة من قبيل كيف يعمل هذا النبات؟، ولماذا لهذا النبات زهرة؟، أو لماذا يأكل هذا الحيوان هذا النبات بينما الحيوانات الأخرى تأكل الحيوانات؟، أو كيف تشكلت الوديان في قسنطينة؟
هذه الأسئلة المثيرة للاهتمام حول كيفية تفاعل الأنهار والصخور والمناظر الطبيعية معاً لتشكيل الجغرافيا، تشجعهم على طرح محاولة الفهم بطريقة أعمق و البحث عن أجوبة لأفكار حول الأرض والفيزياء والكون.
ما هي برأيك الأهمية الكبرى للفيزياء وعلم الفلك في عالم يتطور بسرعة من الناحية التكنولوجية والعلمية؟
ما هو رائع حقًا هو أنه عندما يصبح الشباب مهتما بعلم الفلك والفيزياء يمكنه تحقيق أي مسار مهني في الحياة، مثل أن يصبح الفرد مهندسا أو طبيبا أو مصمم برمجيات، أو باحثا في مجالات الصحة والأدوية الجديدة.
من خلال تعلم الرياضيات والفيزياء وتنمية اهتمامهم بعلم الفلك، يمكن للشباب الاستفادة من التكنولوجيا والتوجه نحو أي مجال يساعد المجتمع، فعلم الفلك والفيزياء لا يقتصران على دراسة النجوم والكواكب فقط، بل يوفران أساسا قويا لفهم العالم من حولنا، وهذا الفهم يمكن من استخدام المهارات التي يكتسبونها في هذه المجالات لتطوير تقنيات جديدة، وإجراء أبحاث طبية، أو حتى تصميم الحلول التي تحسن من حياة البشر. بالتالي، عندما يمتلك الشاب معرفة في الرياضيات والفيزياء، ويكون لديه اهتمام بعلم الفلك، فإن الفرص المتاحة له لا حدود لها، ويمكنه المساهمة في تقدم المجتمع بطرق مختلفة.
كيف يمكن للفيزياء والفلك أن يساعدا في مواجهة بعض التحديات الكبرى للبشرية، مثل تغير المناخ والطاقة النظيفة واستكشاف الفضاء؟
نحتاج طبعا إلى الفيزياء لحل مشكلات العصر مثل تغير المناخ واحتياجات الطاقة، لأننا نعيش في هذا المناخ ونستهلك الطاقة، وفي الوقت نفسه نلوث الغلاف الجوي بكميات كبيرة من الكربون والغازات الدفيئة الأخرى.
وإذا أردنا معالجة هذه المشكلات، فيجب أن نفهم التقنيات التي يمكننا تطويرها لوقف انبعاث الغازات الدفيئة التي تزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري، يمكن للفيزياء أن تساعدنا في ذلك، كما أن لها دورا مهما في مجال الطاقة.
ومن وجهة نظري، يمكننا حل هاتين المشكلتين إذا بدأنا في استخدام المزيد من الطاقة النووية، لأنها لا تلوث الغلاف الجوي ولا تنتج غازات دفيئة عند استخدامها، مع ذلك يجب أن تكون محطات الطاقة النووية آمنة، وهو أمر يستطيع الإنسان تحقيقه عن طريق العلم.
حدثنا أكثـر عن مستقبل علم الفضاء؟
هناك اتجاهان رئيسيان لاستكشاف الفضاء، الأول هو أن البشر سيعودون إلى القمر و سيشارك أشخاص من دول مختلفة مثل الولايات المتحدة وفرنسا والجزائر وروسيا والصين والمملكة المتحدة، إضافة إلى اليابان وغيرها في هذه المهمة لاستكشاف القمر، بعضهم سيبقى على القمر بينما سيستعد آخرون للذهاب إلى المريخ و سيكون هذا إنجازا ضخما.
أما الاتجاه الثاني فهو استكشاف الفضاء باستخدام الروبوتات، حيث من الأسهل كثيرا إرسال الآلات التي تحتوي على كاميرات وأجهزة استشعار لدراسة الجيوفيزياء وتحليل الغلاف الجوي للكواكب، و يمكن لهذه الروبوتات أن تساعدنا على تعلم المزيد عن أصل وتكوين الكواكب، وفي النهاية سيعتمد استكشاف الفضاء بشكل كبير على الطائرات بدون طيار «الدرونز» و»الروبوتات».
كيف يمكن للجزائر الاستفادة من التعاون الدولي والمشاركة في مشاريع الفضاء والعلوم الكبرى التي تساهم في تقدم البشرية؟
تمتلك الجزائر فرصة هامة للتعاون مع دول مثل روسيا والولايات المتحدة واليابان وبلدان أوروبا، بالإضافة إلى بقية الدول الإفريقية الأخرى، فقد أصبح التعاون في عصرنا الحالي، ممكنا جدا في مجالات مثل الفضاء والعلوم والتكنولوجيا، وهو أيضا أمر بالغ الأهمية لتحقيق التقدم والتطور.
إن التحديات العلمية الكبيرة التي نواجهها اليوم، مثل استكشاف الفضاء وتغير المناخ والطاقة النظيفة، تتطلب مشاركة جماعية لباحثين من جميع أنحاء العالم، وتعد المشاريع العلمية الكبرى، مثل رحلات الفضاء المشتركة، وتطوير التقنيات الحديثة واكتشافات الفضاء، من المجالات التي يمكن للجزائر أن تساهم فيها بشكل كبير، و يمكن أن تُسهم الجزائر أيضا في هذه المشاريع من خلال إرسال الفيزيائيين وعلماء الفلك والمهندسين للتعاون في البحث والتطوير، والعمل مع الفرق الدولية لتطوير الحلول.
كما أن مشاركة الجزائر في هذه المشاريع العالمية لا تقتصر فقط على تقديم الموارد البشرية، ولكن يمكن أن تكون أيضا فرصة لتعزيز البحث العلمي المحلي وتطوير البنية التحتية للعلوم والتكنولوجيا محليا، ويمكن لبلادكم أن تبني شراكات إستراتيجية مع دول أخرى، وتساهم بشكل فعال في تحقيق تقدم علمي عالمي.
لينة دلول